أعمال يوحنّا بيد بروخور: النصوص

أعمال يوحنّا بيد بروخور النصوص

النصوص

جاءت النصوص في ثمانية وأربعين فصلاً. أولها انطلاق يوحنا وغرق المركب، وآخرها عودة يوحنا إلى أفسس بعد أن خرج من المنفى في جزيرة بطمس.

وبعد أن صعد إلى السماء ربُّنا يسوع المسيح ابن الله الحيّ، اجتمع التلاميذ في جتسيماني. فقال لهم بطرس: «تعرفون، يا إخوتي، كيف أمرَنا ربُّنا بأن نمضي إلى العالم كلِّه لنكرز الإنجيل لكلِّ خليقة ونعمِّدهم باسم الآب والابن والروح القدس([1]). وبما أنَّنا لا نرغب سوى أن نُتمَّ بسرعة ما أوصانا به الربّ، يليق بنا، أيُّها الإخوة الأعزّاء، بنعمة الثالوث (الأقدس) أن نجدَّ في العمل الذي أمرَنا به الربُّ فقال: "ها أنا أرسلكم كلَّكم مثل خراف وسط الذئاب. كونوا فطناء مثل حيّات، وبسطاء مثل حمام" (مت 10: 16). أنتم لا تجهلون، يا إخوتي، أنَّ الحيَّة، حين يريد أحدٌ أن يقتلها، تترك جسدها كلَّه ولكنَّها تُخبِّئ رأسها. وكذلك نحن، يا إخوتي: نتعرَّض للموت ولا ننكر يسوع المسيح الذي هو رأسنا (أو: رئيسنا). والحَمام أيضًا لا يحزن إن حُرم من صغاره (ومع ذلك) لا يعرف أن يتنكَّر لسيِّده. تعرفون أنَّ ربَّنا وسيِّدنا قال لنا: "بما أنَّهم اضطهدوني فسوف يضطهدونكم" (يو 15: 20). لهذا، يا إخوتي، يبقى عليكم "أن تمرُّوا في مضايقات عديدة (أع 14: 22) من أجل اسم الربِّ المقدَّس". أمّا يعقوب، أخو الربّ، فأجاب بطرسَ وقال: «حسنًا تكلَّمتَ، يا بطرس، لأنَّ الوقت جاء حيث يجب أن يتمَّ أمرُ الربّ. إنَّما تعرفون، يا إخوتي، أنَّ الربَّ أوصاني أن ألبثَ في أورشليم». فأجاب بطرسُ وقال: «نعرف كلُّنا أنَّ (أورشليم) هي المكان المسلَّم إلى عنايتك، وأنَّه لا ينبغي أن تبتعد عن أورشليم».

فألقى الرسل القرعة([2])، فأعطيَتْ آسية (الصغرى، عاصمتها أفسس) ليوحنّا الذي بكى كثيرًا وارتمى عند أقدام الرسل وهو يذرف الدموع. فأخذه بطرس بيده اليمنى وأنهضه وقال له: «نحن نكنُّ لك أكبر احترام، ونتطلَّع إلى صبرك كأنَّه مثال لنا كلِّنا وتشجيع. فماذا تفعل، يا أخانا، ولماذا تبلبلُ قلوبنا؟» فأجاب يوحنّا وقال لبطرس: «سامحني، يا أبي، لأنِّي تبلبلتُ جدًّا حين رأيت أنِّي عُيِّنتُ بالقرعة على آسية. ارتعبتُ من الأخطار التي يمكن أن تنتظرُني في البحر، وما تذكَّرتُ كلام الربِّ الذي أحبَّني([3]) وقال: "لا تسقط شعرة من رأسكم" (لو 21: 18). اعذروني، يا إخوتي. وصلُّوا من أجلي لكي يسامحني الربُّ أيضًا. وأنا مستعدٌّ لأن أمضي إلى كلِّ مكان تدعوني مشيئتُه ورضاه».

ووقف الرسل جميعًا وتطلَّعوا نحو الشرق، وطلبوا من يعقوب، أخي الربّ، أن يقول الصلاة التي ينضمُّون إليها كلُّهم. ثمَّ توجَّه الرسل، كلُّ واحد إلى الأرض التي عُيِّنت له. ورافق كلَّ واحد تلميذٌ من التلاميذ الاثنين والسبعين. أمّا أنا، بروخور([4])، فأشارت إليَّ القرعة بأن أمارس الخدمة مع الرسول يوحنّا. فنزلنا من أورشليم إلى يافا حيث لبثنا ثلاثة أيّام في بيت أرملة من أرض طيبة([5]). وأتت سفينةٌ من مصر، وكانت تواصلُ السفر إلى آسية، فصعدنا إليها. وحين صرنا في قعر السفينة، سيطر على يوحنّا حزنٌ كبير، فقال: «يا ابني بروخور، سنكون عرضة لمضايق كثيرة، والربُّ ما كشف لي شيئًا عن حياتي ولا عن موتي، بل تنجون من أخطار الموت وما من أحد منكم يهلك. فحين تنجو، يا ابني، من أخطار الملاحة، امضِ إلى آسية، وادخل إلى أفسس، وانتظرْ وصولي هناك ثلاثة أشهر. وإن سمح الله أن أصل في ذلك الوقت، نقوم بوظائف الخدمة التي كُلِّفنا

بها. وإن مرَّت الأشهرُ الثلاثة وأنا ما عدت، ارجع، يا ابني، إلى أورشليم، لدى يعقوب، وافعل ما يوصيك به».

وبعد أن كلَّمني يوحنّا معلِّمي هكذا، حوالي الساعة الحادية عشرة، هبَّتْ عاصفة حطَّمت المركب، ولبثنا في خطر عظيم جدًّا حتّى الساعة الثالثة من الليل. عندئذٍ أمسك كلُّ واحد مقذافًا أو قطعة خشب، وسعى أن ينجو سباحةً. وبفضل رحمة الله، دُفعنا، حوالي الساعة السادسة صباحًا، إلى جوار سلوقية([6]) وعلى بعد خمسة فراسخ من هذه المدينة. كان عددنا اثنين وأربعين شخصًا. ولكنَّ يوحنّا لم يكن معنا. لبثنا وقتًا طويلاً ممدَّدين على الشاطئ، مضنوكين من البرد والتعب والخوف، وكأنَّ لا حياة فينا. ثمَّ دخلْنا إلى سلوقية بعد أن خسرنا كلَّ ما كنّا نملك، ولم يبقَ لنا شيء نأكله. طلبنا خبزًا فأعطيَ لنا. أمّا رفاق سوء حظِّي فقاموا عليَّ وقالوا: «من هو ذاك الرجل الذي كان معك؟ إنَّه ساحرٌ أهلك المركب بسحره لكي يهرب بعد أن يضع يده على ما نملك، وأنت متآمرٌ معه. سَلِّمنا هذا الساحر وإلاَّ لا نتركك تخرج لأنَّك تستحقُّ الموت. قلْ لنا من أين يأتي هذا الساحر. نحن الذين كنّا في المركب، ها نحن كلُّنا هنا، وهو وحده اختفى».

وهكذا حرّكوا عليَّ سكّان سلوقية فرمَوني في السجن. وفي الغد، قادوني إلى والي المدينة الذي كلَّمني بقساوة وقال لي: «من أين أنتَ، وما هي ديانتك؟ ما هي وسائل عيشك، وما هو اسمك؟ قُلْ لنا كلَّ هذه الأمور قبل أن نسلِّمك إلى التعذيب». فأجبتُ: «أنا من أرض العبرانيِّين. ديانتي هي المسيحيَّة. اسمي بروخور. رُميتُ هنا بعد تحطُّم المركب مثل جميع الذين يتَّهمونني». فقال الوالي: «ماذا حصل حيث نجوتم كلُّكم ورفيقك وحده ما ظهر؟ في الحقيقة، أنتما متَّهمان بأنَّكما ساحرَين، وبأنَّكما أهلكتما المركب بسحركما. ولئلاَّ نشكَّ بسحركما، أنت وحدك لبثتَ مع ركّاب السفينة. أمّا رفيقك فمضى وهو يحمل الخيرات التي كانت في المركب. وربَّما أيضًا حكم الحكمُ الإلهيّ على رفيقك بأن يهلك، لأنَّكما ساحران أخطأتما بسفك الدماء الكثيرة. وأنت وحدك نجوتَ من الموت لكي تلقى عقابك في هذه المدينة. فقلْ لنا حالاً إن كان رفيقك هلك أو أفلت من الخطر».

فأجبتُ وأنا أذرف الدموع: «سأجيبك على الأسئلة التي توجِّهها إليَّ بصراحة تامَّة وبحسب ما أعلم. وأوَّلاً، إن وجبَ أن أتكلَّم عن نفسي، فأنا لستُ ساحرًا، بل أنا مسيحيّ وتلميذ يسوع المسيح. فالربُّ يسوع المسيح، قبل صعوده إلى السماء أعطى هذا الأمر إلى رسله: "امضوا إلى العالم كلِّه، واكرزوا بالإنجيل الخليقةَ كلَّها، وعمِّدوا الأمم الذين سوف يؤمنون". بعد صعوده إلى السماء، اجتمع رسله في موضع واحد وألقَوا القرعة (ليعرفوا) في أيَّة منطقة يجب على كلٍّ منهم أن يكرز. وأعطت القرعةُ آسية إلى يوحنّا، معلِّمي، الذي كان معنا في المركب. تألَّم من ذلك كثيرًا. ولمّا رفَض ما يرضي الروح القدس، كشف له، عقابًا على خطيئته، أنه سيُمتحن بعاصفة بحريَّة. وحين صعدنا إلى المركب، سبق وكشف لي ما سوف نتألَّم، وأوصاني بأن أنتظره في أفسس ثلاثة أشهر، وأنَّه سوف يأتي في ذلك الوقت، إن كان بعدُ حيًّا، لكي يُتمَّ المهمَّة التي سلَّمها الله إليه. وأضاف أنَّه إن لم يظهر قبل نهاية الموعد الذي حدَّده، ينبغي عليَّ أن أعود إلى بلادي. إذًا، معلِّمي ليس بساحر. هو إنسان اختاره الربُّ وألهمه ليكون الواعظ الشجاع بالحقيقة والثابت في إيمان يسوع المسيح».

حين قلتُ هذا الكلام، كان (رجل) اسمه سيلامنيس([7])، جاء من أنطاكية. اندهش من أقوال تفوَّهتُ بها بثبات، وطلب أن يُخلى سبيلي، فنلتُ السماح. وحين تركتُ سلوقية، وصلتُ بعد أربعين يومًا، إلى قرية واقعة على شاطئ البحر. فوجدتُ هناك حفرةً فدخلتُ فيها لأرتاح بعد الأتعاب الكبرى التي تحمَّلتُ، وما إن كنتُ فيها حتّى رأيت عاصفةً كبيرة رمتْ رجلاً على شاطئ البحر. فأشفقتُ عليه لأنِّي أحسستُ من جهتي بالرعب حين انكسر المركب. فركضتُ إليه وأنا لا أعلمُ أنَّه يوحنّا. اقتربتُ منه وأخذتُ يده وأقمتُه فعرفَني.

وعرفتُه أنا أيضًا وقبَّل الواحد الآخر ونحن نذرف الدموع الغزيرة ونشكر الله الذي يبسط رحمته والذي وحده ينجِّي من الأخطار، بقدرته اللامحدودة. لبثنا بعض الوقت لا نقدر أن نتكلَّم بسبب ما غُمرنا به من الفرح. وحين عاد يوحنّا إلى نفسه أخذ يروي لي ما حصل له وكيف لبث أربعين يومًا، بحسب مشيئة الله، تتقاذفه الأمواج على طول الشاطئ. ورويتُ له بدوري العذاب الذي قاسيتُ.

 


[1](1) دمج النصُّ مت 28: 18-20 مع مر 16: 15 (إلى الخليقة).

[2](2)  هي عادة قديمة جدًّا. رج أع 1: 56 واختيار متِّيّا. تحدَّث Rufin في التاريخ الكنسيّ 1/9 عمّا فعل الرسل فقال: أعطيت أرض الفراتيِّين Parthes للقدِّيس توما والحبشة Ethiopie للقدِّيس متّى، وما وراء الهند للقدِّيس برتلماوس. وجاء كلام روفين عند SOCRATE, Histoire, 1/19; et NICÉPHORE, Histoire, 2/39

[3](3)  رأى التقليد في يوحنّا التلميذ الحبيب. يو 11: 23؛ 21: 7.

[4](4)  Prochore هو أحد السبعة، والثالث بعد إسطفانس وفيلبُّس. رج أع 6: 5.

[5](5)  Tabite. ربَّما في مصر.

[6](6)  Séleucie. هي مرفأ أنطاكية. رج أع 13: 4.

[7](7)  Sélemnis

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM