الفصل الخامس والعشرون والفصل السادس والعشرون

الفصل الخامس والعشرون

مكثنا ثلاث سنوات عند ميرون، وعنده كان يجتمع المؤمنون فيعلِّمهم يوحنّا ويعمِّدهم. ثمَّ جئنا إلى موضع فيه هيكل أبولّون، وكان جمهور كبير مجتمعًا هناك. فكلَّمهم يوحنّا. بعضهم آمنوا بما قال والآخرون رفضوه. فقال كهنة أبولُّون: «أيُّها الأحبّاء، لماذا تهتمُّون بأكاذيب هذا الرجل وكيف تسمعون أقواله؟ أما نُفيَ إلى هذه الجزيرة بسبب مساوئه؟ إذًا قلوبكم العمياء لا تعرف الحقيقة. وحين تسمعونه تعيِّرون الآلهة تعييرًا عظيمًا، لأنَّه يحتقرها ويتمرَّد على أوامر الإمبراطور». وحين سمع يوحنّا هذا، قال لكهنة أبولُّون: «يسقط هيكلكم فيُبان أنَّ آلهتكم ليست آلهة». وفي الحال، سقط الهيكل وصار تلَّة من الركام، ولكن ما أصاب أحدًا سوء.

فغضب الكهنة وارتموا على يوحنّا، ضربوه بقساوة وسجنوه في حبس مظلم ووضعوا حوله الحرس. ثمَّ مضوا إلى الوالي، وقالوا: «يوحنّا، هذا الكاذب وهذا الساحر، قلب بسحره هيكل أبولُّون. فلا تقبلْ بأن يبقى هذا التعيير للآلهة بدون عقاب». فحزن الوالي جدًّا وأمر أن نُحجَز في السجن. وحين عرف ميرون وأبُّولونيد بما حصل، مضوا إلى الوالي الذي كان اسمه أئيدس([1]) والذي حلَّ محلَّ زوج كريسيپ، وقالا له: «نرجوك أن تعيد إلينا يوحنّا. إن كان مذنبًا فنحن نكفله، وإن لم يكن، لماذا تقسو عليه؟» فأجاب الوالي: «يؤكِّدون أنَّه ساحر ويسبِّب عددًا من الشرور. إن سلَّمتُه إليكما يستطيع أن يهرب بفنون سحره». فأجاب أبُّولونيد: «إن هرب كفل رأسانا رأسَه وتُحجَزُ أموالنا». فوافق الوالي على ما طلب هذان الرجلان اللذان يمثِّلان المكانة الأولى في

المدينة وجاءا إلى السجن وخلَّصانا. وقال ميرون ليوحنّا: «ارجعْ إلى بيتي ولا تخرجْ منه لأنَّ في هذه المدينة رجالاً أشرارًا وهائجين ويمكن أن يقتلوك أنت وبروخور». فأجاب يوحنّا: «لم يرسلني الربُّ لكي أختبئ، بل قال لي بأن أمضي إلى الرجال العنيفين والغضوبين. وقال: "أنا أرسلكم في وسط الذئاب" (مت 10: 16). "لا تخافوا ممَّن يقتلون الجسد ولكنَّهم لا يستطيعون شيئًا على النفس" (آ28). وقال أيضًا: "اتركوا كلَّ شيء واتبعوني". فتركنا كلَّ شيء وتبعناه([2]). أنا مستعدٌّ لا فقط أن أتحمَّل السجنَ والجلدَ والتعيير من أجل اسمه، بل أيضًا أن أُقتَل ألف مرَّة وأن أعذَّب كلَّ عذاب بصبر إلى أن أُتمَّ مسيرة حياتي. قلتُ لكم مرارًا: لنَمُتْ لأجله لكي ننجو من الموت الأبديّ الذي يصيب الذين لا يؤمنون به». ولمّا قال يوحنّا هذا الكلام، خرجْنا بدون تأخير من بيت ميرون.

الفصل السادس والعشرون

ثمَّ أتينا إلى موضع أُلقيَ فيه كسيحٌ اعتاد أن يوزِّع الصدقات على العابرين. فقال ليوحنّا: «يا معلِّم المسيحيِّين المحبّ، لا تتركْ عبدك». فقال له يوحنّا: «ماذا تريد أن أعمل؟» فأجابه الكسيح: «لديَّ خبزٌ وطعام، فلا ترفُضْ أن تجلس بجانبي وتقاسمني غذائي. فأنا غريب، وعليَّ اجتمعتْ كلُّ ذنوب والديَّ وهي تسبِّب شقائي. فأنا أمارس عنِّي وعنهما توبة قاسية، وحين أرى غريبًا أناديه فتستريح نفسي فيه». فأشفق يوحنّا على هذا الرجل وقال له: «نحن نفرح معك وأنت تبتهج معنا». وشربنا وأكلنا معه، وحين غادرناه أتت امرأة أرملة إلى أمامنا وقالت ليوحنّا: «يا سيِّدي، أين هو هيكل أبولُّون؟» فأجابها يوحنّا: «وما لك وهذا الهيكل؟» فقالت: «ابني الوحيد يمسُّه روح نجس يعذِّبه ويقسو عليه. لهذا جئتُ إلى هنا لكي أطلب من أبولُّون أن يعينَه ويمنحني بعض العزاء».

فقال لها يوحنّا: «من أيِّ مدينة أنت؟» فأجابت: «أنا أعيش في الريف وهي المرَّة الأولى في حياتي أدخلُ إلى هذه المدينة». فقال لها يوحنّا: «منذ كم يعذِّب الروحُ النجس ابنك؟» فأجابت: «منذ 33 يومًا وهو عنيف جدًّا وهائج جدًّا». حينئذٍ قال لها يوحنّا: «ارجعي إلى بيتك وابنك يُشفى باسم يسوع المسيح»([3]). فرجعت المرأةُ إلى بيتها فوجدت ابنها ناجيًا من الروح النجس. ثمَّ عدنا إلى الموضع الذي كان فيه الكسيح. قال له يوحنّا: «عُدنا لكي نأكل معك، ولكن من يخدمنا؟» فقال: «ينبغي أن تخدما نفسيكما بنفسيكما، لأنِّي لا أستطيع أن أخدمكما ولا أن أخدم نفسي». فأجاب يوحنّا: «أنت من يخدمنا». وأخذه بيده

 

وقال له: «انهض باسم يسوع المسيح ربِّنا». وفي الحال نهض الكسيح بعد أن تعافى كلِّيًّا وخدمَنا وهو يمجِّد الله.([4])

ثمَّ رجعنا إلى بيت ميرون فوجدنا هناك ابن أخيه رودون، فطلب من يوحنّا أن يعطيه علامة يسوع المسيح. فعلَّمه يوحنّا وعمَّده باسم الثالوث الأقدس. والكسيح الذي شُفيَ أتى أيضًا وارتمى عند قدمَي يوحنّا. روى أمام جميع الحاضرين الذين اندهشوا اندهاشًا، كيف شُفيَ. وقال: «جئتُ لأطلب من يوحنّا أن يعرِّفني بيسوع المسيح الذي باسمه شُفيتُ». وبعد أن علَّمه يسوع الإيمان الكاثوليكيّ، عمَّده باسم الآب والابن والروح القدس.

 


[1](1)  Aedus

[2](2)                ذاك كلام بطرس في مر 10: 28 (تركنا). ولكنَّ يسوع سبق فدعاه كما دعا سائر التلاميذ ولاسيَّما بعد الصيد العجيب حين تركوا كلَّ شيء وتبعوه (لو 5: 11).

[3](1)  ذاك ما فعل الربُّ مع المرأة الفينيقيَّة. رج مر 8: 27-30.

[4](2)  هكذا فعل بطرس مع كسيح ملقى عند «الباب الجميل في الهيكل» (أع 3: 1ي) ومع إينياس (أع 9: 33ي) وبولس في لسترة (أع 14: 9ي). فلماذا لا يكون يوحنّا مثلهما؟ وحين شفى يسوع حماة بطرس، قامت تخدم الجماعة (مر 1: 31)

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM