الفصل التاسع والعشرون والفصل الثلاثون والفصل الحادي و الثلاثون

الفصل التاسع والعشرون

ولمّا وصلنا إلى الموضع الذي فيه يصنع قينوبيس مدهشاته، رأينا جمعًا كبيرًا من نساء ورجال يقدِّمون البخور([1]) لهذا الساحر، ويسجدون أمامه. وكان يرافقه شيطانان أخذا شكل رجلين تظاهرا أنَّه أقامهما من الموت. وصفَّق قينوبيس بيديه، وصنع ضجَّة عظيمة، وارتمى في البحر. فقال الشعب: «يا قينوبيس العظيم!» وقال الشيطانان للجمع: «انتظروا. مات قينوبيس وسوف يقوم». فقال يوحنّا للشيطانين: «يا روحين نجسين، آمركما بأن تلبثا هنا ولا تتحرَّكا إلى أن أنهي صلاتي». وفي الحال، رفع الرسول يديه نحو السماء، ورتَّب ذراعيه بشكل صليب وصلَّى قائلاً: «أيُّها الربُّ، يا من سمعتَ صلاة موسى فمنحت لإسرائيل النصر على عماليق([2]). أيُّها الربُّ يسوع المسيح، يا ابن الله الحيّ، ألقِ قينوبيس هذا في قعر اللجَّة، بحيث لا يرى النور ولا يستطيع أن يُضلَّ البشر».

ولمّا أنهى يوحنّا صلاته، أسمعَ البحر ضجيجًا كبيرًا وتحرَّكت أمواجه في الموضع الذي ارتمى فيه قينوبيس. ومنذ ذلك الوقت، ابتُلع وما رآه أحد. فأمر يوحنّا الشيطانين اللذين اتَّخذا شكل رجلين قاما من الموت أن يخرجا حالاً من البلاد. وإذ سمع الشيطانان هذا الأمر المُعطَى باسم يسوع المسيح الذي أراد أن يُصلب لخلاص البشر جميعًا، اختفيا حالاً. ولمّا رأى الجمع أنَّ الميتين اللذين ظنُّوهما عادا إلى الحياة، اختفيا، غضبا عليه، وكبر سخطُ الشابِّ الذي ظنَّ أنَّه استعاد أباه، والأب الذي تخيَّل أنَّ ابنه أعيد إليه، فهدَّدا يوحنّا، وقال الحاضرون: «لو كنتَ رجل خير، لا تدمِّرُ ما رُدَّ بل تَردُّ ما دُمِّر، ولكنَّك ساحر تحسد قينوبيس وقد أزلتَ الحسنات التي منحنا». وقال بعضهم: «لا تسيئوا إليه حتَّى يعود قينوبيس وعندئذٍ يسلِّمه إلى الدينونة الأبديَّة.» واتَّخذوا هذا الرأي الموافق لما قاله قينوبيس، ولبثوا على شاطئ البحر ثلاثة أيّام دون أن يأخذوا طعامًا. وكانوا يصيحون: «يا قينوبيس القدير، أعنَّا». وسقط عددٌ كبير منهم مرضى بسبب الانقطاع عن الطعام والصراخ الذي يطلقون. وسقط كثيرون بعد أن أضاعوا الوعي وماتوا.

الفصل الثلاثون

حين رأى يوحنّا أنَّهم يموتون بشكل تعيس، تحرَّكت العاطفة عنده وأخذ يبكي قائلاً: «يا ربَّنا يسوع المسيح، أنتَ أرسلتني إلى هذه الجزيرة لخلاص سكّانها. فأعطهم فهم القلب بحيث لا يهلك واحد منهم». وعزَّاهم قائلاً: «يا إخوتي، اسمعوني بأناة. ها مرَّتْ أربعة أيّام وأنتم ما أكلتم، وتواصلون صيامكم منتظرين ذاك الذي لا يعود. فاعلموا أنَّه بعقاب عادل من الله، سقط قينوبيس في الهلاك الأبديّ. إذًا، أرجوكم لينسحبْ كلُّ واحد منكم إلى بيته وخذوا طعامًا لكي تحفظوا حياتكم». وبعد أن تكلَّم هكذا، أتى إلى الذين سقطوا من التعب وصلَّى عليهم قائلاً: «أيُّها الربُّ يسوع المسيح، أنت تدعو في اليوم الأخير من الموت بصوت البوق، الناس الذين رقدوا وتركوا هذا العالم. فمُدَّ نعمتك على هؤلاء الناس الذين ماتوا لكي يعودوا إلى الحياة». وفي الحال نهضوا. وإذ رأت الجموع هذه المعجزة ركعَتْ أمام يوحنّا وعبدَتْه قائلة: «يا معلِّم، نحن نعرف الآن أنَّك جئت من لدن الله» (يو 3: 2). فقال لهم يوحنّا: «امضوا إلى منازلكم وخذوا بعض الطعام والقوت لنفوسكم. فأنا أمضي إلى ميرون الذي اهتدى إلى يسوع المسيح. ثمَّ أمضي إليكم وأعطيكم ما هو ضروريّ لكم». فمضى كلُّ واحد إلى بيته.

ومضينا من جهتنا إلى بيت ميرون، فكان الفرح كبيرًا حين وصلنا. ووضع ميرون المائدة فأخذنا الطعام معه. وعند طلوع الصبح، اجتمع كلُّ السكّان تقريبًا أمام بيت ميرون، قائلين: «يا ميرون، تستحقُّ خيرات عظيمة بسبب رجل الله والمعلِّم الصالح الذي كشف نفسه لنا بواسطتك». فاقتدْه إلى الخارج لدينا لكي نتقبَّل منه كلمة الإيمان.» فظنَّ ميرون أنَّهم يكلَّمونه هكذا بخداع لكي يجتذبوا إليهم يوحنّا ويقتلوه. ولكنَّ يوحنّا قال له: «لا تقلق، يا أخي، ولا تخف، فأنا أثق بإلهي الذي صُلب من أجلنا، وما من نيَّة سيِّئة لدى هؤلاء الناس». فخرج إذًا، فهتفت الجموع: «أنت مخلِّص نفوسنا، أنت الربُّ العظيم والإله الذي ينير الإنسان بنور أبديّ.» وحين سمعهم يوحنّا يتكلَّمون هكذا، مزَّق ثيابه([3]) وغطَّى رأسه بالتراب، وصنع إشارة بيده طالبًا الصمت. فصمتوا كلُّهم مرتعبين. فصعد يوحنّا إلى مكان مرتفع وقال: «لا تضلُّوا يا إخوتي، ولا تجدِّفوا. فأنا لست بإله». وفتح الكتب المقدَّسة وبدأ بموسى فشرح لهم ما قال الإنبياء([4]) عن ابن الله، وكيف أرسل الله على الأرض ابنه المولود من امرأة (غل 4: 4) لخلاص البشر. قال: «أنا خادم غير أهل لابن الله الحيّ. أرسلَني إلى هذه الجزيرة لكي أخرجكم من الضلال. وباسمه وبقدرته أنا أصنع جميع المعجزات التي ترون». وبعد أن علَّمهم بحسب الكتب المقدَّسة، عاد إلى بيت ميرون، فجاء إليه كثيرون وطلبوا منه أن يعمِّدهم. وبعد أن علَّمهم، عمَّدهم باسم الآب والابن والروح القدس.

الفصل الحادي والثلاثون

وفي الغد، خرج يوحنّا معي، مع ميرون ومع ثلاثين معتمدين جدد، فمضينا إلى الحلبة حيث يتمُّ سباق الخيل. كان هناك يهوديٌّ اسمه فيلون متضلِّع في معرفة الشريعة، وكان يُقيم في هذا المكان. فشرع يوحنّا يسأله بالنسبة إلى كتب موسى والأنبياء. فأجاب اليهوديّ بحسب حرف النصّ. ففسَّر يوحنّا بحسب الروح. وإذ لم يتوافقا، قال فيلون: «لا نصل إلى فهم التاريخ عبر جدالات طويلة، ولكن بقلب نقيّ ولا عيب فيه، وبإيمان مستقيم يرضي الله». ولمّا قال هذا الكلام، توقَّف يوحنّا عن مكالمته. وليس بعيدًا من هناك، رقد رجل تُعذِّبه الحمّى القويَّة وكان بقربه شابّ. فلمّا رأى يوحنّا عابرًا ويرافقه جمعٌ كبير، أخذ يصرخ بصوت عالٍ ويقول: «يا رسول يسوع المسيح، ارحم هذا المريض الذي يتعذَّب عذابًا قاسيًا». فاقترب يوحنّا. وإذ صنع إشارة الصليب، قال للمريض: «باسم ربِّنا يسوع المسيح الذي أنا عبده اللامستحقّ ورسوله، إنهض وعُدْ معافى إلى بيتك». وفي الحال، نهض المريض وركع أمام الرسول وشكره.

 


[1](1)  وكأنَّه إله. هكذا كانوا يفعلون للآلهة، للأصنام.

[2](2)  خر 17: 8 ي.

[3](1)  ذاك ما فعله برنابا وبولس في لسترة حين أراد الناس أن يقدِّموا ذبيحة. رج أع 14: 14.

(2)  فعل يوحنّا مثل يسوع مع تلميذي عمّاوس. رج لو 24: 27ي.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM