تقديم

 

دراسات بيبلية -37 -

الخلاصة الكتابيَّة والآبائيَّة، الجزء 3

الخوارسقف بولس فغالي

دكتور في الفَلسَفَة واللاهُوت

دبلوم في الكتاب المقدَّس واللِّغات الشَّرقيَّة

 

المقدمة

حين كتبنا المجلّد الأوّل في »الخلاصة اللاهوتيّة، توخَّينا في شكل خاص ثلاثة أمور: تقديم الأمور العلميّة الأخيرة مع ما فيها من طُرق بحث جاءتنا من عالم أوروبا أو أميركا. ثم الانفتاح على الأمور الرعائية. والأمر الثالث، التعرف إلى آباء الكنيسة الذي كانوا أقرب منا من منابع الكتاب المقدس وبدايات المسيحية.

وفي هذا المجلد الثالث، عدنا إلى الأصول، إلى قضيّة الالهام التي شغلت الكنيسة على مرّ تاريخها: أين هو دور الله وأين هو دور الانسان؟ وهي اليوم في حوارها مع سائر الديانات تقوم بعمليّة تثاقف: ماذا تأخذ وماذا تعطي، وكيف يصل غنى الانجيل إلى البشرية جمعاء؟ وأيّ هي الأسفار التي تُعتبَر »قانون« الكنيسة وقاعدة إيمانها؟ فهناك الآتون من الخارج يريدون أن يفرضوا عليها كتباً رفضتها »لأنهم ليسوا أبناءها«. هي لا تعترف بهم، بل تحسبهم أولاد زنى. أما قضية الكتاب الذي هو وحدة متماسكة منذ سفر التكوين إلى سفر الرؤيا، فهي حاضرة لاسيّما وأن الذين يشوهّون قراءة الكتاب المقدس يجعلوننا ننفر ممّا نقرأ.

أمّا القسم الثاني فيقدّم نهجين متكاملين الدياكرونيّا، أو القراءة التطوريّة. تتبع النص في تطوّره، في اغتنائه داخل الجماعة قبل أن يصبح كلاماً في الحافظة، ثم مكتوباً. هذا النهج مهمّ جدّاً لأنه يبعدنا عن الأصوليّة التي تجعل النص »صنمًا« نتعلّق به، نتعبّد لحروفه ولا نجرؤ على الخروج منه للغوص في عمق خبرة المؤمنين مع الله. فالكتاب المقدّس، ولاسيّما العهد القديم، لم يأتِ نصًا مكتوبًا من السماء في ثلاث لغات، هي العبريّة والآراميّة واليونانيّة. فكما البشريّة التي هي على صورة الله ومثاله تتطوّر، كذلك كانت مسيرة الأسفار المقدّسة إلى أن وصلت إلينا كاملة، فدعوناها العهدَ القديم والعهد الجديد، أو كما قال يسوع حين كلّم تلاميذه بعد القيامة: »شريعة موسى وكتب الأنبياء والمزامير« (لو 24:44).

والقراءة السنكرونية أو المتزامنة، التواقيّة، تأخذ النص كما هو أمامها، دون أن تعود إلى الزمن الذي كُتب فيه ولا إلى تطوّره هو كتاب ملهم وأما أقرأه كذلك لكي أكتشف الغنى بالنسبة إلى الجماعة المؤمنة في هذا الآن وفي هذا المكان. الدياكرونيا »تُفتّت« النص لكي ترى كيف تركَّب. والسكنرونيا تقرأه قراءة إجماليّة لتكتشف المعنى العام، الأخير الذي أراده ذاك الذي قدّمه لنا، كما لتكتشف موضعه بين الأسفار المقدسة كلها.

قراءتان ضروريتان في حوارنا بشكل خاص مع العالم الأسلامي، بحيث يلتقي المسلم والمسيحي في بحثه عن الله الذي هو أبو جميع البشر. فالكتاب أي كتاب يبقى حرفاً ميتًا إذا المؤمن لا يجعله في حياته، لا يعيشه، لا يجعل من شخصه »كتابًا« يقرأه العالم. من أجل هذا نغوص. نرتمي في بحر الله للوصول إلى أعمق الأعماق، ولا نتوقّف عند طقوس ومبادرات تجمّدنا حيث نحن وتجمّد الكتاب فنردّد كلماته ولا نجسر أن نعصرها، بل نبقى على مستوى اللبّ والقشرة.

أما آباء الكنيسة الذين نقرأ في هذا المجلد، فهم من الأراضي المقدسة. مع توقّف عند شخص لا يعرفه الكثيرون مع أن دوره مهم جدٌّا ولاسيّما على مستوى قراءة الكتب المقدّسة، عنيتُ به هيسيخيوس، الذي كان معلّمًا في أورشليم، دون أية رتبة كهنوتيّة. حاول أن يجمع في شخصه مدرسة أنطاكية ومدرسة أورشليم، فنجح نجاحًا كبيرًا.

فإلى قراءة »صعبة« ندعو المؤمنين، وإليهم نقدّم هذه المحاولة الثالثة بحيث إن الذين يهمّهم أمر الكتاب، يفتحون صفحاته للعالم فيعرف ذاك الذي أرسله الآب، ابنَه يسوع المسيح.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM