الفصل السادس والسابع

الفصل السادس

ثمَّ أخذَنا ديوسكوريد إلى بيته، فلبثْنا عنده بعض الوقت. ثمَّ مضيْنا إلى مكان آخر يُدعى سور المدينة، فوجدنا هناك رجلاً أعرج وكسيحًا([1]) منذ اثنتي عشرة سنة، فمنعته إعاقته من أن يتحرَّك. وحين رأى يوحنّا أخذ يصرخُ بصوت عالٍ: «ارحمني([2])، يا يوحنّا، يا رسول الإله الحيّ». فعرف يوحنّا أنَّ عنده إيمانا، فقال له: «انهض، باسم الآب والابن والروح القدس». وفي الحال، نهض المريضُ بعد أن شُفيَ شفاء تامًّا.

الفصل السابع

أمّا إبليس الذي يقيم في هيكل ديانا، فرأى ما صنعه يوحنّا، وأنَّ التمثال تحطَّم، وأنَّه طُرد هو من المدينة، فاتَّخذ شكل جنديٍّ يمسك في يده أوراقًا. فجلس في مكان عالٍ وصرخ صراخًا قويًّا وهو يبكي. عبر جنديّان من هنا ورأيا رجلاً يرتدي اللباس العسكريّ وهو يصرخ ويبكي. فاقتربا منه وقالا: «أيُّها الصديق، من أنتَ وما هو سبب ألمك؟» أمّا هو فما أجاب بل واصل تأوُّهاته وما توقَّف عن ذرف الدموع وهو يمسك في يديه أوراقًا مزوَّرة. فقالا له في الحال: «أعلمْنا سببَ اضطرابك، فنحمل لك الدواء إن استطعنا».

فواصل تنهُّده والتعبير عن حزنه العميق، وأجاب: «سحقني اليأس وأفكِّر في أن أقتل نفسي، إذا أردتما أن تعيناني، أروي لكما كلَّ ما حصل لي. وإن كنتما لا تريدان، فلماذا أكشف لكما سرَّ موتي؟» فأجابه الجنديّان: «منظرُك ولباسُك يدلاَّن على أنَّك رجل محترم، وتستطيع أن تعرف إن كنّا قادرَين أن نعينك أم لا». فأجابهما إبليس: «تستطيعان». عندئذٍ قال له الجنديّان: «وبما نستطيع أن نساعدك؟» فقال لهما إبليس: «احلفا لي بالإلاهة ديانا أنَّكما لا ترفضان أن تعيناني فأروي لكما كلَّ ما حصل لي، وبيِّنا لي أنَّكم طيِّبان تجاهي لأنِّي غريب، فأعترف بجميلكما اعترافًا لا حدود له، وتكونان حفظتُما لي حياتي». فأقسم الجنديّان بأنَّهما يعينانه في شقائه ويقدِّمان له السند. حينئذ أراهما إبليس خاتمَي ذهب وقال لهما: «يا صديقيَّ الأمينين، هذا ما يُحفَظ لكما تعويضًا عن تعبكما». فألحَّ عليه الجنديَّان وألحّا وقالا له: «اروِ لنا، أيُّها الصديق، شقاواتك المتتالية». عندئذٍ، بكى الشيطان وجعر وقدَّم لهما الخبر التالي:

«وصلت من قيصريَّة. فجعل والي أورشليم لحراستي ساحرَين، واحد اسمُه يوحنّا والآخر بروخور. حرستهما ثلاثة أيّام في السجن. وفي اليوم الرابع، اقتيدا إلى القاضي فتبيَّن أنَّهما اقترفا جرائم عديدة. وإذ رأى القاضي أنَّهما لصَّان، لم يشأ بنفسه أن يقرِّر ماذا يعمل بمذنبين كبيرين مثل هذين، فأمر أن يعادا إلى السجن. فاقتدتُهما إلى هناك، ولكنَّهما وجدا سبيلاً بأن يُفلتا. ولمّا علم القاضي بذلك، أمرني بأن ألاحقهما، وأَعلنَ لي أنَّه يغفر لي إذا وجدتهما. أَمّا إن كنتُ لا أعيدهما، فيجب عليَّ أن أتحمَّل حكم الموت أو لا أعود أبدًا إلى اليهوديَّة. أنا أعرف ما هو الغضب الذي يحرِّك القاضي ضدَّ هذين الشقيَّين ولن أتجرَّأ يومًا أن أمثُلَ أمامه إذا كنتُ لا أعيدهما». وفي الحال، بيَّن لهما إبليس خواتم الذهب قائلاً: «هذا كلُّ ما حملتُ من بلادي معي لئلاَّ أكون بدون موارد». وبيَّن وثائق مفترضة قال إنَّها تتضمَّن اعترافاتهما. وأضاف أنَّه سمع عددًا من الناس يقولون إنَّ الهاربَين هما في أفسس. وقال: «لهذا جئتُ إلى هنا، كما إلى المنفى، بعد أن تركتُ بلادي وزوجتي وأولادي. إذًا، أطلب منكما أنتما اللذان شئتما أن تمحضا لي صداقتكما، أن لا ترفضا مساعدة رجل تعيس وأن لا تحرماني من عونكما».

فأجابه الجنديّان: «لا تترك الحزن يسيطر عليك ولا تسئ إلى نفسك في شيء. هذان الساحران هما هنا ونحن نعينك لكي تقبض عليهما». فأجاب إبليس: «لا أجرؤ أن أظهر نفسي لهما، لأنِّي أخاف أن يفلتا أيضًا بموارد سحرهما. ولكن أنتما، يا صديقيَّ، اجتذباهما بالأحرى إلى موضع منعزل واقتلاهما دون أن يعرف إنسان بذلك». أمّا هما فأجاباه: «من الأفضل أن نجعلهما بين يديك، لأنَّنا إن قتلناهما، فكيف يمكنك العودة إلى بلادك؟» فقال إبليس: «اقتلاهما يا صديقيَّ، لأنِّي لا أرغبُ في العودة بعد». وألحَّ بأقواله بحيث إنَّ الجنديَّين وعداه بأن يقتلاهما شرط أن ينالا جزاهما خاتمَيْ الذهب اللذَين معه.

غير أنَّ يوحنّا عرف كلَّ هذه الأشياء بإيحاءات روح الله، وعلم كلَّ ما يضمر إبليس النجس ضدَّنا. فقال لي: «يا ابني بروخور، اعلم أنَّ إبليس الساكن في هيكل ديانا حرَّك جنديَّين علينا وقال لهما الأكاذيب العديدة. والله أعلمني كلَّ هذا. فالآن تشدَّد وأعدَّ نفسك للتجربة، لأنَّ إبليس يوجِّه علينا عددًا من الحيَل فيُتعبنا بمضايقات شتَّى». ولمّا قال الرسول هذا الكلام، أتى الجنديَّان وقبضا علينا، وكان ديوسكوريد غائبًا في ذلك الوقت. فقال لهما يوحنّا: «بماذا تتَّهماننا ولماذا تريدان أن تأخذاننا؟» فأجابا: «بسبب سحركما الكثير». فقال يوحنّا: «ومن هو الذي يتَّهمنا؟» فقالا: «امضيا إلى السجن وسوف تريان من يتَّهمكما». عندئذٍ قال يوحنّا: «لا تستطيعان ولا ينبغي أن تمارسا أيَّ عنف ضدَّنا». ولكنَّهما بدأا يضرباننا، واقتادانا إلى بيت أحد سكّان المدينة، ونويا أن يقتلانا كما وعد إبليس. وإذ علمت روميكا أنَّهما قبضا علينا، أسرعت إلى ديوسكوريد وروت له ما حصل. فجاء ديوسكوريد في الحال ونجّانا من أيديهما قائلاً: «لا يحقُّ لكما أن تقودا إلى السجن رجلين لا اتِّهام عليهما. إنَّهما معي في بيتي، وإن أراد أحدٌ أن يتَّهمهما فليأتِ وليُدانا بحسب الشرائع». حينئذٍ قال الجنديّان فيما بينهما: «نمضي ونأتي بمتَّهمهما فيعرض أمام القاضي مواضيع شكواه العادلة. ولكنَّ أحدًا لن يسمع لنا، لأنَّ ديوسكوريد يقاومنا وسوف نتعب لكي نتغلَّب عليه». إذًا، عادا إلى الموضع الذي فيه التقيا بالشيطان. وإذ لم يجداه، تبلبلا جدًّا وسيطر عليهما القلق وقالا: «ماذا سوف نعمل، لأنَّنا ما وجدناه؟ إن وجد ديوسكوريد أنَّنا لم نقُل الحقيقة، وإذا كنّا غير قادرين أن نُثبت ما تقدَّمنا به، يمكنه وهو الذي يمتلك سلطة عظيمة أن يعاقبنا بقساوة كبيرة». وإذ كانا يتكلَّمان هكذا، أتى إليهما إبليس، كما في السابق، بلباسه العسكريّ وقال لهما وهو يوبِّخهما: «أين شجاعتكما لكي تخدماني؟» فرويا له كلَّ ما فعلا، وكيف أنَّ ديوسكوريد نجّاه من أيديهما وقالا: «إذا جئتَ معنا، وجب أن يُعادا لنا». فقال: «لنمضِ». ومضى وراءهما وهو يصرخ ويجعر. فاجتمع جمهور حولهم، فروى إبليس كلَّ ما سبق وقال للجنديَّين، وثبَّت الجنديّان شهادته. فامتلأ السامعون غيظًا، وكان بينهم عددٌ كبير من اليهود. فمضوا إلى بيت ديوسكوريد، وأخذوا يقرعون الأبواب بقوَّة ويصرخون: «سلِّمْنا هذين الساحرين أو نضع النار في البيت ونهلكك أنت وابنك». وكانت المدينة كلُّها ثائرة، صارخة: «سلِّمْنا هذين الشقيَّين. فلو كنتَ الحاكم نفسه، لا يحقُّ لك أن تحميهما».

حين رأى يوحنّا كلَّ هذا الضجيج، قال لديوسكوريد: «نحن نحتقر خيرات هذا العالم ولا نتعلَّق بأجسادنا. فيسوع المسيح هو حياتنا، والموت ربح لنا (فل 1: 21). فمعلِّمنا علَّمنا أن نحمل كلَّ يوم صليبنا ونتبعه (لو 9: 23). فسلِّمْنا إلى هذا الشعب». حين سمع ديوسكوريد هذا الكلام، أجاب يوحنّا: «ليدمَّر بيتي بالنار ولنتبعك أنا وابني لكي نربح يسوع المسيح» (فل 3: 8). فأجاب يوحنّا: «لا أنت ولا ابنك ينبغي أن تتألَّما أيَّ شرٍّ في هذه الساعة، ولا يجب أن تهلك شعرة واحدة من رأسيكما» (لو 21: 18). فأجاب ديوسكوريد: «إن سلَّمتُك أسلِّم ابني أيضًا». فقال يوحنّا: «ما أحسن أن يكون هذا الجمهور مجتمعًا، لأنَّ هذا الاجتماع يثمر خيرات عظيمة. اتركنا نخرج بأمان. وابقَ أنتَ في البيت مع ابنك وسوف تريان مجد الله» (يو 11: 4). وحين خرجنا، تمسَّك الشعبُ بنا واقتادنا إلى هيكل ديانا، وحين وصلنا إلى الهيكل، قال يوحنّا للذين يمسكوننا: «يا سكّان أفسس، ما هذا الهيكل؟» فأجابوه: «هو الهيكل المكرَّس لديانا، إلاهتنا العظيمة». حينئذٍ قال: «لنبقَ هنا بعض الوقت. وأنا أفرح كثيرًا لأنَّكم اقتدتموني إلى هنا». فقال بعض الحاضرين: «من الخير أن نكون هنا، لأنَّ هذا رأي يوحنّا نفسه». فتوقَّفوا إذًا. وصلَّى يوحنّا فقال: «أيُّها الربُّ يسوع، ليُهدَم هذا الهيكل ويسقطْ كلُّه، ولا يهلك أحدٌ ولا يُجرَح في سقوطه».

وفي الحال، انهدم الهيكل وما أصاب أحدًا أذى. حينئذٍ مال يوحنّا إلى إبليس المقيم في هذا الموضع وقال له: «كم من الوقت أقمتَ في هذا الهيكل، أيها الروح الدنس؟» فأجاب إبليس: «جعلتُ فيه منزلي من 240 سنة». فقال له يوحنّا: «ألستَ أنت الذي حرَّكتَ الجنديِّين وأثرتَ الشعب؟» فوافق إبليس. حينئذٍ قال له يوحنّا: «آمرُك باسم يسوع المسيح الناصريّ أن لا تسكن بعدُ في هذا الهيكل». وفي الحال، خرج إبليس من مدينة أفسس فحلَّت الدهشة على السكّان كلِّهم، وقالوا بعضهم لبعض: «لا نعرف بأيِّ سحر صنع هذا الرجل هذا الصنيع، ولكن يبنغي أن نقوده إلى القاضي وليعاقَب بحسب الشريعة». وقال واحد منهم، اسمه مارنو([3])، من النسل اليهوديّ: «أنا أعرفُ أنَّه ساحر هو ورفيقه. وأنَّهما أساءا إساءات عديدة. إذًا، ينبغي أن يَهلكا مثل شقيَّين». وحرَّض مارنو الحاضرين، لا أن يحاكمونا، بل أن يقتلونا في الحال، قبل أن نُقاد أمام القاضي. غير أنَّ الشعب رفض ذلك واقتادنا إلى القاضي الذي قال: «بأيِّ جرم يُتَّهم الرجلان اللذان أتيتم بهما إليَّ؟» فأجاب الحاضرون: «إنَّهما ساحران وشقيّان».

عندئذٍ قال القاضي: «ماذا عملا بفنِّهما وسحْرهما؟». فقال مارنو: «بسحرهما دمَّرا هيكل ديانا. وقد جاء جنديٌّ من أورشليم واتَّهمهما بأنَّهما ساحران وهو يعرفهما كذلك، وهو يمتلك اعترافات عليهما». فأجاب القاضي: «ليأتِ هذا الجنديُّ ويعرِّفْنا بالحقيقة». عندئذٍ جعلَنا في القيود وحبسَنا في السجن. وطاف الجنديّان في المدينة كلِّها ليجدا ذاك الذي تكلَّم. ولكن، بعد ثلاثة أيّام لم يقدرا أن يجداه فعادا إلى القاضي قائلين: «لم نستطع أن نلتقي بهذا الرجل الذي يعرفُ سحرهما معرفة أكيدة». فقال القاضي: «لا نستطيع أن نعاقب غريبين لا متَّهِمون لهما ولا وثائق لهما، ولا نستطيع أن نحتفظ بهما في السجن». فأمر أن نُخرَج من السجن حيث كنّا وهدَّدنا وأمرَنا بأن نخرج من المدينة. فلحق بنا السكّان، فانعزلنا عند شاطئ البحر في الموضع الذي رُميَ يوحنّا بفعل العاصفة، ولبثنا هناك ثلاثة أيّام ثمَّ أُذِنَ لنا بأن نعود إلى أفسس.


[1](1) رج مر 2: 1ي وز، أع 3: 1ي (كسيح الباب الجميل)

[2](2) صرخة هذا الكسيح تشبه صرخات في الإنجيل، خصوصًا طيما بن طيما. مر 10: 47.

[3](1) Marnou

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM