كتاب أفضال يوحنّاالمنقول عن اللاتينيّة : الفصل21-22-23.

كتاب أفضال يوحنّا([1])المنقول عن اللاتينيّة : الفصل21-22-23.

الفصل الحادي والعشرون

ما كان أرسطوديم آمن بعد، ولامه الشعب على عدم إيمانه. ولكنَّه التفت إلى يوحنّا وقال: «يبقى بعدُ شيءٌ تعمله: إذا أعدتَ الحياةَ باسم إلهك إلى هذين الرجلين الميتين بنتيجة السمّ، تزيل كلَّ شكٍّ من عقلي». وحين تكلَّم هكذا، ثار الشعبُ عليه قائلاً: «نحرقك أنت وبيتك إذا أتعبتَ الرسول هكذا بخطاباتك». وإذ رأى يوحنّا أنَّ ثورة خطيرة ترتفع، طلب الصمت وقال لجميع الحاضرين: «أولى الصفات الإلهيَّة التي يجب أن نقتدي بها هي الصبر التي تجعلنا نحتمل جهالة الذين لا يؤمنون. وإذا كان أرسطوديم ما زال مقيَّدًا برباط اللاإيمان، فنحن نحرِّره منه، ليُجبَر متأخِّرًا أن يعترف بخالقه ولن أتوقَّف عن القيام بهذا العمل إلى أن تُشفى جراحه. وكما أنَّ الأطبّاء يجدون بين أيديهم مريضًا يحتاج إلى عناية، كذلك أرسطوديم، إن كان لم يُشفَ بعد بما صنعتُ، فسوف يُشفى بما سوف أصنع».

ودعا الرسول أرسطوديم إلى قربه وأعطاه قميصًا ولبث مرتديًا معطفه (مت 5: 40). فقال أرسطوديم: «لماذا تعطيني قميصك؟» فأجابه يوحنّا: «لكي تخزى في لاإيمانك وتتخلّى عنه». فقال له أرسطوديم: «وكيف تجعلني قميصُك أعود عن لاإيماني؟» فأجاب الرسول: «اذهب وأَلبسْه جسدَي الميتين([2])، وقلْ: "أرسلَني رسولُ يسوع المسيح ربِّنا لكي تقوما باسمه"، بحيث يعرف الجميع أنَّ الحياة والموت خاضعان ليسوع المسيح ربِّنا».

ففعل أرسطوديم ما أمره يوحنّا، وإذ رأى أنَّ الميتين قاما، ركع أمام الرسول، وأسرع إلى القنصل وهتف: «اسمع لي، اسمع لي، أيُّها القنصل. أظنُّ أنَّك تذكر أنِّي حرَّكتُ مرارًا غضبك على يوحنّا، وأنِّي كلَّ يوم حِكْتُ المؤامرات لكي أحمل إليه الأذى. لهذا أخاف أن أحرِّك غضبه: إنَّه إله مُخفًى وراء وجه إنسان([3]): شرب السمَّ فما أحسَّ بسوء. وليس هذا فقط، بل أعاد إلى الحياة من قتلهما السمُّ حين أعطاني قميصه لأضعه على جسديهما وليس فيهما أيُّ أثر للسوء الذي أصابهما».

وإذ سمعه القنصل قال: «ماذا تريد أن أصنع؟»

فأجاب أرسطوديم: «نمضي ونسقط عند قدميه ونفعل كلَّ ما يأمرنا.» عندئذٍ جاءا وركعا أمام الرسول وطلبا غفرانه. فاستقبلهما يوحنّا باللطف، وقدَّم لله صلواتهما وشكرهما، وأمر كلَّ واحد منهما بأن يصوم أسبوعًا. ثمَّ عمَّدهما باسم ربِّنا يسوع المسيح، ووالده القدير والروح القدس الذي ينير البشر. وحين اعتمدا مع كلِّ أسرتهما وعبيدهما وأقاربهما، حطَّما جميع الأصنام وشيَّدا كنيسة باسم يسوع المسيح.([4])

الفصل الثاني والعشرون

ولمّا صار الرسول في عامه السابع والتسعين، تراءى له الربُّ يسوع مع تلاميذه وقال له: «تعالَ إليَّ، لأنَّ الوقت حان لكي تشاركني في وليمتي (مت 8: 11) مع إخوتك». فنهض الرسول. وأضاف الربُّ: «وتأتي أيضًا إلى عيد قيامتي، الذي هو بعد خمسة أيّام»([5]). وحين تكلَّم هكذا، صعد إلى السماء ولما حلَّ يومُ العيد، جاء جمهورٌ كبير جدًّا إلى الكنيسة التي شيِّدت باسم يسوع. وعند صياح الديك([6])، حين أتمُّوا أسرار الله، توجَّه الرسول إلى الشعب كلِّه بهذا الكلام، حوالي الساعة الثالثة من النهار:

«يا رفاقي ووارثي الملكوت معي، رأيتم ما تنازل الربُّ يسوع فأجرى بأيدينا. كنّا خدَّام مشيئته، ولكنَّه صاحب الأعمال التي بَدَوْنا أنَّنا عملناها والتي كانت تَتمُّ بأمره. نلنا منه المواهب والراحة والخدمة والمجد والإيمان والشوتفة والنعمة وكلَّ ما ارتضى بأن يهبنا. ووزَّعْنا كلَّ ما وهبَنا. فيه تحاورنا، فيه ابتهجنا، فيه حيينا. ولكنَّه الآن يدعوني إلى عمل آخر يجب أن يتمَّ في الربّ: أرغب أن أترك هذا العالم وأكون مع الربِّ([7]) لكي يتنازل ويمنحنا أخيرًا ما وعدَنا به فيما مضى. ماذا أترك لكم بمثابة شهادة؟ ولكن عندكم عربونه. عندكم وديعة وداعته وورعه. هو يمكث فيكم ويرضى بكلِّ الذين يعيشون في العفَّة. وليكن طعامكم أن تعملوا مشيئة الآب الذي في السماء (يو 4: 34)،

ليتكلَّل فيكم بالغار الذي رتَّبه بنفسه بعد أن صنع لنفسه إكليل زهور صبغها بدمه.

«أيُّها الربُّ يسوع، إحمِ برحمتك الحانية كنيستك التي شيَّدتَها لك وحدك. أنت وحدك رحيم، يا ربّ! أنت وحدك رؤوف! أنت وحدك المخلِّص المستقيم! أنت أصل الخلود والينبوع الذي يحمي من الفساد! قدِّسْنا وامنحنا نعمك». وأضاف الرسول: «يا الله، أنتَ وحدك المخلِّص، أنت تنازلت وأعدتَ الحرِّيَّة لهذا الشعب بحاش (بآلام) ابنك، فتنازلْ يا ربّ، واحمه على الدوام، واحفظه في ممارسة مبادئك وفي وفرة أعمالك الصالحة، اسمع صلواتِ عبدك المتواضعة. وجِّهْ شعبك الذي تكرَّسَ ليحفظ شرائعك. اسهر على الشعب الذي تبنَّيتَه والذي ارتضيت أن تدعوه أبناءك. قُدْه ليلاً ونهارًا في طريق وصاياك بابنك الوحيد والمبارك الذي اختارنا لنكون تلاميذه، والذي جعلَنا رعاة قطعانه، الذي هو ملك، أيُّها الآب، والذي يملك مع الروح القدس إلى دهر الدهور».

الفصل الثالث والعشرون

وبعد أن أنهى الرسول صلاته، أمر بأن يُعطى رغيف خبز. وإذ رفع عينيه إلى السماء، باركه. وإذ كسره وزَّعه على الشعب كلِّه: «لتكن حصَّتي معكم ولتكن حصَّتكم معي». وقال في الحال لأخيه الذي يُدعى برُّوس([8]) بأن يأخذ معه أخوين آخرين، فيحملان معهما سلَّتين ومعولاً، ويتبعانه. وإذ خرج بطمأنينة تامَّة، أمر الشعب بأن يبتعد. وحين وصل قربَ مدفن، قال أحد الإخوة للشابَّين اللذين أتى بهما برّوس: «احفرا، يا ولديَّ». وشرعا يحفران حسب أمره، وحثَّ سائرَ الإخوة أن يتبعوا الربَّ، وبناهُم كلَّهم بكلمة الله. وهكذا لم يَبدُ متكاسلاً ساعة الشابّان يعملان.

وحين صارت الحفرة كما يريدها، لم نتوقَّع ما سوف يعمل. فخلع ثوبه وبسطه في هذه الحفرة. وإذ لبث مرتديًا بقطعة كتّان واحدة، بسط يديه ودعا الله قائلاً: «يا الله، أيُّها الأب القدير. وأنت أيُّها الربُّ يسوع، يا من تعلَّقتَ بعبدك تعلُّقًا خاصًّا. أنت يا من أخبر عنك الآباء وأنبأ بك الأنبياء. أنت أشفقتَ على البشر وغفرتَ لنا خطايانا. أنت أرسلت رسلك ليجمعوا الشعوب كلَّها. أنت سقيت أولئك الذين ارتووا من كلمتك. أنت تُلطِّف الأشرار وتملأ الضعفاء بنعمة روحك. تقبَّلْ نفس يوحنّا، عبدك، الذي اخترتَه منذ صغره ولكنَّك تأخَّرت في أن تدعوه إليك. أنت يا ربّ، حفظتَ عبدك من كلِّ اتِّحاد مع النساء([9])، أتضرَّع إليك يا من تراءيتَ لي حين كنت شابًّا وانطلقتَ بي نحو الأعراس، فقلتَ لي: "أنت ضروريٌّ لي، يا يوحنّا، وأنا أطلب عملك".

ولكن حين دفعتْني حرارةُ الشباب، ظننتُ أنَّني أستطيع أن أحفظ وصيَّتك. وإذ حذرتُ من نفسي بأن تكون لي القوَّة لكي أحفظ عفَّتي، وعقدتُ النيَّة على الزواج([10])، عاقبتَني يا ربّ في لطفك، وضربتَ جسدي بالمرض دون أن تسلِّمني إلى الموت. أخيرًا أملتَني بمانعٍ خفيف من التفكير بالزواج، لأنَّك قلتَ لي على البحر: "يا يوحنّا، لو لم تكن لي لسمحتُ لك بأن تأخذ زوجة". إذًا بموهبة من قِبَلك تنازلتَ وكبحتَ ولجمتَ تحرُّكات اللحم (والدم) وألهمتَني بالإيمان أن لا شيء أثمن لي من التعلُّق بك. دعوتَني من الموت إلى الحياة، من العالم إلى ملكوت الله، من مرض النفس إلى الصحَّة. أنتَ الشريعة التي تنظِّم حياتي، والإكليل بعد قتالي. فآتي إليك، يا ربّ، آتي إلى وليمتك، آتي لأشكرك، أيُّها الربُّ يسوع المسيح، لأنَّك تنازلتَ ودعوتني إلى وليمتك. أنت يا من رغبتُ فيك بكلِّ قلبي. رأيتُ وجهك فأُعدتُ كما من قبر. رائحتُك حرَّكتْ فيَّ الرغبات الأبديَّة. صوتك مملوء عذوبة بعذوبة العسل، وكلامك مملوء بسموٍّ لا مثيلَ له. كلَّ مرَّة صلَّيتُ إليك لتتركني آتي إليك، كنتَ تقول: "انتظر لكي تنجِّي شعبي". وحفظتَ جسدي من كلِّ نجاسة ونوَّرتَ نفسي دومًا، وما تخلَّيتَ عنِّي حين كنتُ في المنفى وحين رجعتُ من هناك، ووضعتَ في فمي كلمة الحقِّ لكي أقدر على الاحتفاظ بذكر شهادات قدرتك. وكتبتُ المؤلَّفات التي رأيتُ بعينيّ، والكلمات التي سمعتُ بأذنيّ، من فمك. والآن يا ربّ، أوصِّيك بالأبناء الذين ولدَتْهم بالماء كنيستُك البتول والأمُّ الحقيقيَّة، والروح القدس. تقبَّلْني لكي أكون مع إخوتي، بعد أن دعوتني لأنضمَّ إليهم. إفتَح لي أبواب الحياة التي أقرَعُ. لا يُسرِعْ إلى أمامي رؤساءُ الظلمات. ولا تأتِ قَدَمُ الكبرياء عليَّ ولا تلمسْني يدٌ تكون غريبة عنك، بل تقبَّلني بحسب كلمتك واقتدْني إلى وليمتك التي يشارك فيها معك جميعُ أصدقائك، لأنَّك المسيح ابن الله الحيّ، يا من خلَّصتَ العالم بحسب أمر أبيك. تنازلتَ وأطلقتَ لنا روحك القدُّوس لكي يحفظ فينا ذكرَ وصاياك. نشكرك بهذا الروح عينه في جميع دهور الدهور».

وحين أجاب الشعبُ كلُّه «آمين»، تراءى فوق الرسول خلال ساعة كاملة نورٌ ساطع جدًّا بحيث لم يستطع أحد أن يتطلَّع إلى لمعانه. وإذ رسم يوحنّا إشارة الصليب على شخصه كلِّه، قال: «أيُّها الربُّ يسوع، أنت وحدك معي». وارتمى على القبر حيث سبق له وبسط ثيابه، وقال لنا: «ليكن السلامُ معكم، يا إخوتي». وإذ بارك الشعبَ كلَّه وقال وداعًا، جعلَ نفسه حيًّا في القبر وأمره بأن ينفتح وهو يمجِّد الربّ، وفي الحال أسلم الروح.

وبيننا، نحن الحاضرين، بعضهم استسلم إلى الفرح، وآخرون شرعوا يبكون. فرحْنا لأنَّنا شاهدنا نعمة عظيمة، واكتأبنا لأنَّنا حُرمنا من حضور الرسول ونظره. وفي الحال، خرج من القبر مَنٌّ([11]) رأته عيون الجميع، وهذا الموضع يُنتج اليوم بعد، وتجري فيه عجائب كثيرة. وبصلوات الرسول يُشفى المرضى من كلِّ داء، وكلُّ إنسان ينال فيه ما طلب في مناجاته.

تلك كانت حياة يوحنّا الطوباويّ، الذي عنه قال الربُّ لبطرس: «إذا شئتُ أن يبقى إلى أن أجيء، ما يهمُّك؟ أنت اتبعني» (يو 21: 22). هذا يعني أنَّ بطرس الطوباويّ سوف يمجِّد الربَّ حين يموت على الصليب. ورقد يوحنّا فجأة في الربّ، بربِّنا يسوع المسيح الذي يكلِّل قدِّيسيه بإكليل الغار والذي هو المديح الأبديّ وانتظار جميع مختاريه. له المجد الأبديّ والقدرة والقوَّة في دهر الدهور. آمين.

 


[1](1) Virtutcs Johannis

[2](1)  رج أع 19: 12 حيث ثياب الرسل تصنع العجائب.

[3](2)  رج أع 14: 11. ذاك ما قاله أهل لسترة أمام المعجزة التي حصلت بيد بولس: «تشبَّه الآلهة بالبشر ونزلوا إلينا».

[4](3)  كانت كنيسة محفورة في الصخر وصغيرة كادت تسقط في زمن الإمبراطور يوستنيان، فأصلحها ووسَّعها. راجع Procope، أبنية يوستنيان الإمبراطور، 5.

[5](1)            قد يكون عيد القيامة، أو يوم الأحد المقبل، لأنَّ كلَّ أحد هو تذكُّر للقيامة.

[6](2)            اعتاد المؤمنون الأوَّلون أن يجتمعوا عند طلوع الصبح من أجل احتفالاتهم. ترتليان، إكليل الجنديّ، 3.

[7](3)            فل 1: 23. ذاك كان كلام بولس أيضًا.

[8](1) Byrrhus. نتذكَّر الشمّاس برّوس في رسالة أغناطيوس الأنطاكيّ إلى أهل أزمير. ولكن بما أنَّنا في العالم اليونانيّ، فقد يكون الاسم Pyrrhus

[9](2) تحدَّث جيروم عن يوحنّا الرسول ويوحنّا المعمدان اللذين «خصيا» نفسيهما. ودعا ترتليان يوحنّا «خصيّ يسوع المسيح». الزواج الواحد، de monogamia, IV

[10](3) ظنَّ بعض الشرّاح المتأخِّرين أنَّ يوحنّا هو عريس عرس قانا الجليل. ولكن لا أساس لهذا الكلام.

[11](4) كما في برِّيَّة سيناء (خر 16).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM