فصح أوّل في أرض الميعاد.

 

فصح أوّل في أرض الميعاد

يش 5: 8-12

عيد الفصح، عيد العبور. يشكّل في كلّ وقت من أوقات الشعب العبرانيّ، محطّة فيها ينتقلون من حقبة إلى حقبة. قبل عبور البحر الأحمر، مارس الشعب، بقيادة موسى الفصح. شدّوا أوساطهم، حملوا عصيَّهم واستعدّوا للسفر، وما تركوا لعجينهم الوقتَ لكي يختمر، فأكلوه فطيرًا. وفي الدخول إلى أرض كنعان، اغتنى الفصح الذي فيه يُذبَح الحمل بعيد الفطير الذي فيه تُزال كلّ حبّة من الغلّة السابقة، لتحلّ محلّها غلّة السنة الآتية. ولا وجود للخمير في البيوت، لأنّه يحمل الفساد. لهذا يبحث ربّ البيت بدقّة، لئلاّ يفسد العيد وبالتالي السنة كلّها. وقد قيل لهم: »لا يكن خميرٌ في بيوتكم سبعة أيّام. فكلّ من أكل خميرًا أقطعه من إسرائيل، دخيلاً كان أم أصيلاً. لا تأكلوا شيئًا مختمرًا، بل في جميع مساكنكم تأكلون فطيرًا« (خر 12: 19-20).

ذاك كان الفصح الأوّل في أرض مصر. والفصح الثاني يكون مع الدخول إلى أرض الموعد. مع يشوع، عبروا الأردنّ، وصار في أرض »معادية«، كما كانوا خلال إقامتهم في مصر. ولا بدّ لهم الآن من فصح آخر، ينقلهم من طعام المنّ إلى »غلّة الأرض« (يش 5: 11) التي وجدوها في كنعان. ونقرأ النصّ الكتابيّ:

8 أمّا بنوهم الذين خلّفوهم فهم الذين ختنهم يشوع، لأنّهم لم يُختنوا في الطريق.

9 فقال الربّ ليشوع:

»الآن نزعتُ عار المصريّين عنكم«.

فدُعيَ ذلك المكان الجلجال، إلى هذا اليوم.

10 ونزل بنو إسرائيلَ بالجلجال، واحتفلوا بعيد الفصح في مساء اليوم الرابع عشر من الشهر في سهل أريحا.

11 وفي اليوم الذي تلا الفصح، أكلوا من غلّة الأرض فطيرًا وفريكًا.

12 ومنذ أن أكلوا من غلّة الأرض، انقطع عنهم المنّ، فعاشوا من غلّة الأرض، في تلك السنة.

1- السياق التاريخيّ

تحدّثت الفصول الأولى من سفر يشوع عن الدخول إلى أرض الموعد، مع الاستعدادات الحربيّة والدينيّة، وعبور معجز للأردنّ وهو في فيضانه، في وقت الحصاد. في 2: 1-24، وجب على يشوع التعرّف إلى البلاد.

1 فأرسل يشوع بن نون رجلين من شطّيم (شواطئ بحر الميت) في الخفاء، قائلاً:

»إذهبا واستطلعا الأرض، خصوصًا مدينة أريحا التي كانت تُشرف على السهل قبل أن تُهدَم«.

فذهبا إلى المدينة، ودخلا بيت امرأة زانية اسمها راحاب (ترحّب. تستقبل على الرحب والسعة)، وباتا هناك.

2 فقيل لملك أريحا: »جاء إلى هنا، هذه الليلة، رجلان من بني إسرائيل ليستطلعا الأرض«.

22 وأمّا الرجلان، فسارا إلى الجبل...

23 ... وعبرا الأردنّ إلى يشوع بن نون، وأخبراه بكلّ ما جرى لهما.

24 وقالا ليشوع:

»الربّ أسلم إلى أيدينا جميع تلك الأرض، وخارت عزائم جميع سكّانها، خوفًا منّا«.

ذاك استعداد من أجل الخطّة الحربيّة. والاستعداد الدينيّ نقرأه في 3: 1-6 حيث قال يشوع للشعب:

5 »تطهّروا، لأنّ الربّ في غدٍ يأتي لكم بالعجائب«.

6 وقال للكهنة:

»احملوا تابوت العهد، ومرّوا أمام الشعب«.

فحملوه، وساروا أمامهم.

وبعد ذلك انتظم الشعب لعبور الأردنّ (4: 19-23):

19 وكان صعودُ الشعب من الأردنّ، في اليوم العاشر من الشهر الأوّل (هو الوقت الذي فيه يختارون الحمل لكي يذبحوه في عيد الفصح)، فنزلوا في الجلجال، شرقيّ أريحا.

20 ونصب يشوع في الجلجال الاثني عشر حجرًا التي أخذوها من الأردنّ.

21 ثمّ قال لبني إسرائيل:

»وإذا سأل بنوكم غدًا آباءهم:

ما هذه الحجارة«؟

22 يجيبون قائلين:

»على اليابسة عبر بنو إسرائيل نهر الأردنّ،

23 لأنّ الربّ إلهكم جفّف المياه قدّامنا فعبرنا، كما صنع بالبحر الأحمر...«

وهكذا كرّر يشوع في الأردنّ، ما فعله موسى في البحر الأحمر. فالماء هو عنصر الشرّ. فانتصر الربّ عليه مرّة أولى بعصا موسى، ومرّة ثانية بتابوت العهد الدالِّ على حضور الله في وسط شعبه (5: 9-15).

وتروي ثلاثة أخبار تعود إلى تقاليد مختلفة: ختانة الشعب في الجلجال، الاحتفال بالفصح، ظهور قائد جند الربّ. قال ليشوع:

14 »أنا الآن جئتُ لخدمتك«

فانحنى يشوع إلى الأرض وسجد، وقال:

»بماذا تأمر عبدك يا ربّ«؟

15 فقال له رئيس جند الربّ (الذي هو صوت الربّ):

»إخلع نعليك من رجليك، لأنّ الموضع الذي أنت فيه مقدّس«.

ففعل يشوع كذلك.

تقدّست أرض سيناء بحضور الربّ فيها على موسى. وتقدّس الجلجال مع يشوع، وطُلب كلَّ مرّة أن يخلع الواحد نعليه من رجليه. سنعود إلى الختانة وإلى الاحتفال بالفصح. ونفهم منذ الآن أنّ وحدة هذه المجموعة الأدبيّة (آ9-15) تتكوّن حول فكرة تضعف في حقبة جديدة في تاريخ الخلاص. فالأرض التي وُعد بها الآباء (5: 6) منذ إبراهيم (تك 12: 7)، تنتقل إلى يد أبناء إبراهيم. وتكون حقبة المسيرة التائهة، حقبة المسيرة في أرض فلسطين (إبراهيم، يعقوب) أوّلاً ثمّ في برّيّة سيناء. والهدف الأخير للخروج، كما دشّنه فصحُ مصر وعيّنت بدايتَهُ معجزة البحر، قد بلغ الآن غايته. تمّت معجزة مشابهة في الأردنّ. كما في مز 114: 3-5:

3 البحر رأى فهرب،

والأردنّ تراجع إلى الوراء.

4 الجبال قفزت مثل الكباش،

والتلال كأولاد الغنم،

5 »ما لك يا بحر تهرب،

يا أردنّ تثب إلى الوراء؟«.

أمّا الفصح في الجلجال، فيحتفل بالدخول إلى أرض الموعد، كما دلّ فصح مصر على الخروج من أرض العبوديّة. فعلوا كما فعل إبراهيم. ترك أرض بابل، التي كانت أرض العبوديّة بعد المنفى (587 ق.م.) وعادوا إلى أورشليم. وهم تركوا أرض مصر، وأتوا إلى أرض الموعد »أرض تدرّ لبنًا وعسلاً« (يش 5: 6). يبدو أنّه وُجد تقليد تاريخيّ في يش 5: 10-12، يروي الاحتفال بالفصح في الجلجال، فصار الموضع معبدًا بنيامينيًا. هنا نفهم ما قاله 2مل 23: 22 عن الفصح الذي اقامه يوشيّا الكاهن: »ولم يكن فصح مثله في أيّام أيّ ملك من ملوك إسرائيل ويهوذا، ولا في أيّام القضاة الذين حكموا إسرائيل«.

2- الختان

هو طقسُ تنشئة يُتيح للإنسان أن يمتلك امتيازات عائلة الله التي مثّلها إبراهيم ونسله. الله هو من أسّس الختان، طقسًا دينيٌّا في شعبه، وفرضها على إبراهيم، الذي ختن هو نفسه، مع كلّ أبنائه وعبيده المولودين في بيته أو المشترين بفضّة. خضع العبرانيّون لهذا الطقس في مصر، وأهملوه في البرّيّة. وها هو يعود مع يشوع. ويتمّ الطقس بحجر من الصوّان، بعد أن عُرف الحديد وزال استعمال الأدوات الحجريّة.

كيف يستطيع الآتون من البرّيّة أن يشاركوا في الفصح، ونحن نفهم أنّهم لم يُختنوا؟ وإلاّ اعتبروا عبّاد الأوثان، وشبيهين بالفلسطيّين الآتين من الغرب. رج 1صم 14: 6؛ 17: 26، 36؛ أش 52: 1 (اللامختون والنجس لا يدخلك من بعد، يا أورشليم). ولمّا خُتن الشعب، اتّخذ من جديد علامة العهد، بحيث تحرّر من وضع من الانحطاط الأخلاقيّ: زال منهم »عار المصريّين« (آ9). انتقلوا من حالة إلى حالة. جاء النصّ اليونانيّ قاسيًا، فأعلن في شكل ضمنيّ، أنّ العبرانيّين أهملوا عمدًا الختان، فدلّوا على خطيئتهم. وطلب الترجوم الفلسطينيّ توبة ضروريّة وعودة إلى الشريعة. أمّا التيهان خلال أربعين سنة (5: 6)، فيعود إلى خطيئة الجواسيس الذين تكلّموا بالسوء عن أرض الموعد.

ذُكر الجلجال. هو موضع قريب من الأردنّ، وإلى الشمال الشرقيّ من أريحا. ونجد أيضًا تلاعبًا على الكلام بين »ج ل ل« (دحرج، نزع) وموقع الجلجال. نقرأها: »دحرجت بعيدًا عنكم العار الآتي من مصر«. فكلّ أرض غريبة هي نجسة، بعد أن تدنّست بوجود الأصنام. قال عاموس لأمصيا، كاهن بيت إيل، الذي أراد أن يطرده من المعبد الملكيّ (عا 7: 17): »تُقسَم أرضُك بالحبل، وتموتُ أنت في أرض نجسة«. وقال هو 9: 3-4 في الخطّ عينه:

3 لذلك، لا تُقيمون بأرض الربّ،

بل ترجعون إلى مصر، إلى بيت أفرائيم،

وفي أشور تأكلون طعامًا نجسًا.

4 هناك لا تسكبون للربّ خمرًا،

ولا تلذّ له ذبائحُكم،

خبزُكم يكون كخبز المآتم،

وكلّ من يأكله يتنجّس

خبزكم يكون لكم (وحدكم)

(ولكن) لا يدخل بيت الربّ (فهو خبز عاديّ).

الجلجال يعني الدائرة. تُجعَل الحجارة بشكل دارة، فيكون فصلٌ بين المقدَّس والعاديّ. وقد تكون الحجارة »جليلة« أي كبيرة، عظيمة، لتدلّ على ما حصل في ذاك الموضع. أمّا »عار المصريّين« فهو اللاختان الذي يجعل العبرانيّين، مثل المصريّين، عابدي أوثان ورافضي علامة الانتماء إلى شعبه. هنا نتذكّر أنّ المصريّين عرفوا الختان. لهذا، قال بعضهم إنّ المصريّين المختونين (استعدادًا للزواج، من هنا الختن أو العريس في العربيّة) هزئوا من العبرانيّين اللامختونين. وعلى ضوء سفر يشوع، نستطيع أن نفهم هذا »العار« الذي دُحرج، انفصالاً نهائيٌّا عن حالة الخطيئة التي عرفها بنو إسرائيل، والعبوديّة. في هذا المجال، نقرأ يش 24: 14:

فخافوا الربّ واعبدوه بإخلاص،

وانزعوا (ج ل ل) الآلهة التي عبدها آباؤكم

في نهر الفرات وفي مصر،

واعبدوا الربّ.

وعدّد النبيّ حزقيال معاصي إسرائيل، فقال في 20: 7 باسم الربّ:

أنبذوا كذبات (الآلهة الكاذبة) عيونكم،

وبأصنام (ج ل ج ل) مصر لا تتنجّسوا،

أنا الربّ إلهكم.

وإذ رفع نحميا للربّ اعتراف الشعب بخطاياهم. قال في 9: 16-17:

16 ولكنّهم تجبَّروا هم وآباؤنا،

وعاندوك ولم يُطيعوا أوامرك.

17 وأبوا أن يسمعوا،

وما تذكّروا عجائبك التي صنعتَ أمامهم،

بل عاندوك،

وفي سيناء تمرّدوا وأقاموا رئيسًا،

ليرجعوا إلى عبوديّتهم في مصر.

وهكذا بدا الكلام في يشوع، وكأنّ الطريق سُدَّت بشكل نهائيّ في مسيرة التاريخ، فعادوا إلى العهد، وقطعوا كلَّ علاقة بالماضي. وقد احتفظ لنا المؤرّخ اليهوديّ يوسيفُس (العاديات اليهوديّة، 5/1: 34) بتفسير قديم ومعروف، حيث »الجلجال« يعني الحرّيّة، قال: »حين عبروا النهر (الأردنّ)، عرفوا منذ الآن أنّهم تحرّروا من المصريّين، ومن شقاء الصحراء«. هذا التفسير نقرأه عند تيودوريتس القورشيّ. كما حُفظت رواية في السبعينيّة (24: 30) تقول إنّ سكاكين الصوّان دُفنت مع يشوع.

فمن أهمل الختان، تجاوز العهد مع الربّ. قيل لإبراهيم في تك 17: 14: »وأيّ ذكر لا يُختَن، يُقطَع من شعبه لأنّه نقض عهدي«. وتحدّث إسطفانُس في خطبته عن الله »الذي أعطى إبراهيم الختان« (أع 7: 8). فالختان علامة الانتماء إلى نسل إبراهيم. كان شرطًا أساسيٌّا للمشاركة في الفصح (خر 12: 48: غير المختون لا يأكلها) الذي صار امتياز أبناء إبراهيم. والتحرّر الذي يحتفل به ويجعله حيٌّا الآن، هو موضوع وعد الخلاص الذي أعطيَ للآباء في الماضي (تك 15: 13). ويذكر الختان أنّ أرض كنعان كانت موضوع وعدٍ لنسله. وما نقرأ في يش 5: 1 عن الأموريّين، يعود بنا إلى تك 15: 16 (لن أطرد الأموريّين إلى أن يرتكبوا من الإثم ما يستوجب العقاب).

العلاقة وثيقة بين الفصح والختان، والتقليد اليهوديّ نسبَ الخلاص الفصحيّ إلى مزيج دم الختان والضحيّة الفصحيّة، فشدَّد بهذه الطريقة الملموسة، أنّنا لسنا أمام طقس سحريّ يستطيع أن يخلّص. فالربّ يفرض المشاركة من قبل الإنسان. وهكذا يصبح الختان تكريسًا للعبادة، بحيث يُعتبَر حدثُ الدخول إلى أرض الموعد واقعًا عباديٌّا. لهذا يرتبط 5: 2-9 (ما يتعلّق بالختان) بما في 3: 5: تقدّسوا، تطهّروا. فالمعنى الليتورجيّ الذي يُبرز المعنى الدينيّ للخبر، يحيط بالرواية كلّها: تطواف أمام عرش الله (= تابوت العهد) خلال عبور الأردنّ، تشييد ذكرانة في الجلجال، احتفالات حول أريحا حيث يكون احتلالها فعلاً ليتورجيٌّا لا هجومًا مفاجئًا يلعب فيه السلاح دورًا هامٌّا. لهذا، ما اهتمّ يشوع بالمحاربين أوّلاً. فالله هو من يقود القتال، ونحن نتعاون معه بالأمانة لفرائضه. وحين درس المدراش (درس وتأمّل) مز 20 قال: ارتبط الدخول إلى كنعان بممارسة الختان.

دُمجت المواضيع بعضها مع بعض في نصّ (يش 5) يُقرأ في المجمع، في اليوم الأوّل من الفصح، واعتبر بعض الشرّاح أنّ ما نقرأ في يو 6: 35ي يجد خلفيّته وشرحه المجمعيّ في يش 5، لأنّه المقطع الوحيد الذي يتحدّث عن المنّ في علاقته مع موت جيل البرّيّة. هنا نقرأ يو 6: 49-58. قال يسوع:

49 »آباؤنا أكلوا المنّ في البرّيّة وماتوا،

50 لكن من يأكل هذا الخبز النازل من السماء لا يموت.

53 الحقّ الحقّ أقول لكم:

إن كنتم لا تأكلون جسد ابن الإنسان ولا تشربون دمه،

فلن تكون فيكم الحياة«.

وجاء الرباط بين الختان والعماد المسيحيّ وفصح المسيح في كو 2: 11-14 في كلام عن الحياة الجديدة:

11 وفي المسيح، كان ختانكم ختانًا، لا بالأيدي، بل بنزع جسم الخطايا البشريّ، وهذا هو ختان المسيح.

12 فأنتم عندما تعمّدتم في المسيح، دُفتنم معه وقُمتم معه أيضًا، لأنّكم آمنتم بقدرة الله الذي أقامه من بين الأموات.

13 كنتُم أمواتًا بخطاياكم وبكونكم غير مختونين في الجسد، فأحياكم الله مع المسيح، وصفح لنا عن جميع خطايانا،

14 ومحا الصكّ الذي علينا للفرائض، وكان في غير صالحنا، وأزاله مسمِّرًا إيّاه على الصليب.

في يش 5: 4، نقرأ في اليونانيّ لفظ »طهر« بدل »ختن«. هذا ما يجعلنا في إطار اللغة العربيّة حيث »طهر« تعني أيضًا »ختن«. ونتذكّر أنّه كان للختان في المنظار القديم، معنى تكفيريّ. وقد رأى بعضهم في خر 4: 24-26 علاقة مع دم الفصح والخلاص الذي منحه الله. ففكرتا التكفير والتطهير هامّتان في السياق الفصحيّ كما نقرأ في يو 13: 10: »من اغتسل كان طاهرًا كلّه، فلا يحتاج إلاّ إلى غسل رجليه«.

3- الفصح

ذُكر بإيجاز الاحتفال بالفصح. فالكاتب لا يهتمّ هنا بتفاصيل الطقوس كما مارسوها في ذلك الوقت. ونحن لن نقرأ في النصّ أكثر ممّا فيه. وتحديد »اليوم الرابع عشر من الشهر« (آ10) أضافه كاتب متأخّر عرف التشريع الفصحيّ كما في البنتاتوكس أو أسفار موسى الخمسة. ونقرأ هذه الآية مع 4: 19 وعبور النهر في اليوم العاشر من الشهر الأوّل. فالاستعداد للفصح يبدأ في العاشر من شهر نيزان حين يختارون الحمل الذي سوف يُذبح. وهكذا ارتبطت آ10-12 بعبور الأردنّ وخبر الختانة الذي يلي. هنا نقرأ خر 12: 2-6، وهنا قال الربّ لموسى:

3 »أخبرْ جميع بني إسرائيل أن يأخذ كلّ واحد منهم في العاشر من هذا الشهر، خروفًا واحدًا من أهل بيته.

6 وتحفظونه عندكم إلى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر، فيذبح كلُّ جماعة بني إسرائيل معًا خرافَهم في العشيّة.

وإذ تطلّع الكاتبُ إلى الفصح، أقام أيضًا رباطًا بين الخروج من مصر والدخول إلى كنعان. فإحدى السمات التي تصف الاحتفال الفصحيّ، هي الفقاهة (أي علّم وأفهم) التي أعدّها الكتاب حول مدلول الطقوس والعناصر العباديّة. نقرأ مثلاً خر 12: 25-27:

25 وإذا دخلتم الأرض التي يعطيها لكم الربّ كما قال، فاحفظوا هذه العبادة.

26 وإذا قال لكم بنوكم:

»ما معنى هذه العبادة؟«

27 فقولوا:

»هي ذبيحة فصح نقدّمها للربّ، الذي عبر عن بيوت بني إسرائيل في مصر، فخلّصها لما فتك بالمصريّين«.

فركع الشعب ساجدين.

ونقرأ في خر 13 حول الفطير وتكريس الأبكار، فقاهة وتعليمًا دينيٌّا يفقّه المؤمنين ويفهمهم معنى ما يقومون به من طقوس:

7 فلا يُرى لكم خبزٌ فطيرٌ في هذه السبعة الأيّام، ولا شيء مختمر في جميع دياركم.

8 وتقولون لأبنائكم في ذلك اليوم:

»نفعل هذا اعترافًا بما عمل الربُّ لنا حين أخرجنا من مصر«.

14 وإذا سألكم بنوكم غدًا:

»ما هذا«؟

فقولوا لهم:

»بيد قديرة أخرجنا الربّ من مصر، من دار العبوديّة.

15 ولمّا قسا قلبُ فرعون ولم يُطلقنا، قتل الربّ كلّ بكر من بكور الناس والبهائم في أرض مصر، ولذلك نذبح للربّ كلَّ فاتح رحمٍ من ذكور البهائم، ونفتدي كلَّ بكر من بنينا،

16 فيكون ذلك كالوشم على أيدينا، أو كالعلامة على جباهنا بين عيوننا، لأنّ الربّ بيد قديرة أخرجنا من مصر«.

ونقول الشيء عينه عن يش 4: 6-7، 21-24:

6 ليكون ذلك علامة فيما بينكم. فإذا سألكم غدًا بنوكم:

»ما هذه الحجارة؟«

7 تجيبون:

»مياه الأردنّ توقّفت أمام تابوت عهد الربّ عند عبوره«.

وهذه الحجارة تذكار لبني إسرائيل إلى الأبد.

21 إذا سأل بنوكم غدًا آباءهم:

»ما هذه الحجارة«؟

22 يجيبون قائلين:

»على اليابسة عبر بنو إسرائيل نهر الأردنّ.

23 فالربّ إلهُكم جفّف المياه قدّامنا فعبرنا«.

كلّ هذا عناصر فقاهة حول أحداث خاصّة بالدخول إلى أرض الميعاد. والإشارة إلى الفطير (آ11) في التدوين الحاليّ، يدفعنا لكي نفكّر في نصوص يبرز فيها عيدان: الفصح والفطير. تميّزا في الأصل، ثمّ اجتمعا في احتفال واحد. غير أنّ ضمّ »الفريك« (أو السنابل المشويّة) إلى الفصح، ونحن لا نقرأه إلاّ هنا، فيبيّن أنّ المرمى الأوّل للخبر توخّى الإشارة إلى تبديل الطعام، من المنّ إلى القمح. ممّا يعني أنّ التقليد الوارد هنا قديم جدٌّا.

4- من طعام إلى طعام

بعد الفصح، أكلوا من غلّة أرض الموعد، وانقطع المنُّ عنهم.

أ- غلّة الأرض

ذاك هو الطعام في أرض الموعد. تغيّر الإطار، فتغيّر الطعام، وفي الحالين، هو الله يهتمّ بشعبه. في البرّيّة، لا مياه ولا زراعة. فأمطر لهم منٌّا من السماء. وفي فلسطين، هناك أرض وزراعة، فأمطر لهم ماء من السماء.

حين دخل بنو إسرائيل إلى كنعان، بدأوا يأكلون ممّا تنتجه الأرض، من الفطير ومن الفريك. والفريك لا يؤكل، بحسب التشريع النهائيّ، إلاّ بعد تقدمة البواكير، وهذا يتمّ »غداة الفصح«. أضاف كاتبٌ هذا التفصيل على النصّ خوفًا من تجاوز الشريعة. ومن فوائد هذه الإشارة أن تذكّر في »نؤمن« بني إسرائيل في تث 26: 3، أنّ تقدمة البواكير يرافقها إعلانٌ أنّ الربّ حقّق وعده فأعطى الشعب الأرض التي تفيض لبنًا وعسلاً. ذُكر الفطير والفريك على أنّهما أوّل نتاج هذه الأرض. أكلهما البدو الآتون من الصحراء. فهما طعام المناطق الزراعيّة، أمّا في الصحراء فالألبان على أنواعها هي طعام الرعاة وعيالهم.

نقرأ في لا 2: 14: »إن قرَّبتَ من بواكير الغلّة تقدمة للربّ، فليكن فريكًا مشويٌّا بالنار، جريشًا جريشًا من السنبل الطريّ«. إذًا، يشكّل الفريك جوهر البواكير. وفي لا23: 14، كان التحذير واضحًا. البداية هي للربِّ: »لا تأكلوا خبزًا وفريكًا وسنبلاً طريٌّا إلى ذلك اليوم الذي فيه تقدّمون قربان إلهكم. تلك فريضة أبديّة على ممرّ أجيالكم، في جميع دياركم«. إنّ ذكر السنابل يتوافق مع المعطيات الجغرافيّة: ففي منطقة الأردنّ وأريحا وحدها، يكون الحصاد في ذلك الوقت، كما نقرأ في يش 3: 15: »والأردنّ طافح من جميع شطوطه في أيّام الحصاد«. في 2: 6 نعرف أنّ راحاب خبّأت الجاسوسين »بين عيدان كتّان مصفّفة هناك«. أمّا حصاد الكتّان فيسبق حالاً حصاد الشعير كما قال كلندار (عدد الأيّام) جازر الذي يعود إلى القرن التاسع ق.م.، والفريك ما زال يؤكل إلى أيّامنا. وتتحدّث المشناة في منحوت (10: 4) كيف كانون يهيّئون الفريك في حقبة الهيكل الثاني، الذي بُنيَ سنة 515 ق.م.:

»اليوم الذي تلا الفصح«. هذا يعني الاحتفال بالفطير في الوقت المحدَّد، كما أنّ خر 16 تكلّم عن المنّ، فشدّد على محافظة شريعة السبت محافظة دقيقة:

23 »غدًا يومُ عطلة، سبتٌ مقدّس للربّ، ما تريدون أن تخبزوه فاخبزوه، وما تريدون أن تطبخوه فاطبخوه، وكلّ ما فضل، احفظوه لكم إلى الغد«.

25 »كلوه اليوم لأنّ اليوم سبتٌ للربّ، واليوم لا تجدونه في البرّيّة.

26 ستّة أيّام تلتقطونه، وفي اليوم السابع، يوم السبت، لا تجدونه فيه«.

27 فلمّا جاء اليومُ السابع، خرج البعض ليلتقطوا، فما وجدوا شيئًا.

28 فقال الربّ لموسى:

»إلى متى ترفضون أن تعملوا بوصاياي وفرائضي؟

29 أما ترون أنّي أنا الربّ وضعتُ لكم السبت، فأعطيتُكم في اليوم السادس طعام يومين؟«

وجاء الترجوم فاستنتج، بعد كلّ هذا، أنّ الشعب نعم بالمنّ أربعين يومًا حسب خر 16: 35، أو 37 يومًا حسب تث 34: 8، بعد موت موسى، بالنظر إلى استحقاق من رافقهم في البرّيّة أربعين سنة. قال ترجوم خر 16: 35: »وأكل بنو إسرائيل المنّ أربعين سنة، خلال حياة موسى. وأكلوا (أيضًا) المنّ أربعين يومًا بعد موته، إلى أن عبروا الأردنّ، ووصلوا إلى تخوم أرض كنعان«. وفي تث 34: 8: »وبكى بنو إسرائيل موسى ثلاثين يومًا، في سهل موآب. وانتهت أيّام البكاء حدادًا على موسى في الثامن من نيزان. وفي الثامن من نيزان أعدّ أهل بيت إسرائيل أمتعتهم، وأسرجوا بهائمهم وعبروا الأردنّ في العاشر من نيزان. ومع أنّ المنّ توقّف (أن يسقط) لهم، في السادس من نيزان، وجدوا نفوسهم يأكلون المنّ، بسبب استحقاق موسى، سبعًا وثلاثين يومًا بعد موته«.

يبدو أنّ الآتين مع يشوع اعتادوا أن يحتفلوا بالعيد مرّة في السنة. عيد الدخول إلى أرض الميعاد، بحسب هذه الطقوس العتيقة. وفي يش 5: 9ي، نجد الإطار الليتورجيّ الذي فيه توحّد الفصح (عيد الرعاة) والفطير (عيد المزارعين). ولكنّ هذا النصّ يُبرز أوّل ما يُبرز، الطعام الجديد: بعد الآن، توقّف المنّ. غير أنّنا نلاحظ أنّه إن لم يكن في التدوين الأوّل للفطير من مدلول فصحيّ، فمدلوله واضح في الحالة الأخيرة للنصّ، كما رأى المفسّرون اليهود والمسيحيّون. ومجمل يش 5-6، تحدّد موقعُه في ثمانية أيّام الفصح. وهذا ما نراه عند يوسيفُس في العاديات اليهوديّة (5/1: 5)، الذي يجعل سقوط أريحا يتمّ في اليوم الأخير من أسبوع الفطير. وهكذا نفهم مرّة ثانية أنّ سقوط أريحا هو عمل ليتورجيّ، لا عمل حربيّ، حيث التطوافات الدينيّة تحلّ محلّ الاستعراضات العسكريّة.

ب- انقطاع المنّ

وهكذا كان لنا دلالة ملموسة إلى نهاية حقبة البرّيّة: قُلبت صفحة من تاريخ الشعب، وتدشّنت حياةُ الزراعة والإقامة في القرى وفي المدن. وهذا ما يطبع بطابعه النظم والمؤسّسات. إذا اعتبرنا سفر يشوع نهاية أخبار الآباء (منذ إبراهيم، في البنتاتوكس) مع تحقيق المواعيد، يمكن أن نعتبره أيضًا الكتاب الأوّل بين الكتاب التاريخيّة التي دُعيت في التقليد اليهوديّ: أسفار »الأنبياء السابقين«. أمّا المفصل بين الاثنين فنقرأه في يش 5: 10-12 حيث تتعارض حقبتاه: أكل المنّ. أكل غلّة الأرض. ويُختَم التيهان في البرّيّة في عيد يأكلون فيه ويشبعون من غلال أرض الموعد، فيشكرون الله ويدشّنون نمط حياة جديدة.

وصار الفصح نفسه، بعد ذلك، تذكّرا سعيدًا لمسيرة الخروج وعطيّة الأرض. وشدّد العيد على المدلول اللاهوتيّ للدخول في أرض الموعد التي ستكون صورة عن الملكوت كما دعاها يسوع في تطويبة الودعاء: »طوبى للودعاء فإنّهم يرثون الأرض« (مت 5: 5).

وبالنسبة إلى الشعب العبرانيّ، هي نقطة لا عودة عنها. فالمنّ في أخبار سفر الخروج، ارتبط بتشكّيات الشعب، وبتطلّعاته إلى طعام مصر. نقرأ خر 16: 2-3:

2 فألقوا (= الشعب) اللوم على موسى وهرون في البرّيّة.

3 وقالوا لهما:

»ليتنا متنا بيد الربّ في أرض مصر! فهناك كنّا نجلس عند قدور اللحم ونأكل من الطعام حتّى نشبع. فلماذا أخرجتمانا إلى هذه البرّيّة لتُميتا هذا الجمعَ كلَّه بالجوع؟

وجاء عد 11: 4-6 موسّعًا، فسمّى »الأوباش« أولئك الذين دفعوا الشعب إلى التذمّر والتحسّر:

4 وتأوّه الأوباش الذين فيما بين إسرائيل، شهوة إلى اللحم. فجاراهم الكثيرون من بني إسرائيل، وبكوا وقالوا:

»من يطعمنا لحمًا؟

5 نتذكّر السمك الذي كنّا نأكله في مصر مجّانًا، والقثاء والبطّيخ والكرّاث والبصل والثوم.

6 والآن يبست نفوسنا. لا شيء أمامنا غير المنّ«.

ويعاتب الربّ شعبه الذي نقص إيمانه. في مز 78 فيقول:

18 جرَّبوا الله في قلوبهم،

طالبين طعامًا يشتهونه

19 فتكلّموا على الله وقالوا:

»أيقدرُ الله أن يهيِّئ لنا

مائدة في هذه البرّيّة؟«

20 فضرب الصخرة، وإذا المياه

تسيل وتفيض أنهارًا.

وقالوا: »أيقدر أن يعطي خبزًا،

أو يهيِّئ لحمًا لشعبه؟«

21 فسمع الربّ واغتاظ جدٌّا.

أين إيمان الشعب وقد حرّره الله؟ ولماذا نكران الجميل هذا؟ لهذا اعتبر تث 8: 2-3 المنّ، محنة وتجربة:

2 واذكر جميع الطرقات التي سيّرك فيها الربّ إلهك في البرّيّة، هذه الأربعين سنة، ليقهرك ويمتحنك حتّى يعرف ما في قلبك: »أتحفظ وصاياه أم لا؟«

3 فأذلّك وجوّعك، ثمّ أطعمك المنّ الذي ما عرفته أنت ولا آباؤك، حتّى يعلّمك أنّ الإنسان لا يحيا بالخبز وحده، بل بكلّ ما يخرج من فم الربّ يحيا الإنسان.

لهذا، فالذين نعموا بمعجزات البرّيّة، لم يصلوا كلّهم إلى الغاية المرجوّة، كما قال بولس الرسول في 1كور 10: 1-5:

1 فلا أريد أن تجهلوا، أيّها الإخوة، أنّ آباءنا كانوا كلّهم تحت السحابة، وكلّهم عبروا البحر،

2 وكلّهم تعمّدوا لموسى في السحابة وفي البحر،

3 وكلّهم أكلوا طعامًا روحيٌّا واحدًا،

4 وكلّهم كانوا يشربون شرابًا روحيٌّا واحدًا...

5 ومع ذلك، ما رضيَ الله عن أكثرهم، فسقطوا أمواتًا في الصحراء.

وفي سياق آ4-7، اعتُبر المنّ هنا على أنّه طعام في زمن المحنة والشقاء، بحسب تقليد لم يعرف النظريّات التي رأت فيه طعامًا سماويٌّا مجيدًا. نقرأ مز 78:

23 فأمر الغيوم من فوق،

وفتح أبواب السماء.

24 فأمطرت منٌّا ليأكلوا،

حنطةً أعطاهم من السماء.

25 فأكل الإنسان خبز الملائكة

زادًا أرسله للشبع.

وتوسّع سفر الحكمة (16: 20-21) في هذا المنّ الذي تميّز به الشعب العبرانيّ:

20 أمّا شعبك، أيّها الربّ، فبدلاً من ذلك (البرَد، النار)، أعطيتهم طعام الملائكة، وأرسلت لهم من السماء طعامًا معدٌّا للأكل لم يتعبوا فيه. يستطيبه الجميع على اختلاف أذواقهم.

21 فأقمتَ الدليل على أنّك حنون على أبنائك، وإلاّ لما كان ذلك الطعام يشبه شهوة كلّ من يتنالوه، ويتحوّل طعمُه ليلائم مختلف الأذواق.

ودلّت آ11-12 على أنّ الشعب اقتادته يدُ العناية الحانية: ما إن توقّف المنّ، حتّى حلّ محلّه طعام آخر. وقال الترجوم في تث 34: 6 عن الربّ: »علّمنا أن نطعم الفقراء لأنّه أنزل خبز السماء لبني إسرائيل«. وهذا يعني أيضًا أنّ الشعب وصل إلى بيته، إلى وطنه الحقيقيّ. والأرض ستُعطي منذ الآن قوتها العاديّ.

الخاتمة

في إنجيل يوحنّا (ف 6)، تحدّثت العودةُ إلى المنّ عن يسوع، موسى الجديد، الذي يحمل الطعام الحقيقيّ للسائرين نحو الملكوت الحقيقيّ الموعود، الإفخارستيّا. بعد العماد الذي رمز إليه عبور البحر الأحمر، وعبور الأردنّ، هي العربون بأنّهم يصلون إلى أرض الموعد الحقيقيّة، إلى الحياة الحقّة. »آباؤكم أكلوا المنّ وماتوا... أمّا من يأكل هذا الخبز الحقيقيّ فيحيا إلى الأبد«. الإفخارستيّا تحمل بذار قيامتنا. وهي الكفالة للمسيحيّ بأنّه يصل إلى غاية خروجه من عالم الخطيئة، بل من هذا العالم، من أجل اللقاء بالمسيح الآتي للقائه.

واللافت أنّ بولس الرسول (1كور 10: 3) ويوحنّا (ف 6) رأيا صورة الإفخارستيّا في المنّ، لا في الحمل الفصحيّ. فهي الغذاء الذي يمنح المسيحيّ قوّة الوصول إلى الراحة، بقيادة يسوع الذي هو يشوع الجديد. وهذه الراحة ليست بعدُ أرضَ كنعان، بل راحة الله نفسه.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM