الخاتمة.

 

الخاتمة

كلام الله في تاريخ البشر. ذاك كان تأمّلنا في نصوص وزّعناها على جزئين اثنين. لم تكن النصوص عديدة، لأننا أردنا من خلال كل نصّ أن نتوسّع في »التاريخ المقدّس«. لا لأن الشعب أو الشعوب المذكورة هنا مقدّسة، بل لأن الربّ يدعو جميع البشريّة إلى القداسة، فتترك أصناماً تذلُّها، تُحدرُها إلى مستوى الأشياء، وتتعلّق بالإله الواحد الذي خلق الانسان على صورته ومثاله، ويريد أن يرفع هذا الانسان إلى الألوهة. على ما قيل في المزمور الثامن: نقَّصته عن الإله قليلاً.

والمقطع الذي نختاره ونتأمّل فيه قصير نسبياً. لأنه يُقرأ عادة في الليتورجيا. فعندما يسمع المؤمنون نصاً طويلاً، يتعبون ولا يستطيعون بعد أن يركّزوا. فهل بكثرة الكلام نعلّم الشعب، أو نرفع الصلاة إلى الله؟ بضع آيات تكفينا من أجل التأمّل واتخاذ العبرة، بل الزاد من أجل أسبوع نعيشه في امتداد يوم الربّ، يوم الأحد.

ولماذا اختيار هذه النصوص، لا غيرها؟ لأنها تجد كامل معناها في الانجيل الذي يسمعه المؤمنون كلّ أحد، بشكل خاص. مثلاً، ذُكر تكثير الأرغفة عند أليشع تطلّعاً إلى ما فعله يسوع حين أطعم 5000 شخص في البريّة. وإيليا الذي أقام ابن الأرملة، صورة بعيدة عن يسوع الذي أقام ابن أرملة نائين، فرأوا فيه الناس »النبيّ العظيم والاله الذي جاء يتفقّد شعبه«.

اخترنا النصوص القليلة وتركنا الكثيرة. فما نحن في صدد تفسير ما نسمّي »الأسفار التاريخيّة«. ففي المجموعة الكتابيّة جزءان يعالجان هذه الكتب: التاريخ الاشتراعي والتاريخ الكهنوتيّ. بالإضافة إلى جزء ثالث عنوانه القصص الديني. في الواقع، ما نقرأه من أخبار لم يُكتب على أنه أخبار وحسب. فالخبر سند من أجل التعليم الدينيّ. روى الكاتب خبر داود، لا ليحدّثنا عن ملك عظيم قام بالحملات العسكريّة فوسّع حدود »مملكته«. بل ليقول لنا كيف يكون الحاكم الحقيقيّ. لا للحروب. وأكثر من مرّة قيل فيه: سفكت يداه الدماء. ولهذا ما استحقّ أن يبني الهيكل. لا للخلافات داخل القصر. تقاتل الأبناء وتذابحوا ليملك في النهاية ابنُ تلك التي سيطرت على قلب داود. وبالنسبة إلى سليمان. ما الفائدة من كل هذه الأبنية التي أفقرت الشعب وسخّرته لتمجيد الملك، لا لتمجيد الله. فمجدُ الله كرامة الانسان. ومن أجل هذه الكرامة كان العهد بين الله وشعبه، بين الله وملكه. فأين وصل هذا العهد مع أخاب الذي رجم نابوت حتى الموت ليأخذ منه أرضًا يعتبرها هدية من عند الله، منذ قسم يشوع (وموسى قبله) الأراضي بين القبائل؟

ما كُتب في الكتاب إنما كُتب لتعليمنا. ونحن حين نقرأ العهد القديم، نستطيع أن نترك الأمور الآنيّة التي لا تحمل إلينا تعليماً خاصاً. ولكن نظرة الله إلى التاريخ القديم، تعلّمنا اليوم كيف ننظر إلى التاريخ، إلى الملوك والحكام، إلى الأشخاص الذين نختارهم لتسلّم السلطة. انغشّ الناس بشاول بقامته الطويلة. وكاد صموئيل ينغشّ بالياب بن يسّى (والد داود). »الإنسان ينظر إلى المظهر، وأما الرب فينظر إلى القلب«.

انتهت مملكة الشمال ومملكة الجنوب كقوّة سياسيّة. وراح »شعب الله« إلى المنفى. من الموت وُلد شعب جديد، ومن الضياع تكوّنت التقاليد التي ستهيّئ، لا الشعب ككل، بل فئات من المؤمنين يُدعَون »مساكين الرب«. هم لا يخصّون الحاكم ولا الملك. بل الربّ. إليه سلّموا حياتهم من قلب فقرهم، فكانوا النواة الأولى للذين تحدّث عنهم يسوع، في تطويباته: »طوبى للمساكين بالروح، فإن لهم ملكوت السماوات«.

ذاك هو المعنى الأساسي الذي نكتشفه في »الأسفار التاريخيّة«. الانطلاق من ممالك الأرض من أجل بناء ملكوت الله.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM