الفصل الثالث: أقدم الشهادات الكنسية عن سفر الأعمال

الفصل الثالث
أقدم الشهادات الكنسية
عن سفر الأعمال
متى ذكر أع للمرة الأولى، سواء باسم كاتبه أم عبر إيراد من نصوصه؟ كان وقت أظهر فيه الشرّاح أن أع عُرف في نهاية القرن الأول المسيحي وأنه كان وثيقة لها سلطة نافذة في الكنيسة. لو كان الأمر هكذا، لكان تأليفه حدث في وقت مبكر. ولكن الرأي العام يؤكد اليوم أن أع ألّف سنة 80- 85. سنبدأ بإيراد النصوص ثم علاقتها مع سفر الأعمال وكاتبه.
أ- شهادات حتى سنة 150
1- رسالة أكلمنضوس إلى أهل كورنتوس
دوّنت على ما يبدو في نهاية القرن الأول، وقد جعلها العلماء بين سنة 80 و96، وهي أقرب إلى سنة 96 منه إلى سنة 80. هذه الرسالة هي أقدم وثيقة تشير إلى أع.
أولاً: هناك مقطعان يرتبطان بأستعمال كلمة "موضع، مقام" (توبوس) في أع 1: 5: "ليقوم بالخدمة والرسالة مقام يهوذا". ونقرأ في أكلمنضوس الأولى (5/4): "إن بطرس الذي حمل الشهادة ذهب إلى الموضع الذي يليق به". وفي 5/7: "بعد أ، حمل بولس الشهادة (شهد) أمام الحكّام، ترك هذا العالم وقُبل في الموضع المقدس". ولكن أع لم يكن النموذج هنا. فنحن أمام صورة معروفة في اللغة التقوية، ومستعملة في نصوص عديدة. مثلاً في رسالة أغناطيوس الأنطاكي إلى أهل مغنيزية (5/1) "كل إنسان يذهب إلى موضعه الخاص". في رسالة بولكربوس إلى أهل فيلبي (9/2): "كل هؤلاء هم في الموضع المملوء عدالة لدى الرب". وفي هرماس (9/27: 3): "مقامهم هو مع الملائكة".
ثانياً: نقرأ في أكلمنضوس 2/2: "وكام ملء فيض من الروح القدس على الجميع". هذا ما يذكرنا بنص أع 2: 17: "فيض روحي على كل جسد" (كل بشر) (رج يوء 3: 1). غير أن هذه العبارة الخاصة بعيدة عن فكر لوقا.
ثالثاً: هناك توافق تام بين أكلمنضوس 18/1 وأع 13: 22. قال أكلمنضوس: "قال الله: وجدت رجلاً حسب قلبي، داود بن يسّى. مسحته مع رحمة أبدية". وقال أع: "وجدت ابن داود بن يسّى، رجلاً حسب قلبي".يرتبط هذان المقطعان بنص مز 89: 21 (وجدت داود)؛ 1 صم 13: 14 (رجل حسب قلبه)؛ 2 صم 23: 1 (داود بن يسّى، رج أيضاً مز 72: 20). ومع ذلك نعتقد أن نص أكلمنضوس مأخوذ من أع. تابع لوقا نصّه بهذه الكلمات المأخوذة من أش 44: 28 حسب السبعينية: "الذي يعمل كل ما أشاء". إما أكلمنضوس فيكمّل جملته بكلمات أخذها من مز 89: 21: "مسحته مع رحمة أبدية". بالإضافة إلى ذلك، إن الإيراد المؤلّف من كل هذه الآيات يرتبط بقرائن مختلفة. تحدّث أع من مرضاة الله على داود. أما أكلمنضوس فشدّد على أن داود التقي كان خاطئاً فأحتاج إلى رحمة الله. وأخيراً، إنه لا يُعقل أن يكون أكلمنضوس إنتظر زمناً كتب في إلى أهل كورنتوس ليجمع في فكره صورة الرجل الذي نال مرضاة الله. ففي هذه اللائحة، كما في غيرها من اللوائح، إفترض من التقليد الذي ظهر فيه الإيراد عينه الذي نقرأه في أع. أجل كان هناك كتاب "الشهادات" الذي يجمع نصوصاً يحتاج إليها الواعظ (في حياته في العبرية" الزيت. وكذلك في السبعينية. ولكن المخطوطة الفاتيكانية قرأت: رحمة: مسحته برحمتي).
رابعاً: نقرأ في أكلمنضوس 2/1: العطاء أفضل من الأخذ. ونقرأ في أع 2: 35: "تبارك العطاء أكثر من الأخذ". يبدو أن النصين يستعملان بطريقة مستقلة مثلاً يونانياً واحداً. يعتبره لوقا قولاً من أقوال الرب. ولكن نظرة أكلمنضوس مختلفة.
خامساً: هناك تشابه بين أكلمنضوس 59/2 (الذي دعانا من الظلمة إلى النور) وبين أع 26: 18 (ليتحوّلوا من الظلمة إلى النور، رج أش 42: 7، 16). إن موضوع هذه العبارة في صلاة أكلمنضوس الأخيرة يدل على أننا أمام عبارة ليتورجية. وقد استعملها لوقا كإعلان تلفّظ به الرب الممجّد.
2- أغناطيوس الأنطاكي
دوّنت رسائل أغناطيوس سنة 110- 117. أو ربما سنة 117- 125. ويجعل الشراح استشهاد أغناطيوس بعد سنة 110.
أولاً: ذكرنا أعلاه العلاقة بين الرسالة إلى أهل مغنيزية (5/1) وبين أع 1: 25. نحن أمام صور معروفة في الأدب التقوي.
ثانياً: رسالة أغناطيوس إلى إزمير (3/3): "بعد القيامة أكل وشرب معهم كرجل من لحم ودم". هذا يتوافق مع أع 1: 41: "نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد أن قام من بين الأموات". يلاحظ الشراح أن هذه الموافقة لا تبرهن على أرتباط أغناطيوس بسفر الأعمال، لا سيما وأنه يورد في 3/2 (إذاً، حالاً قبل النص الذي ندرس) إنجيلاً منحولاً. كل ما نقدر أ، نقوله هو أ، أغناطيوس وأع إتبعا تقليداً معارضاً للنزعة الظاهرية (تقول: لم يظهر المسيح في الجسد).
ثالثاً: يستعمل أغناطيوس وأع فكرة " الذئاب" و"الرعاة". نقرأ في الرسالة إلى أهل فيلبي (2/2): "عدد من الذئاب يتظاهرون بأنهم أهل للثقة". وفي أع 20: 29: "وأنا أعرف أن الذئاب الخاطفة ستدخل بينكم بعد رحيلي ولا تشفق على الرعية". كنا يعرف أن الإستعارات عن الراعي والرعاية تؤلف اللغة التقوية في المسيحية الأولى (رج مت 7: 15؛ يو 10: 1 ي).
قد نستطيع هنا أن نعود إلى الراسلة الثانية للقديس بولس إلى تيموتاوس. فالآلام والإضطهادات المذكورة في 3: 11 والتي قاسها بولس في أنطاكية وإيقونية ولسترة، قد تشير إلى أع 13: 50 و14: 15، 19. غير أن ذكر لوئيس، أم تيموتاوس، وأفنيكة جدته (2 تم 1: 5) وأونيسفورس (2 تم 1: 16) (يفصلهم عن أشخاص ذكروا في 4: 10- 12) يشير إلى أن الكاتب عاد إلى ذكريات خاصة تتعلّق بالقديس بولس ولا تعود إلى أع.
3- رسالة برنابا
قال بعضهم دوّنت سنة 150، وقال أخرون سنة 115.
أولاً: قال برنابا في 5/9: "إختار رسله الذين وجب عليهم أ، يعلنوا تعليمه". هذا يعود بنا إلى النص الغربي في أع 1: 2. ولكن التشبيه بين النصين لا يكفي ليدّل على ارتباط برنابا بنص أع.
ثانياً: تكلّم برنابا 7/2 عن ابن الله "الذي سيدين الأحياء والأموات"، فتذكر أع 10: 42: "جعله الله ديانا للأحياء والأموات". نحن هنا أمام شكلين لعبارة كرازة قديمة. في برنابا نجد الفعل (كما في 2 تم 4: 1؛ 1 بط 4: 5 بوليربوس إلى فيلبي 2/1، رسالة أكلمنضوس الثانية 1/1)، وفي أعمال الاسم (ديّان).
ثالثاً: إن برنابا 16/2 يورد أش 66 1: السماء هي عرش. وهذا الكلام وارد أيضاً في أع 7: 49 بلسان أسطفانس. غير أن فكرة رفض الهيكل المشتركة بين برنابا وأسطفانس ترتبط بنصوص توراتية مختلفة. يرتبط برنابا بنص أش 40: 14 (من مسح بسبره السماوات؟) وأع بنص أش 66: 1 (أي بيت تبنون لي؟). قد يكون الأثنان عادا إلى كتاب "الشهادات".
رابعاً: برنابا 19/8. سندرسه مع ديداكي 4/8: ستكون لك شركة مع قريبك في كل شيء... وهكذا تدل رسالة برنابا على إستعمال أكيد لنص أع.
4- ديداكي (منتصف القرن 2) أو تعليم الرسل الأثنى عشر (سنة 110 أو 120- 140) وراعي هرماس
أولاً: إن ديداكي 9/2 و10/2 تسمي يسوع "فتى الله" (بايس تيو)كما في أع 3: 13، 26؛ 4: 27، 30. نحن هنا أ/ام تطبيق لتقليد قديم يوافق العبارات الليتورجية في العالم اليهودي المتأخر (داود عبدك). وعبارة "بواسطة يسوع عبدك" لا ترتبط في ديداكي بفكرة المسيح المتألم.
ثانياً: تقول ديداكي 4/8: "سيكون لك كل شيء مشتركاً مع أخوتك فلا تقول إن شيئاً هو لك، هو خاصتك". ونجد نصاً مقابلاً في برنابا 19/8: "ستكون لك شركة مع قريبك (ستشارك) في كل شيء فلا تق إنه يخصك". أما المرجع الذي عاد إليه هذان النصان فهو التعليم عن الطريقتين. ونقرأ في أع 4: 32: "لا يدعي أحد ملك ما يخصه، بل كانوا يتشاركون في كل شيء لهم". نحن هنا أمام تقليد واحد، وقد يكون أع سبق ديداكي وبرنابا.
ثالثاً: هرماس 9/27: 3: مقامهم هو مع الملائكة (رج 1: ثانياً).
رابعاً: هرماس 9/28: 2: يستعمل عبارة "تألم من أجل اسم ابن الله" (وهناك اختلافة في 9/28: 3، 5، 6: في سبيل الاسم). هذا ما يذكّرنا بنص أع 5: 41: "الله وجدهم أهلاً لقبول الإهانة من أجل اسم يسوع". وقال يسوع عن بولس بفم حنانيا: "سأريه كم يجب أ، يتحمّل من الآلام في سبيل اسمي" (9: 16). ويتكلّم 15: 26 عن برنابا وبولس، وهما رجلان "كرسّا (قدّما) حياتهما (أو خاطر بحياتهما) من أجل اسم يسوع المسيح". وقال بولس عن نفسه: "أنا مستعد للموت من أ<ل اسم الرب يسوع" (21: 13). هلل استقى هرماس من أع؟ هل نحن أمام صور بلاغية مشتركة في المسيحية؟
وهكذا تذكر ديداكي أع في مقطعين، وكذا نقول عن راعي هرماس.
5- رسالة بوليكربوس إلى أهالي فيلبي
قد تكون هذه الرسالة دوّنت بعد سنة 110 وفي تاريخ لا يتعدّى سنة 154. ونحن نجد بينها وبين أع عدة تشابهات تفصيلية.
أولاً: هناك شبه كبير بين بوليكربوس 1/2 (أقامه الله وحرره من سلطان، من قبضة الهاديس أو الجحيم أو مثوى الموتى) وبين أع 2: 24 (أقامه الله وحرره من قبضة الموت). نحن أمام اختلافتين لعبارة كرازية قديمة برزت في الليتورجيا.
ثانياً: هناك عبارة ترد في بداية الكلام: متذكرين ما قاله الرب حين علّم. يتذكر بوليكربوس 2/3 ما في أع 20: 35: متذكرين كلام الرب يسوع. ونقرأ أيضاً في رسالة أكلمنضوس الثانية (17/3): "لنتذكر وصايا الرب". غير أن مضمون إيعاز يسوع مع استعمال عبارة مرنة، يختلف بين بوليكربوس 2/3 وأع 20: 35. من جهة أخرى، يتابع بوليكربوس نصّه متفقاً مع رسالة أكلمنضوس الأولى (13/ 1 ي). قد يكون بوليكربوس وأكلمنضوس عادا إلى مجموعة منحولة قد ضاعت اليوم.
ثالثاً: قال أكلمنضوس في رسالته الأولى (17/1): "الأنبياء الذين أعلنوا مجيء المسيح". فأتفق مع ما يقوله بوليكربوس (6/3): "الأنبياء الذين أعلنوا مسبقاً مجيء ربنا". ونقرأ في أع 7: 52: "الأنبياء الذين أعلنوا مسبقاً مجيء البار". هذا يعني أننا أمام كرم عن مجيء المسيح الأول، يعبّر عنه الكتّاب بطرق مختلفة.
رابعاً: تحدّثنا سابقاً (1: أولاً) عن بوليكربوس 9/2 وعلاقته مع أع 1: 25: كل هؤلاء هم في الموضع المملوء عدالة.
خامساً: يتضمن بوليكربوس (12/1) عبارة "حظ ونصيب" التي نجدها في أع 8: 12: "قال بطرس لسمعان الساحر: لا حظّ (حصة) لك في عملنا ولا نصيب". رج كو 1: 12؛ 14: 27، 29.
سادساً: في بوليكربوس 12/2: "يعطيكم حصة وسط القديسين". هذا ما يذكرنا بنص أع 20: 32: "يمنحكم الميراث مع جميع المقدّسين (أو القديسين)". أو 26: 18 "غفران خطاياهم وميراثاً مع الذين تقدّسوا" (أي الذين صاروا قديسين وهم المسيحيون). نحن هنا أمام عبارة نجدها أيضاً في كو 1: 12 وفي تث 33: 3- 4: "كل القديسين هم في يدك. فرض علينا موسى شريعة أعطيت ميراثاً لجماعة يعقوب".
هل نقول إن بوليكربوس إستقى من أع في رسالته إلى فيلبي؟ هل نقول إن الأثنين إستقيا من معين مشترك؟ الأمران معقولان.
6- رسالة أكلمنضوس الثانية
تعود إلى سنة 130- 170 وهي تقدّم لنا أربعة مقاطع تسبه ما في أع.
أولاً: في 1/1: "يدين الأحياء والأموات". رج أع 10: 42. رج أعلاه (3: ثانياً).
ثانياً: في 4/4 نقرأ: "يجب أن لا نخاف البشر، بل الله". هذا يذكرنا بنص أع 4: 19: "هل الحق عند الله أ، نعطيكم (نسمع لكم) أم أن نطيع الله"؟ وفي 5: 29: "يجب أن نطيع الله لا الناس". هذه الفكرة منتشرة في أماكن عديدة (مثلاً: أكلمنضوس الأول 14/1)، وهي تعبّر عما نجده في مت 10: 28: "لاتخافوا الذين يقتلون الجسد ولا يقدرون أن يقتلوا النفس".
ثالثاً: يتحدّث أكلمنضوس (13/1) عن غفران خطايانا بمجهودنا الشخصي. أما أع 3: 19 فيقول: "توبوا وأرجعوا تُغفر خطاياكم".
رابعاً: نقرأ في أكلمنضوس (20: 5): "الإله الخفي وحده، أب الحق، الذي أرسل إلينا المخلص وأمير الخلود (أو عدم الفساد)". هذا الكلام يرتبط بنص أع 3: 15: "أمير الحياة" و5: 31: "القائد (أو الأمير) والمخلص". نقرأ في عب 2: 10: "أمير (أو: قائد) الخلاص" أي الذي يقود مسيرة الخلاص.
7- يوستينوس الشهيد
هو ابن نابلس في فلسطين وقد ذهب إلى رومة. دوّن دفاعاً عن المسيحيين وحواراً مع اليهودي تريفون. دوّنا بين 150- 160 أو سنة 180 (هناك رأيان).
أولاً: الدفاع 1/39: 3. تكلّم عن الرسل الأثني عشر الذين انطلقوا من أورشليم إلى العالم. كانوا أناساً بسطاء لا يجيدون الكلام. يتذكر يوستيوس أع 4: 13: "تعجّب أعضاء المجلس لأنهم عرفوهما أميين من عامة الناس"، ولكن هذا التطابق ليس برهاناً قاطعاً في حد ذاته. لهذا نقرأه في إطار أ,سع.
ثانياً: الدفاع 1/49: 5: "ولكن الوثنيين لم يكونوا قد سمعوا عن يسوع إلى أن شهد الرسل الذين جاؤوا من أورشليم فشهدوا لهذه الأشياء أمامهم وقدموا لهم النبوءات". حينئذ "إمتلأوا فرحاً وإيماناً ومالوا عن أصنامهم وتكرسوا لله الآب عبر المسيح". نجد هنا تلميحاً إلى أع 13: 48: "سمع الوثنيون (ما قاله بولس) ففرحوا".
ثالثاً: الدفاع 1/12. نجد هنا إيراداً يدل بلا شك على ما كتبه لوقا في الإنجيل وفي أع. يعود يوستينوس إلى لو23: 49 أ مجملاً خبر الآلام، ثم إلى لو 24: 25، 44- 45 (المسيح يتألم ويقوم من بين الأموات). ثم يتحدث عن الصعود ومنح الروح القدس مستعملاً عبارة مأخوذة من أع 1: 8: "ستنالون قوة من العلاء". إليك نص يوستينوس: "بعد أن صُلب تخلّى عنه كل معارفه وأنكروه. وفيما بعد، حين قام من بين الأموات وتراءى لهم وعلّمهم العودة إلى النبوءات التي فيها أعلنت الأشياء التي حصلت، وحين رأوه صاعداً إلى السماء، ونالوا القوة التي أرسها من هناك، ذهبوا إلى كل البشر وعلّموهم هذه الأشياء وعرفوا أنهم رسل".
رابعاً: في دفاع 2/10: 6 نقرأ عبارة الإله المجهول، وهذا ما يذكرنا بنص أع 17: 23: "وجدت مذبحاً مكتوباً عليه: إلى الإله المجهول".
ونزيد هنا أن أوسابيوس القيصري نقل إلينا أقوالاً من بابياس تلمّح إلى إنجيل لوقا وإلى سفر الأعمال. تحدّث بابياس عن يهوذا ويوستوس وبرسابا. ولكن يبدو أنه عرف هذه الأسماء من مرجع آخر غير أع. فهو لم يقل كلمة واحدة لا عن لو ولا عن أع، وهذا ما يجعلنا نشكّ بأنه عرف كتاب لوقا بجزئيه (لو- أع).
إن هذه اللمحة السريعة تبيّن أمرين. الأول، لا شكّ في أننا وجدنا عبارات مشتركة بين أع والأباء الرسوليين، إلا أنها عبارات عرفها التقليد المسيحي الأول وليس أع وحده: لم يحسب أع كتاباً له سلطة عقائدية حتى نصف القرن الثاني. الثاني: إن الكتّاب اللذين أخذوا عن أع منذ أكلمنضوس الروماني حتى بوليكربوس دلوا على أن اللغة التي انتشرت بعد العهد الرسولي قد عرفها صاحب أع واستعملها طوعاً. هذا يعني أنه تنشّق روح عصره. ولكن لماذا لم يُعرف هذا الكتاب قبل ذلك الوقت ككتاب كنسي؟ الجواب: لم يكن أع كالإنجيل. ولم تكن العادة أ, الضرورة بأن يقدّم تعليم أو وعظ عن أع. ولكن بسبب إرتباطه بالإنجيل الثالث، سمح له بأن يدخل في قانون الأسفار المقدّسة.
ب- بعد منتصف القرن الثاني
وخطت الكنيسة خطوة هامة بعد يوستينوس.
1- ايريناوس
استعمل ايريناوس أع في صراعه مع الغنوصيين. انطلق منه، فبيّن وحدة التعليم الرسولي، وأورد مقاطع عديدة لا سيما في "ضد الهراطقة" الكتاب الثالث 12/1- 15. تحدّث عن صاحب أع قال: كان لوقا تابعاً لبولس. دوّن في كتاب الإنجيل الذي وعظه بولس (ضد الهراطقة)، الكتاب الثالث 1/1). لم يقدّم لوقا اسناداً لكلامه هذا. ولهذا نستطيع أن نفترض أنه يشير إلى المقاطع البولسية التي يسميها الرسول "إنجيله" (روم 2: 16. كان اوسابيوس القيصري أول من ناقش مسألة إنجيل بولس مطوّلاً. التاريخ الكنسي 3/4: 6). وبرهن ايريناوس أ، لوقا كان رفيق بولس الدائم في نشر الإنجيل، إنطلاقاً من مقاطع أع التي ترد في صيغة المتكلم الجمع. أما لماذا أخفى لوقا اسمه؟ فلأنه كان متواضعاً. وفي 2 تم 4: 10 ي وكو 4: 14، يؤكد بولس نفسه أن لوقا يشاركه في العمل ولا يفارقه (الكتاب الثالث 14/1). وفي النهاية يعلمنا ايريناوس أن لوقا كان تلميذ ورفيق الرسل. فقد قال في ½: شهود عيون سلّموها إلينا (الكتاب الثالث 10/1؛ 14/2).
إن التقليد اللوقاوي الذي قدّم ايريناوس خطوطه، قد اتخذه كله من كتاب لوقا بجزئيه. لم يلجأ ايريناوس إلى مراجع غريبة ليتعرف إلى لوقا، بل اكتفى بالإنجيل وسفر الأعمال.
2- قانون موراتوري
يعود إلى نهاية القرن الثاني. يعتبر أن أع هو من تأليف لوقا فيقول: "دوّنت أعمال كل الرسل في كتاب واحد. جمع لوقا من أجل الشريف تيوفيلوس أموراً عديدة حدثت أمامه. وهذا واضح، لأنه أغفل ذكر آلام بطرس كما لم يذكر سفر بولس من مدينة (رومة) إلى إسبانية". أما بالنسبة إلى لوقا، فيقول قانون موراتوري: "الإنجيل الثالث هو حسب لوقا. فبعد صعود (قيامة؟) المسيح، أخذ بولس الطبيب لوقا هذا كخبير في طريقة التعليم فألّف الإنجيل باسمه الخاص. هو لم ير الرب في الجسد".
هنا نذكر المقدمة الإنجيلية التي تسمى "خطأ" المقدّمة المناوئة لمرقيون: "كان لوقا من أنطاكية سورية. وكانت مهنته الطبابة. كان تلميذ الرسل، وفيما بعد تبع بولس حتى استشهاده. خدم الرب فلم يصرفه عن خدمته شيء. لم يتزوّج ولم يكن له أولاد. وعاش حتى الثمانين (يقول النص اللاتيني: السبعين) من عمره في بيوثية (اليونان)، وكان ممتلئاً من الروح القدس". وينبع هذا الكلام جدال طويل حول تأليف إنجيل لوقا ثم ختام: "وبعد هذا، كتب لوقا نفسه أعمال الرسل".
3- كتّاب آخرون
لم نحصل إلا على القليل من المعلومات عند هؤلاء الكتّاب. فحسب أكلمنضوس الأسكندراني، ترجم لوقا الرسالة إلى العبرانيين إلى اليونانية من أجل بولس. من الواضح أننا أمام افتراض يحاول أن يفسّر نسبة هذه الرسالة إلى بولس. وانطلق ترتلانس من الإعتبار القائل إن السل هم كتّاب الأناجيل. وزاد: تلاميذ الرسل. فمرقس هو تلميذ بطرس ولوقا تلميذ بولس. وقال اوسابيوس إن لوقا من أنطاكية كان طبيباً، ورفيق بولس، وارتبط بعلاقات وثيقة مع سائر الرسل. قرأ كلمة "ياسين" اليونانية لا على أنها تعني كل شيء، بل كل شخص، فدلّ على أن لوقا تبع الرسل كلهم.
وكرّر ايرونيموس المعطيات التقليدية، ولكنه زاد في كتابه "الرجال المشهورين" (ف 7) بعض تفاصيل جديدة: امتد سجن بولس لا سنتين، بل أربع سنوات من عهد نيرون، وكان لوقا معه. ويقول ايرونيموس: "من هنا نفعم أنها ألّف كتابه في تلك المدينة عينها" (أي في رومة). ويؤكد ايرونيموس في مقدمته إلى إنجيل متى أن لوقا دوّن الإنجيل في أخائية وبيوثية. وهذا يؤكد ما قاله ايرونيموس في مكان آخر: إن لوقا توفي في تيبة (اليونان). من أين جاء ايرونيموس بهذا التقليد؟ هذا ما لا نعرفه.
وتوقف ايرونيموس عند أسلوب لوقا: لغته اليونانية أفضل من لغة سائر الإنجيليين. فلا عجب في ذلك وهو من درس ونشر إنجيله بين اليونانيين. لهذا فهو يغفل كلمات لا يستطيع ترجمتها إلى اليونانية. وإن لغته في الإنجيل والأعمال هي من الرشاقة بحيث تدل على أسلوب كتابي إقتبسه وهو في العالم.
وهناك مشكلة بالنسبة إلى ايرونيموس ترتبط بيونانية لوقا: استعماله للسبعينية حتى في حال عدم توافق العبرية مع اليونانية. يقدم ايرونيموس تفسيرين. الأول: يستعمل لوقا، شأنه شأن الرسل والعاملين والرسوليين، شكل النص الذي يأخذ به المسيحيون الآتون من العالم الوثني. كان للسبعينية سلطة كبيرة. الثاني: لمّح ايرونيموس مراراً إلى ضعف لوقا المشهور في معرفة العبرية.
ونذكر في هذا المجال حوار أدامنتيوس وعنوانه: في الإيمان المستقيم بالله. قال: لم يكن مرقس ولا لوقا من تلاميذ المسيح. فلماذا كتب هذان التلميذان إنجيلاً؟ أجاب أدامنتيوس: كانا من التلاميذ السبعين.
وننهي ب "المطلع المونارخياني" سواء كتبه، برسكيليانس أم لا. إنه يعطينا تقليداً عن لوقا المحامي في القرن الرابع ويزيد كلاماً تتطلبه التقوى والعمر الطويل: كان لوقا خادماً للرب بلا عيب. لم يكن له إمرأة ولا أولاد ومات وهو ابن 74 سنة في بيثينية (تركيا) وكان مملوءاً من الروح القدس. ولكن التقليد القديم جعل لوقا يموت وهو ابن 84 سنة على مثال حنّة النبية (لو 2: 37). ثم أيكون المطلع لم يحسن قراءة بيوثية فكتب بيثينية وهو ويفكر في بيت عنيا، موطن مرتا ومريم (لو 10: 38 ي)؟
الخاتمة
مهما كانت نوعيّة المعلومات التي جمعناها من التقليد، فنحن نعود إلى ما كتبه لوقا نفسه. كانت عمليه الأختيار بين النصوص ونقدها ممكنة، ولكنها لم تكن ضرورية، بعد أن حدّثنا 2 تم 4: 1 عن بولس وأورد لنا اسمه (لوقا وحده هو معي). إن اليقين الداخلي في كتابي لوقا يدلّ على أن لوقا هو كاتبهما، وهذا ما ابرز أهمية كل التقاليد التي جمعناها. ولكن منذ وقت قصير، نظر الشراح إلى هذه التقاليد نظرة نقدية بعد أن ظلت أجيالاً عديدة بعيدة عن الجدل وقرئت باحترام كبير. لهذا وجب علينا أن نتتبع تاريخ النقد الكتابي في أبحاث العلماء حول أعمال الرسل منذ نهاية القرن الثامن عشر.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM