مدحــة يوحـنــا القـديـــس

مدحــة يوحـنــا القـديـــس

بسم الآب والابن والروح القدس، إله واحد

هذا اليوم يا اخوتي وأحبائي يوم الحج الروحاني. جمعَنا فيه يوحنا الصيادُ، حبيب ربنا يسوع المسيح المخلص، من جميع المواضع والبلدان لهذا العيد المبارك. هذا هو التلميذ الذي كان ربنا يودُّه. يوحنا الذي طرح الشبكة وأخذ الانجيل، طرح القصبة وأخذ كلمة الله. يوحنا الذي لم يكن مثل النواتية (أو: الصيادين). وكان أحكم الحكماء، الذي من أجله اجتمعتم اليوم لتسمعون مدحته هذه. هذا مبشر بالله، متكلِّم الالهيات بمعرفة سيدنا يسوع المسيح عندما تركه الينا (وأتى) من منبر الآب».

ولكن من يستجرئ يخبر بصلاح هذا القديس. فإذ أنصتّم إلى كلامي أنا الحقير، فإني أعلمكم بالحق يقيناً. لأني أتيت من تلك الأرض ورأيتُ بعيناي وسمعت بأذناي من الأبهات (ܐܒܗܬܐ الآباء) كما قال الانجيل المقدس: ما سمعنا ورأينا نخبركم به (1يو 1: 3). أريد أن أعلمكم يا أحبائي من أجل موت هذا السليح يوحنا، ان كان ينبغي أن يسمَّى موتًا.

قال القديس لتلاميذه أن يحفروا له القبر. فلما حفروا، صلّى عليهم وبسط جسده في القبر وأسلم روحه إلى خالقه. وللغد صاروا تلاميذه إلى القبر فلم يجدوا فيه شيئًا. وان الطاهر رُفع إلى حبيبه المسيح مثل موسى، لأن الله قال لموسى: «إطلع إلى الجبل لأنك هناك تموت» (تث 32: 49-50). ومن بعد مماته طلبوا بني اسرائيل جسده فلم يجدوه. وان تلاميذ القديس يوحنا بنَوا على قبره كنيسة شريفة. ومن بعد زمان قليل، أحبَّ قسطنطين الملك المبارك الذي كانت فيه خشية الله، أن يأخذ نصيباً من عظام القديس إلى مدينة التي كان بناها، فبعث الناس وأمرهم أن يحفروا الموضع حيث قُبِر ويأخذوا له شيء من عظامه. فلما صاروا الرسل إلى القبر، حفروا وأقاموا أيام كثيرة ليطلبوا فلم يجدوا شيء.

فترايا (أو: فتراءى) قديس الله يوحنا للملك وقال له: «لا تشقى يا محب الله في طلبي في الأرض من أجل ودّك ونيّتك الحسنة. فإني عند سيدي المسيح الذي أعطاك المُلك. هو الذي رفع جسدي إليه وقبله عنده».

رأيت شدّةَ كلمة الرب التي قال لبطرس. «إن أردتُ أن يقيم حتى أجىء فما لك أنت» (يو 21: 22). وحتى يومنا هذا في ذلك الموضع، نور أكثر اشراق من الكواكب في السما. ويفور من قبر القديس بِركةُ (ماء) تشفي جميع الأسقام والأرواح الشريرة. وكما لا ينقص ماء البحر، كذلك ولا تلك البركة. وان أراد انسان أن يخبر بالعجائب والآيات التي كانت تظهر في ذلك الموضع على جميع الزمناء والمرضى، فما يقدر. فإن كان السليح يضع (أو: يصنع) هذا بعد موته ان كان يدعى موت، فداود النبي الزكي قد قال: «عظيم، كريم عند الله موت الصديقين» (مز 116: 15) وعلى حال، فمن يقدر أن يقصّ عجائبه على جهتها.

ولكني أخبركم بعجب من ما فعل ومنه تعرفوا خيره. كان في أفسس ناووس لارطامس قريب من المدينة. وكانوا أصحاب الأصنام يكرِّموه أفضل من كرامتهم لجميع الأوثان. وكانوا الخلائق يصيرون إليه من كل موضع من أجل ذلك العيد، مثل الرمل. فلما رأى الطوبان (ܛܘܒܢܐ الطوباوي) يوحنا كثرة الخلائق، دخل إليهم في حجّهم وراءهم. وطلب له موضع متعالي، فصعد ووقف عليه وصرخ بصوته قائلاً: «يا رجال أفسس لِمَ تضلون وتظنون أن ارطيمس اله. لِمَ ترجزون الله عليكم وتسجدون للأوثان التي لا تدفع عن أنفسها شيء. وبعد فاسمعوا قولي: اختاروا من احدى خصلتين. إما ان تصلّون إلى صنمكم وتطلبون إليه فيقتلني وحدي. والا صليت أنا إلى الاهي فيقتلكم بأجمعكم».

ففزعوا من هذه الكلمة فزع شديد، وخروا على وجوههم مرعوبين. لأن أكثر الناس كانوا يعرفوا ثقته بالاهه، وقوّة كلمته من العجائب التي كان يفعل. فكانوا يشكروه ويقولون له: «يا يوحنا عبد الله الصالح ارحم أنفسنا ولا تهلكنا«. فلما رأى يوحنا القديس توبتهم ورجعتهم إلى الله، الذي لا يهوى موت الخاطئ بل أن يرجع ويتوب إليه (حز 18: 32)، أمرهم أن يبتعدوا عن الناووس (ναος الهيكل) ورف يديه إلى السماء، وصلَّى عليهم ولم يزل رافع يديه إلى السماء والناووس يتساقط حتى ما بقي فيه حجر على حجر (مت 24: 2). كما كان موسى يرفع يديه إلى السماء فيغلب العمالقة (خر 17: 11)، مثله كان هذا السليح حتى أهلك الآههم النجس الذي لم يكن يقدر يغني نفسه شيئاً.

فلما عاينوا العجب الذي صنعه القديس، صاحواً بأجمعهم وقالوا: «عظيم هو اله يوحنا الذي صنع مثل هذا العجب لمنفعة الأنفس». وذهب الطغيان من المدينة من ذلك اليوم حتى الآن، وأقاموا لله حجّ جديد في ذلك اليوم إلى يومنا هذا. ومن يقدر أن يصف أو يخبر بما كان في ذلك اليوم من العجائب التي صنع الله على يدي القديس يوحنا. فلما تواقع ناووس ارطيمس، قُتل أخو الكاهن الذي كان يخدم الناووس. فأخذه أخوه بأمانة (أو: بإيمان) شديدة وقدمه إلى يوحنا القديس. وكانوا بأجمعهم يصرخون قائلين: «يا عبد الله، أنت الذي اعتقتنا من الضلالة، وأنت الذي جعلتنا نرفع أعيننا إلى السماء. وأنت الذي أهديتنا وأنقذتنا من الطغيان. ومن الآن ما نسجد للحجارة أيضاً. أنت الذي قدمت هذه الجماعة العظيمة لله، وخلصت أنفسهم من الموت السوء.

فبكى الكاهن وقال له (أي ليوحنا): «ينصرفون هؤلاء الخلائق كلهم فرحين إلى منازلهم، وأبقى أنا وحدي أنوح؟ بل أحبّ أن أذهب، وأنا مثلهم أفرح بإلاهك». فلما أرى القديس يوحنا حسن أمانته (أو: إيمانه) وودّه، صلى عليه في موضعه ذلك، وعاش الميت.

أنظروا وتعجبوا! أي إله مثل إلاهنا الذي يقبل توبة الخطأة ويحيي الموتى بدعوة سليحه. كما قبل دعوة اللص على الصليب واسكنه الفردوس (لو 23: 43). كذلك يوحنا هذا الممدوح هو الذي أرى الآبَ القويّ، والابن وروح القدس، وبشّر الناس، به فرجعوا عن الضلالة. وكذلك أيضًا القديس يوحنا البشير الذي قبل النعمة السماوية، والخلائقَ طهَّر وقدّس. كذلك يوحنا الممدوح، المتوسط نعمة الآب والابن وروح القدس الرب القوي، قَبِلَ السراير (أو: الأسرار) الروحانيّة، هذا هو يوحنا الذي تكلم كلام أعظم من كلام موسى النبي. موسى كان يكرز للناس ويقول: «الله خلق السماء والأرض» (تك 1:1). فأما يوحنا البشير فقال: في البدء كانت الكلمة. والكلمة عند الله، والله هو الكلمة» (يو 1:1)، الذي له المجد والكرامة والوقار إلى دهر الداهرين. آمين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM