الفصل الأول : مدخل إلى سفر الأعمال

  الفصل الأول
مدخل إلى سفر الأعمال
أ- العنوان والمطلع
إن عنوان أعمال الرسل أو بالأحرى أعمال (بعض) الرسل قد عُرف منذ القرن الثاني، ولكنه لم يكن في النص الأساسي. إنه يلخّص تلخيصاً جزئياً مضمون الكتاب حول أعمال وأقوال المسؤولين الأولين لا الكنيسة ولا سيما بطرس وبولس. ولكن قد نضلّ حين نتوقّف عند هذا العنوان، لأن الكاتب لا يلفت إنتباهنا إلى بعض أبطال يذكرنا بسيرتهم، بل إلى الروح القدس مبدأ الكلمة، وإلى الجماعة الرسولية التي يدفعها الروح. إذن، لا يشبه أع سِيرَاً عرفها العالم الهلينستي مثل أعمال هنيبعل أو أعمال الأسكندر، ولن تشبهه أعمال الشهداء التي ستكتب فيما بعد.
إن أع هو إمتداد لإنجيل لوقا، وكلاهما توجّها إلى تيوفيلوس (1: 1؛ لو 1: 3). يذكر أع 1: 1- 5 بإيجاز حياة يسوع العلنية دون أن ينبئ بمضمون الجزء الثاني (الذي هو سفر الأعمال). ولكننا نجد إعلاناً عن حدث العنصرة في 1: 4- 5، 8 وكلاماً ليسوع القائم من الموت يعطي فيه لتلاميذه برنامج رسالتهم وبالتالي برنامج أع: "ستكونون لي شهوداً في أورشليم واليهودية كلها والسامرة، حتى أقاصي الأرض". تلك هي الطريقة التي بها يحدّد الكاتب مشروعه.
ولقد أراد بعض النقاد أن يخفّفوا من التعارض الظاهر بين خبر الصعود في نهاية لو (ليلة الفصح، في بيت عنيا)، وخبر أع (بعد أربعين يوماً، على جبل الصعود) فألغوا بطريقة إعتباطية لو 24: 50- 53 وأع 1: 1- 5. قالوا: زيدت هذه الآيات حين فُصل أع عن لو بعد أن كان الكتابان كتاباً واحداً. نجيب: أي رباط هو الرباط الجديد بين لو 24: 49 وأع 1: 6 (بعد أن نحذف لو 24: 55- 53 وأع 1: 1- 5)؟ ثم إن أع 1: 6- 12 يجعلنا على جبل الزيتون لا داخل بيت، داخل علية (لو 24: 33- 49). مؤلَّف لوقا كتابٌ طويل. لهذا قسم قسمين متساويين. تلك عادة عرفتها التوراة فقسمت كتاب صموئيل (1 صم- 2 صم) وكتاب الملوك وكتاب الأخبار. وأخيراً نحن نعرف أن الذي يبذل النصّ يخفف من الصعوبات ولا يزيد عليها. ولهذا، نحن نحتفظ بهذه الآيات ونعتبر لو وأع درفتين في ديبتيكا واحدة: لإنجيل خصائصه ولسفر الأعمال خصائصه.
إن لو وأع يرتبطان الواحد بالآخر ارتباطاً وثيقاً. يتحدّث لو 24: 47 عن شهادة تقدّم "إلى كل الأمم (أو الشعوب) إبتداءً من أورشليم". وهذا ما يقوله أع 1: 8 فيصل بنا إلى أقاصي الأرض. إن موضوع الخلاص الممنوح للوثنيين يعود في بداية المؤلف اللوقاوي (لو 3: 6: فيرى كل بشر خلاص الله) وفي نهايته (أع 28: 28: الله أرسل خلاصه إلى الوثنيين). ثم إن أع 1: 1 ي يربط بين الجزئين من هذا المؤلف، يربط بين لو وأع: ففي هذا الفصل تتعدّد التذكّرات الإنجيلية (كرازة الملكوت، طعام القائم من الموت، يوحنا المعمدان والوعد بالروح، مجموعة الأثني عشر، وكلها تشدّد على الوحدة الجذرية بين زمن يسوع وزمن الكنيسة). في الإنجيل يختم الصعود زمن يسوع فيضع نقطة أخيرة لخبر إنتهى. أما وجهة الخبر فهي كرستولوجية (تشدّد على شخص يسوع المسيح). في أع يدشّن الخبر عينُه أزمنة الروح الجديدة. أما وجهة الخبر فهي إكليزيزلوجية (تشدّد على الكنيسة). مؤلف لوقا هو خبر التواصل بين خبر يسوع وخبر كنيسته. وإن إختيار متيا (1: 15- 26) يدل أيضا على التواصل بين مجموعة الأثني عشر التي كوّنها يسوع، وبين كنيسة العنصرة، شرط أن يُسدَّ الفراغ الذي أحدثه ذهاب يهوذا في هذه المجموعة التي تمثل قبائل إسرائيل الأثنتي عشرة (لو 22: 30). إذن يلعب موضوع الوحدة بين الجزئين دوراً هاماً في أع 1 وسنراه من خلال كل صفحات سفر الأعمال.
ب- تنظيم الكتاب
أذا ألقينا نظرة أولى إلى أع نجد تنوّع المواد من أخبار وخطب بنوع خاص. قد تمتزج الفنون الأدبية، وقد ينقص الخبرَ بعض التماسك. وهذا ظاهر خاصة في ف 1- 12 حيث تبدو العناصر وكأنها موضوعة بعضها قربٍ بعض. أما في ف 13- 28 فنجد لحمة متواصلة في إطار خبر مسافر. إذا، يستحيل علينا أن نجد تصميماً دقيقاً. ومع هذا، نكتشف وسائل أدبية وبُنى ظاهرة ومبادئ تنظيم تساعدنا على إكتشاف توجيه في توسيع الكتاب.
1- البنى الظاهرة
أولاً: في الأخبار
نلاحظ أولاً ثلاث إجمالات مهمة تقسم مواد الفصول الأولى: أع 2: 42- 47: وحدة الجماعة؛ 4: 32- 35: المشاركة في الخيرات؛ 5: 12- 16: قوّة الرسل العجائبية. وتشدّد بعض العبارات فترد بشكل ردّة (أو: قرار) حول نموّ الكنيسة والكلمة: 2: 47: "وكان الرب كل يوم يزيد عدد الذين أنعم عليهم بالخلاص"؛ 4: 4: "وآمن كثير من الذين سمعوا كلام بطرس"؛ 5: 42: "وكانوا يعلمون كل يوم في الهيكل وفي البيوت ويبشرون بالمسيح يسوع"؛ 6: 7: "وكانت كلمة الله تنمو وعدد التلاميذ يزدادا"؛ 9: 31: "وكانت الكنائس تنمو وتسير على خوف الرب بمعونة الروح القدس"؛ 11: 24: "إنضم إلى الرب جمع كبير؛ رج 12: 24؛ 16: 5؛ 19: 10، 20.
ويستعمل لوقا أسلوب التكرار: في خبر حنانيا وسفيرة درفتان: ما حصل لحنانيا: 5: 1- 6، وما حصل لسفيرة: 5: 7- 11. خبر دعوة بولس. رواه لوقا ثلاث مرات: 9: 1- 19 (بشكل خبر على لسان لوقا)؛ 22: 4- 27 (في خطبة يدافع فيها بولس عن نفسه أمام اليهود)؛ 26: 9- 18 (في خطبة أمام الملك أغريبا). خبر رؤية كورنيليوس لملاك الرب (10: 3- 8، 30- 32؛ 11: 13) أو رؤية بطرس للرب (10: 9- 16، 28؛ 11: 5- 10). ليست هذه العناصر المتوازية آثار وثائق مختلفة استقى منها الكاتب. إنها تدلّ على فن أدبي رفيع يريد به لوقا التشديد على أمر ما في الكتاب، لا سيما ما يتعلق بإرتداد كورنيليوس (أول وثني يتعمد) وإرتداد بولس الذي سيكون الرسول "الرسمي" إلى الوثنيين.
ونجد عناصر عديدة تعيد إنتباه القارئ إلى حدث مضى ولا بدّ من تذكره دوماً. تمّ حدث العنصرة في ف 2 وتكرر في 4: 31 (إهتزّ المكان وأمتلأوا من الروح القدس) بعد صلاة المؤمنين على إثر إخلاء سبيل بطرس ويوحنا. وفي 10: 44- 28 حين حل على كورنيليوس وجماعته الذين سمعوا كلام بطرس (رج أيضاً 11: 15). وفي 19: 6 حين نزل الروح على معمّدي أفسس فأخذوا يتكلمون باللغات. وكذا نقول عن مقرّرات مجمع أورشليم (15: 19- 20؛ 21: 25) وتشتت الجماعة (8: 1، 4؛ 11: 19) وأغابوس (11: 28؛ 21: 10) وفيلبس (8: 40؛ 21: 8).
ثانياً: في الخطب
ونلمس ظاهرة الترداد بصورة خاصة في خطب أع. نحن نجد ما يقارب 24 خطبة، وهي تشمل ثلث الكتاب تقريباً. نشير أولاً إلى خطب بطرس الرسولية (2: 14- 41؛ 10: 24- 43) وخطب بولس التي توجّهت إلى اليهود (13: 16- 41)، وإلى اليونانيين (14: 15- 17: 22 - 31). ثم إلى مرافعات بطرس (4: 9- 12؛ 5: 29- 32) وإسطفانس (7: 1- 53) وبولس (22: 1- 21؛ 26: 2- 23). وأخيراً هناك مواعظ للمسيحيين: 1: 16- 22 (في الأحد عثر من أجل إختيار متيا)؛ 11: 4- 17 (بطرس في جماعة أورشليم بعد عماد كورنيبيوس)؛ 15: 13- 21 (يعقوب في مجمع أورشليم)؛ 20: 18- 35 (بولس في جماعة الشيوخ). وتورد الآيات الأخيرة في أع كلمات تلفظ بها الرسول فأجمل بها فكرة الكتاب الرئيسية (28: 25- 28).
تقع هذه الخطب في الأوقات المهمة من أع، فتعرض بوضوح على القرّاء مضمون الأحداث. ترتبط الأخبار بالخطب إرتباطاً وثيقاً، وهذا أمر لا نجده في الأناجيل الإزائية. وعلى المستوى الأدبي، فأشخاص الخبر يقدّمون بنفوسهم مفتاح الأحداث. قال ديباليوس: أخذ لوقا العادة المتبعة لدى المؤرخين الوثنيين القدامى. ولكن تلك العادة دخلت حتى إلى المجامع في فلسطين، وهذا ما يشهد له الخطب التي يتضمّنها التاريخ الديني والشعبي الذي نجده في "القديميات البيبلية" (تنسب خطأ إلى فيلون. لهذا نقوله فيلون المزعوم). بهذه الطريقة يترجم أع فكرة لوقا اللاهوتية.
إن الخطب تشكّل عنصراً هاماً في بنية الكتاب، في علاقاتها المتبادلة (كتبت 13: 35 بالنسبة إلى 2: 25- 31) وبالمواضيع التي تتكرّر فيها. ونحن نستطيع مثلاً أن نقابل خطبتَيْ بولس إلى اليونانيين: إن 14: 15- 17 (إلى أهل لسترة) هي رسمة صغيرة سيتوسّع فيها الرسول في 17: 22- 31 في خطبته إلى أهل أثينة. ولكن الأمر واضح في الخطب الموجّهة إلى اليهود، وسنتحدّث عنها فيما بعد. يكفي الآن أن نعرف أن هناك مقدمّة ينادي فيها الواعظ الجماعة (أيها الأخوة، يا رجال يهوذا)، أو يلفت إنتباه السامعين (إسمعوا، أصغوا) أو يذكر بصعوبة، أو يطرح سؤالاً يربط الخطبة بالإطار الأخباري (2: 14- 21؛ 3: 11- 12؛ 5: 27- 28؛ 10: 34 – 35؛ 13: 14- 15). بعد هذا، يأتي جسم الخطبة التي تبدو بشكل كرازة بحصر المعنى (أي إعلان حدث المسيح دون التوّسع. فالتوسّع يتم في التعليم) فتذكر بصلب يسوع وقيامته بيد الله (2: 22- 26؛ 3: 13، 21- 26؛ 5: 29- 32؛ 10: 36- 43؛ 13: 23- 24). وأخيراً نجد تحريضاً (أو بارانيسيس) مع نداء إلى التوبة (2: 37- 41؛ 3: 17- 20؛ 13: 38- 41؛ رد 5: 31؛ 10: 42).
يبدو أن هذه الرسمة العامّة تتبع رسمة المواعظ في مجامع العالم الأغريقي. هناك آية تفتتح الوعظة (ترد بوضوح، مثلا 2: 17- 21: نبوءة يوئيل). ونجد في مسيرة الوعظة تشديداً على الشهادة (2: 32؛ 3: 15؛ 15: 39؛ 13: 31) وعرضاً للبرهان الكتابي (2: 25- 31؛ 3: 22- 24؛ 10: 43؛ 13: 32- 33). وهناك مواضيع تتردّد مراراً: إشارة سريعة إلى حياة يسوع العلنية. ذكر الصلب الذي يدخل في مخطط الله دون أن يخفف من مسؤولية أهل أورشليم والسلطات اليهودية. قيامة يسوع التي يشهد لها الرسل. المضمون المسيحاني لهذا الحدث كما يظهر في الأسفار المقدسة. وأخيراً، إعلان مغفرة الخطايا.
تلك كانت النقاط الرئيسية في المواعظ الرسولية، وقد جعلها لوقا في فم يسوع (لو 24: 46- 49)، وبطرس باسم جماعة الرسل، وبولس باسم العالم الوثني. إن هذه المواضيع التي تتكرّر تدلّ بوضوح على التماسك اللاهوتي في المؤلف اللوقاوي.
ثالثاً: التوازي بين بطرس وبولس
هناك نهج بلاغي عرفه العالم اليوناني هو الموازاة (سنكريسيس): فكلمات بطرس وفعلاته تجد ما يوازيها عند بولس. ونستطيع أن نقابل العناصر التالية: الرسولان يشفيان الكسيح: بطرس عند الباب الجميل في الهيكل (3: 22- 26) وبولس في لسترة (14: 8- 17). مثل بطرس أمام السنهدرين أو المحكمة العليا (4: 5- 7) فلم يختلف عنه بولس (23: 1- 15)، فلاقى الجلد مثل صاحبه. أقام بطرس ميتاً: هي طابيثة (9: 32- 42)، وأقام بولس الشاب الذي سقط من النافذة في العلية في ترواس (20: 9- 12). سنعود إلى هذا التوازي فيما بعد. ولكنّنا نقول إنه ساعد على قسمة الكتاب قسمين مع حرية تامة في تنظيم المواد حسب مبادئ اتّبعها لوقا فحافظ على الوحدة دون تحجّر وعلى التنوّع في التواصل.
2- مبادئ تنظيم سفر الأعمال
نتوقّف هنا على ثلاثة مبادئ: موضوع الرسالة، جغرافية الكتاب، الأشخاص.
أولاً: موضوع الرسالة
مبدأ التنظيم الأول هو مبدأ لاهوتي: ففي هذا التاريخ الذي يقوده الروح، يبرز الكاتب الإنتشار الشامل للبشرى وسط اليهود أولاً، ثم وسط الوثنيين (3: 36: تردّ كل واحد منكم عن شروره). يحمل الإنجيل إلى الأمم، من أورشليم إلى (أقاصي الأرض) كما قيل في 1: 8. "إن خلاص الله هذا قد أرسل إلى الأمم) (28: 28). هذا ما قاله بولس في نهاية الكتاب، فعاد بنا إلى موضوع طرحه لوقا في وسط الكتاب: لقد سمح للوثنيين أن يدخلوا باب الأيمان (14: 23). وهناك نصوص عديدة تشدّد على أهمية الرسالة (2: 9- 11؛ 2: 39؛ 9: 15؛ 11: 18؛ 13: 46- 47؛ 14: 15) ولا ننسى أن لوقا كان قد شدّد على هذا الموضوع في إنجيله (لو 3: 6؛ 24: 47- 48).
نستخرج من هذا المبدأ اللاهوتي إستنتاجين أدبيين. الأول: إن موضوع انتشار الكلمة أبرز المعوقات التي إصطدم بها المبشّرون. لهذا كوّن الكاتب وحدات أدبية صغيرة كان هدفها إعلان الرسالة أو الهجوم والحرب. هناك من جهة أخبار رسالة (2: 1- 41؛ 8: 1- 40؛ 9: 1- 31؛ 9: 32- 11: 18؛ 13: 1- 14: 28). وهناك من جهة ثانية أخبار محاكمة (3: 1- 4: 31؛ 5: 17- 42؛ 6: 1- 8: 1؛ 12: 1- 23؛ 15: 1- 35؛ 21: 17- 26: 32). وتبدأ هذه الوحدات الأدبية عادة بخبر له معناه (2: 1- 13: العنصرة؛ 3: 1- 10: شفاء الكسيح؛ 6: 1 - 7: السبعة؛ 9: 32- 42: شفاء الكسيح إينياس وإقامة طابيثة).
والإستنتاج الثاني: إن مبدأ التنظيم هذا (اليهود أولاً ثم الوثنيون) يساعدنا على قسمة أع إلى قسمين. ولكن أين الحدّ الفاصل بين قسم وآخر؟ هناك من يجعل القسم الثاني يبدأ مع أسفار بولس في ف 13 (ديباليوس، قاينيي). وهكذا يكون القسم الأول ف 1- 12، والقسم الثاني ف 13- 28. وهناك من يتوقف عند خبر مجمع أورشليم أي في 15: 36 (مانو). فيكون القسم الأول 1: 1- 15: 35، والقسم الثاني 15: 36- 28: 31. فهذا المجمع الذي فيه يلتقي بطرس ببولس قبل أن يختفي عن المسرح، هو القمّة اللاهوتية التي وصل إليها القسم الأول من الكتاب الذي كان مركزه أورشليم. وهناك من يجعل ف 13- 15 بشكل مفصلة تربط درفتي الكتاب.
ثانياً: جغرافية الكتاب
مبدأ التنظيم الثاني هو مبدأ جغرافي. أشار لوقا بعناية إلى المحطات الجغرافية. أولاً في 1: 8: أورشليم، اليهودية والسامرة، إلى أقاصي الأرض. ثم في 9: 31: توسّعت الكنيسة في اليهودية والجليل والسامرة. وفي 19: 21 و23: 11، يعلن لوقا عن سفر بولس إلى أورشليم عبر مكدونية قبل الذهاب إلى رومة.
من جهة ثانية، لعب المعيار الجغرافي دوراً هاماً في جمع المواد. هناك موازاة بين لو وأع: فبعد عمل الرسل في فلسطين، جاءت أسفار بولس الرسولية حتى توقيفه بسبب موقفه من الهيكل (21: 27 ي). وهذا ما حدث ليسوع: بعد عمله في الجليل، كان صعوده إلى أورشليم (ق لو 9: 51 وأع 21: 15) ودخوله إلى الهيكل وتوقيفه. ولهذا، فضل بعض الشّراح أن يتركوا قسمة الكتاب إلى قسمين. واقترحوا تصميماً أوسع يأخذ بعين الاعتبار الإشارات الجغرافية. قسموا أع خمسة أقسام. الأول: 1: 15- 8: 3: أورشليم. الثاني: 8: 5- 11: 18: السامرة والمناطق الساحلية مثل يافا وقيصرية. الثالث: 11: 19- 15: 35: أنطاكية. الرابع: 15: 36- 19: 21: حول بحر إيجه. الخامس: 19: 21- 28: 31: من أورشليم إلى رومة (الأب دوبون، أونايل، كومل).
ثالثاً: الأشخاص
يستند مبدأ التنظيم الثالث إلى أشخاص الخبر. حينئذ نميّز بين دورة بطرس (ف 1- 12) ودورة بولس (ف 13- 28)، مع مرونة في التمييز. فالفصل التاسع يتحدّث عن بولس، كما أن ف 15 سيتحدّث عن بطرس. وإذا أردنا التدقيق في البحث، نجد أشخاصاً يجمعون حولهم سلسلة من المعطيات الأدبية: بطرس ويوحنا (3: 1- 4: 31)، وذلك بعد الإجمالة الأولى. برنابا مع عكسه في شخص حنانيا وسفيرة (4: 36- 5: 11) وذلك بعد الإجمالة الثانية. الرسل بعد الإجمالة الثالثة (5: 17- 42). السبعة وإسطفانس (6: 1- 8: 8) وفيلبس (8: 5- 40)، بولس وبرنابا، بولس وسيلا. نحن نرى المرسلين يعملون أثنين أثنين كما أرسلهم المعلّم (لو 10: 1).
ومختصر الكلام هو أن الكاتب توجّه حسب فكرة لاهوتية (الخلاص الشامل) ومخطط جغرافي عام، فحاول أن يقدّم لنا إجمالة متماسكة ومركّزة على أمكنة وأشخاص. هو لم ينظّم مواده حسب بنية تبدو منطقية في عيوننا، ولكن هذه التقاطعات المتواصلة في المواد هي التي تدلّ على وحدة التاريخ وتواصله.
3- تصميم الكتاب
أشرنا سابقاً إلى قسمة أع إلى قسمين أو إلى خمسة أقسام. وهناك من قسمه ثلاثة أقسام (شميد، فيكنهاوزر) أو أربعة (هانشن: 1: 1- 8: 3؛ 8: 4- 15: 35؛ 15: 36- 21: 26؛ 21: 27- 28: 31). بل جاء من قسمه إلى ستة أقسام أو أكثر (تورنر، باترس).
أما نحن فنقدّم تصميماً في قسمين وفي خمسة أجزاء، ولا ننسى أن نلاحظ الإشارات الكرونولوجية الحاضرة لا بداية كل جزء: 1: 15 (وفي تلك الأيام)؛ 6: 1 (وفي تلك الأيام)؛ 11: 27 (وفي تلك الأيام)؛ 15: 36؛ 19: 21. كما لا ننسى لائحة الأشخاص: 1: 14 (الرسل الإثنا عشر)؛ 6: 5 (السبعة أو ما يسمى خطأ "الشمامسة")؛ 13: 1 (شيوخ أنطاكية)؛ 15: 36- 40؛ 20: 4.
وإليك التصميم المقترح (الأب شارل بيرو)
(أ) اليهود أولاً... (1: 1- 11: 26)
(1) جماعة أورشليم (1: 1- 5: 42)
أولاً: من الفصح إلى العنصرة (1: 1- 2: 41)
1: 1- 14 المطلع، الصعود، الإثنا عشر
1: 15- 26: متّيا والإثنا عشر
2: 1- 41: العنصرة وخطبة بطرس
ثانياً: حياة الجماعة الأولى (2: 42- 5: 42)
2: 42- 47: الإجمالة الأولى عن حياة الجماعة
3: 1- 4: 31: نشاط بطرس ويوحنا
4: 32- 35: الإجمالة الثانية حول المشاركة في الأموال
4: 36- 5: 11: برنابا، حنانيا وسفيرة
5: 12- 26: الإجمالة الثالثة حول نشاط الرسل الخيرّ
5: 17- 42: ما تحمّله الرسل من أجل المسيح
(2) الرسالة في فلسطين (6: 1- 11: 26)
أولاً: السبعة وخبر إسطفانس (6: 1- 8: 1 أ)
ثانياً: الرسالة في السامرة وخبر فيلبس (8: 1 ب- 40)
دعوة بولس (9: 1- 31)
نشاط بطرس في لدة ويافا (9: 32- 43)
كورنيليوس (15: 1- 11: 18)
تأسيس كنيسة أنطاكية (11: 19- 26، تذكير 8: 1، 4).
(ب)... ثم اليونانيون (11: 27- 28: 31): أنطاكية هي نقطة الإنطلاق ونقطة الرجوع
(3) رسالة أنطاكية (11: 27- 15: 35)
خدمة برنابا وبولس (11: 27- 12: 25 مع تعليق على إضطهاد هيرودوس للمسيحيين).
الرحلة الرسولية الأولى. بولس وبرنابا (13: 1- 14: 28)؛ خلاف أنطاكية (15: 1- 35) يحلّ في أورشليم
(4) ارسالة الكبرى (15: 36- 19: 20)
الرسالة بولس وسيلا وتيموثاوس في مكدونية (15: 36- 17: 15)
بولس في اليونان: أثينة وكورنتوس (17: 16- 18: 23) بولس في أفسس (18: 24: 19- 20)
(5) من أفسس إلى رومة (19: 21- 28: 31)
من أفسس إلى أورشليم (19: 21- 23: 11)
ومن أورشليم إلى قيصرية (23: 12- 26: 32)
ومن قيصرية إلى رومة (27: 1- 28: 31)

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM