عرس قانا في تفسير أفرام السريانيّ.

 

عرس قانا

في تفسير أفرام السريانيّ

1- كانت أعراس في قانا الجليل. جاء إليها ربُّنا، وأمُّه قالت له: ليس عندهم خمر... قال لها يسوع: ماذا بيني وبينك يا امرأة؟ زمني لم يأتِ بعد. هذا يعني: أنا لا أفرض نفسي عليهم. فليلاحظوا هم غياب الخمر، وليطلبوا كلُّهم أن يشربوا. وإذ قال يسوع هذا، أراد أن يُبرز في نظر مريم عظمةَ عطائه. فاستعجال مريم كان مفرطًا. لهذا أعطاها درسًا.

أو: لم يأتِ زمني بعد. نفهمه عن زمن موت المسيح. كان المدعوّون سكارى. فلو بسط عطاياه عليهم بإكراه، لما كان أفلت من العذاب. وهو بعدُ في بداية كرازته.

2- حسبت مريم أنَّ معجزة من ابنها تؤمِّن له المجد والكرامة عند الجموع. لهذا قال: »لم يأتِ زمني بعد«. ما فعل يسوع للأسباب التي تخيَّلتها مريم، بل أراد بالأحرى أن يعارض أفكارها. ومع ذلك، كانت واعية للمعجزة التي سوف يصنع: كانت تحفظ كلَّ شيء في قلبها. كلّ ما يقوله لكم ابني فافعلوه. رأت أنَّ الخمر نفد، ففهمت أنَّه من أجل سببٍ أتى (ابنها) إلى العرس. نقرأ في اليونانيّ: اتَّخذ مكانه والخمر نفد. وإذ جعلته أمُّه يلاحظ ذلك، قال لها يسوع: ألم يأتِ زمني بعد؟ أي: هو أتى حقٌّا. عرفت مريم أنَّ يسوع يُجري المعجزة هنا: مع ذلك، لام يسوع شكَّ مريم. إذًا قالت للخدم: »كلُّ ما يقوله لكم، اصنعوه«.

3- وقيل أيضًا إنَّ مريم كانت محتارة. أما كان بسبب وصول يسوع أنَّهم طلبوا من رئيس المتَّكأ أن يقدِّم خمرًا؟ قالت ليسوع: هم ينتقدونك لأنَّ هؤلاء الناس صاروا عرضة للسخرية بسببك. هزئوا بهم حين عرفوا أنَّه لم يعد عندهم خمر يقدِّمونه حين وصولك.

4- وقالت له: يا ابني لم يعد لهم خمر. فقال لها يسوع: ماذا بيني وبينك، يا امرأة؟ أيَّ شرٍّ قالت؟ قيل إنَّها شكَّت بكلامه، فقالت: »لم يعد عندهم خمر«. من هنا الجواب: ماذا بيني وبينك، يا امرأة؟ أن يكون هذا الجواب أفهمَها أنَّه يُجري المعجزة، هذا ما يَبان حين قالت للخدم بوضوح: كلّ ما يقوله لكم ابني فاعملوه. ومع ذلك: »لم يأتِ زمني بعد«. ومع ذلك، بعد مآثر البرّيَّة حيث جندلَ العدوّ، اقترب مثل بطل من أجل مأثرة جديدة في هذه الأعراس العجيبة.

5- عجَّلت مريم لتحلَّ محلَّ الرسل فتنفِّذ أوامر الربّ. ومع ذلك، لم يكن دورها أن تعطي نصائح، أن تأمر، أو أن تستبق كلام يسوع. لهذا وبَّخها لأنَّها استعجلت حين تصرَّفت. لم تأتِ ساعتي بعد. يطلبون خمرًا، حين يرون كلُّهم أنَّ الخمر نفد، عندئذٍ تحصل الآية العجائبيَّة. وهكذا حين رأته أمُّه بعد انتصاره على السافل، أرادت أن تغنِّجه كما الأمّ. ولكنَّ مريم التي تبعته حتّى الصليب، سُلِّمت إلى يوحنّا في هذا اليوم، بهذه الأقوال: يا امرأة، ها هو ابنك الآن. أيُّها الشابّ ها هي أمُّك الآن. لهذا منعها بعد القيامة من الاقتراب منه أيضًا، بعد أن صار يوحنّا ابنك، كما قال.

6- لماذا في آية أولى، حوَّل الربُّ طبيعة الماء؟ لكي يبيِّن أنَّ اللاهوت الذي حوَّل الطبيعة عند الآخرين، قد حوَّل هذه الطبيعة عينها في حشا العذراء. وبالطريقة عينها، فتح القبر متوِّجًا آياته ليدلَّ على استقلاله عن الموت الشره. أصدقَ وثبَّت انقلابين اثنين، انقلاب ولادته وانقلاب موته، بهذا الماء الذي حوَّله جوهريٌّا إلى خمر الكرمة، دون أن تنال أجرانُ الحجر تحوُّلاً متوازيًا. ذاك كان رمزَ جسده، الذي حُبل به بمعجزة، وكوِّن بأعجوبة في عذراء، بدون عمل رجل.

7- إذًا، حوَّل الماء خمرًا ليبيِّن كيف أنَّ الحبل به وولادته تحقَّقا. ودعا ستَّة أجران لتشهد على العذراء الفريدة التي ولدته. فالأجران حبلت وولدت خمرًا جديدًا معارضة استعمالها. وما جدَّدوا بعدُ مثلَ هذه المعجزة. هكذا حبلت العذراء وولدت عمّانوئيل، وما عادت حبلت بعد. فالولادة بالأجران تحوِّل الصغر إلى كبر، والقلَّة إلى وفرة، ومياه الينابيع إلى خمرة حلوة. أمّا في مريم، فعظمةُ اللاهوت ومجدُه بدَّلا وجهها إلى الضعف والعار: استُعملت هذه الأحواض من أجل تطهير اليهود: فصبَّ فيها ربُّنا تعليمه فدلَّ على أنَّه أتى بحسب طريق الشريعة والأنبياء. ولكنَّه توخّى أن يبدِّل كلَّ شيء بكرازته، كما الماء الذي صار خمرًا.

8- كلُّ إنسان يقدِّم أوَّلاً الخمر الحلو، ثمَّ خمرًا عاديٌّا. دلَّ هكذا أنَّ التدبير السابق كان أهراء مؤونة، لأنَّ الشريعة أعطيَت بموسى والنعمة والحقّ تمّا بيسوع. فعريسُ الأرض دعا عريس السماء، والربُّ المستعدُّ للأعراس أتى والذين اتَّكأوا إلى المائدة دعوا ذاك الذي يقيم البشر في ملكوته، وأرسل إليهم أعراسًا بهيجة. غناه لم يكره فكرهم. لم يكن عندهم خمر كافٍ، عاديّ، من أجل مدعوّيهم، ولو لم يصبَّ لهم بعضَ غناه، لقاموا عن المائدة عطاشًا، حزانى.

9- وردٌّا على دعوتهم، دعاهم إلى الأعراس. ولكن بقدر ما أكثر مشاركة في ولائمهم، بقدر ذلك كره مائدتهم، كما كره آباؤهم المنّ. ملائكة أكلوا على مائدة إبراهيم ولوط، وكذلك ربُّنا أكل وشرب معهم وما قرف. دعوه فأتى إليهم. ثمَّ دعاهم فما جاؤوا إلى أعراسه. دعوه فما رفض أن يجيء. ودعاهم هو فرفضوا طعامه. هو كرَّم مدعوّيه، وهم احتقروا أولئك الذين دعاهم. هو فرَّح المدعوّين، وهم قتلوا عبيده. سدَّ الجوع في أعراسهم، أمّا هم فما صنعوا شيئًا بطعام منحهم إيّاه. أبهجهم بنبيذ حلوٍ فأغاظوه وحرَّكوا غضبه. وبدل النبيذ الحلو، أعطوه خلاٌّ ومرٌّا.

10- دعوه فما جاء مع المدعوّين. أتوا قبله فشربوا النبيذ العاديّ ليأتي بعدهم ويحمل النبيذ الحلو. دُعيَ معهم، فما كان تمييزٌ بين منظره ومنظرهم. ولكنَّه صنع آية عجيبة لكي يتَّضح لهم أنَّه، في طبعه، لا يتساوى معهم. إن كان مظهره جعلهم يظنّون أنَّه مثلهم، فهو نفسه علَّمهم بآيته العجيبة، أنَّه أعظم منهم. بدون كلمة، حوَّل الماء خمرًا، لكي يُوقظ صمتُه الإلهيّ المنادين به الفرحين، ويعلن رئيسُ المتَّكأ بفرح هذا الخبر السعيد للمدعوّين. فالخمر بطبيعته يُفرح. وأمرُ يسوع نفَّذ ذلك بسرعة، فتجاوز شذا هذا الخمر شذا كلِّ خمرٍ آخر. لهذا سألوا عن الذي قدَّم وبحثوا.

11- رجع منتصرًا من حربه في البرّيَّة، فاستقبلته الأعراس بفرحٍ في اليوم الثالث، وهكذا أظهر بعد صدمة القتال، الفرحَ من أجل المنتصرين. وأنَّه هو كان سيِّد الأعراس مع أنَّه دُعيَ كغريب، لأنَّه، بكلمته التي تطفئ كلَّ حاجة، لبّى كلَّ نقص في الأعراس. هو ما قدَّم خلائق أخرى، ولا عمل مع الأشياء العتيقة عينها، بحيث حفظها كما هي. فبدون أن يعطي ماء بدل الخمر، تجنَّب أن يَخرج من حلقة الخلائق. فخلق خمرًا انطلاقًا من الماء المخلوق.

12- إذًا، ما جاء إلى هنا ببعض الخلائق الغريبة، بل حوَّل الخلائق السابقة عينها، ليدلَّ بذلك على أنَّه سيِّدها، وليعرفوا أنَّه لا يحتقرها وأنَّها غير محتقرة وغير مرذولة.

وفي نهاية الأزمنة، هذه الخلائق عينها سوف تتجدَّد، لأنَّ هذه الإرادة التي بأمر حوَّلت بسرعة ماء عاديٌّا نبيذًا حلوًا، تمتلك القدرة لكي تعطي جميع الخلائق في الانقضاء الأخير، طعمًا لا يُوصَف. وبيَّن أيضًا في تحويل البسيط إلى فرح، بأنَّ ما من خليقة شرّيرة بطبعها، وأنَّ خالقها حكيم بطبعه. فقد عرف أنَّه من الضروريّ أن تُخلَق من أجل المحنة والتأديب، لكي يُمتحَن الأبرارُ بها ويتوَّجوا، ويُصلَح الأشرارُ وينالوا بعض الفائدة. فالذي أمر النار اللاهبة فحوَّلها من وسيلة هلاك إلى أداة تعزية، يأمر هو نفسه في نهاية الأزمنة أيضًا، الأشياء المؤذية فيجعلها مفيدة، ويجعل الأشياء الشّريرة حاملة فرح. بدأ فعوَّد الفم على طعم خمره، لكي يسحر بعد ذلك الآذان فيأتي بها إلى طعم تعليمه الحلو.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM