القراءة التحليليَّة تلميذان جاءا إلى يسوع

 

القراءة التحليليَّة

تلميذان جاءا إلى يسوع

 

صوَّر الخبر مجيء التلاميذ الأوَّلين إلى يسوع. وذلك في قسمين اثنين (1: 35-42 ثمَّ 1: 43-51)، وكلُّ هذا ارتبط بشهادة يوحنّا المعمدان (1: 19-28. ثمَّ 1: 29-34). وها نحن نلاحظ التوازي:

آ35-42                               آ43-50

آ35-39                                       آ43-44

. التقى يسوع التلميذين                 . وجد يسوع فيلبُّس

. فتبعاه                                 . "اتبعني"

"تعاليا وسوف تنظران".

 

آ40-42                                       آ43-50

. أندراوس، واحد من الاثنين           . فيلبُّس وجد نتنائيل

وجد سمعان.

. قال أندراوس                         . قال فيلبُّس:

"وجدنا المسيح"                                 "وجدنا الذي كتب عنه...".

تعال وانظر

. رأى يسوع سمعان                            . رأى يسوع نتنائيل مُقبلاً

. حيّى يوسف سمعان: بطرس          . حيّى يسوع نتنائيل: إسرائيليّ صريح

 

1- وتبع فيلبُّس يسوع (1: 43-44)

آ43. ترك يسوع الأردنّ ومضى إلى الجليل. وهناك وجد فيلبُّس.

أراد... فوجد. أين فاعل الفعل؟ الجواب غير واضح. ذُكر بطرس قبل ذلك وربَّما يكون هو الفاعل! ولكن لو أراد يوحنّا أن يقول لنا إنَّ بطرس وجد فيلبُّس، لكان توقَّف وأخبرنا أنَّ بطرس أراد الذهاب إلى الجليل. أمّا في هذه المتتالية، فيسوع هو فاعل الفعلين. بعد أن انتهى من تلاميذ المعمدان، ها هو يمضي إلى الجليل.

أن يخرج. يسوع هو في بيت عنيا، ويحتاج إلى يومين ليصل إلى الجليل (2: 1).

وجد. الذين ظنّوا أنَّ فيلبُّس كان واحدًا من التلميذين المذكورين في 1: 35ي يفسِّرون هذا قائلين: "وجد أيضًا". ويشيرون إلى استعمال "وجد" في 5: 14؛ 9: 35، حيث بحث يسوع عن رجل كان معه قبل ذلك الوقت بقليل. ومع ذلك، ففي هذين القولين يُوضَح "وجد أيضًا" في السياق. وبدت آ43 شبيهة بما في آ41، حيث "وجد" تستعمل للدخول إلى شخصيَّة فيلبُّس.

فيلبُّس. هو الشخص الثالث الذي يُذكر اسمه في يوحنّا، بعد أندراوس وسمعان بطرس. نقرأ الترتيب عينه في لائحة بابياس. ومع أنَّ فيلبُّس مذكور في كلِّ لوائح الاثني عشر، وحده يوحنّا أعطاه دورًا في سرده (6: 5-7؛ 12: 21-22؛ 14: 8-9). كرِّم فيلبُّس في هيرابوليس، بحر بابياس، وأشير هناك إلى وجود بنات فيلبُّس (أوسابيوس، التاريخ 3/31: 3). ربَّما يكون الخبر قد مزج فيلبُّس هذا مع أحد السبعة (أع 6: 5) الذي عاش في قيصريَّة، وكان له أربع بنات (أع 21: 8-9).

آ44. وكان. هي الأداة de. يمكن أن نقول: لأنَّ. بما أنَّ فيلبُّس كان من الجليل، دعاه يسوع قبل أن يمضي إلى الجليل.

بيت صيدا. ظنَّ يوحنّا أن بيت صيدا هي في الجليل (12: 21: من بيت صيدا في الجليل). كانت في منطقة الجولان، مملكة فيليب (ابن هيرودس) على حدود جليل هيرودس. قد يعكس تحديد المكان استعمالاً شعبيًّا[i]. مثلاً، تحدَّث يوسيفس عن يهوذا الثائر الذي من الجولان، ثمَّ دعاه الجليليّ. قد تكون معلومة يوحنّا عكست القسمة السياسيَّة في فترة متأخِّرة كما قال Bernard II, p. 431، ممّا يعني أنَّه سنة 80 ب.م، امتدَّ الجليل وضمَّ بيت صيدا.

مدينة أندراوس. منطقة فيليب رئيس الربع، سيطر عليها العنصر الأمميّ (لا اليهوديّ). وهذا ما يفسِّر أن يكون أشخاص مثل أندراوس أو فيلبُّس أخذا اسمًا يونانيًّا. أن يكون بيت أندراوس وبطرس في بيت صيدا لا يتوافق مع مر 1: 21، 29 حيث بيت بطرس هو في كفرناحوم. حسب أوريجان تبعه Boismard أُدخلت بيت صيدا في خبر يوحنّا لأنَّها تعني "بيت الصيد"، وهكذا تكون عودة رمزيَّة إلى موضوع مت 4: 19: "اتبعاني فأجعلْكما صيادَي بشر". نقرأ الأداتين apo وek اللتين تعنيان "من" (بيت صيدا) "من" (مدينة). هذا يعني أنَّ فيلبُّس (مع بطرس وأندراوس) كانوا من بيت صيدا. أي وُلدوا هناك وأمّا مسكنهم الحاليّ فهو كفرناحوم. هو حلٌّ ممكن من التناسق، ولكنَّ الأساس الغراماطيقيّ ضعيف.

 

2- وأتى نتنائيل إلى يسوع، ابن الله وملك إسرائيل (1: 45-50)

آ45. نتنائيل. هذا التلميذ الذي يعرفه الإنجيل الرابع وحده، لا يظهر في لوائح الاثني عشر. بما أنَّه من قانا، ماهاه التقليد اليونانيّ مع سمعان الكنعانيّ (مر 3: 18؛ مت 10: 4، أو الغيور). لا علاقة بين الاسمين. في القرن التاسع، ماهاه إيشوعداد المروزيّ مع برتلماوس، لأنَّه حين تبع نتنائيل فيلبُّس في يوحنّا، تبع اسم برتلماوس اسم فيلبُّس في كلِّ لوائح الاثني عشر ما عدا أع 1: 13[ii]. معنى نتنائيل: الله أعطى. وهذا ما قال البعض كي يماهوه مع متّى الذي يعني اسمه: عطيَّة الله. كلُّ هذه التماهيات تبقى واهية. قد يكون هذا الرسول حمل اسمين. ولكن مع الاسمين يجب أن يكون اسمٌ منهما يونانيًّا. ولكنَّ برتلماوس هو اسم ساميّ أيضًا. وقال بعض الآباء: لم يكن نتنائيل من الاثني عشر[iii]. ومع أنَّ يوحنّا استفاد من هذا الاسم كرمز لإسرائيل الآتي إلى الله، فنحن لا نستطيع القول إنَّنا أمام وجه رمزيّ، لا اسم حقيقيّ. ونقول من جهتنا: كان اختلاف في أسماء بعض الرسل بين لائحة ولائحة. المهمّ أن يكونوا اثني عشر على مثال قبائل الشعب الأوَّل.

يسوع ابن يوسف. تلك هي الطريق العاديَّة لتمييز يسوع عن أسماء أخرى مشابهة في الناصرة (6: 42؛ لو 4: 22). وكانت تسمية أخرى غريبة، ولكنَّها موجودة في عدد من القرى: ابن مريم (مر 6: 3). اعتبر بعضهم أنَّ هذه التسمية تدلُّ على "ولد غير شرعيّ"[iv]. هذا يعني جهلاً بالتقاليد الشرقيَّة. فاليتيم يُدعى باسم أمِّه، مثلاً. ولماذا لا نعتبر هنا ارتباط يسوع بمريم تلميحًا إلى ولادته البتوليَّة، في معنى لاحق وعلى ضوء القيامة؟

آ46. من الناصرة. ek naxaret. هل يخرج شيء صالح؟ قول يدلُّ على حسد بين مدينة نتنائيل الذي من قانا الجليل، والناصرة القريبة Boismard, p. 93 (رج 7: 52) وارتياب الناس بأن يأتي المسيح من الجليل. ولكنَّ فيلبُّس لم يقل لنتنائيل إنَّ يسوع هو المسيح. واقترح بوامار أيضًا أنَّ نتنائيل أشار إلى نظريَّة المسيح الخفيّ الذي يظهر قريبًا (كما في عدد من التقاليد الشرقيَّة). ولكنَّ هذه النظريَّة بعيدة عن الواقع إن كان الجليل، لا الناصرة، هو أساس الاعتراض، نلاحظ أنَّ "أنبياء" الجليل عرفوا بأنَّهم مسبِّبو القلاقل (أع 5: 37؛ العاديات 20/5: 2).

آ47. لا يوجد فيه غشّ. en w doloV ouk estin. نستطيع أن نقول: aliqoV أو alhqinoV. حقيقيّ، صادق[v]. قال بولتمان: يحقُّ له أن يحمل اسم إسرائيل. مثل هذا الشخص معدٌّ للإيمان، ومستعدٌّ لقبوله عكس نيقوديمس.

آ48. من أين تعرفني؟ poqen me ginwskeiV. أو: كيف تعرفني؟ من أخبرك عنّي؟ هل سبق لك ورأتني؟

تحت التينة. هي إمكانيَّة ليسوع بأن يعرف الناس معرفة تتعدّى العادة. وتساءل الشرّاح: ماذا كان يعمل نتنائيل تحت التينة؟ أوَّلاً، المعلِّمون يقرأون التوراة أو يدرسونها تحت التينة، كما يقول مدراش ربا حول جا 5: 11. أو تقابل الشريعة بشجرة التين (تلمود بابل، عروبيم 542أ). هذا يربطنا بتقليد يقول: كان نتنائيل كاتبًا أو رابّي والإشارة إلى الشريعة في آ45 يُسند هذه النظرة. وعلى أساس أنَّ نتنائيل كان متعلِّمًا، استبعده أوغسطين من جماعة الاثني عشر. أمّا يرمياس[vi] فتطلَّع إلى رمزيَّة شجرة المعرفة في الفردوس. واعتبر أنَّ نتنائيل كان يعترف بخطاياه تحت التينة، فأكَّد له يسوع أنَّ خطاياه غُفرت لدى الله (مز 32: 5). وذكر مول[vii] خبر سوسنة (دا 13: 1ي) حين الشاهدان يُختبران بسؤالين حول الشجرة التي تحتها تمَّ الزنى. وأورد العبارة التلموديَّة "تحت الشجرة" كتفحُّص لهذا اليقين. فظنُّ أنَّه من الممكن أن يكون بيَّن يسوع معرفته الدقيقة بالنسبة إلى نتنائيل. والإشارة إلى نتنائيل على أنَّه "إسرائيليّ" (إسرائيل= يعقوب، تك 32: 29) جعلت البعض يقرأون أخبار يعقوب في سفر التكوين. وآخرون ذكروا مي 4: 4 (ويقيم كلُّ واحد تحت كرمته وتحت تينته، علامة العيش في سلام) وزك 3: 10 (إلى تحت كرمته، وإلى تحت تينته) كرمز إلى السلام المسيحانيّ والبركة. أمّا نحن فنتطلَّع إلى "آدم" الذي اقترب من التينة، فتذكَّر الشريعة وفهم أنَّه خاطئ وهكذا تربط نتنائيل بقراءة الشريعة التي ساعدته على اكتشاف من هو ابن الله وملك إسرائيل. هكذا القائم من الموت تلميذَي عمّاوس ما يخصُّه في الشريعة والأنبياء (لو 24: 27).

آ49. رابّي. لبث التلاميذ يدعون يسوع رابّي (يا معلِّم) مع ألقاب أخرى لها مدلولها. إنَّه عنصر تاريخيّ في قلب ثيمة لاهوتيَّة تتطوَّر.

آ50. رج 11: 40: "أما قلتُ لكِ إن آمنتِ ترين مجد الله؟" الوعد بأن "يرى" في 1: 50، تمّت في 2: 11 مع تجلّي مجد يسوع في قانا، حيث آمن التلاميذ.

آ51. الحقّ amhn: آمين. أؤكِّد له بقوَّة. وأمام الجميع بحيث لا يكون تراجع. استعمل الإزائيّون: أقول لك. أو: "الحقّ (آمين) أقول لك". أمّا "آمين" وحدها، فاستعملها متّى 31 مرَّة، ومرقس 13 مرَّة. ولوقا 6 مرّات وحده يوحنّا كرَّر: آمين، آمين. (مت 5: 37: نعم، نعم) 25 مرَّة. استعمل اليهود أمين (مكرَّرة في عد 5: 22) للتشديد والجواب، وخصوصًا في الصلوات حيث تجيب الجماعة على كلام الواعظ. إنَّ استعمال يسوع للفظ "آمين" يدلُّ بشكل لا لبس فيه أنَّنا في تذكُّر أكيد[viii].

سترون. أضيف في بعض المخطوطات: "منذ الآن". رج مت 26: 64: "منذ الآن سترون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القدرة (= الله القدير)، وآتيًا على سحاب السماء.

ابن الإنسان. يعود الجذر إلى حزقيال (ابن الإنسان، أي إنسان عاديّ بين الناس)، إلى دا 7: 13 (رمز بشريّ إلى انتصار شعب الله)، إلى أخنوخ (المخلِّص الحاضر قبل الأزل). اتَّفقت الأناجيل على القول إنَّ يسوع دعا نفسه بهذا الاسم، أكثر من أيِّ لقب آخر. عند الإزائيّين، هناك ثلاث مجموعات من أقوال حول ابن الله. (1) تلك التي تعود إلى نشاط ابن الإنسان على الأرض (أكل، سكن، خلَّص، ما ملك). (2) تلك التي تعود إلى عذابات ابن الإنسان. (3) تلك التي تعود إلى المجد الآتي وباروسيّا parosia (عودة) ابن الإنسان للدينونة. هناك 12 مقطعًا حول ابن الإنسان في يوحنّا، وكلُّها في كتاب الآيات، ما عدا 13: 31. ومع أنَّ يسوع يتحدَّث مرارًا عن عودته في الخطبة الأخيرة (ف 13-17)، فهو لا يستعمل في هذه المقاطع "ابن الإنسان". هناك ثلاثة مقاطع حول ابن الإنسان "الذي يُرفَع" (3: 14؛ 8: 28؛ 12: 34) تدلُّ على صلب يسوع وعودته إلى حضرة الآب في السماء. رج المقاطع الإزائيَّة في (2) و(3). أمّا أكثر المقاطع اليوحنّاويَّة حول ابن الإنسان، فتشير إلى مجده الآتي. وتُذكَر الدينونة الأخيرة في 5: 27. لا تتمثَّل المجموعة الإزائيَّة (1) في يوحنّا. بل هي خاصَّة بالإزائيّين[ix].



 

.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM