القراءة التحليليّة:شهادة يوحنا في يسوع .

 

القراءة التحليليّة:

شهادة يوحنا في يسوع

كان يوحنّا المعمدان صامتًا في ما يتعلَّق بدوره، أمّا الآن فتكلَّم وتكلَّم ليعطي شهادته عن يسوع: فيسوع هو حمل الله، وهو الأزليّ الذي لا أحد قبله، وهو الذي يحمل إلينا الروح القدس. وهكذا وصل إلينا على شفتَي المعمدان تعليمٌ رفيع عن يسوع المسيح. والذين يعرفون المعمدان لا يقدرون أن يتخيَّلوا المعمدان يتحدَّث عن أزليَّة الابن، عن آلامه وموته. فاعتبر الشرّاح أنَّ المعمِّد والسابق قدَّم اللاهوت اليوحنّاويّ.(1)

1- يسوع حمل(2) الله

في هذه الآية، نجد عبارة وحي(3) مع لفظ iιδε: ها، أنظر. رأى مرسَلُ الله فقال. كشف سرَّه الشخصيّ (1: 35-37، 47-51) رج 1صم 9: 17: »حين رأى صموئيلُ شاول، قال له الربّ: أنظر (ها هو) الرجل الذي يقود شعبي«. ويبقى أنَّ هذه الطريقة خاصَّة بالأدب اليوحنّاويّ.

في الغد. τη επαυριον. رج آ32. جاء المشهد اليوحنّاويّ بعد عماد يسوع، وهذا أمرٌ لا يذكره يوحنّا. بين الإزائيّين، وحده متّى أشار إلى معرفة المعمدان ليسوع قبل العماد. »فمانعه يوحنّا وقال: أنا الذي أحتاج إلى أن أتعمَّد على يدك، فكيف تجيء أنت إليَّ؟« (مت 3: 14). أمّا لوقا فما قال شيئًا في هذا المجال، مع أنَّه ذكر في إنجيل الطفولة قرابة يوحنّا ويسوع (قريبتك أليصابات، لو 1: 36).

حمل الله αμνος του θεου. يرتبط معنى الصيغة الإضافيَّة بتفسير لفظَ »حمل«(4). هناك من تحدَّث عن ذاك الذي نتحدَّث عنه في سفر الرؤيا(5). ولكنَّ اللفظ يتبدَّل في سفر الرؤيا αρνιον (رؤ 7: 17؛ 17: 14). وآخرون عن عابد(6) الربّ المتألِّم. كما في أناشيد » ع ب د. ي هـ و ه« (أش 42: 1-4؛ 49: 1-6؛ 50: 4-9؛ 52: 13-53: 12). وفئة ثالثة ربطت هذه العبارة بالحمل الفصحيّ. شدَّد آباءُ الكنيسة الغربيَّة هلى هذه الوجهة. هنا نقول إنَّ حمل الله هو الذي أرسله الله. الرافع. صيغة الحاضر. ويمكن أن تحمل معنى المستقبل. يرفع الآن وفيما بعد Grammatica Biblica, 1960, p.283. يرد هذا الفعل αιρειν في السبعينيَّة (1صم 15: 25؛ 25: 28) في معنى غفر الخطيئة، أو أزال الذنب. رج 1يو 3: 5 (ظهر ليزيل الخطايا). هي صيغة الجمع وتعني »الأفعال الخاطئة«. أمّا المفرد فيدلُّ على الوضع الذي فيه يكون الإنسان خاطئًا. لا نقرأ صيغة المفرد إلاّ في آ36. في الأصل، هو »حمل الله«. وأضاف الإنجيليّ: »الذي يرفع خطيئة العالم«.

2- قبلي كان (آ30-31)

هو كلام عن قبوجود يسوع. هو موجود قبل الزمن. رج 8: 58؛ 17: 5. نحن هنا أمام قولتين. الأولى:

آ15. ذاك الذي جاء بعدي

آ30. بعدي يجيء رجل

آ27. هو الذي يجيء بعدي

والقولة الثانية:

آ15. لأنَّه كان قبلي

آ30. لأنَّه قبلي كان

آ27. لا أستحقُّ أن أحلَّ رباط نعليه.

آ30. عنه υπερ. في البرديَّتين 66، 75، نقرأ υπερ مع معنيين ممكنين. الأوَّل: الذي من أجله BERNARD, I, p. 47. أمّا الغراماطيق اليونانيّ(7) فقال: υπερ=περι في هذه الحالة. قلت. كما في آ15. رج 3: 28. هي طريقة إيراد قول لاهوتيّ. بعدي يأتي رجلανηρ . في آ15. اسم الفاعل ερχομενος: الآتي. هنا الفعل في صيغة المضارع ερχεται في معنى الحاضر. في الحالين، يعبّر النصّ عن انتظار المعمدان (آ27)(8). هو أوَّلاً كلام عن الزمان، قبل الكلام عن الكرامة والدرجة، في الأناجيل الأزائيَّة، كما عند يوحنّا. ولكنَّ الزمن والكرامة يترافقان. قبلي كان πρωτος μου. حين يكون الكلام عن وجود يسوع، يفضِّل يوحنّا فعل كان ην، لا فعل صار γινεσθαι (8: 58). أمّا لفظ قبلي πρωτος μου فيحمل مدلولاً زمنيٌّا. ونستطيع أيضًا أن نقول: هو يتفوَّق عليّ. ولكنَّ مثل هذه الترجمة تدمِّر التعارض:

الزمن: بعدي οπισω يجيء    ερχεσθαι

الكرامة: على رأس εμπροθεν يكون     γινεσθαι

الزمن : قبل πρωτος يكون ειναι

والسبب الذي جعل الشرّاح يتهرَّبون من المجال الزمنيّ في العنصر الثالث، لأنَّ موضوع قبوُجود يسوع جُعـل على شفتَـي المعمدان. حاول دود في Tradition, p. 274 أن يدور حول الصعوبة، فقال: »هو رجل يسير في إثري أخذ السبق عليَّ، لأنَّه هو دومًا وكان جوهريٌّا متفوِّقًا عليّ«. وآخرون نسبوا فقط السطرين الأوَّلين إلى المعمدان، والسطر الثالث إلى الإنجيليّ. هذا ما يجعل المعمدان في تعارض بين اتِّباع في الزمن واستباق في الكرامة. فبدا السطر الأخير الذي يعني الاستباق في الزمن، جوهريٌّا.

آ31. أنا معمَّدًا. اسم الفاعل. وربَّما يدلُّ على المضارع: أنا أعمِّد ZGB, 283-284. اعتبر بوامار "Les traditions", p. 10: أنَّنا أمام حاشية، فتركها. يظهر. يرد هذا الفعل 9 مرّات في يو، ومرَّة واحدة عند الإزائيّين (مر 4: 22) φανερουν، في كلام عن مجيء يسوع بحيث يراه البشر. إسرائيل هو »شعب الله« في يوحنّا، ويعارض »اليهود« الذين كانوا خصوم يسوع. رج آ47 وما قيل عن نتنائيل.

3- يسوع هو من نزل عليه الروح (آ32-33)

أشار يو إلى عماد يسوع، فوجب بالتالي الكلام عن الروح القدس. هنا نقابل الإزائيّين مع يوحنّا والكلام عن نزول الروح القدس:

مر 1: 10: الروح مثل حمامة نازل عليه εις

مت 3: 16 روح الله نازل مثل حمامة آتية عليه επι

لو 3: 22 الروح القدس نازل في شكل بشريّ مثل حمامة عليه επι

يو 1: 32 الروح نازل مثل حمامة من السماء عليه επι

اختلف يوحنّا عن الإزائيّين، فما وصف العماد، وأضاف عبارة »من السماء« .εζ ουρανου

آ32. رأيتُ.τεθεαμαι . صيغة الماضي الكامل. هذا يعني أنَّ العمل الذي تمَّ في عماد يسوع، ما زالت نتيجته الآن حاضرة. فالروح هو اليوم وكلَّ يوم مع يسوع. يرد فعل θεασθαι6 مرّات في يو، 3 مرّات في 1، 3، 3يو، ولا يرد أبدًا في رؤ. أمّا عند الإزائيّين فيرد 22 مرَّة. نتذكَّر أنَّ هذا الفعل يرتبط بالاسم θεαθρον معنى الفعل عند أبوت(9) contemplate. وتحدَّث آخرون عن النظر إلى مشهد دراماتيكيّ، بحيث يصير الناظر جزءًا من المشهد. رج آ14: شاهدنا مجده؛ 4: 35 (انظروا الحقول)؛ ق 1يو 1: حيث نقرأ οραν (رأيناه بعيوننا)، ثمَّ θασθαι، شاهد.

مثل حمامة. περιστεραν. لا ترد هذه العبارة في السريانيَّة العتيقة، النسخة السينائيَّة حيث نقرأ: ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟ ؟؟؟؟. ونلاحظ أنَّها أضافت: ؟؟؟؟؟ ، فقالت »الروح القدس«، لا »الروح« فقط(10). أمّا الكيورتونية فقالت

مثل حمامة لماذا الحمامة ترمز إلى الروح القدس؟ هذا ما يعود بنا إلى صورة العصفور الذي ينام على بيضه ليُخرج منها الحياة (تث 32: 11). رج تك 1: 2 وصورة الروح الذي يرفُّ على المياه. ذاك ما نجده في التقاليد اليهوديَّة(11). أمّا في العهد الجديد، فرمز الحمامة تلميح إلى إسرائيل الجديد الذي هو ثمرة الروح. جاء فوق الأردنّ، فأخرج منه الخليقة الجديدة التي بكرُها يسوع المسيح. واستقرَّ عليه εμενειν. نقرأ هذه الجملة في الإنجيل بحسب العبرانيّين(12)، كما تحدَّث عنه جيروم في شرحه لنبوءة أشعيا.

آ33. الذي أرسلني. πεμψας με. إنَّه اسم الفاعل: المرسِل إيّاي. رج آ6. بماء εν υδατιi. ج آ31 وما قال بوامار عن الماء. قال لي μοι ειπεν. يوحنّا هو شخص وصلت إليه كلمة الله، كما وصلت إلى إرميا وحزقيال وهوشع... رج لو 3: 2. لأعمِّد. رأى بوامار أيضًا حاشية مضافة وقد أُخذت من الإزائيّين. فإن مت ولو ذكرا المعموديَّة »مع الروح القدس والنار«. فالمعموديَّة بالروح القدس تحمل الطهارة والخير. أمّا المعموديَّة بالنار، فتحمل الطهارة والدمار. قال إش 4: 4 في هذا المجال: »وحين يغسل السيِّد الربُّ قذارة بنات صهيون، يمحو الدماء من أورشليم بريح عقاب وريح الحريق«(13). ولفظ »والنار« هو في أصل القولة، لإنَّ إلغاءه أصعب من إضافته.

4- ابن الله (آ34)

رأيتُ. شهدتُ. صيغة الماضي الكامل. بدأ العمل وهو يتواصل. يبدو أنَّ القراءة الأصليَّة هي مختار الله(14). برديَّة 25 السينائيَّة، السريانيَّة القديمة في نسختيها الكيورتونيَّة والسينائيَّة: ر هـ ن و ي . وأخيرًا، أمبروسيوس. ولكن في بعض المخطوطات السريانيَّة والقبطيَّة واللاتينيَّة العتيقة نقرأ »ابن الله المختار«. من الصعب أن يقول الناسخ »مختار الله« ساعة يقرأ »ابن الله«. أمّا العكس فمعقول جدٌّا. أمّا عبارة »ابن الله« فأرادت التنسيق مع الإزائيّين: »هذا هو ابني الحبيب«. ونحن نشهد الظاهرة عينها في 6:69: »قدّوس الله«، لا: »المسيح ابن الله الحيّ« كما في مت 16: 16.

نجد ما يوازي ذلك في قراءتين متعارضتين: لو 23: 35 (إن كان مسيحَ الله المختار) ومت 27: 40 (إن كنتَ ابن الله). في نصّ آراميّ آتٍ من قمران، هناك وجهُ لعب دورًا خاصٌّا في مخطَّط اللـه وعنايتــه (المسيح)، دُعيَ »مختار الله«

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM