الفصل الخامس عشر:العبور من الصليب إلى القيامة

الفصل الخامس عشر
العبور من الصليب إلى القيامة

يوم القيامة، راح تلميذان من أورشليم وتوجَّها إلى عمّاوس. مسيرة ستَّة عشر كيلومترًا. لا مجال للبقاء مع الآخرين. حالة لا تطاق. ثلاث سنوات قضيناها مع المعلِّم. كان قديرًا بالقول والعمل. والآن انتهى كلُّ شيء. لماذا نبقى معًا في هذه العلِّيَّة؟ وما الفائدة من هذه المغامرة التي جعلتنا نترك كلَّ شيء ونمضي مع يسوع؟ كنّا ننتظر! والآن ما عدنا ننتظر شيئًا. ذاك ما قال كليوبَّاس لرفيقه. لا شكَّ تلميذان بين السبعين الذين «أرسلهم يسوع اثنين اثنين أمام وجهه إلى كلِّ مدينة وموضع...» (لو 10: 1). ولكنَّ هذين يسيران بلا هدف. هو الهرب إلى الأمام... وصولاً إلى الليل (لو 24: 29).
ولكنَّ «نور العالم» (يو 8: 12) كان معهما، ولكن «أُمسكت أعينُهما عن معرفته» (لو 24: 16). عبَّرا عن حزنهما، فاستمع إليهما وكأنَّ الخبر يصل إليه للمرَّة الأولى. وفي النهاية قال لهما: «أيُّها الغبيَّان والبطيئا القلب في الإيمان بجميع ما تكلَّم به الأنبياء! أما كان ينبغي على المسيح أن يتألَّم بهذا ويدخل في مجده؟» (آ25-26). «كان ينبغي»! ما هذا القول؟ ولماذا يكون الألـمُ الطريقَ إلى المجد؟ أفهِمنا هذا يا يسوع. هما شابها السامريَّة التي دعاها يسوع إلى الماء الحقيقيّ فهتفت: «يا سيِّد، أعطني هذا الماء لكي لا أعطش...» (يو 4: 5). كما شابها أولئك الذين أكلوا وشبعوا: «يا سيِّد، أعطنا في كلِّ حين هذا الخبز» (يو 6: 34). وهذان التلميذان طلبا أن يفهما. ونحن نكون معهما، مع كليوبّاس زوج مريم التي كانت عند الصليب. بل يكون كلُّ واحد منّا رفيق كليوبّاس فيسمع الدرس من يسوع، فنشبه رفيق أندراوس: معًا «تبعا يسوع» (يو 1: 35). «ومكثا عنده ذلك اليوم، وكان نحو الساعة العاشرة» (آ39، أي الرابعة بعد الظهر). تلميذان رافقا يسوع في بداية المهمَّة، وتلميذان يرافقان يسوع في الطريق من أورشليم إلى عمّاوس.

1-    كنّا نرجو
بعد أن قال كليوبّاس ما قال، أنهى كلامه: «كنّا نرجو أنَّه هو المزمع أن يفدي إسرائيل» (لو 24: 21). ذاك ما يكون عمل المسيح. ذاك الذي «مسحه» الربُّ كما يُمسَح الملوك، وقال له في المعموديَّة: «أنت ابني الحبيب الذي به سررتُ» (مر 1: 11). وقالت نسخة من إنجيل لوقا: «أنت ابني الحبيب، أنا اليوم ولدتُك» (22:3). ذاك كان الكلام الذي فيه يُعلن الله، بفم النبيّ، أنَّه اختار ملكًا على شعبه، على ما نقرأ في المزمور الثاني: «إنِّي أخبر من جهة قضاء الربّ. قال لي: أنت ابني، أنا اليوم ولدتُك. اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك وأقاصي الأرض ملكًا لك» (آ7-8). وكان المرتِّل سبق فأورد كلام الله: «أنا مسحتُ ملكي على صهيون، جبل قدسي» (آ6). ولكنَّ هذا الملك لن يكون على تلَّة صيهون، أو التلَّة المصونة (كما في الأصل، ص ي و ن) حيث الهيكل وقصر الملك، بل على تلَّة أخرى، على جبل الجلجلة. ذاك هو الملك، يسوع المسيح. هل نحن مستعدُّون للذهاب إلى هناك، أم نكتفي بأن نرافقه فقط يوم الشعانين. نهتف له مع الهاتفين: «مبارك الملك الآتي باسم الربّ» (لو 19: 38). أمّا مواصلة الطريق مثل سمعان القيروانيّ الذي حمل الصليب خلف يسوع (لو 23: 26) فأمر آخر.
ماذا طلب يعقوب ويوحنّا (مر 10: 35-37). أو ماذا طلبت أمُّهما: «قلْ أن يجلس ابناي هذان الواحد عن يمينك والآخر عن يسارك في ملكوتك» (مت 20: 21). فسالومة، والدة يعقوب ويوحنّا، التي كانت عند الصليب مع أمِّ يسوع (يو 19: 25) والتي يذكرها مرقس (16: 1) مع مريم المجدليَّة ومريم أمِّ يعقوب، أخي الربّ، اعتبرت أنَّ لها دالَّة على ابن أختها، فطلبت ما طلبَتْ. ولكنَّ التلاميذ والتلميذات هم في وادٍ ويسوع هو في وادٍ آخر. هم ينظرون إلى المجد الذي ينتظر ذاك «المعلِّم». أمّا هو فيتحدَّث في الرمز عن الآلام والموت: «الصبغة»، أي المعموديَّة، أي الغطس في الآلام. «الكأس»، هي كأس الموت التي ذكرها يسوع في بستان الزيتون: «يا أبَّا، الآب، كلُّ شيء مستطاع لك. فأجزْ عنِّي هذه الكأس» (مر 14: 26).
وعدم الفهم لم يكن خاصًّا بابني زبدى ووالدتهما، بل بالرسل كلِّهم. قال مر 10: 41: «ولمّا سمع العشرة ابتدأوا يغتاظون من أجل يعقوب ويوحنّا». كأنَّهم قالوا: «هما وحدهما، ونحن، ما تكون حصَّتنا!» ولو نعرف متى كان طلب ابني زبدى؟ إذ كان يسوع ينبئ بموته وقيامته: «وكانوا في الطريق صاعدين إلى أورشليم ويتقدَّمهم يسوع (هو سائر باندفاع إلى ما ينتظره، وهم متردِّدون). وكانوا يتحيَّرون (هل يرافقونه أم لا؟)، وفيما هم يتبعونه كانوا يخافون (ممّا سيحصل). فأخذ الاثني عشر أيضًا وابتدأ يقول لهم عمّا سيحدث له: ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الإنسان يُسلَم إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكمون عليه بالموت، ويسلِّمونه إلى الأمم، فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم» (مر 10: 32-36). هل فهموا مقال الربّ؟ كلاّ. خصوصًا أنَّهم لم يصلوا إلى العبارة الأخيرة: «وفي اليوم الثالث يقوم». والدليل على ذلك، تصرُّف بطرس بعد أوَّل إنباء بالآلام.
بطرس اعترف بيسوع على أنَّه المسيح (مر 8: 27). وهنَّأه يسوع، لأنَّ لا لحم ولا دم أعلن له ذلك، بل «أبي الذي في السماوات» (مت 16: 17). ولكن عن أيِّ مسيح تكلَّم بطرس؟ لا ذاك الذي يتألَّم، بل ذاك الذي يصل إلى المجد دون المرور في الألم والموت. والبرهان؟ بعد هذا «الاعتراف»، «ابتدأ يسوع يُظهر لتلاميذه أنَّه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألَّم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويُقتَل، وفي اليوم الثالث يقوم» (آ21). هذا غير مقبول. طريق الله غير مقبولة! أفكار الربِّ غير مقبولة! ولكنَّ إشعيا يقول: «طرقي غير طرقكم وأفكاري غير أفكاركم» (55: 9). وأنت يا بطرس ماذا تقول؟
«ابتدأ» يسوع. والآن «ابتدأ» بطرس. الفرق شاسع بين بداية وبداية. هناك ذاك الصاعد إلى أورشليم والعارف بما ينتظره، وذاك الذي يضع العوائق فيدعوه يسوع: «أيا شيطان!». ولماذا؟ يقول متّى: «فأخذه (= أخذ يسوع) بطرس إليه على حدة لينبِّهه إلى الخطأ الكبير الذي يقع فيه. إلى أين يقود هذه الجماعة؟! وابتدأ ينتهره (كلمة قاسية. أتجسر يا بطرس أن تتكلَّم هكذا مع يسوع؟) قائلاً: «حاشا لك يا ربّ! لا يكون لك هذا!». فالتفت (يسوع) وقال لبطرس: «اذهب عنِّي يا شيطان! أنت معثرة لي، لأنَّك لا تهتمُّ بما لله لكن بما للناس» (آ26-27).

2-    كلَّمهما يسوع في الطريق
استمعَ إليهما يسوع طويلاً وهما يرويان سيرة حياته هو «وكيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكّامنا لقضاء الموت وصلبوه» (لو 24: 19). ويعود هنا أيضًا فعل «ابتدأ». بعد أن أعلن لهم الآلام قبل المجد «ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسِّر لهما الأمور المختصَّة به في جميع الكتب» (آ27).
قرأ معهما أوَّل ما قرأ مز 22: «إلهي، إلهي، لماذا تركتني، (لبثتَ) بعيدًا عن خلاصي، عن كلام زفيري. إلهي، في النهار أدعو فلا تستجيب، وفي الليل أدعو فلا تحرِّك ساكنًا» (آ2-3). هو المزمور الذي ردَّده يسوع على الصليب فجعل فيه كلَّ آلام المعذَّبين، آلام الأبرياء الذين تركهم الجميع وهربوا، كما فعل التلاميذ مع يسوع (مر 14: 50). ويتواصل الكلام كما تمَّ في الأناجيل: «كلُّ الذين يرونني يستهزئون بي، يفغرون الشفاه ويخفضون الرأس قائلين: "اتَّكل على الربِّ فلينجِّه، لينقذه لأنَّه سُرَّ به (أو: إذا كان راضيًا عنه)"» (آ7-8). أما هذا الذي نقرأ عن يسوع؟ «وكان المجتازون يجدِّفون عليه (= على يسوع) وهم يهزُّون رؤوسهم قائلين: يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيَّام، خلِّصْ نفسك! إن كنتَ ابن الله، فانزل عن الصليب! وكذلك رؤساء الكهنة: "اتَّكل على الله، فلينقذه الآن إن أراده"» (مت 27: 39-43).
وفي مز 22: 16-17: «ثقبوا يديَّ ورجليَّ، وأُحصي (أنا) كلَّ عظامي. وهم ينظرون ويتفرَّسون فيَّ. يقتسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون». مثل هذه النصوص قرأها يسوع مع كليوبّاس ورفيقه. هو وجه الألم. ولكنَّ يسوع على الصليب لم يورد فقط آية واحدة («إلهي، إلهي»)، بل تلا المزمور كلَّه. فلا يمكن أن يتوقَّف الكلام عند الصليب، لكن يجب أن يصل إلى القيامة. لا يمكن أن نبقى في الآلام، بل ينبغي أن نصل إلى المجد، كما قال يسوع في صلاته قبل المضيِّ إلى الصليب: «أتت الساعة، مجِّدِ ابنك ليمجِّدك ابنك» . إنَّ يسوع يمجَّد حين تأتي الساعة، ساعة الموت.
وتابع يسوع تلاوة المزمور، لا على الصليب فقط، بل مع التلميذين السائرين في الطريق وهما حزينان: «أُخبر باسمك إخوتي، وفي وسط الجماعة أُسبِّحك، يا خائفي الربِّ سبِّحوه! مجِّدوه يا معشر ذرِّيَّة يعقوب» (مز 22: 22-23). ولماذا هذا النشيد؟ بسبب ما حصل لصفيِّ الله. فالله «نصر» ابنه. والله «أنقذ» وحيده. والله «خلَّص» يسوع المسيح. استجاب له حين «قدَّم بصراخ شديد ودموع، طلبات وتضرُّعات للقادر أن يخلِّصه من الموت، وسُمع له من أجل تقواه» (عب 5: 7). أجل، سُمع له. لا في الحال. فيسوع ما نزل عن الصليب لكي «يصفِّق» له الناس، ولا هو «طرح نفسه إلى أسفل» بعد أن «أوقفه (إبليس) على جناح الهيكل» (مت 4: 5). متى سُمع ليسوع؟ في القيامة. ذاك ما أعلنه بطرس منذ العنصرة: «أخذتموه... وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه» (أع 2: 23). هل بقي مصلوبًا؟ كلاّ. هل لبث في الموت؟ كلاّ. «أقامه الله ناقضًا أوجاع الموت» (آ24).

3-    عرفاه
بدأ قلب التلميذان يشتعل، يضطرم في داخلهما. مَن هو هذا الذي يكلِّمنا؟ صوته ليس بغريب عنّا. مع أنَّ كليوبَّاس اعتبره غريبًا (لو 24: 18) ولا يعلم ما علمه الجميع، خصوصًا ما حصل ليسوع في هذه الأيّام، في أورشليم: حركاته، تعوَّدنا عليها. لطفه، وداعته. من تراه هذا السائر معنا، القريب جدًّا منّا؟ فهو في أيِّ حال، وعدنا أن يكون معنا كلَّ الأيَّام حتّى نهاية العالم (مت 28: 20). لا، لا يمكن أن يكون تركَنا. ولكنَّه مات. نحن رأيناه مصلوبًا. نحن رأيناه يوضَع في القبر. نحن شاهدنا الحرّاس والختم على القبر. هل هو يسوع الناصريّ؟ ما تجرَّأا على القول. هما فرحان برفقته، بحديثه.
رأيناه مات. فكيف يقوم؟ وهل نصدِّق بعض النساء اللواتي أتين قائلات: «إنَّهنَّ رأين منظر ملائكة قالوا إنَّه حيّ» (لو 24: 22-23). كلام نساء! هكذا كانوا يقولون. ولكن في المسيح، لا رجل ولا امرأة. وفي أيِّ حال، كانت النسوة أكثر شجاعة من الرجال. رافقن يسوع حتّى الصليب، حتّى القبر. «وكانت مريم المجدليَّة ومريم أمُّ يوسى وأحد إخوة يسوع (زوجة كلاربا) تنظران أين وُضع» (مر 15: 47). ويروي لنا الإنجيل الرابع أنّ مريم هي التي مضت وأخبرت الرسل (يو 20: 2): «أخذوا السيِّد (أو: الربّ) من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه». لم يصدِّق كليوبَّاس ورفيقه أقوال النسوة، ولا أقوال الذين مضوا إلى القبر. قالا: «ومضى قوم من الذين معنا إلى القبر، فوجدوا هكذا كما قالت أيضًا النساء، أمّا هو فلم يروه» (لو 24: 24).
وعاد يسوع يشرح لرفيقيه نشيد إشعيا الرابع: «هوذا عبدي ينتصر (أو: ينجح، يزدهر)، يتعالى ويرتفع ويسمو جدًّا» (53: 13). وتأتي المقابلة التي تحرِّك الدهشة لدى الناس الذين رأوه فارتعبوا. لم يعد وجهه وجه بشر، ولا منظره منظر إنسان. كم تشوَّه! هذا الذي كان رفيعًا، كم انحدر. من يصدِّق خبرًا نحمله إليه!
هذا الذي كان في صورة الله، أخلى (لاشى) ذاته، أخذ صورة عبد، صار في شبه إنسان من الناس. واضعَ نفسه وأطاع حتّى الموت والموت على الصليب» (فل 2: 6-8). هل هذا يصدَّق؟ مستحيل. وسوف يقول عنه مز 22: 5: «أنا دودة لا إنسان، يعيِّرني البشر وينبذني الشعب». ولا يختلف مقاله عن مز 22: 7: «كعرقٍ في أرض قاحلة، لا شكل له فننظر إليه، ولا بهاء ولا جمال فنشتهيه. محتقر منبوذ من الناس، وموجع متمرِّس بالحزن، ومثل من تُحجَب عنه الوجوه نبذناه وما اعتبرناه» (53: 2-3).
هل يُصدَّق هذا؟ كلاّ. ومع ذلك، ذاك ما رآه الناس يوم الجمعة العظيمة. يُروى عن مهتدية في بلاد اليابان أن جاءها من يقول لها لائمًا: «هل تعرفين أنَّك تعبدين إلهًا مصلوبًا؟» فأجابت في الحال: «ومن أين عرفتم ذلك؟» أجابوا: «من الإنجيل». فقالت: «ولكنَّ الإنجيل يقول أيضًا إنَّه قام من بين الأموات».
والنشيد الذي قرأناه في الرسالة إلى فيلبِّي يقول: «لذلك رفعه الله ايضًا، وأعطاه اسمًا فوق كلِّ اسم، لكي تجثو باسم يسوع كلُّ ركبة في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض، ويعترف كلُّ لسان أنَّ يسوع المسيح هو ربٌّ لمجد الله الآب» (2: 9-11). هذا الكلام هو تتمَّة لما قال إشعيا، وربَّما ردَّده يسوع في آذان كليوبّاس ورفيقه: «لكنَّ الربَّ رضيَ أن يسحقه بالأوجاع ويصعده ذبيحة إثم، فيرى نسلاً وتطول أيَّامه، وتنجح مشيئةُ الربِّ على يده. يرى ثمرة تعبه، ويكون راضيًا (ومغمورًا بالعطايا)، وبوداعته يبرِّر عبدي الصدِّيقُ كثيرين من الناس ويحمل خطاياهم» (إش 53: 10-11).
هكذا كلَّم يسوع هذين التلميذين اللذين تركا الجماعة وراحا إلى حيث لا يعرفان. المهمّ الهرب من هذا الواقع المؤلم. وصل الثلاثة إلى عمّاوس، وتظاهر يسوع أنَّه «منطلق إلى مكان أبعد» (لو 23: 28). فتمسَّكا به: «امكث معنا، لأنَّ المساء اقتربَ ومال النهار» (آ29). ويا ما أجمل ما صنع: «أخذ خبزًا وبارك وكسر وناولهما» (آ30)! هكذا صنع في العشاء الأخير. عندئذٍ «انفتحت أعينهما وعرفاه» (آ31). أجل، عرفاه كما هو في الموت والقيامة، في الألم والمجد. رافقهما في الطريق ونقل قلبيهما من الحزن إلى الفرح، ومن اليأس إلى الرجاء، ومن العتمة إلى النور. عندئذٍ عادا إلى الإخوة، إلى أورشليم، بالرغم من التعب، وأخبرا الاخوة بما حصل لهما. فالنهاية لم تكن كالبداية. تجاوزا الفكر القديم وانتقلا مع الآخرين من أجل درس آخر قال فيه يسوع: «هكذا هو مكتوب: هكذا كان ينبغي على المسيح أنَّ يتألَّم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث، وأن يُكرزَ باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم» (آ46-47).
فهم التلميذان. فهم الاثنا عشر والذين معهم. فيبقى علينا أن نفهم طريق يسوع، ونضع كلامه في قلوبنا: «من أراد أن يتبعني يحمل صليبه كلَّ يوم ويتبعني» (لو 14: 27). ونتذكَّر كلامه أيضًا إذا رافقناه وما خفنا: «أنتم الذين ثبتوا معي في تجاربي، أَجعلُ لكم ملكوتًا كما جعل لي أبي» (لو 22: 28-29). فأيُّ مجد يوازي هذا المجد!

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM