تقديم

على هامش الكتاب -27-

من آثار الكنسية الأولى

**************

الخوري بولس الفعالي

دكتور في الفلسفة واللاهوت

دكتورفي الكتاب المقدس في اللغات الشرقية

***************

الرابطة الكتابية

 

تقديم

حين تحدَّث الإنجيل الثالث عن الناس الكثيرين الذين أخذوا يدوِّنون رؤية الأحداث التي جرت بيننا» (لو 1: 1)، فكَّر بهذه الأناجيل العديدة التي أخذت تتوزَّع هنا وهناك، من إنجيل توما، إلى إنجيل يوسف النجّار وإنجيل يعقوب التمهيديّ وغيرها وغيرها. كتب تقويَّة انتشرت بشكل خاصّ في العالم اليونانيّ ووصلت إلى اللغة القبطيَّة لكي تستطيع أن تختبئ ولا يلاحقها أحد، وإلى اللغة الحبشيَّة، هذا دون أن ننسى السريانيَّة والأرمنيَّة والجيورجيَّة... ماذا عن طفولة يسوع وحياته في قصر مثل الأطفال أترابه؟ وماذا عن حياة مريم ووالديها والذين كانوا حولهم؟

ولكن مع هذه الأناجيل التي دعوناها منحولة لأنَّها سقطت في النهاية من لائحة الكنيسة القانونيَّة، وما اعتُبرت مُلهمة، كانت أناجيل في كنائس هامشيَّة تردُّ على الكنيسة الكبرى التي أقرَّت فقط بأربعة أناجيل وتركت الباقي الذي فُقد منه الكثير وأُتلف الأكثر لأنَّه اعتُبر مهرطقًا، ضالاًّ. ومع ذلك، وصل إلينا الكثير وهو يعطينا صورة عن الكنيسة في أجيالها الأولى، والمحاولات العديدة للتعبير عن الإيمان ولتقديم النصوص المقدَّسة.

وفي هذه الفئة الأخيرة، كانت كتب عديدة تدَّعي المعرفة والمعرفة الباطنيَّة، التي لا تستند إلى التقليد الرسوليّ، بل هي خرجت منه وأقامت وسط جماعات تأثَّرت بالفلسفة اليونانيَّة وبالتيَّارات الشرقيَّة المتعدِّدة. هذا ما دعوناه العالم الغنوصيّ، على اسم اللفظ اليونانيّ الذي يعني المعرفة.

ويتساءل الكثيرون: كيف استطاعت الكنيسة أن تميِّز بين ما هو قانونيّ فيصلح ليكون قاعدة الإيمان والأخلاق، وبين ما هو منحول وبالتالي رُفض له الدخول إلى لائحة الكتب المقدَّسة؟ نقطة الانطلاق: الإلهام. فالروح القدس يمسك بيد الكاتب الملهم بحيث لا يكون أيُّ خطأ في ما يقدِّمه. فإذا وُجد أمرٌ مغايرٌ للإيمان في نصٍّ من هذه النصوص التي تَعتبر نفسها مقدَّسة، يُرذل هذا الكتاب لأنَّ الروح القدس لا يمكن أن يُخطئ. آخر ما نستطيع القول عن هذه الكتب إنَّها تقويَّة، أو تحمل أشياء فضوليَّة وكأنَّها تَعتبر الأناجيل ناقصة فتكمِّلها، هذا مع العلم أنَّ سفر الرؤيا جاء واضحًا: وأنا أُنذر كلَّ من يسمع الأقوال النبويَّة في هذا الكتاب أن لا يزيد عليها حرفًا وإلاَّ زاده الله من النكبات الموصوفة في هذا الكتاب (22: 81).

أُغلق الكتاب المقدَّس بعهديه القديم والجديد. ونحن لا ننتظر كتبًا جديدة تُضاف إلى تلك التي تعترف بها الكنيسة الكبرى. كانت هذه النصوص تشكِّل خطرًا على المؤمنين في الماضي، فأُخفيَت أو كُتمَتْ (من هنا الأسفار المكتومة). أمّا اليوم، فلم يبقَ خفيٌّ إلاَّ وظهر، كما قال الربّ (مت 10: 26). هكذا يُبان الغثّ من الثمين، والمقدَّس من العاديّ، والأناجيل المقدَّسة من الأناجيل التي يمكن أن تكون مزيَّفة فتضلُّ الكثيرين (مت 24: 25).

سبق لنا وقدَّمنا الكثير من هذه النصوص. وها نحن في هذا الكتاب الذي دعوناه من آثار الكنيسة الأولى نقرأ نوعين من النصوص: تلك المرتبطة بالحركة الغنوصيَّة التي كُشفت في منتصف القرن العشرين في نجع حمّادي، في مصر. وتلك المنفتحة على عوالم وعوالم، من العهد القديم إلى العهد الجديد وصولاً إلى حياة الكنيسة. فجاء القسم الأوَّل: آثار من الغنوصيَّة. والقسم الثاني: آثار من الكنيسة السريانيَّة. وكلُّ هذا بعضُ حصاد من سنة الكتاب المقدَّس.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM