افرام السـرياني فــي تفســـير أيــــــوب

افرام السـرياني

فــي

تفســـير أيــــــوب

نقدّم في هذا القسم فصلين. الأول، نص سرياني نُسب إلى افرام، ونحن نقرأه في سلسلة سويريوس، ذاك الراهب العائش في جبل الرها. والثاني، نص أرمني وصل إلينا منه في اللغة الأرمنيَّة بضعة أبيات، وها نحن نقدّمها نثلاً عن الفرنسيّة.

تفسير كتاب أيــــــوب

لأبينا القدِّيس مار أفرام السريانيّ([1])

سنة 1740، طُبعت في رومة الأعمال الكاملة([2]) لأفرام السريانيّ، الجزء الثاني، تفسير كتاب أيُّوب، في السريانيّ واللاتينيّ.

جاء الكتاب من سلسلة ألَّفها سنة 861 سويريوس، ذاك الراهب السريانيّ العائش في جبل الرها([3]). عُرفت هذه النصوص في مخطوطين. الأوَّل هو 12144 من المتحف البريطانيّ الآتي من مصر، والمؤرَّخ سنة 1392 لليونان، أي1081([4]) مسيحيَّة. والثاني الكودكس السمعانيّ الثالث. نجد في هذه المجموعة كتَّابًا عديدين ومنهم أفرام. ولكن يبدو أنَّ النصوص الكتابيَّة المذكورة هي غير التي اعتاد أفرام أن يستعملها.([5])

شكَّ بعض العلماء في نسبة هذا التفسير. أمّا نحن فنقرأه كما هو في تراثنا السريانيّ الذي تبنّاه العلماء الموارنة، من السمعانيّ إلى الأب بطرس مبارك اليسوعيّ الذي نشر هذه النصوص.

المدخل([6])

كتاب أيُّوب، موسى كتبه([7]). يبدو أنَّنا نجد في الكتابات مقال (ܡܡܠܗ) أيُّوب وأصدقائه على التجربة. فهذا كُتب ووُضع لكي يذكِّرنا بصبره (= أيُّوب) حين قال: «من يفعل لتُكتب أقوالي» (أي 19: 23). ولكنَّ موسى وضع بشكل خفيّ الخبر عنه لسببين اثنين: ما عرَّف باسمه ولا بسلسلة نسبه. أوَّلاً لئلاَّ يتبلبلُ خبرُ الوعد لإبراهيم، الذي هو من الشعب وليس من الشعوب([8]). ثانيًا، لئلاَّ يحتقر اليهودُ ناموسَ موسى فيقولوا: «كان نبيٌّ قبلك، وَهب (للناس) برهانًا جميلاً».

دُعيَ يوباب بن زارح (تك 36: 33) من سلالة بيت عيسو، الخامس بعد إبراهيم، وهذه معرَّفة هكذا: يوباب إبن زارح، لأنَّ زارح أبا أيُّوب كان ابن رعوئيل، ورعوئيل كان ابن عيسو، وعيسو كان ابن إسحق بن إبراهيم. مدينة أيُّوب هي في أرض متنين ܡܬܢܝܢ حيث قَتل موسى عوجًا (الملك) (عد 21: 33-35)، وأعطاها (= أرضه) لنصف سبط منسّى، إلى الشرق من الأردنّ.

فأيُّوب كان ملكًا وكاهنًا ونبيَّ الشعوب. واعلمْ أنَّه كملك كان (قبل) عوج وسائر الملوك الذين أخذوا موضعه. واعرفْ أنَّه ككاهن أصعد ذبيحة لحساب بنيه. وكنبيّ كان من هؤلاء الذين سوف نبيِّنهم. فهو من تنبَّأ مئة وأربعين سنة([9])، قبل مجيء المسيح بألف وسبعمئة وعشرين سنة.([10])

1([11]) كان رجل في أرض عوص اسمه أيُّوب (آ1). ومع أنَّه كان رجالٌ كثيرون في أرض عوص، إلاَّ أنَّه لم يُوجَد مثل أيُّوب من يخاف الله ويحيد عن الشرِّ. وهذا الرجل كان عظيمًا جدًّا، أي معروفًا (ܡܫܡܗ). ولكن لا تظنَّ أنَّ البشر في عملهم (يجعلون) مقتنياته تبيد (قال الربّ). وقال: حتّى شعرة باقية أضيفها له.([12])

ومضوا إلى الوليمة مع إخوتهم (آ4). كانوا يفعلون ذلك في الأعياد وتذكُّرًا لأيّام ولادتهم anniversaire.

عريانًا خرجتُ من بطن أمِّي (آ21) بدون ذنوب، وعريانًا أعود. أي بلا خطايا ومحصَّنًا بوداعته ܬܡܝܡܘܬܗ (أو: براءته). فنعرف أنَّه ما مال إلى الذنوب ولا جعلَه أحدٌ يميل.

2 وأتى بنو إلوهيم للقيام قدَّام الربِّ (آ1). فبنو إلوهيم الذين أتوا للقيام قدَّام الربّ دعاهم الأبرار (ܙܕܝ̈ܩܐ)، كما هو مكتوب: «أنا قلت: أنتم آلهة» (مز 82: 6). إنَّهم أيُّوب وأبناؤه. وأتى الشيطان وأقام فيما بينهم. كما قام عن يمين يشوع بن يوصاداق([13]): جلدٌ بدل جلد (4). أي جلد خرافه وأبنائه. اِحفظْ نفسه (آ6). لا فقط بأن لا يقتله، لكن: احفظه. أي عقلَ نفسه (أو: عقله الخاصّ). فالربُّ يهتمُّ بحيث تقنع التجربة مجرِّبَ أيُّوب. فهو ما لعن خالقه (باريه، ܒܪܘܝܗ) أيضًا بكثرة الضربات في لحمه (ܒܣܪܗ، أو جسمه). ضُرب من أخمص رجله وحتّى مخِّه (آ7). أي ليعرف أنَّه بقدر ما أراد أن يُكثر، هكذا يعظم انتصاره.

فأخذ شقفة له (لنفسه) ليحكَّ بها (آ8). أي ليحتكَّ بها، أو ليجرِّد بها قيح لحمه. و(لاحظْ) ذلك: ما ضربَ الشيطان امرأة أيُّوب، لا ليوفِّرها بقدرته عليها، بل لتكون أداة لمشيئته.

وتواعدوا (أو: اتَّفقوا على موعد) وأتوا إليه: أليفاز التيمانيّ وبلدد الشوحيّ وصوفر النعماتيّ (آ11).

ما إن سمعوا حتَّى تواعدوا. وعبرَتْ أيَّامٌ كثيرة. أمّا هؤلاء فكانوا كلُّهم من المرازبة([14]). ثلاثة أصدقاء لأيُّوب، رمز[15] الأحبار والكهنة والأنبياء الذين كانوا في العالم. وسبعة أبناء أيُّوب صوَّروا المدبِّرين الكنسيِّين، من رسل وأنبياء وصانعي قوَّات، أولئك الذين نالوا موهبة الشفاء، من مساعدين ومدبِّرين وكهنة وشمامسة.([16])

وأصدقاؤه جلسوا معه على الأرض سبعة أيَّام (آ13)، كرمز للقدِّيسين الذين جلسوا في الحداد مع آدم: من أي عظمة نزل، وإلى أيِّ سقطة بلغ!

3 (أيُّوب) ليبَدْ يومٌ وُلدتُ فيه (آ3). يجب أن يكون بائدًا، لأنَّه بلا أقنوم (أي: فارغ، بلا جوهر). لا يطلبْه الله من العلاء (آ4). وهذه (العبارة): هو رمز إلى السبب (ھ¦ܠܬܐ) الذي دُعي عمانوئيل ليأتي ويُولَد في (جسم) بشريّ (ܒܣܪܢܐ: لحميّ). فذنبُ العالم كان السبب (لمجيء المسيح). لماذا يوهَبُ النور للتعبين (آ20). أي للأشقياء الذين يشبهونني.

4 (أليفاز). ها أنت أرجعت (ܪܕܝ، أرشد) كثيرين (آ3). بيَّن بذلك أنَّ أيُّوب أرجع (أصلح) الكثيرين ووبَّخهم ورتَّبهم. وقوَّيتَ أيدي مرتعدة (مرتخية)، أي كما قوَّيت (أو: شدَّدت) المرضى في ضيقاتهم، قوِّ نفسك أيضًا في الضيقات التي تأتي لملاقاتك. ذكِّرْني أيُّ بارٍّ باد (أو: هلك) (آ7). سرّ هذا: «إن أنت ابن الله، انزل الآن عن الصليب فنؤمن بك» (مت 27: 40ي). الذين يسيرون في الخطيئة (آ8). أي الذين يسيرون في طريق الخطأة، وعليَّ تتسلَّل مقالتهم (آ12). أي، سُمع في سقطةِ وَسنٍ عميق. أي رأيتُه في صمت الليل وليس لنا أن نصوِّر شبهه.

المخافة دعتني والرعدة (آ14). أي، صوتٌ شديد أتى إليَّ فعُلِّق شعرُ لحمي (ܣܥܪܬܐ). أي من الخوف عُلِّقت شعرات (ܡܢܐ) جسمي.

5 (أليفاز) الغيرة تقتل الأغبياء (آ2). أي البرّ (برّ الله). أنا رأيتُ الشرِّير ناجحًا، وباد (وهلك) مسكنُه فجأة (آ3). بالشعب (اليهوديّ) وبالشيطان يُفسَّر هذا القول. إلى العطش يذوبون ويدمِّرُ العطشُ مقتناهم (آ5). أي: يُخرَبون مع مقتناهم كلِّه. وأبناء الطيور يرفعون الجناح فوقهم (آ7). هذا يعني: التأديب الذي يأتي، بسبب ذنوب الأشرار يأتي. وأيضًا أبناء الطيور يَدعون هؤلاء الملائكة الذين يُرسَلون من قبل الله لعقابنا وتأديبنا حين نخطأ. أو لخلاصنا وحفْظنا إن نحن تُبْنا.

في ستِّ ضيقات ينجِّيك وفي السابعة لا يقترب إليك شرّ (آ19). تشبه هذه الكلمة: السنوات الستّ التي فيها جلس أيُّوب على مذبلة الضيق في التجربة. وفي السابعة يُنجَّى.

6 (أيُّوب) ما هي قوَّتي لأحتمل (آ11). أي بدون معونة الله لا أقدر أن أحتمل كلَّ هذه الضيقات. إخوتي دجَّلوا مثل الغدير (الذي قد يجفّ) ومثل السواقي يعبرون. يعني مياه السواقي والغدران تنزل من السماء. وكذلك الجليانات (ܓܠܝܢܐ) والأسرار التي أُرسلَتْ من السماء مثل طوفان، إلى الشعب (الأول) بالأنبياء، أُمطرَتْ عليه بواسطة الغمام الروحيّ (أو: العقليّ). لأنَّها تخاف من الجليد وأن يكثر الثلج عليها (آ16). أي اليهود الذين خافوا من أن يسجدوا للأصنام، ها هم جُعلوا بلا إله. لأنَّ ضلالهم الذي بعد الصليب، كان أكثر من (ضلالهم) الذي (كان) قبل الصليب، مثل الثلج الذي يكون أكثر من الجليد.

8 (بلدد) حتّى متى تتكلَّم بهذا؟ (آ2). إذ تكلَّم أيُّوب عن البرّ، حسِبَ بلدد الشوحيّ أقوالَه ترفُّعًا.

9  (أيُّوب) أكثر (الله) جروحي مجّانًا. هذا يدلُّ على أمرين اثنين: الأوَّل، ضُرِب وأدِّب أيُّوب مع أنَّه ما خطئ. والآخر، وعمانوئيل أيضًا وإن لم يكن بدون ذنب، احتمل محن الآلام اللاملومة (ܠܐ ܥܕܝܠܐ: لا يُلام). وهب (الله) الأرض بأيدي الأشرار (آ24). إذ وُهبت النفس بيد الثلاّب، أخفيَتْ من قبلُ أفكارُها كلُّها عن فهم البرارة (أو: الأبرار).

10 (أيُّوب) ألبستَني جلدًا ولحمًا، وبعصب وعظام ثبَّتني (آ11). وصنعت لي الحياة والسلام (آ12). هذا (قيل) عن تجسُّد (ܡܬܒܣܪܢܘܬܗ، صار بشرًا، أخذ لحمًا) عمانوئيل من طبيعتنا (ܟܝܢܢ، كياننا). وبيَّن أنَّه تكلَّم عن شخص (ܦܪܨܘܦܗ) ربِّنا لدى (ܠܘܬ) الآب (يو 1: 1). كشف الأعماق التي من الأبد. هذا يشبه ما تنبَّأ به إشعيا على عمانوئيل الذي قال للأسرى: «اخرجوا» وللمحبوسين «اظهروا» (إش 49: 9).

11 (صوفر) أتستطيع أن تعرف ما أعلنه الله. أو، أتستطيع أن تقوم على حدود القدير؟ أي، هل عرفتَ ماذا يفعل القدير في نهاية أعماله؟ هب لنا اختبارًا من الأمور الجليَّة، قالت لنا أعالي السماء، مع الباقي. ومثل المياه العابرة تُذكَر (آ16)، أي يَعبر التأديبُ. ومن الظهيرة يخرج الخفَر، أي من الضيق أيضًا يكون لك أن تأخذ نفَسًا وتخرج إلى الرحب.

12 (أيُّوب) تدعو الله لكي يُبعد الشطط والإثم (آ4). أي بواسطة الناموس والحُكم يدبِّر الكهنة فيُذهلهم. هنا، ما قال على بني هارون. فما كانوا موجودين آنذاك، بل على الكهنة الذين مثل أيُّوب ومثل ملكيصادق. فإن كانوا كهنةَ الحقّ، فلماذا يدبِّرهم فيذهلهم؟ كما ينذهلون ويتعجَّبون بعجائبه. أي هؤلاء الذين صاروا بين الوقحين لأنَّ يد الربِّ صنعتهم. حسِب هنا أولئك الذين عمِلوا في البحر وفي الشعوب وفي الملوك وفي السلاطين وفي الكهنة وفي الأحبار وفي أشدّاء الأرض، الذين اجتمعوا للحرب. وبعد ذلك قال.

13 (أيُّوب) هذه التي حسبتُ منها، رأتها عيني والتي حسبت منها (الباقي)، وسمعتها أذني. اذكروا أنَّ سلطانكم هو من التراب (آ12). ومن التراب أنتم، إلى جانب الطين تسيرون. حتّى وإن قتلَني فأنا أنتظره (آ15). يعني: إذ هو يقتلني أنا أنتظر الرجاء الذي منه. يا مقتولاً يشكر قاتله وينتظره، لكي يعرف إن كان ربُّ إبراهيم هو قاتله وهو من يبعثه (يقيمه). رضي أن يصل في يدي الله الموتى ليقوموا. أنا آتي بدينونتي (آ18). أي أرتِّب دينونتي. لا تبتعد يدك عنِّي (آ21). يدك التي تحلُّ عليَّ، لا تبتعد عنِّي ولا ترتفع عنِّي، ومخافتك المرميَّة عليَّ اليوم، لا ترعبْني. أنت تذكر عليَّ خطايا صباي (آ26). لهذا رفعتَ عليَّ تأديبك ووضعت رجليَّ في المقطرة (آ27أ). أي قيَّدتَ رجليَّ بالوجع كما بمقطرة. تنظر إلى قوَّة رجلي (آ27ب) وفي مثل قربة بالية (آ28). أي خرجتَ وراءه لتبصَّ به وهو قربة بالية.

14 (أيُّوب) صنعت ناموسًا (قاعدة) لا يتجاوزه (الإنسان) حتّى يركض كلَّ أيَّامه مثل أجير (آ5). يعني بهذا الناموس مثل أجير، لأن للخشب رجاء أنَّه إن قطع يُخلفُ (ܡܚܠܦ، يترك وراءه). هنا وهب أيُّوب البرهانَ بشكل نبوءة وتعليم على أنَّه يقوم أيضًا ويعود إلى عافيته الأولى، وعلى الطبيعة البشريَّة (ܐܢܫܝܐ) كلِّها التي تُفرخ من ريح المعموديَّة وتتجدَّد وتعطي ورقًا حين تُغرَس بموت الربّ، وأغصانُها (ܥܢܩܘܗܝ) لا تموت. هكذا يتسلسل زرعُ المائتين بسلسلة أولادهم. من رائحة المياه تُفرخ وتعطي ورقًا مثل الغرسة (آ9). هذا يعني: هكذا يُبعَث الرجلُ الذي مات وبليَ حتّى تبلى السماوات اللامستيقظة. أي في انبعاث البشر تعبر الأرض ويبطل كلُّ ما عليها وتُقفَل السماوات. ومثل إنسان هُزَّ من نومه، يُوقَظ الموتى ويقومون.

فمن فعل لكي تخبئني في الشيول (ܫܝܘܠ أو: مثوى الأموات) (آ13). أي لا تَعُدَّ هنا خطواتي من هذا الغضب. أعني: لا تَعُدَّ أعمالي. اختم في صرَّةٍ ذنوبي وألقِها في البحر. في الحقيقة، الجبل المنيع سقط. أي سقط (الإنسان) مثل الجبل المنيع. وأيضًا لا تمنعْك خطاياي. ولكن كما لا تعبر المياه بسهولة من البحر والنهر لتخرب وتيبس، وكما لا يسقط الجبلُ المنيع، هكذا أيضًا حقِّي الذي في الله لا يسقط. فأنت تحصِّنه إلى الأبد فيسير (آ20). يعني: ظنَّ أنَّه قائم بقدرة نفسه. فأنت حصَّنتَه إلى الأبد.

15 (أليفاز) أُزجرْ منك توعُّد الله (آ13). أي كما شدَّدتَ أقوالك هكذا سرِّعْ ضرباتك. من هو الإنسان الذي يكون زكيًّا؟ أو أيُّ ابنِ امرأة يُبرَّر. يعني: مع أنَّ القدِّيسين نادرون، فهؤلاء ليسوا قدِّيسين وإن كانوا قدِّيسين. وبالأحرى كيف يُرذَل ذاك الذي يشرب العار كالماء. أرعبه الغضب والضيق (آ24) مثل ملك يستعدُّ (للمضيّ) إلى جهة واحدة للقتال ويملأه ذعرًا المسبيُّون من جهة أخرى وعلى المحصَّن يبدو كجبّار (آ26). أي لملاحقة المحصَّن يبدو كجبّار. يركض عليه بعنق رفيع وبقفا رقبته. يعني برقبة قاسية يتعظَّم قدَّام صانعه (خالقه). كسا وجهه الشحم (آ27). يعني: بشحمه، بكبريائه. أغصانه ييبِّسُها اللهيب (آ30)، لأنَّ نموَّها صار بلا معنى. يعني: من آمن بالكذب، لن يؤمن بالغنى الكاذب الذي يبقى لديه.

16 (أيُّوب). لا تُحزنوا روحي. أي جدالكم يشهد على الكذب. غضبُه حطَّمني وكسرني (آ9). شقَّني ثقوبًا داخل ثقوب. يعني: بعد خبر المقتنى والأبناء، بعد خبر الجسم، صمتُّ فضربني بأخبار مؤلمة وأسلمني إلى ملاك الإثم. يعني حين عفُن جسدُ لحمه فألقى على الأرض بطنه. أقامني مثل هدف لسهامه. يعني: لعذاباته. فيا أرضُ لا تُخفي دمي. يعني القيح الذي يأتي منه (من أيُّوب). ولا يكن موضع لصرخاتي. يعني لصلواتي وصدقاتي. ها في السماء شهودي ومعارفي (آ19). أو أتكلم على الله أو الملائكة القائمين قدَّام الله، أو على أرواح الأبرار أتكلم.

17 (أيُّوب) وفي مرارتهم باتت روحي (آ1). يعني: في مرارة ضرباتي أو أصدقائي. وُضع لي رهني لديك (آ3). أي من يكون ضامنًا لي، لأنَّك أخفيتَ قلبهم عن الفطنة (آ4). أي قلب أصدقائي أُخفيَتْ عنه المعرفة. تهبطون إلى مغاليق الشيول (آ16)، لأنَّكم تعظَّمتم عليَّ، تهبطون معي إلى الشيول.

18 (بلدد) تبيَّنوا وبعد ذلك نتكلَّم. لماذا نُحسَب مثل البعير ونتنجَّس في عينيك (آ3). يعني: ليس فينا معرفة. قاتل نفسه في غضبه (آ4). أي: في خطاياه. وتوحَّدت رجله بالفخّ، أي بفخ الإثم. فيتشدَّد عليه الجفاف (آ12) ويُفلت لهيبُ ناره. أي لا ينطفئ لهيبُ النار المتملِّك (فيه). والحكم يشتدُّ على مواليده. أي أبناء الجوع. وبكره في شدَّة الأموات. أي بالموت المرِّ الشديد يموت بكره. ويسرعون به إلى أهوال الملك (آ15). أي السابون القاسون الذين يرسلهم الملك. يذرُّ في موضعه الكبريت (آ15)، أي مثل سدوم تكلَّم على ضربات الأشرار. وتيبس جذوره من تحت (آ16)، ومن فوق يُنثَر قطافه. أي لا يوجد أبدًا شيء في الأرض ولا على الأرض. على أيَّامه ينذهل الآخرون، والأوَّلون يقف شعر رؤوسهم (آ20) أي حين يرونه.

19 (أيُّوب) حتّى متى تعذِّبون نفسي. أي بأقوال الإثم التي تقولون. وتجعلون لي الكآبة بالكلام. أو على أبنائي، أو على صدقاتي. معًا أتوا عليَّ مرسلوه (آ12). أي الذين يبشّرونني بضرباته. جلدي ولحمي لصقا بعظامي (آ20)، أي انتفخ لحمه وذاب جسده من جسمه كلِّه. فأفلتُّ بجلد أسناني. أعني: اسودَّ مثل جثَّة. وبقلم من حديد وصفيحة من رصاص (آ24) أي لئلاَّ  يضلّ ذكرُ صدقاتي من قدَّامه. وكلماتي تكتب. وأنا عارف أنَّ فاديَّ حيٌّ وفي النهاية يتجلَّى على الأرض (آ25). هنا تنبَّأ على تجلِّي عمانوئيل في (جسم) بشريّ، وهذا يكون في آخر الأزمنة. رأوا نار كليتي. أي على كليتي يُشرق نورُه.

20 (صوفر) الناظرون إليه يقولون: أين هو؟ (آ7) طار وقاره (أو: مجده) وهرب منظرُ الليل (آ8). فهذا يعني بواسطة الحكم. ويداه تمتدَّان في ولده (آ10). أي يد الله تمتدُّ وتحارب لتضرب ولده. سمَّ التنانين يرضع، أي بالضيقات الآتية عليه. ولا يرى في جداول الأنهار والسواقي الدبس (أو: العسل) واللبن (آ17). أي على الجلجلة انقسمت هذه الأنهار. أمّا السواقي فتعرِّف بالمواهب التي أخذها المبشِّرون. لا يبلع بقوَّة فرخه (آ18). أي لا يهنأ ولا يرضى أن يترك المسكين (أو الفقير) بلا رجاء. لأنَّه لا يعرف قوَّته في بطنه. أي يعرف أنَّه فعل فعلاً شرِّيرًا. ويُجري فيه حمّى غضبه، أي الله. ويمطر عليه في محاربته، أي الشرور. وجلد مرارته يتمزَّق، أي كأنَّه لم تكن له عافية. ويمتلئ جنباه قيحًا. أي مخادعه تمتلئ بكلِّ الكنوز. وعظامه تمتلئ نخاعًا. أي من عذوباته، تُمنَع عنه النار فلا تنفخ. أي النار التي لا تنطفئ عليه. قوَّته تستمرُّ. أي لا يفرغ جريُ تأديبه. ويعذَّب في يوم الغضب أي يُستقبَل في يوم الغضب.

21 (أيُّوب) أقول للناس أقوالي: لماذا الأشرار يحيون (آ3). أي (الله) يهب الخيرات للأشرار ليبيِّن أن لا بغضة له تجاههم، ولئلاَّ يقولوا: لأنَّه أبغضنا لم يفتح لنا بابًا للتوبة. ويقسو أيضًا على الأبرار ليبيِّن حبَّه تجاههم وتأتي خيراتهم جزاء أمورهم الحسنة. ها لا يكون في يدهم خيرهم (آ16). أي لا يَقتنون خيرهم من أعمالهم. غضب الله يوزِّع الأوجاع. يحفظ إثمه لأبنائه. يا للعجب! ذاك الذي يموت في قدرته وهو متَّكل أنَّه لا يموت. هذا يموت في قدرة سلامته، أي يتشكَّك الكثيرون بموت من أتَّكل وهدأ. أي بأن لا تكون له هذه الهوَّة. تضربه حجارة السيول أي عذابات الشيول والموت أو أنَّ قبره لا يُعرَف (موضعه). وبعده كلُّ إنسان يُقاد. ألوفٌ قدَّامه وربوات وراءه. باطل ورجوع أقواله ينموان قدَّامي فأعلِّم الحياة للآخرين.

22 (أليفاز) لأنَّك ارتهنتَ بيت إخوتك (آ6). افترى هنا أليفاز على أيُّوب بأسباب الأشرار. فكساك فيض المياه، أي أخفاك فيضُ المحن. فالغمام سرٌّ له (فلا يُرى). أي لا يكون من الغمام ما يستر طبيعته (= طبيعة الله). ولا يتذكَّرون من ثبَّت أساساتهم. يعني: إذ خاف جواسيس بيت إسرائيل ما تذكَّروا من وُلد لهم وخرج من مصر في الضربات الشديدة. فتساووا معه، أي تساويتَ بالقوَّة مع الله وصرتَ له خصمًا. وملأتَ من غلاَّتك الخيرات للأشرار الذين أخذ منهم الله خيراتهم. إن أنتَ تُبت إلى الله تُبنى أي يكون الله في عونك كما في السابق. أي ذاك الذي في السابق ابتعد عن خلاصك. وتكون لك فضَّة حساباتك، أي يجعلك تنتظر وتستند وتقترض.

23 (أيُّوب) واليوم أيضًامرارة شكواي (آ2) يعني: أو في آذانكم. أو نبعَتْ لي المرارة من شكواي. أو من أقوالكم تمرمرتُ واشتكيتُ. ولكنَّه سلَّم حكمه (آ4). يعني: ولكن مثل تلك الأمور الكثيرة التي صنعها لي من قبل، فمعه (أيضًا) ما يصنع لي لأنِّي لن أسكت من قَبْل الظلمة ومن قبل تغطية الدجى (آ17).

24 (أيُّوب) في حقل من العشب لا يخصُّهم يحصدون. أي آخرون زرعوا، وهؤلاء حصدوا تعب (ܥܡܠܐ) الآخرين. ويؤجِّلون كروم الأشرار (آ6). أي حتّى كروم الأشرار المساكين المسلوبين يؤجِّلونهم. وبين الضيوف ينزلون (آ10). أي بين الذين يخدمون الوليمة يجوعون. المائتون من داخل المدينة يُرضَعون (آ12)، (أي) المائتون الذين ماتوا في هذه العذابات يُرضَعون. وعيون الزمان تنتظر الظلمة (آ15). أي يُغَطُّون وجوههم لئلاَّ يُرَوا وهم يزنون. خطئوا وضلُّوا من الحشا (ܡܪܒܥܐ) أي ماتوا مثل السقط. امتصَّهم الدود. أي شربهم الدود. والعاقر الشرِّيرة لا تلد. أي الشيول المرّ لا يبعثهم. ويحطِّم الإثم مثل الشجرة. أي مثل شجرة مسوَّسة ومريضة. وإن لم يكُن هذا، فلن يكذِّبني غضبه، أي إن لم يكونوا للعنة فليكذِّبني غضبه. لتُحسَب قدَّام الله كلمتي. أي: أنا تكلَّمتُ معكم بأقوال حقَّة.

25 (بلدد) والنجوم (ܟܘܟ̈ܒܐ) لا تكون زكيَّة قدَّامه (آ5). لا يكون في إرادتهم (كأنَّهم بشر) أن يُشرقوا إلاَّ بناموسه. يعرفون زمن غروبهم وزمن شروقهم.

26 (أيُّوب) والنسمة التي خرجَتْ منك (آ4) فهمت مَن مِن المعلِّمين خرج منك. صرّ المياه في سُحُبه (آ8). أي، إذ البحر محبوس في واحدة وواحدة منها، لا تتحرَّك السحابة تحتهم. وحتّى ينتهي النورُ مع الظلمة (آ10). أي يُرسَم مثل سورٍ على وجه الغمر (ܬܗܘܡܐ). في البدء حتّى ينتهي النور مع الظلمة. أي حين يتساوى النور مع الظلمة خلق معًا نجوم (ܟܘܟܒܝ) الفجر. فهذا هو رمز (ܛܘܦܣܐ، نمط) العالم الروحانيّ. فالنجوم تدعو شخصَ (ܩܢܘܡܐ) ربِّ القوَّات وصُوَرَ (ܝܘܩܢܐ) السماويِّين. وهذه لها فهمٌ من ذاك القول الذي بعده. كلُّ أبناء الملائكة ابتهجوا. وقتلَتْ يدُه الحيَّة الهاربة (آ13). هذا أكثر جلاء كما من المسيح الذي قتل بحاشه (ܚܫܗ، آلامه) الحيَّة المعروفة. قيل: الهارب دعا الشيطان أو الحيَّة، إذ بيَّن هربه من بين القوَّات السماويَّة. وأيضًا لأنَّه ترجّى أن يتكلَّم عن الحكم. أمّا العبريّ فقال: وصنعَتْ يدُه الحيَّة الملتوية.

27 (أيُّوب) حيٌّ هو الله الذي أعاق حكمي (آ2). أي أنا آخذ إكليل الظفر بواسطة جلْدٍ أناله. والقدير الذي أمرَّ نفسي ومنعها فيَّ. أي في آلامها كلِّها (لم يَدَعْها) تسكن وتستريح. وأتحصَّن في برِّي ولا أرخي (آ6). أي في قيامي (وفي وقفتي) لا أتراخى. لا أصرف قلبي من أيّامي. أي: كما صانع الشرور من مَيْل من الميول. ما هو رجاء الكافر الذي اقتنى الأموال (آ8). أي: في الوقت الذي يأخذ الله له نفسه تبقى أمواله لآخرين وتُوخَذ منه. إن جمعوا الفضَّة مثل التراب وأعدُّوا اللباس مثل الطين (كثرة) (آ16). هؤلاء يُعِدُّون (ܢܬܩܥܘܢ) اللباس، ويقتنون (ܘܢܩܥܘܢ) الفضَّة. فالصدِّيق يقتني ويلبس بدون تعب. يده تصفِّق عليهم (آ23)، أي على الجنون الذي حلَّ بهم.

28 (أيُّوب) لأنَّ للفضَّة خروجًا (آ1). أي حيث تَأخذ الأرضَ التي فيها الفضَّةُ والذهب، صخر الظلمة وظلّ الموت. كشفوا الأرض التي منها يخرج الطعام (آ5). أي ورأوا أنَّ الزؤان ينمو مع الحنطة (مت 13: 24ي).وجريان الذهب في سبلها (آ6). أي يعرف موضع كلِّ واحد منها: الذهب والفضَّة والنحاس والحديد والسمنجونيّ. بقدرته وزَّع أنهارها (آ10). بقدرته وزَّع الأنهار في المسكونة. كنزه، ما من إنسان يعرف أين هو (آ13). أي الحكمة التي هي مخافة الله. وأين توجد؟ فهي أفضل من المرجان والذهب والحجارة الكريمة. لا يُعرَف موضعُ مثل هذه الأمور التي تُحسَب مثل الذهب والفضَّة والسمنجونيّ. الحكمة، أين هو موضعها؟ أي لا تُوجَد في موضع من هذا العالم، بل في موضع الحياة أو في الملكوت. أو هي تُوهَبُ في موضع الحياة أو في الله ذاته. أو هو موضع الحياة. في فهم آخر يُدعى المسيح الحكمة. وهذا ما قيل أيضًا: لا يُوهَب الذهبُ بدلاً عنها. بهذا بيَّن بأنَّ المواهب المنظورة لا تستطيع أن تشتري المسيح بدون فضل التدابير الحسنة ونقاوة النفس. وقال أيضًا هذا بالحكمة خفيَّة والباقي. تُعرَّف الكلمة: كما أنَّ المسيح صُوِّر في تشبيهات وهو فوق كلِّ تشبيه (ܕܡܘܬܐ، أو شبه)، وكما يشبَّه بالقدِّيسين وهو فوق التشبيه، وإن شُبِّه بقوّات العلاء الخفيَّة، فهم لا يقدرون أن يروه.

29 (أيُّوب) فمن صنعني كما في الشهور السابقة حين بسط سراجه عليَّ (آ2-3). أي، إذ كان جليًّا لي بواسطة الأعمال حين بسط عليَّ نورَ سراجه. أو في الظلمة أنارني حين نزل الله على مسكني (آ4). أي إذ صنع الله الأعمال في بيتي الخاصّ. ومثل أيّام الله حفظني، أي وكما في الأيّام التي فيها حفظني الله، يحفظني. لأنَّ الأذن سمعت فمجَّدت على ما صنعتُ (آ11). أي صنعتْ لي شهادة. وعلى أعمالي الحسنة وما صنعتُ مجَّدَتْني. بركة الهالك تأتي عليَّ (آ13). أي بركة هذا المسكين الذي كان بلا لباس فألبستُه، تأتي عليَّ. وأيضًا في معنى آخر، الهالك هو، إذ يَهلك (يبيد) هو وكلُّ ما يخصُّه، يوجد بقول لله: من أهلك نفسه من أجلي وجدها (لو 9: 24). بركة هذا تأتي عليَّ مثل قصبة، أي الذي يُكمل نموَّه في سنته. هكذا أنا أكمِّل بسرعة. وأيضًا مثل قصبة الميزان في البرِّ وفي الحقّ (31: 6). وهذه: بعدها في الميزان والباقي. حطَّمتُ أنياب الشرِّير. أي سلب الكلّ. جذوري مغروسة على المياه (آ19) أي على الحقيقة. ومن أجل هذا أبيت في الظلال، أي بلا عون. وأُدعى في الحصاد أي بواسطة المجازاة. ومثل رجل يعزِّي النائحين (آ25). هكذا أكون لهم فلا أجازي حبائل الشرّ.

30 (أيُّوب) وبالإكراه نبع عليهم وتحت الحصن يُسحقون (آ6) وتحت الصخور وتحت العاصفة يحطَّمون. أي المجازاة الآتية عليهم بقوَّات كثيرة فيختبئون في مغاور ترابيَّة وصخريَّة، وتحت الصخور والقلاع يُسحَقون لأنَّهم سحقوا الكثيرين بكبرياء آبائهم مع الكلاب ما حُسبوا (آ1). وأيضًا في الصخور وفي التراب، أي ليوضعوا ويُذَلُّوا. وتحت الصخور وتحت ظلِّ المغاور يُسحَقون. أي تحت الأرض. وعظامي ثقُلَتْ عليّ (آ17). أي من أقوالهم. وجسمي ما ثبت في كثرة القوَّة. أي بقي فيَّ قليل من نسمة. فمُثِّلتُ مثل التراب والرماد (آ19)، أي صرت لهم مثل التراب المحتقَر. شبَّهوني بالتراب المحتقر إذ كان الله عمانوئيل، ولأنَّه صار صغيرًا في تدبيره واحتقره اليهود النجسون قالوا تجاهه: «إذ أنت إنسان جعلت نفسك إلهًا» (يو 10: 33). مُثِّلت مثل التراب والرماد. إذًا سبق الروح القدس وبيَّن لنا أنَّه في كيان ترابيّ نزل الله الكلمة وصار في جسم (بشريّ). صرتُ أخًا لبنات آوى وصديقًا لبنات النعام. أي أُصبح مثل بنات آوى على الغنيمة، وتُركتُ وحدي مثل بنات آوى وبنات النعام.جلدي منقبضٌ عليَّ (آ3)، أي جلدي البهيّ انقبض عليَّ، وعظامي مالت إلى البياض.

31 (أيُّوب) أقمتُ عهدًا لعينيَّ بأن لا أتطلَّع في عذراء (آ1). إن مضى قلبي وراء الأمور الغريبة (آ7). أي وراء السجود للأصنام الذين بعد أعمال الأشرار التي هي دافعة إلى الخطيئة، وبدَّلتُها وجعلتها مبرَّرة. إن سرتُ مع الكاذبين وكثرة الأجيال الذين ذُلُّوا في القفر. ولكن في الضمير حطَّمني، وبكلمات الشفاه ما فكَّرتُ أن أستخفَّ بهم، وكتفي سقطت من مفصلها (آ22) أي من مكانها. إن نظرتُ إلى الشمس وهي تشرق والقمر وهو بدر (آ26). أي إن نظرتُ إلى الشمس وهي تشرق فسجدتُ لها، وركعتُ قدَّام القمر وأحببتُه، وضللتُ وراء السجود لهما. إن مضى قلبي خفيةً وخُدع وقبَّلتْ يدي فمي (آ27)، أي إن بسطت يدي نحوهما، وقبَّلتْ يدي فمي. في السوق (أو: الساحة) ما تركتُ الغريبَ يبيت (آ32)، بل أدخلته وفي بيتي أرحتُه، إن كان إليَّ سامعٌ (آ35). إن كان الله الذي يعنّيني ويكتب عليَّ كما في سفر أحكامه، وهو كمسلَّط عليَّ، أبيِّن له وأعرِّفه كلَّ شيء. ولتولول الأرض عليَّ (آ38). أي إن أكلتُ قوَّتها مجّانًا (بدون عمل) لتُثبِّتْ عليَّ. وإن أذويتُ وحططتُ نفس الذين هم في مرارة بعد نشاطها (آ39)، وإن خطئتُ في هذه، ليخرج الزؤان بدل الحنطة، والشوك بدل الشعير (آ40). يعني الحنطة التي تَخرج من الأرض. ليخرج القرّاص، وبدل الشعير لينبت الشوك. انتهت أقوال أيُّوب. بدأ مثل شخص محتشم ثمَّ انتهى مثل فقير، مسكين.

32 (أليهو) واحترَّ أليهو بن برخئيل على أيُّوب، لأنَّه برَّر نفسه (آ2): لأنِّي أصغر منكم بالأيّام وأنتم شيوخ، من أجل هذا ارتعبتُ وخفتُ من أن أُبدي معرفتي (آ6). فأنا قلتُ: ها الأيّام تتكلَّم وكثرة السنين تعلِّم الحكمة (آ7). يليق بالخبرة أن تكون معرفتُها أفضل، لأنَّهم شيوخ أكثر منِّي في الأيّام. حقًّا هناك روح في الإنسان ونسمة الله تبيِّن له (آ8). يعني: هنا نعطي المجد لمبيِّن الأفضال ونُخزي المتكبِّرين. فأنا أيضًا أجيب (وأقدِّم) كلامي. أي أبيِّن أنا أيضًا معرفتي. أُفيض الروح في بطني. ها بطني زقٌّ لا يُفتَح (آ19) ومثل ثمرة في وقتها تنمو. إن كان الروح صُبَّ في بطنها، فلماذا تكتئب، وإن نمَتْ فكيف لم تُفتح أي بجلاء ومثل الثمرة في شهرها. مثل الأزهار والأثمار التي يبيِّن كلُّ شهر مثلها، أو مثل البطن الذي يُنمي الثمرة في شهرها، أتكلَّم فأروِّح عنِّي (آ20). أي مثل الوالدة من أوجاع الحبل. أو بطني يكتئب ولا ينفتح. أي اكتأبت وما فُتحتُ لأنِّي أردت أن أتكلَّم. ما تكلَّمتُ الآن. ولكنِّي سوف أتكلَّم وأروِّح عنِّي.

33 (أليهو) روح الله أثارني (آ4). أي جبلني. ونسمة الله أحيتني. أي نفخ فيَّ نفسًا، أحياني، واهتمامي لا يثقل عليك (آ7). أي لا يثقل تأديبي عليك. يشدِّد كثرة عظامي (آ19) بالقدرة. يدمِّر لحمي من مخافته. أي يصفِّي لحمه (قطرة قطرة) ولا يشتاق للخبز ولا يشبع. تشتهي نفسه ولا تهنأ. يعني، أو بالخطايا التي عملَتْها، أو لأنَّ نفسه ما تبرَّرت.

34 (أليهو) والذين يعرفون، أنصِتوا إليَّ (آ10)، أي الذين يعرفون أقوالي ليتفحَّصوها إن عاد إليها قلبي (آ14)، إن ندم على شيء مضى. روحُه ونسمته تجتمعان لديه (آ14) ويجمع لديه نفوس القدِّيسين. ويفنى له كلُّ بشرٍ معًا. ويعود الإنسان إلى ترابه، لأنَّه تكلَّم على الملك شرًّا أي على الله الذي هو ملك الرؤساء والمسلَّطين الذي لا يأخذ بالوجوه العظماءَ والمساكين. ويُواضَعون تحت الإثم. أي لأنَّهم مالوا عن الله ومضوا وراء الأصنام. الجهالة بيننا تُفتقَد، أي نفعل لكي تقرَّب قدَّام الله أقواله مع أقوالنا.

35 (أليهو) من يهب التفكير في الليل (آ10). أي في الخفية. لأنَّ تشامخ الأشرار، تشامخهم الذي على رفاقهم يؤدَّب. الله لا يسمع باطلاً، أي للمتشامخ.

36 (أليهو) في الحقيقة كانت أقوالي كاذبة (آ4). أي في وجدانك (يا أيُّوب). والشرِّير لا يحيا (آ6). أي: الشرِّير لا يهنأ بشرِّه. ومع أنَّ (الملوك) قُيِّدوا بكراسيهم بواسطة السلاسل، بحبال، فهم ينزلون إلى الفقر. ليكشف أذنهم بالتأديب وليثقلْ لكي يتوبوا من الإثم ويكمِّلون أيَّامهم في الطيبات (آ10-11). يعني: يفتح أذنهم للتأديب، ويكشف طريقهم بالضيق. يعني: إن تابوا كان لهم الفرج بدل الضيق. يعني من يد الملوك الأشدّاء. ويعدّ مائدة مملوءة دهنًا (آ16). أي بدل خبز الوضاعة هذا. وأيضًا تُعرَف هذه المائدة من أجل اللذَّة التي تكون للقدِّيسين في العالم الجديد. تكون شدَّته عليك ليخلِّصك. يعني لا تخف من كلِّ الأشدّاء الأقوياء الذين يجتمعون عليك، ومن العذاب الذي في الليل. يعني: لا ترتعب من التيهان الذي يكون في الليل. الله يشدِّدك بقدرته (آ22). أي حين تُمتحَن في كور الفقر، يعود الله ويشدِّدك بقدرته (ويعيدك) إلى الأفعال السابقة. من هو شبيه به. أي يهتمُّ بك ويمشي معك ويعلِّمك. لا تتضايق من كلِّ الأشدّاء المقتدرين، ويبسط الغمام بكثرة من مظلَّته (آ23). أي: يضع مظلَّة كبيرة من الغمام ويبسط عليهم نوره (آ30). أي فوقهم يُشرق نورَ الشمس لكي يعرف كلُّ إنسان صُنع طيبته.

37 (أليهو) ختمَ المطر والربيع (آ6) أي المطر والربيع العظيم بيد كلِّ إنسان يختم بحيث يهبه لكلِّ إنسان. ويبسط غمام نوره (آ11) أي الغمام الذي يُسمع البروق. وتنقل الأرض التي من الجنوب (آ17). أي تأمر الأرض لتنتقل من الجنوب إلى الشمال، وتثبِّت معه الرقيع (الجلد) الشديد لكي تمسكهما معًا. عرِّفْني ماذا أقول له. أي ماذا أنت عامل. لا يُخفى من قدَّام الظلمة. أي لا تُخفِ عنّا ما أنت صانع.

38 (الله) خلق معًا كواكب الضحى (آ7). أي هؤلاء الذين هم كواكب المساء. وأيضًا فهمٌ آخر: خلق معًا كواكب الضحى. ومع أنَّ على الأشياء المعروفة كما نفهم هذا، لا تتوافق الولادة مع الملائكة، بل يُفهَم الضحى بالنسبة إلى المسيح. فالكواكب (تدلُّ) على الرسل أبناء الملكوت وأيضًا المعلِّمين (أو: الملافنة). ومنع أبواب البحر (آ8)، أي ختمها بالرمل الحقير. وجعله يتدفَّق من الرحم. أي أخرجه وملأه مياهًا من لاشيء. وأيضًا وضع رحم المعموديَّة كنقابِ عدم الموت. وأخرج منه (الماء). وهكذا جعل الغمام لباسه (آ9). أي لكي يُرى وفْرك. والسحاب، أي لكي ينكشف منه. وصنع له عهدًا أي للبحر. وقال: إلى هنا تصل ولا تزيد (آ11). أي صنع له أبوابًا ومغاليق (ليدلَّ) على إشارته ومشيئته. وقال: إلى هنا، قرب الرمل، تصل وتقف. وهنا تلبث. ليُشبع كلَّ الوعر (آ27). أي بواسطة المطر (يشبع) الوعر. من ولد جمد السماء (آ29). أي من وَلد جوهر السماء.

39 (الله) من أفلت حمار الوحش حرًّا (آ5) لئلاَّ يخضع لنير البشر. وأيضًا، رمزُ الثلاّب يجد مثلاً في حمار الوحش. يُدعى الحرّ، لأنَّه لا يخضع لنير البرّ. هذا الذي صنع بيته برِّيَّة، لأنَّه يسكن في قلب الذين يُؤخذون بالعبادات الأرضيَّة. وقايين أيضًا إذ طلب أن يقتل أخاه، قال له: نسير إلى البرِّيَّة. أي إلى بيت حمار الوحش. وهذا أيضًا الذي قال، فحَلَّ في موضع الملح، رمزًا إلى ذهنه، الذي اقتُلع منه الملحُ السماويّ والذي بانَ بلا ثمر على وجه حقله. ففي الأرض المالحة لا يَنبت الشجر المثمر، لئلاَّ يخضع الريم ويفلح لك. الريم، يقولون، إنَّه يشبه الثور؛ ويُوجَد في أرض الجنوب وله قرن واحد. وأيضًا الريم يمثِّل أولئك الذين لا يُستعبَدون لخدمة العالم. فوحيد القرن هو للريح مثل البارّ الذي هو وحيد الحقيقة. وأيضًا الريمُ يُقابَل بالنعام. فوحيد القرن له كما للنعام، فركضُهُ واحدٌ إلى فوق. ويقولون: بسبب قوَّته وسرعته، تصطاده صبيَّة بالزينة والحيلة. هكذا أيضًا النعام في كلِّ من يُقهَر. جناحاه ممجَّدان عظيمان، فيطير ويأتي. جناحاه ممجَّدان من قبل الذي يقولون عليه. يُشبه ويقابل الجماعة (اليهوديَّة) الصالبة. فمن هي التي أكثرت أبناء ليسوا لها، إلاَّ تلك التي ولدت الأنبياء وربَّت الرسل، فتركوها وصاروا أبناء البيعة. واقتنت بيضها وتركته على الأرض وعلى التراب تُحميه (آ14) وتنساه. يعني، لها قلب لا يفهم. وتضع بيضها على الأرض فيُداس ويهلك ولا يكون لها أولاد كثيرون. وهذا من تدبير العليّ، إذ تكثر الأكناف المجيدة فتصنع فسادًا في البشر. وهذا يكون حين تُحميها في التراب، تطمرها وتنساها لأنَّ لها أرجل الطير. أي بسْطُ رجليها يشبه ما للطير. تضحك على الفرس وعلى راكبه (آ18). يقولون أقوالَ الأخبار المكتوبة. فهي تحمل الفرس وراكبه وتطير في الهواء. وأيضًا في معنى آخر ضحكت على الفرس وعلى راكبه، أي جماعة اليهود الشرِّيرة الذين استخفُّوا بالصليب وبالذي ركب فوقه. ولأنَّ الفرس كان أيضًا عليه قال: وهب للفرس الجبروت وأَلبس عنقَه سلاحًا (آ19) لا يرجع من السيف (آ22). تُصلّ عليه (جعبة السهام) ولهيب الرمح والنيزك (آ23). فالجعبة هي ما يحمله المهاجمون ويضعون فيها السهام. بصوت (البوق) قال: أحيني. من بعيد يشمُّ رائحة القتال ويفزع العظماء بصهيله (آ24). هذه التي يقتنيها الحيوان، تقال بالفعل عن الفرس. وفي نوع آخر أيضًا تؤخذ الأمور التي كُتبت عنه في الرمز، عن الشعب المقدَّس الذي ظهر على الأرض وارتاح عليه الربُّ، كما على مركبة الكروبيم. من حكمتك كان العقاب. فالعقاب هو عدوّ العصفور وقاتله. وبهذا يقابَل مع الثلاّب الذي يعتني بأن يقتل نفوس القدِّيسين، ويجتهد بأن يُخفي عليهم النور الصافي، نورَ التدابير الفاضلة. على كلمة فمك يُرفَع النسر، إلخ (آ27). فالنسر هو المسيح. والصخر هو صليبه. وصغاره يلعقون الدم. أي من صدر المسيح يسمَن القدِّيسون، ومن الدم الذي من جنبه تَنعم الشعوب المؤمنة، صغار النسر السماويّ.

40 (الله) ها بهيموت الذي صنعتُ معك (آ15)، أي الحيوان التنِّين. ها هو على اليابسة مثل لاويثان في البحر. يأكل العشب مثل الثور. أي مثل الحيوانات التي بالمأكل الخارج عنها، عندما يدخل إلى بطنها تتقوَّى. قوَّته في متنيه (آ16). يرفع ذنبه مثل الأرز، أي أفضل من أرز لبنان ذنبُه مرفوعٌ منتصب. عروق فخذيه مرفوعة. أي عروق فخذيه مرفوعة أفضل من هكذا. ويتربَّع مختبئًا بين القصب (آ21)، أي لا يكون متربِّعًا في ستر القصب مثل الأسد وسائر الوحوش.

41 (الله) من هو هذا الذي يقف قدَّامي؟ من هو هذا الذي سبقني فأسلِّم له (آ2) أي من سبقني فأسلِّم له بالنصر. تحت كلِّ ما هو تحت سماواتي يخصُّني. ولا أصمت (آ3). هو يدلُّ على أنَّ في ملء الأزمنة المسيح يَقهر الشيطان. هذان يرمزان إلى الشيطان. هما وحشان مدهشان. من كشفَ أيضًا لباسه (آ13). أي ليس من يجرؤ أن يقترب منه. وهنا عريه دائرة أسنانه مخافة في السيل(آ14). أي دائرة أسنانه مخيفة أكثر من المخافة التي في السيل. هو رئيس كلِّ خلائق الله. هو رئيس كلِّ الوحوش بالعظمة والشدَّة. تخرج من فمه قناديل، شرار نار ملتهبة (آ19). لو لم يكن محصورًا ومختومًا بقوَّة أعظم منه، فنفسه تلتهب جمرًا. فالكلمة العبريَّة تفسَّر: تلهب وتشعل وتحرق. واللهب تخرج من فمه. أي لو فتح فمه بالنار الخارجة من فمه، وبنفخة النار التي تدخله. فالنار تأكل وتتجشَّأ، لأنَّ النار تدخل وتخرج، وتُسنَد ولا تتحرَّك. أي لا تتحرَّك لكي تهرب مثل مرتهب. ويثبَّت مثل حجر صلب، أي يملك عليه خوف بلا حدود، لأنَّه صنع للهلاك كلّ رفيع رآه. الآن ليبيِّن أنَّ التنِّين الذي يجعل يابسًا كلَّ ما يلتقي به، لأنَّه جبّار وقويّ وأُرسل كمفسد.

42 لا أجعلكم هزءًا. أي لستم في الضعف الذي يُقيم فيه أيُّوب. أسماء بنات أيُّوب: النهار، قصيعة، قرنفوك. النهار يفسَّر بالنور. أي عبرَتْ ظلمة آلام أيُّوب، وأتى إليه نورُ العزاء. قصيعة تفسَّر أنَّها عود. أي كما أمل الشرِّير أن تبلغ نهاية أيُّوب مثل عود مقطوع، نبتَ له الأمل وأَشرق له الخلاص. قرنفوك تفسَّر على أنَّه قرن رديء. إذ رُفع قرن الشرِّير المعارض بتواضع أيُّوب، سقط (قرنه) إلى تحت ورُفع قرن أيُّوب ووُضع الشرِّير. وكُتب على أيُّوب أنَّ كلَّ ما أخذ من الله تضاعف. عدا الأبناء. من المعلوم أنَّه أعطيَ أيضًا أيّامه مضاعفة. فمن بعد الضربة، مئة وسبعون سنة. ومن المعلوم أنَّه حتّى الخلاص من هذه (الحالة) عاش 85 سنة أي نصف المئة والسبعين سنة، لأنَّه إذ تُجمَع 85 مع 170 تصبح 255 سنة. فالكتاب شهد أنَّه عاش 248 سنة. إذًا هذه السبع سنوات الناقصة هي سنوات الضربة، فكأنَّه كان أقرب إلى الموت منه إلى الحياة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM