المسيح يكشف له صليب النور وسرَّه

المسيح يكشف له صليب النور وسرَّه

97 «أيُّها الأحبّاء، بعد أن أتمَّ الربُّ هذه الرقصة معنا، خرج([1]). أمّا نحن فهربنا كضحيَّة الضياع أو الرقاد، كلُّ واحد في جهة([2]). وأنا حين رأيتُه يتألَّم، لم أحضر أيضًا ألمه بل هربتُ([3]) على جبل الزيتون باكيًا بسبب ما حصل([4]). ولمّا علِّق يوم الجمعة، في الساعة السادسة (يو 19: 14-16)، كانت ظلمةٌ على الأرض كلِّها([5]). ووقف ربِّي في وسط المغارة، فأنارَني([6]) وقال لي: "يا يوحنّا، من أجل الجمع الذي في الأسفل، في أورشليم([7])، صُلبتُ، وطُعنتُ بالحراب والقصب([8])، وسُقيتُ الخلَّ والمرّ([9]). ولكن سأكلِّمك أنت، فاسمع ما سأقول. أنت الذي أعطيتُك الفكرةَ بأن تصعد هذا الجبل([10]) لكي تسمع ما يجب على التلميذ أن يتعلَّم من معلِّمه، والإنسان من إلهه".

98 «ولمّا قال هذا، أراني صليب النور([11]) ثابتًا متينًا، وحول الصليب جمعٌ كبير لا شكل واحدًا له([12]). في الصليب كان هناك شكل واحد وصورة تمتلك الشبه (تك 1: 26). كنت أرى الربَّ ذاته فوق([13]) الصليب: لم تكن له هيئة خارجيَّة، بل صوت([14]) فقط، لا ذاك الصوت الذي اعتدْنا عليه، بل صوت ناعم، خيِّر، صوت الله الحقيقيّ([15])، وكان يقول لي:

"يا يوحنّا، يجب أن يسمع شخصٌ واحدٌ منِّي هذه الكلمات، لأنِّي أحتاج إلى شخص واحد، ذاك الذي يجب أن يسمعني([16]). صليب النور الذي دعوته بسببكم مرَّة 'كلمة' (يو 1: 1) ومرَة 'عقل'، 'مسيح'. 'باب' (يو 10: 9)، 'طريق' (يو 14: 6)، 'خبز' (يو 6: 35-48)، 'زرع'([17])، 'قيامة' (يو 11: 25)، «ابن»، 'أب'، 'روح'، 'حياة'([18])، 'حقّ'([19])، 'إيمان'، 'نعمة'([20]). هو يُسمّى كذلك بالنسبة إلى البشر. ولكن ما هو في الحقيقة، وكيف يُفهم في ذاته ويحدَّد من أجلكم([21])، هو: وضع حدود الكلّ، بناء ثابت لما هو متين وإبعاده عن كلِّ ما ليس له قاعدة، وتنظيم الحكمةُ([22]). وحين تتنظَّم الحكمة يأتي إلى الوجود أهلُ اليمين وأهلُ اليسار، القوّات والسلطات والرؤساء والشياطين والقوى والتهديدات والهيجانات والافتراءات وإبليس والجذر الأدنى([23]) الذي منه خرجت طبيعةُ ما خُلق([24]).

99 «"إذن، هذا الصليب الذي ثبَّت الكلَّ بالكلمة، الذي رسم حدًّا لما خُلق في أسفل، ثمَّ انتشر في كلِّ شيء، ليس صليب الخشب الذي ستراه حين تنزل من هنا([25]). ولستُ أيضًا ذاك الذي على الصليب([26]) أنا الذي لا تراه الآن، بل تسمع فقط صوته. اعتُبرتُ غير ما أنا لأنِّي لستُ ما أنا هو بالنسبة إلى الكثيرين، بل ما يقولون عنِّي هو حقير ولا يليق بي([27]). فبما أنَّ موضع الراحة لا يمكن أن يُرى ولا أن يُصوَّر، فبالأحرى أنا ربُّ هذا الموضع، لا يمكن أن أُرى ولا أن أصوَّر([28]).

100 «"الجمع (الذي) حول الصليب والذي ليس له شكل واحد، هو الطبيعة السفلى([29]). والذين تراهم في الصليب، فإن لم يكن لهم شكل واحد، فلأنَّ جميع أعضاء ذاك الذي نزل([30])، لم تُجمَع بعد([31]). ولكن حين ترتفع([32]) طبيعةُ الإنسان، والنسل الذي ينضمُّ إليَّ الآن، ويخضع لصوتي (يو 10: 16)، فذاك الذي يسمعُني الآن يكون جزءًا منها: لن يعود ما هو عليه الآن، بل يكون فوق الصليب كما أنا هو الآن. ولكن إن سمعتَ أنت أيضًا لي سماعًا، تكن مثْلي. وأنا أكون ما كنت عليه... إذن، لا تهتمَّ بالكثيرين، واحتقرْ أولئك الذين هم خارج السرّ([33]). واعلمْ أنِّي بكلِّيَّتي قرب الآب وأنَّ الآب بقربي([34]).

101«"هكذا ما تألَّمت أيًّا من الآلام التي ينسبونها إليَّ([35])، بل هذا الألم الذي أريتُك إيّاه والآخرين في الرقص، أريد أن يُسمّى «السرّ». فما أنت تراه. وأنا أريتك إيّاه. ولكن ما أنا، أنا وحدي أعرفه ولا آخر. ما هو خاصّ بي، أتركْني أمتلكه. وما هو خاصٌّ بك، أنظرْ إليه من خلالي. أمّا أن ترى أنت ما أنا في الحقيقة، فقلتُ إنَّ هذا غير ممكن إلاَّ ما تستطيع أن تعرفه كقريب([36]). تسمعهم يقولون إنِّي تألَّمت. ولكنِّي ما تألَّمت. أنِّي ما تألَّمت ولكنِّني تألَّمت، أنَّني طُعنت ولكنِّي ما ضُربتُ (بالحربة)، أنِّي عُلقت ولكنِّي ما علِّقت، أنَّ دمًا سال منِّي (يو 19: 34)، ولكنَّه ما سال منِّي. وبموجز الكلام، ما يقوله هؤلاء الناس عنِّي لم أتحمَّله. وما لا يقولونه عنِّي، هذا ما تألَّمتُه. أمّا الموضوع فأقوله لك بشكل مستتر لأنِّي أعرف أنَّك ستفهم. فافهمْني كسجين الكلمة، كمطعون الكلمة، كدم الكلمة، كجرح الكلمة، كتعليق الكلمة، كعذاب الكلمة، كتسمير الكلمة، كموت الكلمة([37]). وبعد أن أترك مكانًا للإنسان، سأتكلَّم هكذا: أوَّلاً، إفهم الكلمة. ثمَّ تفهم الربَّ وثالثًا، الإنسانَ وما تألَّم"»([38]).

102 «ولمّا قال لي هذه الكلمات وغيرها التي لا أستطيع أن أوردها، كما أراد، رُفع دون أن يراه أحدٌ في الجمع. وحين نزلتُ، ضحكتُ من جميع هؤلاء الناس لمَّا رأيتهم يقولون لي أنا ما قالوا عنه. واحتفظتُ في ذاتي بهذا  اليقين الوحيد، أنَّ الربَّ رتَّب كلَّ شيء بشكل رمزيّ وبحسب تدبير، من أجل اهتداء الإنسان وخلاصه.

103 «أيُّها([39]) الإخوة، بما أنَّ لنا نعمة الربّ وحبّه لنا، لنسجد له نحن الذين لنا رحمته. لا بالأصابع والفم واللسان، ولا بأيِّ عضو آخر من أعضاء الجسد، بل باستعداد النفس... ولنبقَ متيقِّظين، لأنَّه الآن أيضًا حاضر بسببنا في السجون والقبور، في القيود والحبوس، في الإهانات وسوء المعاملة، على البحر وعلى الأرض، في الجَلْد والحكم والمؤامرات والفخاخ والعقابات. بمختصر الكلام، بما أنَّه معنا كلِّنا حين نتألَّم، فهو يقاسمنا أيضًا آلامنا. حين يدعوه كلُّ واحد منّا، أيُّها الإخوة، فهو لا يتحمَّل أن لا يسمعنا. ولكن بما أنَّه في كلِّ مكان، فهو يسمعُنا كلَّنا. في هذه المناسبة أيضًا، بما أنَّه الله لي ولدروسياني في اعتقالنا، فهو يعيننا في رأفته.

104 «وأنتم أيضًا، يا أحبّائي، إقتنعوا أنَّ ما أُعلنُه لكم يتوخَّى لا إكرام إنسان بل الإله الذي لا يتبدَّل، الإله الذي لا يُدرَك، الله الذي يسمو على كلِّ سلطة وكلِّ قدرة، الذي هو أقدم وأقوى من جميع الملائكة، خلائق القول والفكر، ومن جميع الدهور. إذا ثبتُّم في هذا اليقين وبُنيتم فيه، تمتلكون نفسًا لا تدمَّر».

105 وحين نقل([40]) يوحنّا هذا إلى الإخوة، خرج مع أندرونيك للنزهة، وتبعتْه دروسياني عن بعد مع جميع الإخوة. أرادوا أن يروا الأعمال التي يعملها ويسمعوا كلمته في كلِّ وقت (في الربّ الآن([41]) وأبدًا وإلى دهر الدهور. آمين

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM