المسيح حررنا.

المسيح حررنا

روم 1:6- 23

الأب أسعد جوهر ر.ل.م

 

الموضوع الأول : بالمعموديّة نموت مع المسيح لنحيا معه (6: 1-14)

ألأطروحة : 1 إذًا فماذا نقول ؟ أنستمرّ في الخطيئة، لكي تكثر النعمة ؟

2 معاذ الله ! نحن الذين متنا عن الخطيئة، كيف سنحيا بعد فيها؟

الدفاع :     3 أوتجهلون انّا نحن الذين عُمّدنا في المسيح يسوع، في موته              عُمّدنا ؟

4 إذًا دُفنّا معه في الموت، بالمعموديّة، لكي، كما أُقيم المسيح من بين الأموات بمجد الآب ، نسلك كذلك نحن ايضا في جدّة  الحياة.

أ   -    5 فإذا صرنا وإيّاه واحدا (غرسة واحدة) على شبه موته، نكون أيضًا على شبه قيامته.

ب - 6 وأنّا لعارفون انّ انساننا العتيق صلب معه، لكي يبطل جسد الخطيئة، فلا نُستعبد بعد للخطيئة .

ج - 7 لانّ من مات بُرّر من الخطيئة .

أَ - 8 فإذا متنا مع المسيح، نؤمن انّا سنحيا أيضا معه .

بَ - 9 وإنّا لعالمون أن المسيح، وقد أُقيم من بين الأموات، لن يموت من بعد، لن يتسلّط عليه الموت من بعد !

جَ - 10 لأن من مات ، مات بالنظر إلى الخطيئة مرّة واحدة، أمّا الذي يحيا فبالنظر إلى الله يحيا .

11 كذلك انتم أيضا احسبوا أنفسكم أمواتا بالنظر إلى الخطيئة، أحياء بالنظر إلى الله في المسيح يسوع.

التطبيق :    12 إذًا فلا تملكنَّ الخطيئة بعد في جسدكم المائت، لكي تطيعوا شهواته .

13 ولا تجعلنَّ أعضاءَكم بعد سلاح إثم للخطيئة، بل قرّبوا أنفسكم لله، كأنَّكم أحياء من بين الأموات، (واجعلوا)  أعضاءَكم سلاح برّ لله .

خاتمة :   14 فلا تتسلّط عليكم الخطيئة، لأنّكم لستم في قيد الشريعة بل في قيد النعمة.

 

الموضوع الثاني : المسيحي المُحرّر من الخطيئة (6: 15-23)

الأطروحة :    15 إذًا ماذا؟ أنخطأ لأنّا لسنا في قيد الشريعة، بل في قيد النعمة؟ معاذ الله!

دفاع :   16 أما تعلمون أنّكم، عندما تجعلون أنفسكم عبيدًا لأحد طاعةً له، تكونون عبيدًا لمن تُطيعون: إمّا عبيد الخطيئة فللموت، وإمّا عبيد الطاعة فللبرّ؟

17فشكرًا لله أنّكم، بعد أن كنتم عبيدَ الخطيئة، أطعتم بالقلب رسم التعليم الذي أُسلمتم إليه.

18 إنّكم وقد صرتم من الخطيئة مُحرّرَين، استُعبدتم للبرّ.

19 أقول قولاً بشريٌّا مراعاة لضعف جسدكم: فكما جعلتم أعضاءكم عبيدًا للنجاسة والإثم في سبيل الإثم، كذلك  الآن اجعلوا  أعضاءكم عبيدا للبرّ في سبيل القداسة.

العاقبة :    20 فلمّا كنتم عبيد الخطيئة، كنتم أحرارًا من البرّ.

21 فأيّ ثمرٍ يومئذٍ كنتم تجنون من الأمور التي أنتم الآن منها تستحيون؟ فإنّ عاقبتها موت.

22 أمّا الآن، وقد صرتم مُحرّرَين من الخطيئة، ومُستعبَدين لله، فإنّكم تجنون ثمركم للقداسة. والعاقبة حياةٌ أبديّة.

23 لأنّ أجر الخطيئة موت، أمّا هبة الله فحياةٌ أبديّة، في المسيح يسوع ربّنا.

 

مقدّمة

يقسم القديس بولس رسالته إلى أهل روما إلى قسمين واضحين: قسم لاهوتي تعليمي (1-11) ؛ وقسم أدبي عملي (12-16). في القسم الأول يتّبع الرسول أسلوبًا في الشرح خاصًا، على طريقة الأنبياء الأقدمين، فيعلن الموضوع: الإنجيل هو قوّة من الله لخلاصٍ كلّ مؤمن (1:16-17)، ثمّ يوسّعه في أربع مراحل متتالية، شارحًا في كلّ مرحلة، في لوحين سلبي وإيجابي، الشقاء بدون الإنجيل، في لوح، والخلاص بالإنجيل، في لوح ثانٍ.

فالفصل 6:1-23 الذي نحن بصدده يقع في المرحلة الثانية للموضوع (5:12-6:23)، حيث يجري الكلام في اللوح السلبي عن شقاء الإنسان المتضامن وآدم الخاطئ (5:12-21)، وفي اللوح الإيجابي عن خلاص الإنسان المتضامن ويسوع، آدم الثاني البار، وهو الموضوع الذي نعالج (6:1-23) . وهذا اللوح الأخير يتضمن موضوعين: الأول عن المعموديّة (6:1-14)، والثاني عن التحرّر من الخطيئة (6:15-23).

1- إطار النصّ

يؤلّف نصّ رومانيين 6:1-23 وحدة أدبيّة متماسكة، ومرتبطة ربطًا وثيقًا بالنصّ السابق له وبالنصّ التابع له، فيبدأ بسؤال: '' إذًا، فماذا نقول؟ أنستمرّ في الخطيئة، لكي تكثر النعمة؟'' (6:1). هذا السؤال مرتبط مباشرة بالآيتين السابقتين (5:20-21): '' أمّا الشريعة فقد اندسّت لكي تكثر الزلّة، وحيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة...''؛ ثم بعد إعطاء الجواب في 6:2-14 على السؤال اعلاه ، يعود الرسول فيطرح من جديد السؤال نفسه في 6:15: ''إذًا، ماذا ؟ أنخطأ لأناّ لسنا في قيد الشريعة، بل في قيد النعمة ؟''. ثمّ يقدّم أجوبة جديدة في 6:16-23، فيتكلّم عن التحرّر من الخطيئة لكي يحيا الانسان في حياة أبديّة. بعدها ينتقل الرسول الى الكلام عن التحرّر من الشريعة، فالمسيحي قد تحرّر بالمسيح من شريعة موسى (7:1-6).

يحذّر بولس قرّاءه من تفسيرٍ خاطئ للحرّية المسيحيّة يؤدّي إلى العيش من جديد ''حسب الجسد''. فالتساؤل في 6:1 ليس فرضيّة نظريّة، لانّ بولس يؤكّد في 3:8 أن بعضهم قد اتّهمه بأنه ينادي بما سينقضه  هنا : '' أفلا نفعل السيّئات لتأتي الصالحات، كما يفتري علينا قومٌ، ويزعمون أننا نقول ذلك؟ إنّ القضاء عليهم لعدلٌ!''. من هم هؤلاء القوم، أيهودٌ هم، أم يهود مسيحيّون، أم الاثنان معًا؟ لا ندري. ولكن استعمال صيغة المخاطب الجمع في رومانيين 6:1-7:6 قد يدلّ على أن المعضلة المطروحة تهمّ مباشرة كنيسة روما.

وبولس يسعى ليصحّح بين الرومانيين صورته وما يفتري عليه هؤلاء القوم وعلى بشارته. يدحض بولس هذا الافتراء على مرحلتين: المرحلة الأولى 6:2-14 حيث يعطي جوابًا سلبيًا للسؤال المطروح في الآية الأولى، ويختمها بهذا الإعلان في الآية 14ب : '' لأنكم لستم في قيد الشريعة بل في قيد النعمة ''.

هذه الخاتمة (14ب) لما سبق، هي أيضًا عرضة لاستنتاجات مرفوضة، منها يحذّر بولس قرّاءه : لا شريعة بعد اليوم، ممّا يعني حرّية التصرّف حسب الأهواء والميول. لذلك يكمّل بولس في تحذير جديد في الآية 15 بتكرار التساؤل الذي قدّمه في الآية الأولى مستعملاً تعابير الآية 14ب: '' إذًا، ماذا ؟ أنخطأ لأننا لسنا في قيد الشريعة، بل في قيد النعمة ؟''. ''معاذ الله !''، يجاوب بولس، لأنه بعملكم هذا تخسرون الحرّية التي أعطاكم المسيح يسوع لتعودوا عبيدًا للخطيئة.

 

2- بنية النص الأدبية

يُقسم نصّ رومانيين 6:1-23، الذي يتكلّم عن خلاص الانسان المتضامن ويسوع، الى موضوعين: الأوّل عن المعمودية (6:1-14): فالمسيحي يموت ويقوم مع المسيح في سرّ المعموديّة، فلا يعود بإمكانه ان يعيش للخطيئة؛ والثاني عن المسيحي المُحَرَّر من الخطيئة (6:15-23).

يُقسم موضوع المعموديّة 6:1-14 بدوره إلى ثلاثة أقسام أساسية :

الأول 6:1-2   وهو الأطروحة ، ويتألّف من تساؤل وجواب .

الثاني 6:3-10    وهو دفاع عن هذه الأطروحة، ويستند إلى حجّة قويّة

حيث يدور الكلام على المعموديّة مع التركيز على

موضوع الموت والحياة مع المسيح بالمعموديّة.

الثالث 6:11-14   وهو تطبيق الأطروحة على حياة المسيحيين، مع التنويه

على أن الآية 11 هي آية انتقاليّة،

والآية 14 تشكّل الخاتمة.

كذلك موضوع التحرّر من الخطيئة (6:15-23) يقسم الى ثلاثة أقسام :

الأول 6:15        وهو الأطروحة ، ويتألّف أيضًا من تساؤل وجواب .

الثاني 6:16-19   وهو دفاع يدور فيه الكلام على العبور من العبودية الى

الحرية. فإمّا ان يكون الانسان عبدًا للخطيئة فالموت،               وإمّا عبدًا الطاعة لله فللبرّ.

الثالث 6/20-23   الجزاء حيث ثمر الخطيئة الموت وهبة الله الحياة الابديّة.

معطيات كثيرة تثبت هذا التقسيم وذلك بالاستناد إلى دلائل تتعلّق بالمبنى والمعنى. فالقسم الأوسط (6:3-10) بدوره يُقسم إلى ثلاث مراحل:

تبدأ المرحلة الأولى بطابع خطابي يعتمده بولس غالبا، ولا نجده في سائر كتب العهد الجديد، ويتميّز باستعمال أحد تعبيرين متشابهين:

''لا أريد / لا نريد أن تجهلوا أيها الاخوة...'' (1تس 4:13؛ 1قور10:1؛ 12:1؛ 2قور 1:8 ؛ روم 1:13).

''أوتجهلون...؟'' (روم 6:8 ؛ 7:1).

بعدها يذكر العماد 3 مرات: الفعل ''عُمّدنا'' مرتين (آية 3)، والاسم ''معمودية'' مرة واحدة (آية 4).

ثمّ تتوازى المرحلة الثانية والثالثة على الشكل التالي:

1) أ-  فإذا صرنا (5)

في وحدة عضويّة مع المسيح بالموت تتبع الوحدة مع المسيح في القيامة.

ب- وإنّا لعارفون (6)

توسيع حول الإنسان العتيق المصلوب مع المسيح لكي يبطل جسد الخطيئة.

ج- لانّ من مات (7)

بديهيّة مقرّرة عامّة يقدّمها بولس كبرهان على ما تقدّم.

2) أ-  فإذا متنا (8)

الرجاء في الحياة مع المسيح التي بدأت ولكنها تكتمل في القيامة وتتجذّر معه في الموت .

ب- وإنّا لعالمون (9)

توسيع في المسيح القائم الذي لن يتسلّط عليه الموت أبدا .

ج- لانّ من مات (10)

برهان تطبيقي على حالة المسيح في المسلّمة (الآية 7): موته حقّق ''مرّة واحدة'' التحرير من الخطيئة، حياته هي دخول نهائي في حياة الله.

فالآية 5 :'' فإذا ((ei صرنا وإيّاه واحدًا  (غرسة واحدة  sumfutoi gegonamen) على شبه موته''،

توازي الآية 8 :  '' فإذا ((ei متنا مع المسيح''.

وتعبّر الآيتان الشرطيّتان 5 و8 على مشاركة المؤمن في موت المسيح، وتحدّدان بداية المرحلة الثانية والثالثة.

كما أنّ نهاية المرحلتين تردّد تقريبًا ذات العبارة : '' لأنّ من مات'' ( 7 و10).

زد إلى ذلك أنها تحتوي في محورها على أفعال المعرفة : ''وإنّا لعارفون أنّ'' (ginoskonte" oti) (6) وأيضًا، ''إنّا لعالمون أنّ'' ti)eidote" o) (9).

الآية 11 سبق وقلنا إنها تشكّل جملة انتقاليّة بين الجزء العقائدي والتطبيق العملي  في حياة المسيحيين . هذه الآية تكرّر عناصر الأطروحة في الآية 2، ولكن ليس على شكل تساؤل ، بل في صيغة الأمر الجمع : ''احسبوا ''. يهدف فعل الأمر هذا إلى تحقيق الأمور المتطابقة، ''كذلك انتم أيضًا''، وبذلك يمهّد إلى التوجيهات والارشادات اللاحقة .

تبدأ التوجيهات بـ ''إذًا'' ((oun التي تدلّ على أن بولس سيقدّم الاستنتاجات عمّا قيل . توسّع الآيتان 12و13 هذه الاستنتاجات بوصايا مبنيّة على ثلاثة أفعال في صيغة الأمر، يبدأ كل منها وصيّة : وصيّتان في صيغة الأمر النفي، وواحدة في صيغة الأمر التأكيد، في توازٍ مفارق مع ''بل'' أو ''لكن'': ''فلا تملكنّ''  (mh basileueto، ''ولا تجعلـنّ'' ((mh paristanete، ''بــل اجعلـوا'' ((alla parasthsate.

تدلّ الآية 14 في الوقت نفسه على علاقتها بما سبق وعلى وضعها المميّز في استعمال الفعل في صيغة المستقبل، ''فلا تتسلّط''  (ou kurieusie)، حيث تحتفظ الآية بشيء من الأمر وتنفتح على وعد. ولكن هذه الآية تدلّ بوضوح على أنّها تشكّل خاتمة القسم الأول من التوسيع بتكرار عناصر أساسيّة من الآية الأولى وبذات الترتيب:

(1) أنستمرّ في الخطيئة،  (14) فلا تتسلّط عليكم الخطيئة ،

لأنّكم لستم في قيد الشريعة

لكي تكثر النعمة ؟            بل في قيد النعمة

إلى جانب الهيكليّة التي عرضنا، هناك دلائل على صعيد المعاني والكلمات تبيّن أنّ رومانيين 6:1-14 هي وحدة أدبيّة مستقلّة. منها المتناقضات بين خطيئة ونعمة (1و14) ، بين موت / مات، وحياة / حيي أو قيامة (2و4و5)، وبين عتق وجدّة (6و4).

زد إلى ذلك الرابط بين العلّة والمعلول انطلاقا من حدث الخلاص، موت وقيامة  المسيح، وقد عبّر عنه بمجموعة من الجمل الشرطيّة والجمل الغائيّة، تبدأ بـ ''إذا'' (5 و8) و''لكي'' (4 و6).

ثم ترداد الكلمات المركّبة مع حرف العطف ''مع'':  دُفِّنا معه (4) ، غرس معه (5)، صلب معه (6)، سنحيا معه (8)، وهي تجمع الكلّ تحت مفهوم اشتراك المؤمن في عمل الفداء .

وأخيرًا، الترابط الداخلي للموضوع حيث تتوسّع المقالة في شرح مفهوم  الموت والحياة (مات وحيي). وتدور في فلك كل مفهوم عبارات خاصة: فمن جهة، صُلب (6) ودُفن (4)، ومن أخرى، أُقيم ( قيامة) (4 و5 و9 و13) . الأولى لها معنى سلبيّ والثانية إيجابيّ. ''موت'' و''مات'' هما تعبيران سلبيان بالنسبة إلى ''حيي'' و''قام'' من وضع مائت (4 و9 و13) ، ومن تسلّط الموت (9)، ومن الحيازة على جسد مائت (12). هذه الكلمات ذاتها لها مدلولات إيجابيّة عندما تعبّر عن التحرّر من الخطيئة (2 و7 و10 و11)، والاتّحاد بموت المسيح، بعمله الخلاصيّ (3 و4 و5 و8 و10).

كذلك الفعل ''حيي''  له مدلول سلبيّ عندما يطبّق على وضع الإنسان الخاطئ (2)، بينما ذات الفعل مدلوله إيجابيّ عندما يتعلّق الأمر بالمسيح الممجّد (10) وبالذين يقبلون الخلاص الذي يعطيه (4 و8  و11 و13).

يطال المفهومان المتناقضان، في الوقت ذاته، المسيح والمسيحيّين في عمليّة حيث موت وحياة الأوّل غايتها موت وحياة الآخرين . هناك ارتباط عضوي جماعي في هذا التعليم المضاد .

بولس الذي يعلّم وينشر هذا التعليم هو حاضر في النصّ، فرد من أفراد هذه الجماعة. لأنّه يتكلّم عنها بصيغة المتكلّم الجمع. بولس لا ينظر إلى الجماعة كمراقب ومنظّر، ولكن كعضو في هذه الجماعة التزم في هذا المشروع الذي يصف، وهو يتحمّل كل المتطلّبات (2) .

يطرأ تغيير منذ الآية 11، إذ تبدأ بالتعبير التالي: ''كذلك انتم''، وتشير إلى  ''كذلك نحن'' (آية 4)،  فتقدّم الاستنتاجات المتعلّقة بحياة القرّاء المسيحيّين . في هذه الاستنتاجات يظهر قصد بولس الأساسي التحريضيّ. العماد الذي يبدأ هذا التوسيع لا يظهر بالفعل إلا قليلاً، لأنّه منذ الآية 4، لم يعد له ذكر. والموضوع يكمّل دون الحاجة إلى الرجوع إليه .

أمّا في موضوع التحرّر من الخطيئة (6:15-23) فيستطرد بولس في 6:15، ويقدّم من جديد جوابًا على الاعتراض الأوّل الموجود في الآية 6:1، وهذا دليل واضح على خطورة هذا الاعتراض كونه إفسادًا لرسالته الأساسيّة.

بعد تكرار الإعتراض وتكرار رفضه القاطع في جواب مباشر في الآية 15، لا نعجب من أن نجد تكرارًا في الآيات 6:16-23، حول موضوع سبق فطُرح. ولكن بولس لا يعيد ذاته كلّيّا؛ فمفاهيم واستعارات جديدة تضيء وتكمّل الدفاع السابق. فالموضوع الأساسيّ الذي يساهم في وحدة المقطع هو مزدوج وطباقيّ: عبوديّة وحرّيّة. ويستعمل تضادٌّا آخر بين ''حينئذ'' (21) و''الآن'' (19،21، 22) أي بين الماضي والحاضر، دون أن يطبّقه على الطباق السابق، لأنّ العبوديّة تمتدّ أيضاً على حاضر المؤمن وعلى ماضيه قبل الإيمان: المؤمن يعيش بشكل متناقض حرّيته كعبدٍ لله (آية 22). ثم يظهر حافز آخر ابتداءً من آية 21، دون الانفصال عمّا سبق، يشير إلى موجة جديدة في المقطع: يحاجج بولس وهو يقدّم نتيجة الوضعين في استعارات حول ''الثمر'' و''الأجر''.

يعود الإعتراض في الآية 15، ومعه السؤال البلاغي في البداية ''ماذا إذًا'' (ti oun)، وهذا يفترض ان الفعل ''نقول'' الذي نجده في العبارة الكاملة في 4:1 و6:1 هو مضمر. والرفض ''معاذ الله'' هو ذاته كما في 6:2أ وفي مقاطع أخرى من الرسائل. بين الإثنين يقدّم بولس الاعتراض بشكل خاتمة يمكن ان تؤدّي الى إستنتاج خاطئ حول عقيدته. الخاتمة في جوهرها، هي ذاتها كما في 6:1 ب، تفترض الاستمرار في الخطيئة، مع انّ بولس يغضّ الطرف عن استمرار ممكن للمسيحيّ في وضع تجاوزاته. والحجّة المقدّمة هنا تختلف قليلاً عمّا جاء في 6:1، حيث يعالج حالة المسيحيّ الذي يكمّل حياته في الخطيئة كما كان قبل ارتداده، بحجّة أنّه بهذا العمل يعطي الله الفرصة كي يمارس نعمته الفادية. الحجّة هي ان المسيحيّ ''ليس في قيد الشريعة بل في قيد النعمة''. النعمة ذُكرت من جديد كسلطة يخضع لها المعمّدون. كما في الآية السابقة (14) تواجه هذه السلطة سلطة الشريعة؛ فبمجرّد التخلّص من سلطة الشريعة يصبح الانسان في سلطة النعمة. يمكن أن نستخلص أنّه من الأفضل لله أن يوفّر له المسيحيّون أكبر عدد من المناسبات ليمارس نعمته وغفرانه. ذكر الشريعة من جديد، وقد كان سبق وذكرها بولس في آية 14، يشكّل الضدّ والدافع عند الرسول عندما يتعلّق الأمر بالروابط الجديدة بين الله والبشريّة. أكنّا يهودًا كبولس أي أبناء التوارة، أو كنّا وثنيّين، نخطأ إذا ما تذرّعنا في هذا الأمر الجديد حتّى نغضب الربّ.

يعطي بولس الجواب في الآيات 16-19، ويقدّم صورة يتابعها حتّى نهاية المقطع، فيبيّن التناقض بين الخطيئة ووضع المسيحيّين الجديد ''في حكم النعمة''. يذكر بولس مصير العبيد في طاعة السيّد، ويعتبر ان وضع المسيحيّين هو مشابه، إمّا يخضعون للخطيئة وإمّا يطيعون الله. ولكن لا يمكن أن نكون عبيدًا للواحد وللآخر في وقت واحد: ''لا أحد يستطيع أن يخدم ربّين'' (متّى 6:24). إذًا على المسيحيّ حكمًا أن يتخلّص من عبوديّة الخطيئة، هذا التحرير قد سبق فتحقّق بفضل الفداء وبفعله. ولكن يبقى أن نعمل نحن بمعونة الروح القدس.

كيف شوّه البعض فكرة بولس ووجد فيها تشجيعًا للخطيئة، وهو يعرض العكس تمامًا هنا؟

إذا حاولنا أن نختصر فحوى الآيات 16-19 لاستصعبنا أن نجد موازاة متكافئة تامّة، كما هي الحال في متّى 6:24 مع عنصرين متمايزين. فالعنصران هنا يتداخلان لأن همّ بولس منذ الآية 16 جماعة روما، وليس الحالة المجرّدة للعبد الخاضع لسيّده، التي يشبّه بها، في ما بعد، حالة المسيحيّين.

هل يتوزّع مسيحيّو روما بالفعل بين عبوديّتين، وبين خضوعين؟

هذا ما تفترضه الآية 16، ولكن تأتي الآية 17 فتنقض هذا الأمر.

يبدأ بولس خطابه في الآية 16 في صيغة المخاطب الجمع. أن نكون في خدمة أحدهم كعبد حتى نطيعه يجعل مّمن يلتزم بذلك عبدًا لمن يخدم. هذه الفكرة تنمّ عن غرابة، وتُردّد في شطري الجملة الشيء ذاته: ''عندما تجعلون أنفسكم عبيدًا لأحد طاعة له / تكونون عبيدًا لمن تطيعون''. يبدو أن هذا الأمر يعكس ما كان يجري أيام بولس في حوض البحر الأبيض المتوسّط، حيث أنّ اشخاصًا يجعلون أنفسهم عبيدًا لأحد الأسياد، وأحيانًا حتّى يترقّوا إجتماعيٌّا. ولكن هل من الضروريّ والنافع زيادة انّ الحالة تفترض أن يكون الواحد عبدًا للسيّد الذي يطيعه؟ والمنطق السليم يتخلّى بالفعل عن كلمة ''عبد'' (doulo") في الجملة الأولى؛ فإذا ما استعملها بولس واستعمل صيغة المخاطب فلكي يشدّد، ليس على إستعباد اجتماعيّ وحسب، بل على استعبادٍ في النفس. وفي ذات الآية يبدو التعبير ''طاعةٌ له'' نافل، لأنّ من يبيع نفسه كعبد، فعليه حكمًا إطاعة سيّده، ولكن عندما يحدّد بولس بهذه الدقة، يسبق فيقدّم مبدأ يطبّقه في ما بعد على موضوعٍ آخر.

أما القسم الثاني من الآية فيبدو وكأنّه البديل. العبوديّة التى ارتضينا تربط العبد إمّا بالخطيئة وإمّا بالطاعة. في الحالة الأولى مصير العبودية هو الموت، وفي الحالة الثانية النتيجة هي البرّ. لقد قال بولس ان الخضوع لعبودية السيّد هدفها أو نتيجتها الطاعة لهذا السيّد. ولكن في النصّ التابع، تصبح الطاعة بديلاً: العبودية تستطيع أن تستعبدنا للخطيئة، وهذا يتناقض والطاعة.

إذا كانت الخطيئة والطاعة تتوازيان كمفهومين طباقيين، فالأمر لا ينسحب على نتائجهما. الخطيئة تجلب الموت كما في آدم (5:12)، وبالمقابل ننتظر أن الطاعة تجلب الحياة؛ هذا ما نراه في غير مكان عندما يذكر بولس عمل المسيح في 5:17-19، وعندما يذكر بولس البرّ يخلّ بالتوازي. صحيح ان البرّ، وهو حالة الإنسان الذي جدّدته نعمة الله الغافرة، وهو الطريق الذي يقود إلى الحياة (روم 5:18). عندها نفهم ان بولس يتكلّم هنا عمّا سيصبح موضوعًا اساسيٌّا في ما بعد (6:18 و19 و20). الوضع الذي يصفه بولس في 16، رغم بعض المظاهر، ليس هو وضع مسيحيّي روما أو بالأحرى هذا الوضع قد انتهى منذ زمن.

في الآية 17أ  يبدو وكأن بولس يشكر الله على أن الرومانيّين كانوا من وقت قريب ''عبيدًا للخطيئة''. ولكن بالفعل، الشكر لا يتعلّق بالقسم الاوّل من الآية الذي هو رفض، ليشدّد على القسم الثاني الذي يعبّر عن الوضع الحالي والحقيقي للرومانيّين. هؤلاء كانوا من وقت قريب عبيدًا للخطيئة، ولكن من الآن، لأنّهم آمنوا بالله الذي يغفر ويخلّص بالمسيح، تبدّلت حالتهم كلّيٌّا: هؤلاء الأشخاص ''أطاعوا بالقلب رسم التعليم الذي أُسلموا إليه''.

''رسم التعليم'' يبدو انه يطبّق على التعليم المسيحيّ. امّا كلمة ''رسم'' ففسّرها بعضهم أنّها فكرة الختم والوسم التى يجب الاحتفاظ بها، ومعها فكرة النموذج التى حاول الرومان التشبّه به بدخولهم المسيحيّة، فطبعت وجودهم. وفسرّها البعض الآخر بأنّها موجز عقائدي أو التعليم المشترك. الرابط مع العماد واضح، وخصوصًا نرى ان المرشّح ينتقل كالعبد من سيّد إلى آخر، من خدمة الخطيئة إلى خدمة البرّ.

في روم 16:17 يحذّر بولس قرّاءه من الذين يصنعون الشقاق والذلل ''ضدّ تعليمٍ تلقّنتموه''. في 1قور 14:6 و26 يبدو التعليم كواحدٍ من مهمّات الرسول وهو شكلٌ من الأشكال التى تعتمدها التعابير الكاريسماتيّة في الكنيسة.

لقد قال بولس إنّ الرومانيّين أبدلوا عبوديّة بأخرى، تركوا عبوديّة الخطيئة وخضعوا للبر. ولكن نستطيع القول أيضًا إنهم ''أُسلموا إلى رسم التعليم''، إذا ما اعطينا لكلمة tupo" معنى ''نموذج'' يستعلمه بولس في بعض المقاطع (فل 3:17؛ 1تس 1:7). هذا النموذج الذي على الرومانيّين أن يتقيّدوا به، والذي هو أيضًا تعليمٌ يختزله بولس، لأنّه وكيلٌ أمين لأسرار الله (1قور 4:1-3)، والذي قبله أيضًا الرومانيّون، ويعترف بولس بصحّته (1:12). ولكن هذا الخضوع ينفي جذريّا الخضوع الذي يربط اليهود بالتوراة. ولا ينسى بولس أبدًا تناقضًا يتملّكه يظهر في الآية 15 ليعود فيظهر بقوّة إبتداء من الفصل 7. الخضوع للشريعة هو أيضًا عبوديّة تقود إلى عبوديّة الخطيئة؛ وحده الإيمان بالمسيح يحرّر الذين وقعوا بها. هذا الانتقال من عبوديّة الى اخرى تعبّر عنه الآية 18.

بمجرّد أن المسيحيّين تحرّروا من الخطيئة بعمل المسيح الفادي، فقد صاروا عبيدًا للبرّ. فالعملان المتناقضان يجريان في آنٍ واحد ويتكاملان. ولكن هل يتعلّق الأمر بذات الخدمة في كلا الحالتين؟ بالتأكيد كلاّ،  ويدرك بولس جسارته باستعمال ذات التعبير ليتكلّم عن وضعين مختلفين متناقضين ويتنافيان. لذلك يقدّم نوعًا من اعتذار في صيغة جملة معترضة في آية 19أ؛ فبسبب ضعف الرومانيّين يسمح لنفسه ''أن يقول قولاً بشريٌّا''. التعبير ''ضعف جسدكم'' يميّز مسيحيّي روما، مع أنهم مجدّدون بالروح القدس، وكأنّهم يشاركون في الجسد البشريّة الضعيفة المائته.

في الآية 19ب ج يقيم بولس تشبيهًا يشدّد فيه على الخطوة الجريئة النهائيّة التي أقدمت عليها جماعة روما. نجد ذات النموذج الطباقي في روم 5:18 و19، ولكنّه يطبّقه هنا على سلوك الناس في حقبتين متتاليتين. يذكر الحقبتين بعباراتٍ شبيهة بما جاء في 6:13، مع فارقٍ معبّر: في الإستهلال يكتب بولس أنّ الرومانيّين قد بدأوا عاطلاً، إذ عبّدوا أعضاءهم للنجاسة والإثم من وقت قريب. هذا الوضع يقابله ''الآن''، أي الحالة الأخيرة في تاريخ الله مع الإنسانية في هذا العالم. يبدّل بولس المضارع بالأمر لأنّ عمل الله يتطلّب، حتى يصل إلى غايته، جواب الانسان، وغايته أن يُخضع الانسان سلوكه إلى جدّة الحياة (6:4)، التي أصبحت ممكنة بفضل عمل الفداء. هذا السلوك هو أيضًا خضوع، لأنّ الحياة المسيحيّة ليست فوضى، ولكن بدل خدمة ظلم تبعد عن الله وتعبّر عن عصيان ضدّ الله، فالغاية هنا الخضوع للبرّ. والخضوع للبرّ، كما في نهاية الآية 16، يدلّ على حالة البشر الذين استفادوا بالإيمان من مفاعيل الفداء. فالخضوع هو الإلتزام في خطّ التجديد بوجود يتوافق مع ذلك. ولكن كما أن السلوك الخاطئ في الاستهلال غايته الإثم، فالعبارات الموازية في الجواب تدلّ على المصير المعاكس للعبوديّة الجديدة، وهو القداسة. والكلمة تدلّ على مسيرة نتيجتها القداسة. الفاعل الأساسي في هذه العمليّة هو الله، ولكن الانسان، وهو يشارك يوميٌّا في عمل الله، يتكرّس ويتقدّس (أع 22:11). هذا التعاون واضح في المقطع في نهاية جملة في صيغة الأمر.

موضوع جديد يظهر في الآية 20 ويحدّد المرحلة الأخيرة للمقطع. حتى يدعم التحريض في الآية 19ب، يدعو بولس قرّاءه أن يفكّروا في الحالة الأولى قبل الإيمان، والحالة الآنيّة التي فيها ينعمون، وبالتحديد أن يفكّروا في نتائج الحالتين، نتائج دلّ عليها باستعارتين: ''الثمر'' و''الأجر''. أولاً في الآيات 20-22 حيث المقابلة بين الماضي والحاضر تظهر بوضوح، اذا ما قارنّا استعمال الأفعال في  زمن الماضي في الآيات 20 و21 مع الافعال في زمن الحاضر في الآية 22؛ وأدوات الظرف التي تدلّ على الماضي، من جهة، ''حينئذ'' (tote) (آية 21)،  والتي تدلّ على الحاضر، من جهة ثانية، ''الآن'' (nun) (آية 22).

يظهر التعارض ذاته بصورة مختلفة وبصيغة أقوى في خاتمة الآية 23. اللحمة بين المجموعة الأخيرة 20-22 وما تقدّم موجودة؛ فعندما يذكر بولس الوضع الماضي للقرّاء، يطرح من جديد في الآية 20 و22 موضوع العبوديّة. لكن حتى يبيّن النتائج وبالتالي يجعلنا نقدّر الوضع الحالي، يذكر الماضي المستعبد في صيغة الفعل الماضي الذي يعبّر بوضوح عن أنّ حالة الاستعباد قد أصبحت من الماضي البعيد. حتى يصفها، يلجأ بولس أيضًا ومن جديد إلى التناقض بين لوائح العبوديّة والحريّة؛ فلقد سبق وذكر ان العبوديّة تربط الإنسان غير المخلّص بالخطيئة (16 و17)، وهذه كانت حال الرومانيّين قبل انتمائهم إلى المسيح. ولكن بالعبوديّة كانوا أحرارًا من البرّ. هذه بالحقيقية حريّة مزيّفة، لأنّه لا يمكن خدمة ربّين في آنٍ معًا. النتيجة المتأتّية عن هذه الحالة عبّر عنها باستعارة الثمر. يعمّم بولس عندما يشمل قرّاءه بدون استثناء في الجماعة الخاطئة التى وصفها سابقًا في 1:26-32، حيث، قبل أن يصيروا مسيحيّين، كانوا يعيشون في  حياة ظلم يخجلون منها اليوم أمام الله.

في 1:18-3:21 كان بولس يتكلّم، في صيغة الغائب، في العموميّات. وهنا يتوجّه إلى جماعة حسيّة يدلّ عليها كونها كانت منحرفة. هذا الحكم يفاجئ، فبولس لا يعرف جماعة روما ولم يعاشرها، ويعرفها فقط بالسمع. فالفنّ البلاغيّ يسمح بالمبالغة وبتضخيم الواقع. ولكن بولس يحذر هنا أن يقدّم تفاصيل. بعض القرّاء يجد نفسه هنا، والبعض الآخر بطريقة أقلّ، ولكن الجميع نال نصيبه من توبيخ بولس حتى يحفظهم في الطريق التى التزموا بها، وإلاّ فالموت في انتظارهم.

ولكن في آية 23 يوجد أيضًا الوجه الآخر، وهو متابعة في مسيرة مخطّط الله، حيث يُدخلنا بولس في ذاتيّة الإنسان المفديّ. هذا الإنسان ''حرّر من الخطيئة''، وبالتالي هو خاضع لله. التوازي الطباقي الذي يربط الآيتين 21 و22 يعبّر بدقّة، من جهة، ان جزاء الحياة الفاسدة بدون المسيح، الموت، ومن جهة ثانية، ان نتيجة الوجود المفديّ بالمسيح، الحياة الأبديّة.

التعارض هو حسّاس في عمليّة لم يُترك فيها الإنسان لذاته ولرغباته، بل عليه العبور إلى خدمة الله. هذه هي حال المسيحيّ الحاضرة، وهي تصميم ودعوة لنستمرّ في ما نحن فيه من عبوديّة الروح. الثمر هو ثمر المؤمنين، ''ثمركم''، ليس أنّهم أنتجوه بأنفسهم، ولكنهم لأنّهم يمتلكونه في ذواتهم ويفرحون به. هذا الثمر هو استعارة، يدلّ على النتيجة الدائمة للتحرير والعبوديّة اللذين حصلا بالنعمة الفادية قبل الوصول إلى الحياة الأبديّة. هذا الثمر يؤمّن في المؤمن القداسة والتكرّس اللذين يتحقّقان بمساهمة في الزمن، ومنذ هذه الحياة على الأرض بفضل التبرير.

وحتّى ينهي المقطع، يلجأ بولس، بعد صورة ''الثمر'' (21و22)، إلى صورة ''الأجر'' (23)، فيعبّر عن عاقبة الخطيئة، وهي الموت، كما نعرف منذ 5/12. لم يختر بولس عبارة أجر عرضًا واتّفاقًا؛ نرى ذلك إذا ما قابلنا الكلمة مع طباقها في القسم الثاني من الآية، ''هبة''. فنتيجة الخطيئة الحتميّة هي الموت؛ فلا نقدر أن نقول إن الله يعمل بذات الطريقة عندما يهب الحياة الأبديّة. فكلمة ''أجر'' تكشف عن حقّ مُستحَقّ. الله لا يدين بشيء للناس. لذلك اختار بولس كلمة أخرى، ''هبة'' أو ''عطيّة''، وهذه العطيّة هي الحياة الأبديّة. والحياة الأبديّة تعطى لنا ''في المسيح يسوع ربنا''. وهذه العبارة المسيحيانيّة تدلّ على أكثر من واسطة بسيطة في عطيّة الحياة الأبديّة: ففي شخص يسوع توجد أيضًا كلّ قدرة نعمة وكلّ قدرة حياة.

 

3- المعموديّة (6: 3-4)

لا حاجة إلى ذكر اصل المعموديّة في العهد الجديد والنصوص التي تتناولها معتبرين هذا الأمر معروفا. لا يتعلّق موضوعنا بعماد يوحنا بل بالعماد المُعطى باسم الرب يسوع (أع 2:38)، وهو يفترض عند المعمِّد والمعمَّد الإيمان بالمسيح القائم من الموت. وهذا ما تعبّر عنه رمزيٌّا الحركتان المتلاحقتان اللتان تشكّلان رتبة الغطس: النزول إلى الماء أي الموت، والصعود من الماء أي القيامة. حتى نستطيع أن نفهم التشابه القائم بين رتبة العماد الرمزيّة وسرّ المسيح المائت القائم، لا بدّ أن نذكّر بإعلان الإيمان التقليديّ الذي تسلّمه بولس وسلّمه بدوره إلى القورنثيّين: ''المسيح مات...، وقُبر...، وأُقيم...'' (1قور 15: 3-4). هذه الأحداث الثلاثة يحدثها العماد فينا، بفضل الاتحاد الوثيق بالمسيح يسوع. ''عُمّدنا'' في موته (3)، ''دُفنّا معه في الموت'' (4)

ولكن التوازي ينتهي هنا، لأن المرحلة الثالثة لم تتمّ بعد. لم نكن بعد أُقمنا من الموت مثله، فقط في الوقت المناسب نتّحد به اتّحادًا وثيقًا على شبه قيامته (5). في الحاضر، النتيجة المحدثة هي أن نسلك في جدّة الحياة (4ب). أما أفعال القيامة ومشتقّاتها فلا تعود تظهر في هذا الفصل، ولكن موضوع الحياة يتردّد ثلاث مرات مع الفعل (8 و10)، ومرّتين مع الاسم (11 و13)، ويؤلّف ثنائيّا مع الموت أربع مرات (3 و4 و5 و9).

 

أ- الموت مع المسيح

لا يرتبط موضوع اشتراك المؤمن في موت المسيح  على الجلجلة بالعماد في رسائل بولس إلا استثنائيٌّا، كما هي الحال في نصّ روم 6: 3-4أ الذي نعالج، وفي قول 2: 12. فعبارة ''مات مع المسيح'' تعود بجوهرها إلى عبقريّة بولس اللاهوتيّة، الذي يحمّلها معاني متعدّدة متنوّعة. لذا يجب أن ندرس كل مقطع في ذاته وفي إطاره .

ففي الرسالة إلى أهل غلاطية ذاتها تتعدّد المعاني. عندما يكتب بولس انه ''صُلب مع المسيح'' ( غل 2: 19)؛ فالفعل هو في صيغة الماضي، والموضوع يتعلّق بالمسيح الذي بصلبه ألغى شريعة موسى كونها وسيلة خلاص. هذا الإعلان لا يستدعي أيّ ألم وتحوّل عند بولس. ولكنه يتعلّق بعمليّة الله الموضعيّة في الماضي، عمليّة قطف ثمارها بولس وكلّ الذين يؤمنون بالمسيح. فمن الآن يكون الخلاص به وفيه، ''بالإيمان بابن الله'' (غل 2:20)، وليس بتبرير الذات في طاعة الشريعة. في هذا النصّ لا يوجد أي تلميح إلى العماد .

وفي غل 5:24 حيث يقول بولس ''إنّ الذين هم للمسيح يسوع قد صلبوا الجسد وأهواءه وشهواته''، فإنّه يتكلّم عن النتائج الخلقيّة لحدث الجلجلة. فالذين تخلّوا عن كلّ شيء ليكونوا للمسيح هم الذين ''صلبوا الجسد وميوله وشهواته''. فالفعل ''صلبوا'' هو في صيغة الماضي المبهم ويدلّ على عمل تامّ . الفاعل هو المسيحيّون، والأمر يتعلّق بعمل سبق وقاموا به، على خلاف النصّ الذي رأينا في غل 2:19 حيث الفعل في صيغة المجهول يدلّ على عمل المسيح، ولكنه هنا أيضًا لا يذكر شيئًا عن موضوع العماد كما في غل 2:19 . نرى في هذه الأقوال المنهجيّة الأساسيّة التي يتبعها جواب الإيمان على البشارة الإنجيليّة: هذا هو الصلب الفاعل أبدًا، المتعلّق بالصلب السلبيّ الذي عاناه المسيح على الجلجلة، وهو يستمرّ في رفض إرضاء متطلّبات إنسانيّة قد جرى  التخلّي عنها.

وفي نهاية رسالته إلى أهل غلاطية لا يفتخر بولس إلاّ بصليب المسيح، على حساب اكتفاء ديني لا نتيجة فيه: ''أمّا أنا فمعاذ الله أن افتخر إلا بصليب ربّنا يسوع المسيح، الذي به صُلب العالم لي، وأنا صُلبت للعالم''  (غل 6:14). فالصليب، أي موت يسوع على الصليب (راجع 6:12)، هو العمل الذي بطريقة ما صلب العالم بالنسبة إلى بولس وإلى كلّ الذين، مثله ، وضعوا إيمانهم بالمسيح. هذا الصلب يؤدّي إلى صلب آخر مشابه، ألا وهو صلب المؤمن وقد مات عن العالم، وبكلام آخر لا يطاله العالم كونه دخل في الخلق الجديد (غل 6: 15). إن مفهوم الموت مع المسيح أو الصلب معه ، المتنّوع والمتعدّد واضح في رسالة غلاطية، ولكن تبقى الفكرة الرئيسيّة والمشتركة هي أنّ الاشتراك في أحداث موت يسوع هي وسيلة الخلاص .

الملفت هو انه لا ذكر للقيامة في أيّ من هذه النصوص؛ واكثر من ذلك،  لا تذكر الرسالة إلى أهل غلاطية القيامة إلاّ مرّة واحدة في العنوان (1: 1)، والاهتمام يتمحور حول الصليب وعثار الصليب (غل 5: 11).

أمّا في الرسائل الأخرى، فالقيامة تأتي أوّلا؛ يتكلّم بولس في فيلبّي عن التغيّر الرائع الذي جعله ينتقل من طاعة الشريعة إلى معرفة يسوع المسيح: ''لكي يعرفه ويعرف قوّة قيامته والاشتراك في آلامه، مشابهًا إيّاه في موته'' ( فل 3: 8 و10). وبما أنّ الأمر يتعلّق بالمعرفة، نفهم أن القيامة تتقدّم على الموت لأنّنا عرفناها أوّلاً في دخولنا في الإيمان بيسوع. الباقي جرّ بولس إلى لائحة من الاختبارات جعلته يكتشف ما يتضمّنه واقعيٌّا موت المخلّص.

يجب ألا تقتصر الفكرة على تطابق أدبيّ بين بولس الذي اضطُهد وسُجن، والمسيح في آلامه. هل قام بولس برسالته دون مصاعب وآلام وجلجلة ؟ لقد استطاع أن يتكلّم عن المشاركة في موت المسيح التي حدثت منذ اهتدائه إلى الإيمان به. بولس عنده هنا حجّة إضافيّة حتى يذكر هذا الأساس الجوهري لكلّ حياة مسيحيّة : فالذي ينجذب انجذابًا جسديٌّا وأدبيٌّا لخدمة الإنجيل، يتّضح له أن اتّحاد المسيحيّ الموضوعيّ بموت يسوع على الجلجلة، بالتجديد الذي يحدثه، يشدّه إلى مغامرة شخصيّة حيث الإماتة، التي تصبح ممكنة، تصحبها آلام محتّمة ( فل 1: 15-17).

هذه الآلام في حالة الرسول، كما يخبرنا في 2قور 4:10-11، تصبح إعلانًا عن سرّ الموت والحياة، وهذا السرّ تحقّق مرّة والى الأبد في المسيح. حاليٌّا يتجلّى هذا السرّ  في الذين '' لأجل يسوع ''، يعيشون بطريقة مفارقة (راجع 2قور 6: 9)، مصنوعة من الألم والحياة المنيعة، تحت دفع الإيمان والحبّ للذي هو المنبع .

إنّ موت وحياة الإنسان هما بعلاقة مع موت وقيامة المسيح. هذا ما يعلنه أيضًا بولس في رسالته 2قور 5: 14-15: ''فإنّ محبّة المسيح لتأسرنا، وقد أدركنا أنّ واحدًا مات عن الجميع. فالجميع إذًا ماتوا. مات عن الجميع لكي لا يحيا الأحياء بعد لأنفسهم، بل للذي مات عنهم و أُقيم. ''القول بأنّ المسيح مات (وقام) عن الجميع يدلّ على أنّ موت المسيح يندمج مع ذبيحة التكفير عن الخطأة. وهذا يدعو وكنتيجة حتميّة ليس الجملة ''فالجميع إذًا ماتوا''، بل ''إذًا خطايا الجميع غفرت''. بموته عن الجميع يأخذ كلّ الناس إلى الموت، إلى موته هو.

 

ب- نموت مع المسيح في العماد لنحيا ثم نقوم معه

في النصوص التي استعرضنا، لا يوجد أي ذكر واضح للعماد، والمعاني مفهومة بشكل كافٍ وبدون هذه الزيادة . ولكن روم 6:1-4 هي واضحة: ''نحن الذين عُمّدنا في المسيح يسوع، في موته عُمّدنا''. ويستنتج بولس: ''إذًا فقد دُفنّا معه في الموت، بالمعموديّة...'' (3ب-4). بداية هذا القول نجده تقريبًا حرفيٌّا في غل 3:27، وفي ذات التعبير: ''عُمّدنا في المسيح''. هذا التعبير هو خاصّ ببولس، ولا يستعمله إلاّ في هذين النصّين، ولكن بأيّ معنى نفهم ''العماد في المسيح''؟

حتى نفهم العبارة يجب أن نحدّد معنى ''عمّد''. يستعمل بولس في 1قور10:1-2 رمزيّة سفر الخروج، ويفسّرها بلغّة مسيحيّة إذ يقول: ''والجميع عُمِّدوا في موسى''، وهو يلمح إلى العبارة الواردة في غل 3:27. فالعماد في موسى لا يمكن فهمه إلا بمعنى الانتماء إلى موسى، كونه القائد الذي اختاره الله لشعبه. نحن أمام عبارة تدلّ على العلاقة، مثل العبارة المستعملة للإيمان : ''آمن بـ''،  والتي تدلّ على الاتحاد بالمسيح .

يبدو، وحسب العلماء، أن عبارة ''العماد في المسيح'' هي اختصار وتفرّع لعبارة أقدم معروفة أيضًا في بولس (راجع 1قور 1:13ب-15): ''عمّد'' أو '' تعمّد باسم يسوع''. وهي تفترض اتّحادًا شخصيٌّا بين المعمَّد والمسيح. ولكن بولس يقدّم هنا تفصيلاً متوازيًا لا نجده في غل 3:27، ألا وهو :

أ-   نحن الذين عُمّدنا       أ  - عُمّدنا

ب- في المسيح يسوع       ب- في موته

يؤكّد التوازي، من جهة، أنّ العماد '' في موت المسيح'' هو عماد الماء، وهو رتبة الدخول في المسيحيّة؛ ومن جهة ثانية، العماد في موت المسيح يصيّرنا واحدًا مع شخص المسيح، من خلال الرابط الذي أحدثه العماد، ليس مع موته كحدث موضوعي، ولكن مع المسيح كونه عانى الموت.

هكذا، فالفعل ''عمّد'' في هذه الآية،  يحتفظ بمعناه، ولا يأخذ في الاستعمال الثاني معنى يختلف عن الاستعمال الأوّل. هذا ما أدّى في الآية اللاحقة (6:4) إلى تغيير صغير: ''إذًا فقد دُفنّا معه في الموت بالمعموديّة''، ممّا أوحى رتبة العماد وصار المعنى العام: ''عُمّدنا (غصنا) في موت المسيح''، كوننا في حفلة العماد قمنا برتبة دفن رمزيّة. ولكن في الواقع الربط يختلف، والجملة في الآية الرابعة تقدّم الاستنتاج الأخير لما قيل ولما هو جليّ : مشاركة حقيقيّة في موت المسيح، إذًا كاملة وتامّة، بما في ذلك الدفن. بذلك يعبّر بولس بطريقة نهائيّة وجازمة عن حقيقة موتنا مع المسيح، لأن الدفن هو الختم الموضوع على حدث الموت. عندما يترك الأهل والأصدقاء جثّة إنسان في القبر ويعودون بدونه إلى البيت، فالنتيجة حتميّة : من الآن لن يشاركهم في حياتهم. إذًا لا يوجد أيّ تغيير في النظرة بين الآيتين 3 و4. ولكن كيف نفهم هذه المشاركة في موت المسيح في العماد ؟

القسم الأوّل من الآية 5 يعطي شرحًا، وهو في الواقع ليس تكرارًا للآية 4أ. فبولس يكتب حرفيّا : ''فإذا صرنا ]وإيّاه[ واحدًا على شبه موته...''؛ ويجب ألاّ نفسّر بداية الآية حسب المعنى الأصليّ، محتفظين لكلمة sumfutoi  بالمعنى النباتي، ''نبتة واحدة''.  فالكلمة في الأدب اليوناني الكلاسيكي انتشرت بمعنى ''متّحد مع''، أو أيضًا بمعنى ''خاصّ بـ''. إذًا بهذا يعبّر هنا أيضًا عن فكرة المشاركة الموجودة في كل الإطار .

ولكن في هذا الإطار بالذات ''الاتحاد بموت المسيح'' وجب أن يتحقّق دون وسيط. فكيف نفهم هذا الاتحاد على ''شبه موته'' ؟

حيرة الشرّاح واضحة في الإجابة على هذا السؤال؛ وبالفعل كلّ جواب حازم يدخل في باب الافتراض. يمكن معالجة الأمر في إبعاد المعنى الليتورجي عن كلمة ''شبه'' : رتبة العماد بواسطة الغطس، تقدّم هذا الشبه، هذه الصورة المؤوّنة لموت المسيح، صورة يشترك بواسطتها المعمَّد في هذا الموت. بدون شكّ، المقابلة بين الآيتين 4أ و5أ تبدو لأوّل وهلة أنّها تدعم هذا الشرح.

4أ- إذًا فقد دُفنّا معه           بالمعموديّة             بالموت

5أ- فإذًا صرنا (وإيّاه) واحدًا        بـ شبه                 موته

''بالمعموديّة'' تقابل ''بـ شبه''. وإذا ما اعتبرنا أن الإضافة ''بـ شبه'' هي إضافة سببيّة ''بواسطة الشبه'' نجعل منها مرادفًا لـ ''بالمعموديّة'' : وبالتالي الكلّ لا يعبّر إلاّ عن فكرة واحدة، ألا وهي أنّنا اشتركنا أو اتحدنا بموت المسيح بواسطة العماد، كونه صورة أسراريّة لهذا الموت. ولكن هذه القراءة غير ممكنة، لأنه إذا ما اعتبرنا ''بـ شبه'' إضافة سببيّة (بالمعموديّة). يبقى السؤال: بما أو بمن نحن متّحدون ؟ لأنه ينقص عنصر في الآية 5أ : وإيّاه، أي والمسيح. لذا يجب اعتبار ''شبه'' كونها مفعول لـ ''صرنا واحدًا'': متّحدين بشبه وليس بواسطة هذا  ''الشبه''. وهناك تفسيران لهذا القول :

الأول يقدّر استعمال ''شبه'' عند بولس كونها حقيقة واقعيّة، تشبه ولا تساوي المشبَّه به. هذا ما يمكن تطبيقه هنا حيث اشتراك المعمّد في موت المسيح يتحقّق مع اختلاف : طالب العماد لا يموت جسديٌّا مثل المسيح .

والثاني، يعطي لكلمة ''شبه'' معنى ''هيئة''، وذلك بالاستناد إلى استعمالها في السبعينية (تث 4:12؛ يش 22:8) والرؤيا (9:7)، فتصبح الجملة مشابهة لما كتبه بولس في فل 3:10 : ''مشابهًا إيّاه في موته''.

وهناك التباس أيضًا حول نتيجة هذه الشركة في الموت، أي حول الاتّحاد بقيامة المسيح. سببه معنى الفعل ''نكون'' (aqesme) في صيغة المستقبل . ويقدّم الشرّاح رأيين :

الأوّل، يتعلّق المعنى بمستقبل منطقيّ أو ناتج، وهذا يعني أن المعمَّد عند عماده يشترك منذ الآن في قيامة المسيح. وهذا لا يمكن فهمه إلا بطريقة تماثليّة، فيدلّ على ''جدّة الحياة'' التي نحن بصددها. وإذا ما كانت ''جدّة الحياة'' هي الشرط المطلوب لنشترك في مجد المسيح (راجع 8:17)، نبقى حكمًا على مستوى السلوك البشري الأخلاقي. وفي هذا المعنى، الفكرة لا تتقدّم ولا تتطوّر بالنسبة إلى نهاية الآية السابقة .

الثاني، المعنى يتعلّق بمستقبل حقيقيّ ونهيويّ، فتحرز الفكرة تقدّمًا، إذ تدلّ على القيامة العامّة في منتهى الزمن. علاوة على ذلك، فالقسم الأوّل من الآية 5، مع الفعل في صيغة الماضي، ''صرنا''، يدلّ على وضع قائم ناتج عن فعل المعموديّة الذي حدث في الماضي؛ ننتظر إذًا في جواب الشرط نتيجة تشير إلى المستقبل. في النهاية، التعبير يستبق ما نقرأه في الآية 8، حيث المفهوم الاسكاتولوجي، بالمقارنة مع جمل أخرى مشابهة عند بولس، لا يمكن أن تقبل الشكّ ( راجع 1تس 5:10؛ روم 8:17؛ 2طيم 2:11-12). بالتأكيد المعمّد ''يحيا متّحدًا بالمسيح (روم 6:10 و13)، ولكن في الرجاء واليقين في البلوغ، في المستقبل، إلى  قيامة الأموات .

رأينا سابقا أن مفهوم موت أو صلب المؤمن مع المسيح، له معان متنوّعة متعدّدة في رسائل بولس؛ ففي روم 6:1-14، يصبح المفهوم هو ذاته الموجود في غل 5:24، وفي إطار مشابه، يتمحور حول الشروط الأدبيّة للحياة المسيحيّة. ولكن في رومانيّين يفتح بولس نافذة على القيامة، ليس فقط قيامة المسيح كما في 2قور 5:14-15، ولكن أيضًا قيامة المسيحيّين؛ فالذي تبنّى ''جدّة الحياة'' التي أسّسها المسيح وجعلها ممكنة، سيعطى أن يشترك في قيامته عندما يشرق يوم مجيئه القريب (روم 13:11-14).

 

4- تطبيق رمزيّة العماد (6: 6-7)

تطبيق رمزيّة رتبة العماد تناولت الإنسان والخطيئة التي فيه. لا بدّ أن نرى ماذا حلّ بـ ''الإنسان العتيق'' فينا، بمعنى آخر الحالة التي ورثنا منذ ولادتنا، من جنس يعاني من نير الخطيئة المشخّصة، من قدرة جهنّميّة هي مصدر الشرّ. تظهر الخطيئة في نصّ رومانيّين وكأنّها شخص، كائن حيّ يسكن قلب الإنسان ويفرض عليه شريعته، ويتسلّط عليه؛ الإنسان مُستعبَد للخطيئة (راجع 6:..15.؛ 7:..14.)،  كما كان العبرانيّون قديمًا عبيدًا للفرعون. الجواب نعرفه بالإيمان: ''إنّا لعارفون أنّ...''.

- انساننا العتيق: ''صُلب مع'' (مقدّر المسيح)، هذا يفسّر معنى ''عمادنا في موته''.

بفضل هذه الصورة نرى كلّ الإنسانيّة العتيقة مسمّرة على الصليب مع يسوع على الجلجلة.

- إذًا، ''جسد الخطيئة'' أي الجسد كونه أداة للخطيئة، وسمّي الكلّ باسم الجزء للدلالة على طبيعة الإنسان الشرّيرة التي يرثها منذ ولادته،  أبطل أي تحوّل إلى لا شيء .

- كان الهدف المنشود ألاّ ''نعود نخدم الخطيئة'' مشخّصة هنا، كونها القدرة التي تخضع الإنسانيّة العتيقة تحت نيرها. هكذا تتوطّد العلاقة بين فعل العماد ومفهوم الفداء العامّ كتحرير، وهو مطروح في الرسالة إلى الرومانيّين في غير مكان.

بفضل المعموديّة، تحرّر المؤمنون من هذه العبوديّة. كيف تمّ ذلك؟ البرهان واضح: بالعماد يغوص المؤمنون في موت المسيح ويُدفنون معه في الموت ويموتون معه. استعمل بولس بشكل خفيّ حجّة قضائيّة (لا ننسى انّه يكلّم رومانيّين ضليعين في الحقوق؛ راجع 7:1):  فالذي يموت، بذات الفعل، تحرّر من كلّ قيد وشريعة، إن كان العبد بالنسبة إلى سيّده، أو المرأة المتزوّجة بالنسبة إلى رجلها (راجع 7:4)، فالموت يلغي كل استعباد. وبما أنّ المسيحي مات مع المسيح، فالخطيئة لم يعد لها أي حقّ عليه، ولم تعد تستطيع أن تفرض عليه شريعتها .

ومن جهّة ثانية، يعتبر بولس جسد الإنسان الوسيلة التي بواسطتها تملك الخطيئة عليه (6:6)؛ كون الجسد مات بشكل سرّي مع المسيح، فالخطيئة لم تعد تستطيع أن تفرض شريعتها على الإنسان. الفكرة واضحة: الموت مع المسيح بالمعموديّة يحرّر المؤمن من عبوديّة الخطيئة. في هذا المفهوم يدخل التضاد عتيق-جديد: الذي مات فينا بالمعموديّة، هو الإنسان العتيق، ذاك الإنسان الخاضع لسلطان الخطيئة. الآن، المسيحي، وقد تحرّر، يستطيع أن يعيش ''حياة جديدة''. هذا لا يعني أن فيه، في طبيعته، ما يمكنه أن يعيش هذه الحياة الجديدة. ولكن كما أنّه تعمّد في موت المسيح، هكذا تعمّد في قيامته. مبدأ الحياة الذي أقام المسيح يسمح له أن يعيش في حياة جديدة. النصوص اللاحقة تخبرنا عمّا لم تقله النصوص هنا بوضوح، وهو أنّ مبدأ القيامة والحياة هو روح الله (8:2).

التضاد بين عتيق وجديد، يفرض فصلاً جذريٌّا في طريقة حياة المؤمن: قبل العماد كان يعيش حياة خطيئة، مُستعبَدًا للخطيئة باعتبارها قوّة  شرّ تفرض عليه شريعتها، بعد العماد المسيحي يتبع شريعة الروح المحيي. يرتبط موضوع ''العتيق والجديد'' غالبا بعلاقة مباشرة أو ضمنيّة مع العماد المسيحي وفيه فكرة الفصل التي لها ثلاثة أبعاد :

الأوّل، بعلاقة مع رمزيّة المعموديّة العامّة بالاستناد إلى سفر الخروج والبُعدين الآخرين بعلاقة بالموضوع اليهودي، الخليقة الجديدة .

1- المعموديّة تحدّد فصلاً في نوع حياة المؤمن. قبلاً كان يعيش حياة أدبيّة فاسدة، مُستعبدًا للخطيئة والشهوات الجسديّة. الآن خلع الإنسان العتيق ليلبس الإنسان الجديد. يعيش في البرّ والقداسة تحت دفع الروح القدس. موت الإنسان العتيق وولادة الإنسان الجديد الذي يتجذّر في موت وقيامة الربّ يسوع. هذه الحياة الجديدة في روح المسيح هي العبادة الروحيّة التي ترضي الله.

2- المعمّد صار في نظر الله خليقة جديدة. أخذ المسيح على عاتقه كلّ خطايا البشر وكفّر عنها على الصليب،  لدرجة أنّ المعمّد يصبح بارٌّا، وكأنّه وُلد من جديد.

3- بما أنّ المعموديّة تجعل من المعمّد خليقة جديدة، وتلغي الماضي، فهذا يعني أنّ المعمّد خلق من جديد في المسيح يسوع.

 

5- العبور من الموت إلى الحياة (6: 8-11)

ينتج عن هذا الوضع، بالنسبة إلينا نحن المعمّدين، عبور من الموت إلى الحياة (8-11). ففي الآية 8 ينظر إلى الموت كحدث من الماضي (الفعل في صيغة الماضي المبهم، ''متنا'')؛ ولكن الحياة ينظر إليها في نظرة مستقبليّة (مع فعل في صيغة المستقبل، ''سنحيا''). وفي الحالتين نحن متّحدون مع المسيح: الموت مع المسيح، ''نؤمن أنّا سنحيا أيضًا معه''. هذا المستقبل لا يدلّ على القيامة التي ذكرت في 5ب كونها اتّحادًا نهائيًا للمعمّدين في قيامة المسيح، بل هو الاشتراك في حياة المسيح مدى العمر على الأرض، أي جدّة الحياة في الآية 4. التشديد هنا هو على دوام جدّة الحياة، لأن الفعل في صيغة المستقبل يتعلّق بفعل في صيغة المصدر (وإنّا لعالمون) الذي يدلّ على دخول المسيح في حياته الممجّدة: '' إنّ المسيح، وقد أُقيم من بين الأموات، لن يموت من بعد'': الموت (مشخّص مثل الخطيئة سابقًا)، ''لن يتسلّط عليه الموت من بعد'' (9) .

إذًا فالموت والحياة يرتبطان تلقائيٌّا بالنقيضين، الخطيئة والله؛ ''فالذي مات بالنظر إلى الخطيئة مرّة واحدة''  (10أ). هنا أيضًا يدل التعبيرّ على علاقة سرّية بين موت المسيح والتسلّط العتيق للخطيئة المشخّصة على الناس الذين صاروا عبيدًا لها. هل انّ المسيح مات عن الخطيئة هو بذات المعنى كوننا ''متنا عن الخطيئة'' (6:2) ؟ الموت عن الخطيئة ليس هو ذاته في الحالتين، إذا ما اعتبرنا الخطيئة أنّها غلطة أدبيّة من الإنسان؛ فالتعبير لا يعود له معنى بالنسبة إلى المسيح. ولكن إذا اعتبرنا  أنّ بولس يجسّد الخطيئة (يشخّصها)، كونها قوّة تسلّطت على الإنسانيّة بكاملها، عندها نفهم أنّ المسيح يجعل نفسه متضامنًا مع البشريّة الخاطئة، عانى الموت، ليس كقصاص للخطيئة التي تُظهر انتقام الله الذي يُنزل على البارّ قصاص الخطأة، ولكن كعلامة حسّية على تسلّط قوّة الشرّ على الإنسانيّة التي ألقت خطاياها عليه. بموته، ذهب المسيح، من فرط حبّه، حتى نهاية التضامن مع الخطأة، حتى  يحرّرهم من هذا الاستعباد المزدوج : الموت والخطيئة.

نصل إلى التفكير حول سرّ الفداء كونه تحريرًا : بخضوعه إلى سلطان الموت، غلب الخطيئة في عقر دارها، وقيامته أظهرت في ما بعد الغلبة على الموت. في هذا المعنى ''مات عن الخطيئة''، بالنظر إلى الخطيئة ليغلب. ولكن في معنى آخر، كونه غلب الموت، فهو حيّ '' يحيا لله'' (10ب). يتأتّى من ذلك للمعمّدين تحرير مزدوج من الخطيئة والموت: ''احسبوا أنفسكم أمواتا بالنظر إلى الخطيئة، أحياء بالنظر إلى الله في المسيح يسوع''. هذا هو الوضع المسيحي الذي يتأتّى عن العماد .

هذا النصّ عن رتبة العماد يقدّم مباشرة لفهمه انطلاقًا من رمزيّة الغوص في الماء التي تمثّل الموت، والصعود من الماء الذي يمثّل القيامة، كونها دخول في جدّة الحياة .

انه لمن الواضح أنّ تغيير الرتبة بسكب قليل من الماء على الجبهة، مكان الغوص الكامل في جرن العماد، يلزمنا أن نفكّر بشكل مختلف حول معنى العماد: نستعجل إلغاء الخطيئة كمحو لنجاسة، أو أيضًا تكريس الجسد بماء مقدّس حيث المسيح غطس عندما قبل العماد من يوحنا: الاشتراك في هذا العماد، الذي قبله المسيح، يشرك المعمّد بقداسته حتى يعيش ''حياة جديدة''. ولكن علينا أن نعترف أنّ الرتبة لا تعود تعبّر كفاية، وتخسر هكذا قسطًا كبيرًا من رمزيتها .

 

6- تحريض على الحياة الجديدة (6: 12-14)

سبق ورأينا أنّ بولس يستعمل في هذا التحريض ثلاثة أفعال في صيغة الأمر، والخاتمة يعرضها في صيغة المستقبل، مع حافز يشدّد على العبور من قيد الشريعة إلى قيد النعمة. يذكر الشريعة مرّتين في 14 و15، ولكن أيّ شريعة؟ أشريعة موسى، والأمم حسب بولس لن تخضع لها؟ من الواضح أنّ كلمة ''شريعة'' مأخوذة هنا بمعنى ضيّق تدلّ على كلّ تعبير عن إرادة الله، كمقياس لحياة البشر من حيث النظرة الأخلاقيّة . نعرف من خلال روم 2:14-15 أنّ الأمم دون أن تعرف الشريعة بالمعنى الموسوي، لها شريعتها التي يمليها عليها ضميرها. فالتحريض الذي يتوجّه إلى اليهود كما إلى الأمم عندما يتقدّمون لقبول العماد، لا يستعمل كلمة ''شريعة'' إلاّ لمقابلة نظامين دينيّين حيث الله صُوِّر تحت شكلين مختلفين: الله الذي يأمر ويدين بالنسبة إلى الطاعة لأوامره. الآب الذي يريد أن يخلّص الناس فيهبهم نعمته حتى يلهمهم  الأمانة لحبّه .

هذا لا يعني أنّ الشريعة بحدّ ذاتها هي شرّيرة. ولكن لا يكفي الشريعة أن تعرّفنا على الخطيئة (روم 3:20)، فهي لا تعطي السبيل للانتصار والغلبة عليها، مع أنّ الخطيئة (مشخّصة) كانت تملك على ''الجسد المائت'' لضحاياها حتى تخضعهم لشهواتها (12). الشهوات بارتباط وثيق مع الجسد. هذا لا يعني أن الجسد هو شرّير (راجع الثنائيّة اليونانيّة)، ولكنّه المكان حيث الميول غير المنتظمة تظهر في الشخص الحيّ، لذلك فما يتبع سيتكلّم عن ''الأعضاء'' (مرّتين في الآية 13) أي الهيئة الخارجيّة، المنظورة، الحسّية للفرد. ندخل هنا في موضوع مقياس الحياة. قبل العماد، الأعضاء كانت ''سلاح ظلم للخطيئة''؛ في حياة المعمّدين تصير الأعضاء ''سلاح برّ لله'' ( آية 13) .

الطباق واضح : فهو يُظهر الحياة كمعركة ويحدّد الأرباب الذين بخدمتهم يقاتل الناس، الله أو الخطيئة (مشخصّة كقوة جهنميّة). ومع هذا هناك اختلاف بين الحالتين : ففي الحالة الأولى يقدّم البشر، كذريّة خاطئة،  أعضاءهم كسلاح ظلم، وفي الثانية يقدّمون ذواتهم كأحياء خرجوا من بين الأموات، فلن يعودوا يخضعون لشهوات أعضائهم. نتبيّن هنا تلميحًا إلى معضلة حريّة الشخص: فالحريّة لم تكن إلاّ حريّة مأسورة ما دامت خاضعة لسير حركة الأعضاء. ولكن العماد بالنعمة التي يعطيها للمعمّد، يحرّره حتى يستطيع أن يمثل أمام الله في كيانه الأكثر حميميّة .

7 - العبور من العبوديّة إلى الحريّة (6: 15-19)

ذكر العبور من قيد الشريعة إلى قيد النعمة أثار من جديد التحريض بواسطة جملة بلاغيّة حيويّة: هل التحرّر من الشريعة يعني ذلك أنّنا نستطيع أن نخطأ؟ ويجاوب بولس مباشرة على هذا التساؤل بنفيٍ قاطع: ''معاذ الله''. وسيتناول الفكرة في مجموعتين من الكلمات متضادّتين: عبوديّة وحريّة، خطيئة وبرّ (الواحدة والأخرى مشخّصة). ويستعمل كلمة العبوديّة في حقل البرّ: ''تكونون عبيدًا لمن تطيعون'' (16أ). ويعتذر عن طريقة الكلام البشريّة في الآية 19أ: ''أقول قولاًبشريٌّا مراعاة لضعف جسدكم''، ولكن منطق التوازي يفرض ذاته.

يجب الإختيار بين حالتين: إمّا عبد الخطيئة، والنتيجة هي الموت، وإمّا عبد الطاعة، والنتيجة هي البرّ 16ب. من الواضح أنّ حالة العبوديّة الثانية ليست إلاّ عبوديّة ظاهريّة، لأنّها في الحقيقة تحرّر ولا تستعبد.

فبعد ان كانوا عبيدًا للخطيئة قبل العماد، ''أطاع المؤمنون بالقلب رسم التعليم الذي أُسلموا إليه'' (آية 17). الطاعة التي تقود إلى البرّ تقوم على أمرٍ حسّي لا يرد إطلاقًا تحت سمات ''الشريعة'' بالمعنى السلبي الذي يمكن أن يعطيه الإستعمال اليهوديّ لهذه الكلمة: إنّها ''رسم التعليم'' وهو يوافق التعليم الإنجيليّ. ففي المعنى ذاته يتكلّم بولس عن ''طاعة الإيمان'' (روم 1:5)؛ هذه الطاعة هي شرف وخلاص المعمّدين. بهذه الطاعة المعمّد ''مُستعبَد للبرّ'' في سبيل تحريره من الخطيئة (آية 18).

خاتمة هذا المقطع (19) تبقى في منطق الإستعارة حتّى يستنتج منها قاعدة سلوك. قبل العماد ''عبّد المؤمنون أعضاءهم للنجاسة والإثم في سبيل الإثم''، أمّا الآن فعليهم أن ''يعبّدوا أعضاءهم للبرّ في سبيل القداسة''. ثمّ يكمل بولس فيقابل الوجود بدون شريعة بالبرّ، والنجاسة (مع كل ما تعني الكلمة على الصعيد الأخلاقي ولا سيّما الجنسي) بالقداسة، التي ليست بعد حالة حصلت بشكل نهائيّ، ولكنّها هدف تقود إليه الطاعة للبرّ (في صيغة المفعول الغائيّ). التحريض المتعلّق بالإختبار العماديّ يفضي هكذا إلى روزنامة ديناميكيّة تؤلّف برنامج حياة. هذا هو بالذات تحديد الأخلاق المسيحيّة التي ليست فقط بيان شريعة ولكن بفضل ''قاعدة العقيدة'' هي خيار وجهة لكلّ حياة تحت حكم النعمة.

 

8- أجر الخطيئة الموت وهبة الله الحياة الابديّة (6:21-23)

خاتمة هذا الموضوع هي في الوقت عينه خاتمة العظة العماديّة كلّها، فيها يقدّم بولس الثمر غلّة طريقتين في الوجود، سبق ووضعهما في التوازي: عبوديّة الخطيئة تنتج ثمرًا يُستحى منه، عاقبتها الموت (آ20-21). ولكن بعد التحرّر من هذه العبوديّة، تعطي حالة خدمة الله ثمرًا يقود إلى القداسة مع الحياة الأبديّة في النهاية. هنا الطباق: موتٌ وحياة يغلب على الفكرة ويهيّئ إلى آخر كلمة في الخاتمة: ''لأنّ أجر الخطيئة هو الموت؛ ولكن هبة الله هي الحياة الأبديّة في المسيح يسوع (آية 23).

لا يوجد توازٍ محكم بين الآيتين: يعالج الموت من منظور الأبديّة، وهو الذي يدعوه سفر الرؤيا ''الموت الثاني'' (رؤ 2:11؛ 20:14؛ 21:8)، هو ''أجرٌ'' استحقّه الإنسان بالأعمال التي قام بها؛ ولكن الحياة الأبديّة هي ''عطيّة مجانيّة'' لا يستحقّها الانسان أبدًا، ولكن الله يُنعم بها على الخطأة المبرّرين.

إدخال الربّ يسوع المسيح في الجملة يذكّر في وقته أن رتبة العماد غطّستهم في سرّ موته وقيامته حتّى توحّدهم معه، وهكذا ترتبط نهاية هذا الفصل ببدايته.

 

خاتمة

نصّ روم 6:1-23 مرتكز على سير رتبة العماد ، يُعالج جوهر الحياة المسيحيّة بإعطائها معنى روحيٌّا للسلوك الأخلاقي من خلال فضيلة ''البرّ'' . يجب ألا نفتّش في هذا النصّ عن عقيدة بولس حول العماد. هناك نصوص أخرى كثيرة، لاسيّما الرسالتان إلى قولسّي وإلى افسس، تقدّم عناصر مكمّلة، بطريقة مختلفة. ولكن المهمّ هنا، أن نتلمّس أنّنا لسنا أمام تفكير لاهوتي عام، لا يمتّ بصلة إلى واقع الكنيسة. فعلاقة هذا النصّ مع رتبة العماد هو جوهري لمعنى النصّ.

يبدو أن الإطار الفصحي هو الأقرب، ويفسِّر شرح الرتبة في اتحاد المعمّدين بالمسيح في موته ودفنه وقيامته. هذا النصّ يفسّر للمؤمنين معنى عمادهم والعلاقة القائمة بين العماد وقواعد الحياة الجديدة التي يسلكها المعمّد في المسيح يسوع. هذه الطريقة في الشرح التي يعتمدها بولس تُبعد اللاهوت الأدبي عن قواعد المسموح والممنوع، حيث كثير من الناس، مؤمنون وغيرهم يختزلون اللاهوت الأدبي المسيحي بالمسموح والممنوع، غافلين عن الخلقيّة الإنجيليّة والليتورجيّة .

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM