خاتمة القسم الأوَّل.

 

خاتمة القسم الأوَّل

»في البدء كان الكلمة«. وهذا »الكلمة« (يسوع المسيح) يُدخلنا في ذاكرة الله. هذا يعني أنَّ الله ليس إنسانًا فردًا قابعًا في عليائه، منغلقًا على ذاته. بل هو يعبِّر عن ذاته، بحيث تكون العلاقة بين أنا وأنت، بين الله والإنسان. هذا ما ندعوه الوحي، أو تاريخ الله الذي يكشف عن نفسه، فيصل هذا الكشف إلينا. وهكذا ندخل في جوهر من هو العلاقة الحيَّة والبنّاءة، من هو الحبّ، على ما قالت 1يو 4: 8، 14: »الله محبَّة«. حبٌّ حاضر. حبٌّ يعطي معنى للإنسان. حبٌّ هو الحياة، هو النور.

فالمطلع (1: 1-18) يقول لنا: في وقت محدَّد من التاريخ، اتَّصل الله بنا في إنسان هو يسوع؟ فيه تمَّ الاتِّحاد التامُّ بين الله والإنسان. فالكلمة يتميَّز عن الآب، يتَّحد به، ولكن لا يمتزج فيه ويذوب. هكذا تكون العلاقة بين الآب والابن، وعلى مثالها، وفي إطار بشريّ، تكون العلاقة بين الله والبشر: »يكونون واحدًا فينا، مثلما أنت وأنا واحد« (17: 22).

أعطى الله الإنسان الوجود. ولكن لا كسائر الموجودات. فأعطاه الحياة التي وحده يمتلكها. وبما أنَّ الله يعمل بكلمته، فهو ينقل هذه الحياة في حوار بين حرّيَّة وحرّيَّة. لا بين سيِّد وعبيد، بل بين أب وأبنائه، بين صديق وأحبّائه: »لا أدعوكم عبيدًا بعد الآن... بل أدعوكم أحبّائي« (15: 15).

قيل: الإنسان نفس وجسد. لا بحسب الطريقة اليونانيَّة، حيث ينفصل عنصر عن الآخر، فتكون النفس للخلود والجسد للفناء. تمضي النفس إلى السماء. ويبقى الجسدُ في القبر. هي نظرة وثنيَّة، لا تمتُّ إلى الكتاب المقدَّس بصلة. فالإنسان نفسٌ، والإنسان جسد. هو وحدة تامَّة تتعلَّق بنسمة الله، كما قيل في سفر التكوين (تك 2: 7). بواسطة الكلمة أتى إلى الوجود، وبواسطته توجَّهت حياته نحو الله. الكلمة ينير الإنسان، يُفهمه أنَّه صورة الله، وهو على علاقة بالله وبالآخرين. ونور المسيح يدفعه إلى أكثر ممّا يرى. يدفعه إلى ما لا يُرى.

ومع ذلك، رفض البشرُ النور. فضَّلوا الظلمة على النور، لأنَّ أعمالهم كانت شرّيرة. فماذا يختار المؤمنون في هذه الحرب بين النور والظلمة، ولاسيَّما حين جاء الابن فكان النور الذي يجذب كلَّ إنسان إلى الله؟ هذا الابن صار بشرًا، أخذ جسدًا من لحم ودم، ففهّمنا أنَّ الابن لم ينحدر إلى المادَّة ليبقى هناك، فيصبح أقلَّ من الكائنات الروحيَّة. فإن هو نزل إلى المادَّة فلكي يرفعها إلى مستوى الروح، على ما قال الآباء: »صار ابن الله إنسانًا، ليجعل الإنسان ابن الله«.

وهكذا، بعد تجسُّد الابن، تُقال الكلمةُ في إنسان خاصّ هو يسوع المسيح: فيه يدلُّ الله على نفسه أنَّه أبٌ حقيقيّ، يدعو أبناءه لكي يكونوا بقربه، لكي يعيشوا معه، بعد أن سكن الابن معهم، ونصبَ خيمته وسط خيامهم، فما تميَّز عنهم بشيء إلاّ بالخطيئة. بالمسيح فهمنا أننا نشارك في ملء الابن الوحيد، »المملوء نعمة وحقٌّا«.

ذاك ما يقوله المطلع اللاهوتيّ في إنجيل يوحنّا. فتحَنَا على الثالوث، كما قال الآباء، فعرَّفنا إلى العلاقة بين الله والكلمة، بين الآب والابن الوحيد. ونحن نتعرَّف إلى هذه العلاقة بانتظار الكلام عن الروح القدس. بدأ المؤمنون وتعرَّفوا إلى الابن، فصاروا أبناء معه. قبلوه على أنَّه الحياة والنور. وهنا نحن نراهم يأتون إليه الواحد بعد الآخر، بانتظار أن يجمع أولاده المشتَّتين. يكونون واحدًا فيه. وتكون الرعيَّة واحدة بإمرة راعٍ واحد. هذا ما نكتشفه في مواصلة قراءتنا للقسم الثاني من الإنجيل الرابع: أظهر يسوع مجده.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM