الفصل الثاني: الوصول إلى أفسس

الفصل الثاني

الوصول إلى أفسس

ثمَّ نهضنا وابتعدنا عن هذا المكان، فدخلنا إلى قرية. هناك طلبنا خبزًا وماء فأكلنا وشربنا وانطلقنا في الطريق إلى أفسس. وحين دخلنا إلى المدينة، توقَّفنا في ساحة ديانا([1]) حيث كانت الحمّامات العامَّة. فمضينا إلى رجل اسمه ديوسكوريد([2]). فعلَّمني يوحنّا قائلاً: «يا ابني بروخور، لا يعلمْ أحدٌ منك في هذه المدينة من نحن، ولماذا جئنا، إلى أن يكشف الله لنا إرادته وما يجب أن نتبع (من تعليمات). ولنضعْ فقط ثقتنا في ربِّنا يسوع المسيح». وإذ كان يكلِّمني بهذا الكلام، أتت امرأة رومانيَّة، اسمها روميكا([3])، قويَّة البنية وعاقر. كُلِّفت بإدارة الحمّامات. اتَّكلت على قوَّتها فكانت تضرب وتقسو وتسيء معاملة العبيد المكلَّفين بخدمة الحمّامات، بحيث لا يريد أحدُ المرتزقة أن يتحمَّل. وحين رأتنا وحدنا برأسٍ منحنٍ، ظنَّتْ أنَّنا رجلان لا مال لنا وقد سقطنا في الفاقة. كما حسبتْ أنَّه يمكن أن نكون مفيدَيْن لها فنقدِّم لها خدماتنا بسعر زهيد. قالت ليوحنّا: «من أين أنت؟» أجاب: «أنا رجل غريب». فسألته: «من أيِّ بلد؟» فقال: «من اليهوديَّة». حينئذٍ قالت: «ما هي ديانتك؟» فأردف: «أنا مسيحيّ». ثمَّ سألت: «كيف أتيتَ إلى هنا؟» أجاب: «انكسرت السفينة، لأنَّ تلك كانت مرضاة الله، ولكنِّي نجوتُ وأتيتُ إلى هذه المدينة». فقالت: «هل تريد أن تخدمني وتعمل على تسخين الحمّامات؟ أقدِّم لك ما هو ضروريّ لحاجة جسدك». فأجاب أنَّه موافق. وقالت لي: «وأنت، من أين أنت؟» أجاب يوحنّا: «هو أخونا». حينئذٍ قالت روميكا: «سيكون ضروريًّا لكي يصبّ الماء». وقادَتْنا إلى الحمّامات، وكلَّفت يوحنّا بأن يسخِّن الخلقين وأنا بأن أصبَّ الماء. وكانت تعطينا كلَّ يوم ثلاث أوقيات من الخبز، ووعدتنا، خلال السنة، بما هو ضروريّ لجسدنا.

في اليوم الرابع، وبعد أن دخلنا إلى الوظيفة، كان يوحنّا، معلِّمي، مشغولاً بإشعال النار. وإذ كان يقوم بشغله بطريقة سيِّئة، دخلت روميكا وبعد أن أوسعَتْه بالشتائم وضربته، وجَّهتْ إليه التهديدات في حال لا يحسِّن عمله. وأنا بروخور سمعت، من الموضع الذي منه كنت أصبُّ الماء، كلَّ ما قالته روميكا، وكيف عاملتُ معلِّمي بطريقة لا إنسانيَّة، اضطربتُ جدًّا ولكنِّي صمتُّ وما تلفَّظت بكلمة واحدة. أمّا معلِّمي فعرف بالوحي أنِّي حزنتُ بسببه، فقال: «يا ابني بروخور، حين عيَّنتْ لي القرعةُ آسية، تردَّدَتْ نفسي وشعرتُ بألم كبير. شعرتُ بأنَّ المركب ينكسر، وأنَّك أنت والذين كانوا معك، كان حظُّكم مثل حظِّي بسببي. لبثت أربعين يومًا ألعوبة الأمواج الغاضبة إلى أن رضيَ الربُّ إلهي وسيِّدي الذي خطئت (إليه) أن يعيدني إلى الأرض. وأنتَ تتبلبلُ بسبب كلمات شاتمة من امرأة، وتضطرب بسبب محنٍ باطلة! امشِ وتمِّمْ الفرضَ الذي فُرض عليك، ونفِّذْه بأمانة. فربُّنا يسوع المسيح، خالق كلِّ شيء، لُطم وجُلد بيد خليقته. ومعلِّمنا التقيّ أعطانا مثالاً في الصبر لكي نصبر نحن في جميع آلامنا، حسب التوصية التي وصلَتْ إلينا. فقال: "في الصبر تقتنون نفوسكم"» (لو 21: 19).

وإذ قال يوحنّا هذا الكلام، أخذتُ أقوم بالعمل الذي أمرتني به روميكا. ولمّا أتت مرَّة ثانية، سألت عمّا هو ضروريّ لجسدينا، فقال يوحنّا: «لدينا الكميَّة الكافية ممّا هو ضروريّ لجسدينا، ونحن نجدُّ بغيرة في العمل الذي كُلِّفنا به». فقالت: «وكيف يحصل أن يقول عنكما كلُّ واحد أنَّكما عديما المهارة؟» فأجاب يوحنّا: «لأنَّنا لم نعمل يومًا في مثل هذا العمل، ولأنَّه من الصعب أن نصنع حسنًا ما نبدأ بعمله للمرَّة الأولى. ولكن إذا ثابرنا، نصبح ماهرَين. ففي كلِّ مهنة، لا يستطيع الإنسان منذ البداية أن يعمل بمهارة ودون أن يقترف الأخطاء».

وإذ تكلَّم هذا، انسحبَتِ المرأة. ولكنَّ إبليس الذي يسعى منذ البدء ليؤذي الأخيار، تحوَّل إلى سمة هذه المرأة، وشرع يضرب يوحنّا بقساوة ويوجِّه إليه الشتائم العنيفة ويقول له: «كلَّفتُك بعمل لم تقُم به. ولا أريد بعدُ أن أحتفظ بك. سخِّن الخلقين وسخِّنه لأنِّي سوف أرميك فيه». ولمّا انتزع المعطف الذي كان يغطِّي يوحنّا، قال وهو يُكثر تهديداته: «إذا كنتَ لا تريد أن أحرمك الحياة، اخرج (من هنا). فلا أرضى بعدُ أن تخدمني». عرف يوحنّا بروح الله أنَّ هذا إبليس الذي يسكن في الحمّامات، فدعا اسم يسوع المسيح، فهرب في الحال.

وذات صباح، أتت روميكا وقالت ليوحنّا: «يقولون إنَّك تقوم بعملك بشكل سيِّئ، ولكنِّي أعرف أنَّهم يتكلَّمون هكذا لكي أُطلق سبيلك. ولكنِّي لا أرضى أن تتركني هكذا. إذا أردتَ أن تمضي، فأنا أحرمك بعنفٍ من أحد أعضائك الأكثر ضرورة لك». فما أجابها يوحنّا. عندئذٍ رأت المرأة كم كان يوحنّا صابرًا، خاضعًا، فأخذت تضغط عليه بقساوة وتسخطه. فقالت: «أنت لا تعملُ مثل عبد، بل مثل رجل حرّ. ماذا تجيب؟ أما تقرُّ أنَّك عبدي؟ أجبني إذًا». فقال يوحنّا: «لا شكَّ في أنَّنا عبدان لك. أنا أشعل النار، وبروخور يصبُّ الماء». وكانت روميكا مرتبطة برجلِِ شِرْعٍ، فمضتْ إليه وقالت له: «ترك لي والداي في الماضي عبدَينْ: هربا ثمَّ وُجدا من جديد بعد سنوات عديدة. ولكنِّي فَقدتُ وصْلَ شرائهما. ها هما أتيا إليَّ، فهل أستطيع أن أجدِّد وصل شرائهما»؟ فأجاب: «إن لم يرفضا بالموافقة على أنَّهما كانا عَبْدَين تركهما لك والداك، تستطيعين أن تجدِّدي الوصل، حين يكونان حاضرين ويقولان: نحن عبداك».

علم يوحنّا بوحيٍ من روح الله ما يحصل، فقال لي: «يا ابني بروخور، المرأة التي نخدم تريد أن تجعلنا نقرُّ أنَّنا عبدان لها. وإذا وافقنا، أمَّنت شهودًا أهلاً للثقة ليتسلَّموا إعلاننا، فيكون معها وثيقة تجعلنا عبدين لها. فلا تحزن من ذلك، يا ابني، بل افرح لأنَّنا حُسبنا أهلاً لأن نتألَّم لاسم الربِّ يسوع» (أع 5: 41). وإذا كان يوحنّا يقول هذا الكلام، أتت روميكا، وأخذت يوحنّا بيده وشرعت تضربه. وقالت: «يا عبدًا هاربًا، لماذا لا تركضُ أمام معلِّمتك حين تأتي، ولماذا لا تستقبلها بالإكرام الواجب لها؟ أتظنُّ أنَّك تقدر أن تستعيد الحرِّيَّة؟ ولكنَّك تبقى خاضعًا لمعلِّمتك». وكانت تضربه على وجهه لكي ترعبه ولكي يعمل مشيئتها. وقالت: «ألا تجيبني؟ ألستَ عبدي؟»

فأجابها يوحنّا: «سبق وقلت لك نحن عبدان لك. أنا أشعل النار وبروخور يصبُّ الماء». فأجابت روميكا: «أنت عبد من، يا عبدًا هاربًا؟» فقال يوحنّا: «لماذا تريدين أن نقول نحن عبدَا من؟» فقالت: «قل نحن عبدان لك». فقال يوحنّا: «سبق وقلنا لك، ونقرُّ كتابة أنَّنا عبدان لك». فقالت: «أريد أن يكون اعترافكما مؤكَّدًا أمام ثلاثة شهود». فأجاب يوحنّا: «لا تتأخَّري. في هذا اليوم بالذات نعمل مشيئتك». وخرجت روميكا من حيِّ هيكل ديانا، واقتادتنا أمام شهود، وكتَّبتنا اعترافنا كتابة، وسلَّمت كلَّ واحد منّا عملاً خاصًّا.

والآن، لنتكلَّم عن الحمَّامات.

 


[1](1)  Dianeفي العالم اللاتينيّ، إلاهة الطبيعة والصيد. تقابل أرطاميس في العالم اليونانيّ.

[2](2)  Dioscorideأو ابن الإله.

[3](3) Roméca

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM