القراءة اللاهوتيّة والرعائيّة، بين الكلمة الممجّد والله اللامنظور.

القراءة اللاهوتيّة والرعائيّة،

بين الكلمة الممجّد والله اللامنظور

جاءت هذه الآيات في مقطعين شعريّين. الأوَّل: الكلمة الممجَّد في يسوع المسيح (1: 14). الثاني: يسوع المسيح يُخبرنا عن الإله الخفيّ. هو »يفسِّر« Exégèse كما في اليونانيَّة exhghsato لفعل أخبر (آ15-18).

1- الكلمة الممجَّد

والكلمة صار بشرًا

وسكن بيننا

وشاهدنا مجده

مجدًا كما لابن وحيد

من عند الآب

مملوء نعمة وحقًا.

جاءت القطعة الخامسة أقصر من سابقاتها، ولكنَّها أساسيَّة لأنَّها تُسند ما قيل وما يُقال. هنا يصل القارئ إلى المرحلة الإخباريّة من تاريخ الله الذي يُخبر عن نفسه. ولكن ما وصَلْنا بعدُ إلى نهاية النشيد. فشهود مجد اللوغس المتجسِّد، يشهدون أنَّ مشروع الله، والاتِّصال الكامل بين اللوغس والبشر، صار حقيقةً وواقعًا في تاريخنا. وهذا الاتِّصال الذي أكَّده أولئك الذين نعموا به، أسندته شهادةُ يوحنّا، وأكَّد عليه اعتراف المؤمنين.

وتضمَّنت القطعة هذه جزئين مع لفظ عاكف: مجد. ذروة الجزء الأوَّل: »شاهدنا مجده«، بما يقوم الحدث الذي أعلنه الإنجيل. والجزء الثاني يوضح طبيعة مجد اللوغس الذي صار إنسانًا. وهكذا يكون كلامنا عن »الحدث« وعن »المجد«.

أ- الحدث

إن آ 14أ، شأنها شأن آ1 التي بها يرتبط المقطعُ مع حرف العطف (الواو) الذي هو حالة وحيدة في المطلع كلِّه حيث هو في البداية)، واستعادةُ لقب »لوغس« (الكلمة)، تتضمَّن أوَّلاً ثلاثة أشطار متعاطفة في ما بينها بحرفَيْ عطف، بحيث تشكِّل جملة واحدة. اختلف المرمى هنا عن مرمى آ1 التي ضمَّت إليها آ2 لتحدِّد الذورة: »كان لدى الله«. فالمرمى هنا نقرأه في الشطر الثالث: »رأينا مجده«. ولفظ »مجد« يُستَعاد في الجملة التالية، بحيث ترتبط الجملةُ بالجملة ارتباطًا وثيقًا.

لاشكَّ في أنَّ التجسُّد جديد جديد. ونحن نفهم أن يكون الكتّاب توقَّفوا عنده. فاللوغس الأزليّ الذي نزل إلى عالمنا، اختارَ أن يكون في الزمن، ولهذا صار بشرًا، إنسانًا من لحم ودم.

تحدَّثت آ10-11 عن »مجيء« اللوغس: »كان في العالم«. »أتى إلى خاصَّته«. فإن صحَّ أنَّ اللوغس هو الله الذي يتَّصل بنا، فالاتِّصال لم يبدأ في التجسُّد، بل منذ الخلق، وامتدَّ طولَ تاريخ الوحي. غير أنَّ تجسُّد الكلمة يُشير إلى تبدُّل جذريّ في عالم الاتِّصال. وبماذا يقوم هذا التبدُّل؟ تحليلُنا للألفاظ يُتيح لنا المقاربة. أمّا الآن، فنكتفي بالقول إنَّ التبدُّل حصل في نقطتين: الحضورُ في البشريّ، في الجسد، غيرُ الحضور المنتشر للنور الإلهيّ في الخليقة وفي التاريخ. وخبرةُ المجد غيرُ تقبُّل النور. فالآن نحن أمام عطيَّة اللقاء بالله. ولا نعلن فقط الحالة الجديدة للوغس على أنَّه لوغس، بل نحدِّد أنَّ حضوره في شكله الجديد هو »سكنُ فينا«، بيننا. وهو »وجه لوجه«. فالحدث المعلَنُ هنا هو حقٌّا: »رأينا مجده«.

أوَّلاً: الكلمة صار بشرًا

الفاعل في الجملة واضح، صريح، بعد أن كان ضمنيٌّا منذ آ3. هكذا يَبرز وزنُ التأكيد. تركنا الماضي المستمرّ، الذي رافق اللوغس في وجوده السماويّ وفي علاقته مع الخليقة (آ1، 2، 4). وأخذنا الماضي المبهم aoriste egeneto الذي سبق واستعملناه للكلام عن خلق العالم وانتقاله إلى وجوده التاريخيّ (1: 3، 10). غير أنَّ الفعل هنا، يليه »مُسنَد« attribut اللفظ »بشرًا«. لهذا، لسنا أمام عبور من العدم (اللاشيء) إلى الوجود (الكينونة)، بل أمام تحوُّل في طريقة حضور الكلمة وتجلّيه. فهو في هذه الصيغة، يقف في خطِّ آ11: »جاء«. هذا ما يدلُّ على تدخُّلات متجدِّدة للوغس الذي ينير البشر. والآن، يتحقَّق مجيئُه في شكل بشريّ خاصّ جدٌّا: لقد تركَّزَ التجلّي الإلهيّ في إنسان من الناس.

فضَّل النصّ لفظ sarx (بشر) على لفظ (إنسان)، مع أنَّ يوحنّا استعمل »إنسان« مرّات عديدة للكلام عن يسوع. والسبب، على ما يبدو، تجنُّبُ المماهاة بين يوحنّا ويسوع. فقد سبق وقال: »كان إنسان مُوفَد من عند الله« (آ16). والسبب الأهمّ، لكي يدلَّ بشكل أفضل على وضع اللوغس الجديد: هو بشر. من لحم ودم. يعرف الضعف والألم والموت. وردَ لفظُ sarx مرّات قليلة عند يوحنّا. هنا وفي 3: 6؛ 8: 15؛ 17: 2، كما في ف 6 (يرد 8 مرّات). بهذا يختلف يوحنا عن بولس الرسول. احتفظ اللفظُ هنا بمعناه التوراتيّ. هو الإنسان الهزيل، الضعيف، السريع العطب في عالم الأرض (أش 40: 6؛ إر 17: 5؛ تك 6: 3؛ مز 56: 5؛ 78: 39)، تجاه الوضع اللافاسد اللامائت لعالم العلاء (1يو 2: 22؛ 4: 2-3؛ 5: 1، 5-6). وقد يلمِّح يوحنّا هنا إلى الموت الملازم للوضع البشريّ، الذي به يخلِّص يسوعُ العالم (6: 51).

وإذ وَصَف يوحنا الميولَ التي أخذت تتفشى في الكنيسة هكذا، عارض اتِّجاهًا يعطي اللوغس فقط ظاهر البشريّة، وأبعد بدعة »الظاهريَّة«. في هذا قال يوحنّا في الرسالة الأولى: »فمن هو الكذَّاب، إلاّ الذي يُنكر أنَّ يسوع هو المسيح« (1يو 2: 22). »كلُّ روح يعترف بيسوع أنَّه جاء في (الجسد) البشريّ sarki، يكون من الله« (1يو 4: 2). وفي 1يو 5: 1: »من يؤمن بأنَّ يسوع هو المسيح، فهو مولود من الله«. ويواصل في آ6: »هذا الذي جاء هو يسوع المسيح. جاء بماء ودم« (رج يو 19: 34). نلتقي هنا بالفعل »صار« الذي يعارض كلَّ إنقاص يُعيد بشريَّة المسيح إلى ظاهر كاذب، ووجودَه على الأرض إلى وجود إله يعرض نفسه على الأرض في ظاهر إنسان. صار اللوغس »إنسانًا«، ولكن بقي كلُّه اللوغس. ما أخذ assuma البشريّ وكأنَّه يأخذ ثوبًا، بل صار بشرًا. الفاعل الذي يعبِّر عن نفسه هو هو. ولكنَّه تأثَّر بتبدُّل حقيقيّ. لا في جوهر الألوهة، بل في العلاقة مع الخلائق. كان من قبلُ حاضرًا وفاعلاً في الخليقة التي هي عمله، وها هو يكون حاضرًا بشكل يجعله إنسانًا مثل سائر الناس، مع وجه مميَّز. قال جيروم: »صار الكلمة بشرًا وما فتئ أن يكون ما كان في الماضي« (الآباء اللاتين 23، ص 326).

حين صوَّر يوحنّا حالتين متعاقبتين، ما عارضَ مجد السماء ومجد الاتِّضاع، كما فعل بولس الرسول (فل 2: 6-11؛ رج روم 1: 3؛ غل 4: 4). بل بيَّن أنَّ الوضع البشريَّ »للوغس« (هو وليس هو، في الوقت عينه) يرمزُ إلى وضعه الإلهيّ. والتعليم عن الطبيعتين، الطبيعة الإلهيَّة والطبيعة البشريَّة في يسوع المسيح، لا يُقال هنا صراحة. ولكنَّ الفكر اليونانيّ سوف يقوله ولا يُخطئ في ذلك في المجامع المسكونية.

صار اللوغس إنسانًا. هو كلُّه في هذا الإنسان المجدَّد الذي يُدعى يسوع الناصريّ. ثمَّ إنَّ خبر حياته لن يعرف بعدُ لقب لوغس، الذي يحلُّ محلَّه لقب ابن. تلك هي المفارقة الجوهريَّة في يو. فمرارًا في الإنجيل، يُعتبَر الموحي بشكل طبيعيّ، إنسانًا بين الناس. قالت السامريَّة: »وهذا الرجل قال لي كلَّ ما عملت«. وقال اليهود: »هذا الإنسان يتكلَّم بشكل مدهش«. أو: »يبدو أنَّ هذا الإنسان لا يحفظ الشريعة« وفي النهاية، نقرأ عبارة فخمة تلفَّظ بها بيلاطس: »هوذا الرجل«! ظنُّوا أنَّهم يعرفون أباه وأمَّه. وبما أنَّه إنسان، تشكَّكوا حين جعل نفسه »الله«. قالوا: »أنت إنسان وتجعل نفسك إلهًا« (10: 33). ذاك هو الإنسان الذي ما استطاعوا أن يحتملوه.

ومع ذلك، فهذا الإنسان هو من وثق به المسيحيّون، لأنَّهم رأوا فيه كلمة الله بعد أن تجاوزوا الشكَّ الظاهر. انتظر الأقدمون أن يهجم الله هجمة »إلهيَّة« تملأ الناس دهشة وإعجابًا، فإذا هو يظهر إنسانًا ويبقى الله. ففي نظر يوحنّا كما في نظر التقليد البيبليّ، »المادَّة« هي عمل الله. »ورأى الله أنَّ ذلك حسن جدٌّا«. لهذا، فالبشريّ (اللحم والدم) ليس ابن الاتِّجاهات الغنوصيَّة التي تعتبر المادَّة شرَّا يجب التخلُّص منها. وليس العائقَ ولا الحاجز، الذي تُحرِّرنا منه معرفتُنا لأصلنا الإلهيّ. البشريّ هو وضع الإنسان الذي أخذه الكلمة وجعله وضعُه ذاك الذي عبْرَه يتجلّى مجدُ اللوغس. فإذا أراد الإنسان أن يصير ابن الله، فلا ينبغي له أن يحتقر وضعه البشريّ، بل يتقبَّل اللوغس في الإنسان يسوع.

إنَّ حقيقة التجسُّد سرٌّ يُحيِّر الإنسان الدينيّ في العمقِ، بحيث لا يقبله من يتوقَّف عند مونوتاويَّة (إيمان بالإله الواحد) لا تنازل فيها. وبقدر ما اللوغس المتجسِّد يُوضَع بجانب الله اللامنظور، يكون اليهوديّ أمام حجر العثار، مع أنَّ التقليد الحكميّ هيّأ المؤمنين للكلام عن »شخص« الحكمة بجانب الله. فماذا نقول الآن بعد أن وصلت أنظارنا إلى أعلى المجرّات، فنتوقَّف عند إنسان من الناس، لا يتميَّز خارجيٌّا عن إيِّ إنسان.

ومع ذلك، فقد نستطيع أن نرفع حجر العثار هذا ولو جزئيٌّا، وإن بقي السرُّ بمنأى عن متناولنا، لو لم نمتلك فهمًا خاطئًا لله: هو الآخر الآخر، وليس كائنًا معزولاً، أو مسجونًا في تسامٍ متعالٍ: إنَّه إله العهد، الذي يعبِّر عن نفسه، ويتَّصل بكلمته التي تنير دنيا البشر. لهذا صار اللوغس إنسانًا يتكلَّم لغتنا، ليكشف لنا ملء الكشف من هو الله، وأيَّة خبرة يدعو الناس لكي يعيشوا معه. فإن اتَّخذ اللوغس (لا الله الآب) وجهَ بشر، فلكي يُشرك البشرَ في كائنه الخاصّ، ويبيِّن ما يجب على الإنسان الحقيقيّ أن يعيشه لكي تكون حياتُه بحسب مشروع الله. ففي تاريخ الله الذي يُخبر عن نفسه، جاء التجسُّد يتوِّج الخليقة: فاللوغس اليوحنّاويّ، حين خَلق، أطلق مسيرة بلغت إلى التجسُّد. وفي النهاية، يبيِّن الإنجيل مجد يسوع الأخير وارتفاعه.

ثانيًا: وسكن فينا

وتتواصل المفارقة السابقة في عبارة موجزة تلقي الضوء علىطريقة وجود اللوغس المتجسِّد. فاللفظ اليونانيّ eskhnwsen في صيغة الماضي المبهم يعني سكن. نصب خيمته skhnh (خر 25: 8-9؛ 29: 45؛ لا 26: 11). كما كان في البرّيَّة مع الشعب الأوَّل، أربعين سنة (خر 25: 22؛ 33: 7-11؛ عد 1: 1؛ 17: 19). ذاك هو جيل كامل، ممّا يعني أنَّ اللوغس يعيش عيشنا حتّى نهاية العالم. هذا ما يتعارض مع الذين تحدَّثوا عن »سكن« عابر، على مثال خيمة عيد المظال (لا 7: 37؛ 23: 34-36؛ عد 29: 12-38؛ تث 16: 13-15؛ عز 3: 4؛ زك 14: 16). ويعتبرون أنَّ اللوغس أقام على الأرض فترة قصيرة قبل صعوده على الصليب وبالتالي في المجد. وكان التقليد الحكميّ قد تكلَّم عن الحكمة التي جعلت مسكنها (شكينة) وسط شعبها. »أمرني خالقُ الجميع، وعيَّن لي مسكني« (سي 24: 8). فالشكينة هي الحضور الإلهيّ، والإله نفسه الحاضر وسط شعبه. وهكذا حقَّق اللوغس ما سبقت الحكمة وصوَّرته. غير أنَّ طريقه اختلفت. كان حاضرًا لدى البشر لا بوساطة الشريعة (سي 24: 23)، بل بوساطة حياة بشريَّة خاضعة للموت، وفي الوقت عينه مُعدَّة للانتشار في المسكونة بفعل الروح.

وهذا »السكن« لم يُجعَل في إسرائيل، بل »فينا«، بيننا. مع صيغة المتكلِّم الجمع، قد نتطلَّع إلى البشر في شكل عامّ، لأنَّ اللوغس ينير »كلَّ إنسان«. واعتبر آخرون أنَّ النصَّ يعني المؤمنين، أو الشهود الذين يُذكَرون في الشطر التالي: »رأينا مجده« غير أنَّ الاتِّجاه الشموليّ للمطلع يدعونا لأن نرى في »بيننا« البشريَّة بشكل عامّ، لأنَّ اللوغس صار إنسانًا فيما بين الناس.

ثالثًا: شاهدنا مجده

في صيغة المتكلِّم الجمع (نحن) التي تدلّ على الذين شاهدوا مجد اللوغس، سمع الناسُ شهودَ حياة يسوع الناصريّ، أولئك الذين عرفوا مجده الإلهيّ في أعمالٍ قام بها. هؤلاء هم الشهود الذين تحدَّثت عنهم 1يو 1: 1:

الذي كان من البدء

الذي سمعنا

الذي رأينا بعيوننا

الذي تأمَّلنا

وأيدينا لمست

بشأن كلمة الحياة.

في الحقيقة، رأى التلاميذ الأوَّلون، عبر أقوال يسوع الناصريّ وأفعاله، مجدَ اللوغس، كما سوف يبيِّنه الإنجيليّ حين يورد »الآيات« (2: 11). فصار المطلعُ هنا، في شكل خاصّ، فعلَ إيمان. فالفعل »شاهد« qeasqai يدلُّ على نظرة طويلة تتوقَّف عند غرض من الأغراض. فكأنّنا بالإيمان نتعمَّق في حقيقة ما نشاهد.

إذا كان »نحن« يدلُّ على الشهود الأوَّلين ليسوع المسيح، يُطرَح سؤال: ما الذي تقبَّله هؤلاء الشهود زيادة عن الذين تقبَّلوا اللوغس المنير؟ (1: 12-13). هل يقوم المجد الذي شاهدوه في الكلمة المتجسِّد، فقط في إشعاع اللوغس، الذي نعمَ به الذين تقبَّلوه؟ سيكون كلام في الجزء الثاني من الشطر يقول: إنّ مجد الابن الوحيد المرسَل من لدن الآب، يعبِّر عن نفسه في وحيٍ يُعلن أنَّ يسوع هو ابن الله.

ب- المجد

حدَّد الإنجيل أصلَ هذا المجد كما شاهده شهودٌ مميَّزون، وإشعاعَ هذا المجد. فمجدُ الله في العهد القديم، هو الله ذاته، في حضوره وقداسته وبهائه وقدرته، هو الله في ظهوره. هذا التجلّي فرض نفسه على إسرائيل عبر مآثر يهوه الآتي إلى مساعدة شعبه. وتَبيَّن هذا التجلّي في جمال الخليقة أو في رؤيات الأنبياء. وفي يو، تركَّز مجدُ الله في الإنسان يسوع، ومنه شعَّ. فهو مجده هو.

وإذا أردنا أن نعرف المعنى الذي أخذه هنا لفظ doxa ، ينبغي أن نعود إلى النصوص الثلاثة وحدها التي تتحدَّث في الإنجيل الرابع عن »رؤية مجد« المسيح. في 12: 39-41، قابل يوحنّا الموقف الأمين لدى النبيّ أشعيا الذي رأى مجد الله رؤية روحيَّة، مع تصرُّف اليهود: هؤلاء لم يعرفوه عبر »الآيات« التي أتمَّها يسوع ودعاهم فيها إلى الإيمان به (20: 31). وفي 11: 40، قال يسوع إنَّ مرتا »سوف ترى مجد الله«، لا من خلال المعجزة وحسب، بل لأنَّ هذه الآية تُعلن تمجيد المسيح. نقرأ في 11: 4: »هذا المرض هو لمجد الله، لكي يتمجَّد ابنُ الله فيه« (رج 12: 28؛ 13: 31-32؛ 14: 13). وأخيرًا، منذ بداية الرسالة، أظهر يسوع مجده في آية قانا للتلاميذ، بحيث أحاط بحياة يسوع الناصريّ العلنيَّة، هاتان الآيتان: خمر قانا وإقامة لعازر. وبمختصر الكلام، الآيات التي أجراها يسوع ترمز إلى مجده. أو: بواسطة هذه الآيات، مجدُ اللوغس يتَّخذ جسمًا.

وأعلن المطلع بشكل عامّ، أنَّ المؤمنين »شاهدوا مجده«. ما أورد الإنجيل الرابع بدقَّة حدث التجلّي كما نقرأه في الأناجيل الإزائيَّة الثلاثة (لو 9: 32 وز). ولكنَّنا نستطيع القول إنَّه مدَّ هذه الرؤية على كلِّ وقت في حياة يسوع على الأرض. بمَ يقوم هذا المجد؟ هذا ما يحدِّده الشطر التالي.

أوَّلاً: مجد الابن الوحيد

نجد صعوبات في النصِّ اليونانيّ: مجد الابن الوحيد من لدن الآب. فالأداة w" لا تقدِّم مقابلة (كما مجد ابن وحيد أخذه من أبيه). فعند ذاك يجب أن يكون أل التعريف قبل monogenou" كما في 15: 6؛ مت 17: 2؛ 18: 3. أما هنا فإنها تتيح لنا أن تعطي غنى للمضاف. لهذا قال البعض: مجد ابن وحيد، بدل: مجد ابن الوحيد. بما أنَّ اللوغس هو ابن الله الوحيد، يُشعُّ مجده.

والصعوبة الثانية para patro": المجد الذي ينال الابنُ من الآب. والاسم monogenou" قد يعني أمرين: الابن الوحيد، للقول بأنَّ لقب الابن uio" يخصُّ بشكل حصريّ الكلمة المتجسِّد. أمّا المؤمنون فيُدعَون »أولاد الله« (1: 12). tekna qeou. هو فريد في جنسه geno". هو وحيد mono" في نوعه. وقد نعود إلى ginomai مع رجوع إلى الأصل: هذا الوحيد هو مولود الآب، وبالتالي مجد الآب.

نلاحظ هنا تبدُّلاً في الألفاظ، يقابل تبدُّلاً تأتّى من تجسُّد الابن. منذ الآن، وإن يظهر أيضًا (1: 18) لفظ O qeoV (1:1ج)، فهو يعني الآب الذي يكشف وجهًا آخر لسرِّه. ومقابل هذا، محلّ اللوغس يحلُّ »الابن« الذي يُشرف على الإنجيل كلِّه: صار اللوغس الابن، فدلَّ بذلك على »شخصيَّته« الخاصَّة. لهذا جاء تحديد جديد. هو monogenh" الذي نقرأه فقط في 3: 16 (رج 1يو 1: 14، 18). حيث يقال: »هكذا أحبَّ الله العالم فأرسل ابنه الوحيد إلى العالم«.

فحين نقول إنَّ الابن الوحيد جاء من لدن الآب، فهذا يعني أنَّ اللوغس المتجسِّد هو ذاك الذي كان دومًا لدى الآب (1:1). وبالتالي يأتي من عند الآب. تحدَّث الآباء اليونان (أوريجان، في رودولف شناكنبورغ، الجزء الأوَّل، ص 247، حاشية 1) عن ولادة الابن الأزليَّة. هو أمرٌ نشكّ فيه، أن نقرأ في هذا النصّ ولادة الابن الأزليّة، لأننا أمام رسالة أعلنها يسوع حين قال: »خرجت من عند الآب« (16: 27؛ رج 6: 46؛ 7: 29؛ 9: 16، 33؛ 17: 8). ذاك هو تفسير توما الأكوينيّ، الذي ميَّز بين مجد الابن الوحيد ومجد الملائكة وموسى.

وهكذا فمجدُ الكلمة الذي صار إنسانًا، لا يتحدَّد فقط في الآيات ويأخذ جسمًا. بل يُشير إليه في العمق مجدُ الله، ذاك المجد الذي رآه يسوع لدى الآب، قبل أن يكون العالمُ (17: 5). أرسل الله ابنه الوحيد لكي يشعَّ مجدُه الخاصّ فيه. وما يكون إشعاع هذا المجد؟ هذا ما يوضحه النصُّ الذي جاء في صيغة البدل مع ما سبق.

ثانيًا: مملوء نعمة وحقٌّا

مملوء plhrh". لفظ لا يُعرَّف. هو لا يمكن أن يرتبط بالآب، بل »بالابن« أو »بالمجد«! إذا ربطنا »مملوء« بلفظ »مجد« الذي يسبقه، نقدِّم الفكرة الأساسيَّة: مجد اللوغس يتجلّى في عطيَّة الحقيقة التي يمنحها للبشر. ولكن يجب أن نقفز فوق خمسة ألفاظ. لهذا رأى معظم الشرّاح أنَّ الابن الوحيد (اللوغس) هو المملوء.

إذا أردنا أن ندلَّ على صفة ملازمة لشخص من الأشخاص، أو عطيَّة مُنحت بوفرة، نقول: امتلأ إيمانًا، نعمة، حكمة، روحًا قدسًا (لو 4: 1؛ أع 6: 3، 5، 8؛ 7: 55؛ رج مز 5: 8؛ 51: 3؛ 69: 14، 17؛ 106: 45). وإذا كان المجد (ك و د)، الوزن (الثقل) وافرًا، فلأنَّ اللوغس بيَّن »الغنى« الذي امتلأ منه. تلك هي العطيَّة التي تُمنَح للبشر.

امتلأ الابن بالنعمة والحقيقة. هل نحن أمام واقعَين اثنين أم أمام واقع واحد؟ في العهد الجديد، يحصل أن يكون الموصوف الثاني مرادفًا للأوَّل. مثلاً »النعمة والعطيَّة« في روم 5: 15، 17. ولكن في أغلب المرّات، يكونان مميَّزين فيوضح الثاني الأوَّل: »النعمة والرسالة« (روم 1: 5). أي النعمة بأن أكون رسولاً. »النعمة والمشاركة في خدمة«. أي نعمة المشاركة في خدمة (2كور 8: 4). في المطلع حيث اللفظ الثاني لا يمكن أن يكون مرادف الأوَّل، فقد توضح »الحقيقة« طبيعة »النعمة«.

هذه العبارة تشبه ما في خر 34: 6: الله يكشف عن ذاته لموسى »كثير اللطف ( ) والحقّ ( ) أو الأمانة. cari" تقابل اللطف والحبّ الرحوم، eiaqalh توافق الأمانة. ونصّ المطلع يعني: مملوء حبٌّا ورحمة وأمانة (بوامار، المطلع ص 74- 79). غير أنَّ هـذا التقـارب يصطــدم بعـدد من الصعوبات. فالنصُّ اليونـــانيّ لا يقـــول cari" kai alhqeia بــل

ولفظ cari" يقابل في العبريَّة: ح ن: الحنّة، الحنان. حيث الكبير ينحني ليكون على مستوى الصغير.

ثمَّ إنَّ cari" لا يأخذ فقط المعنى الذاتيّ: نعمة، فضل. بل ايضًا المعنى الوضعيّ: عطيَّة تُمنح، علامة الحظوة (روم 5: 15). alhqeia قد يعني الأمانة والصدق والاستقامة. ولكن يعني أيضًا الحقيقة (ملا 2: 6؛ دا 10: 21؛ حك 3: 9). وفي آ14، وفي تقارب مع الشريعة في آ17، يكون المعنى: الحقيقة.

بماذا امتلأ يسوع؟ بالحقيقة. أي بمعرفة الله. تلك هي العطيَّة التي يعطيها. أن يحمل حقيقة الآب، أن يقولها.

في بداية هذه القطعة (آ14) نجد واقعًا يقول: الكلمة أخذ صورة إنسان، وَضْع إنسان، عاش في وجهة بشريَّة يعرفها الجميع. وهذا البشريّ قد يكون فيه الضعف. ولكن باستطاعته أن يكشف اللوغس. في الماضي، كان تعبير عن الوحي بواسطة الحضور المنير للوغس asarko" (الذي ما صار بعدُ بشرًا) على الخليقة كلِّها. ولكن منذ الآن هو يقال عبر لغة إنسان من الناس ووجوده: ظاهرة التركيز على إنسان واحد، تُتيح لوحي الله أن يعبِّر عن نفسه بشكل مباشر ومفهوم، فيساعد الجميع على البلوغ إلى مشاركة تامَّة معه.

هذه المرحلة الجديدة لا تحلُّ محلَّ سابقتها. فاللوغس ما زال يعبِّر عن نفسه عبر الخلق الذي صَنع، وبفضل شهادة مؤدّاة للنور. وعديدون هم الذين يستطيعون أن يتقبَّلوه ويصيروا أولاد الله. ولكن منذ الآن يتركَّز الوحي بشكل خاصّ في إنسان له اسمه: يسوع المسيح (آ17).

وما هو جديد بالنظر إلى وحي اللوغس ونور الحياة، هو كشف مجد ابن الله. فمجد اللوغس يتجلّى حين يرى فيه البشرُ ابن الآب الوحيد، ويدخلون به في اتِّحاد مع الآب. منذ الآن، إنسان من الناس صار وجهَ الله. قال يسوع: »من رآني رأى الآب« (14: 9).

2- الله اللامنظور

ارتبطت القطعة الأخيرة في المقطع، ارتباطًا وثيقًا بسابقتها.

* وهناك ألفاظ تعود بنا إلى آ14 التي هي آية مركزيَّة.

- ملء plhrwha. راجع plhrh" التي تصف اللوغس

- »نحن« في فم التلاميذ الأوَّلين، يتواصل في »نحن« جميعًا

- »النعمة« تتقوّى في عبارة »نعمة فوق نعمة«

- عبارة »النعمة والحقيقة« تعود في آ17.

- عبارة »الابن الوحيد المرتبط بمجد الآب« تعود في آ18.

* ولكن ظهرت عناصر جديدة:

- الشريعة أعطيَت بموسى، ونعمة الحقيقة بيسوع المسيح

- يسوع المسيح هو اسم اللوغس الذي صار بشرًا.

* في هذه القطعة التي هي الأخيرة. تلتقي معطياتٌ رئيسيَّة كشفَها المطلعُ. فبعد أن بلغ خبرُ اللوغس ذروتَه، عاد بنا النشيد إلى الآية الأولى، وفي الوقت عينه، أدخلنا في الإنجيل كلِّه الذي يحدِّثنا عن يسوع الناصريّ. وما يدهشنا إشارةٌ أخرى إلى يوحنّا الشاهد، وهي تأتي حالاً بعد الاعتراف الإيمانيّ في آ14.

أ- شهادة يوحنّا

شهد له يوحنّا فنادى:

»هذا الذي قلت فيه

يجيء بعدي ويكون أعظم منّي

لأنَّه كان قبلي« (آ15)

اعتاد الشرّاح هنا وفي آ6-8 أن يروا في الإشارة إلى يوحنّا الشاهد، قطْعًا لمسيرة النشيد، وإضافةً جاءت فيما بعد. كما شدَّدوا على هجوم على المعمِّد: فالنصُّ إذ حدَّد موقعَ يوحنّا أدنى من موقع المسيح، أشار إلى بعض التلاميذ الذين اعتبروا يوحنّا أعلى من المسيح. في القرن الأوَّل، قال يسوع عنه: »هو أعظم مواليد النساء« (مت 11: 911). نحن لا نستبعد وجهة هجوم على يوحنّا في ف 1. ولكنَّها لا تبدو قويَّة في المطلع. لاشكَّ، يقال في آ8: يوحنّا ليس النور. ولكن يُرفع الشاهدُ للنور على مستوى »موفد الله« الذي يُشرق على الدهور. وإن شدَّد يو في آ15 على تسامي يسوع المسيح السرّيّ، فهو لا يزال في هذا الدور الرفيع.

جاءت هذه الآيات في موقعها، في هذه المتتالية من المطلع. فيوحنّا الذي تعني مهمَّتُه النور، كما قيل في القسم الأوَّل، يعلن الآن شهادته حول الكلمة المتجسِّد. جاء يكفل قولَ التلاميذ الذي يفوق السماع: هم شاهدوا في إنسان من الناس، مجدَ ابن الله الوحيد (آ14ج). فالذي جاء في اللحم والدم، فتسجَّل وُجودُه في زمن هذا العالم، هو فوق يوحنّا نفسه. أمّا مضمون الشهادة الواردة، فهو سموُّ يسوع المسيح المؤسَّس على وجوده قبل الزمن.

يسوع المسيح هو فوق يوحنّا. والأداة »قدّام« emprosqen تأخذ معنيين. على مستوى الزمان، كما على مستوى المكان. توقّف الشرّاح عند الأوَّل: كان قبلي، سبقني. ولكن نكون أمام تكرار. فيوحنّا سيقول حالاً: كان قبلي. لهذا نفضِّل الوجهة المكانيَّة التي تقود إلى صفة من العلوّ: كان أعلى منّي. تفوَّق عليّ.

ومعنى الأسبقيّة يُثبتُه المطلعُ التاريخيّ. وإذ أعلن يوحنّا في هذه الآية من المطلع: »ذاك الذي قلت عنه«، عاد إلى كلمة تلفَّظ بها في اليوم الثاني من شهادته: فحين أعلنَ أن يسوع هو مجد الله، هتفَ:

هذا الذي قلت عنه:

»بعدي يأتي إنسان أعظم منّي (فوقي)

لأنَّه كان قبلي (آ30).

مثل هذا القول يعود إلى ما قاله يوحنّا بالأمس، حين تكلَّم عن ذاك »الذي جاء بعدي« (آ27). فقبْلَ اللقاء، عرف يوحنّا سموَّ ذاك الذي سوف يأتي، وأحسَّ نفسه غير أهل لأن يكون عبده. وبعد أن عرف المسيحَ، استطاع أن يوضح سبب الأوَّليَّة: »لأنَّه كان قبلي«. فإن كانت الأسبقيَّة هنا لا تعني بالضرورة »أزليَّة« يسوع المسيح، فهذه الأزليَّة مؤكَّدة ملء التأكيد في المطلع.

»كان قبلي«: هكذا ارتبط الكائن البشريّ بسرِّ اللوغس الذي كان في البدء (آ1). وإذا أخذنا بعين الاعتبار صيغة الأفعال، فيوحنّا هنا ليس فقط شاهدًا يتكلَّم في وقت معيَّن من أوقات التاريخ، فيقوم بعمل مضى وراح. بل شهادتُه ترد مع فعل في الحاضر: »شهد له يوحنّا«. ثمّ »نادى« kekragen في صيغة الماضي الكامل، الذي يدلُّ على عمل بدأ في الماضي وهو يدوم الآن. في خبر الفصل الأوَّل، »هذا الذي قلتُ عنه يقع في نقطة محدّدة« والآن هو الماضي المستمرّ. »هذا كان الذي قلتُ عنه«. كانت صيغة الماضي المبهم aoriste. وفي هذه الآية: »كان ذاك الذي قلت عنه« هو في الماضي المستمرّ. وبما أنَّ الماضي المستمرّ يعود إلى شخص من الماضي، فكلمة يوحنّا تجد موقعَها بعد حياة يسوع الأرضيَّة. فكأن يوحنّا يواصل شهادته. جاءت هذه الكلمة تكفل بالنسبة إلى يسوع المسيح، واقعًا يجب التعرُّف إليه دومًا. وهكذا فبُعدُ القول جاء فوق الزمن. أما يكون هذا على مستوى استشففناه حين ذكرنا شهادة يوحنّا في آ6-8، حول النور المنتشر في العالم؟ فيوحنّا ذاك الشخص التاريخيّ والملهم، كانت وظيفته أن يؤكِّد ويثبت للجميع أنَّ هذا الإنسان »فينا« (آ14). وهو حقٌّا اللوغس الذي تحدَّثت عنه بدايةُ المطلع. هو دورٌ عجيب يوصلنا إلى إعلانٍ من قِبَلنا جميعًا، نحن الذين نلنا من ملئه.

ب- الجماعة تعلن إيمانها

لأنَّا من ملئه نلنا جميعًا:

نعمة مقابل نعمة (آ16)

لأنَّ الشريعة بموسى أعطيَتْ

والنعمة والحقّ بيسوع المسيح صارا (آ17).

بعْدَ يوحنّا، جاء المؤمنون، لا فقط الشهود الأوَّلون لحياة يسوع الناصريّ، بل جماعة المؤمنين الذين تكاثروا فيما بعد. ذاك هو معنى: »نحن جميعًا«. في بداية الجملة نقرأ oti التي تدلُّ عادة على السببيَّة (لأنَّ). فبعد شهادة يوحنّا التي وردت في آ15، أراد الكاتب أن يستعيد بعض ما في آ14، فيؤكِّد علنًا خبرةَ جميع المؤمنين، وهذه الخبرة توافق ما أعلنه شهود عيان عن اللوغس الذي صار بشرًا. أي أنَّه »مملوء« بعطيَّة حقيقيَّة. لهذا نستطيع أن نقول: أجل، من ملئه.

ماذا اختبر هؤلاء المؤمنون؟ »قبلوا«. lambanw. استُعمل هذا الفعل عن الذين »قبلوا« اللوغس (آ12): نحن كلُّنا نشارك في النعمة الخاصَّة بابن الله الوحيد. واللفظ plhroma يذكر بصريح العبارة الوفرة التي أبرزها plhrh" في آ14.

النعمة التي أُعطيت للمؤمنين، يتحدَّد موقعُها بالنسبة إلى نعمة أخرى. حسب الآباء اليونان، هاتان النعمتان تقابلان تدبيرَيْ خلاص: القديم يقوم في الشريعة. والجديد يأتي من يسوع المسيح (آ17). تحدَّث أوغسطين عن نعمتين مسيحيَّتين: نعمة الإيمان على الأرض، والحياة الأبديَّة في المجد. ولكن إن ماهينا على أساس آ17، النعمةَ الأولى مع الشريعة اليهوديَّة، نجعل أُفقَ المطلع ضيقًا. لهذا يبدو لنا أنَّ الكاتب استعمل عبارة غامضة يمكن أن نترجمها: نعمة لنعمة. أو: نعمة مقابل نعمة. فالنعمة الأولى هي مجيء شامل للكلمة اللامتجسِّد. والنعمة الثانية هي موهبة تامَّة للحقيقة بيسوع المسيح، الكلمة المتجسِّد. وهكذا تجلّى تواصلُ التاريخ مع البشر. وهذا يعني تواصل النعم: أوَّلاً، النعمة التي نشرها اللوغس، ووحيُه منذ البداية في الخلق وفي التاريخ. ثمَّ نعمة الحقيقة التي كشفها في ملئها الابنُ الوحيد. وآ17 سوف تحدِّد موقع الواحدة بالنسبة إلى الأخرى.

إنَّ التوضيح الذي حملته آ17أ، يحمل بعض انتقاص بالنسبة إلى القسم الأوَّل من المطلع، الذي ضمَّ الشعب اليهوديّ في رؤية شاملة بشريَّة أنارَها اللوغس. فبعد أن أخذ اللوغس وجهًا في شعب محدَّد، دخل وحيُ الله بشكل صريح في هذا الشعب، خلال التاريخ السابق. هكذا تمَّ العبور من النور المنير جميع البشر، إلى شريعة موسى.

جاءت العبارتان في آ17 متوازيتين، للدلالة على التقابل والتجاوز. ويبدو هذا التوازي واضحًا، إذا رتَّبنا النصَّ كما يلي:

الشريعة الحقيقة

أعطيَتْ النعمة

بموسى بيسوع المسيح

توازى موسى مع يسوع المسيح. والحقيقة (لا النعمة) قابلت الشريعة، بحيث يكون تشابه بين فعل edoqh (أعطيت) و»النعمة« التي هي عطيَّة. فعطيَّة الشريعة تقابل عطيَّة cari" الحقيقة في يسوع المسيح. فبين عضوَيْ الجملة، لا نجد التعارض، بل التصاعد، وهذا التصاعد لا ينطلق من الشريعة إلى النعمة كما قال الآباء اليونان، بل من الشريعة إلى الحقيقة. وهذه الحقيقة تتجاوز الشريعة التي هي تجلٍّ ناقص لها، وتكشف ملء الكشف ما أراد إله العهد أن يوصل إلى شعب إسرائيل منذ اختياره (رج مز 119: 86، 42 حيث تتقارب الحقيقة والشريعة).

كلُّ محاولة لجعل عبارة العهد القديم معارضة لعبارة العهد الجديد، تبوء هنا بالفشل. ففي نظر يو، الشريعة هي منذ البدء عطيَّة الله. وهذا ما تبيِّنه صيغةُ الفعل: المجهول الإلهيّ. أعطيَتْ. أي أعطاها الله. هي شريعة تُنشَر في العالم كلِّه، كما قال سي 24: 23-24. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، بيَّن يو العمق العميق لحقيقة أُوحيَت بيد يسوع المسيح. ففي الإنجيل الرابع، حافظ يسوع، في شكل آخر، على التمييز، فاحتفظ بلفظ »شريعة« nomo" للكلام عن شريعة موسى (8: 17؛ 10: 34؛ 15: 25؛ 19: 7)، واختار لفظ »وصيَّة« للكلام عن علاقته الخاصَّة في الأمانة للآب (10: 18؛ 12: 49-50؛ 14: 31؛ 15: 10)، وعلاقة التلاميذ به (13: 34؛ 14: 15، 21؛ 15: 10، 12).

واللافت استعمالُ فعل egeneto لكلام عن »مجيء« النعمة والحقّ أو نعمة الحقيقة. فمجيء الحقيقة في شخص يسوع المسيح، نقلته عبارةٌ استُعملت عن مجيء اللوغس في البشريّ (1: 14).

بعد قراءة آ16-17، نتذكر التطوُّر الذي حقَّقه يسوع المسيح. هو لا يقوم في عطيَّة البنوَّة كبنوَّة. فهذه النعمة (حسب آ12-13) مُنحت للذين تقبَّلوا نور اللوغس العامل منذ بداية العالم. والجديد هو أنَّه في يسوع المسيح الابن الوحيد وبه، كشفَ الله عن نفسه أنَّه أبٌ في المعنى اليوحنّاويّ. هذا ما تقوله آ18، آخر آيات المطلع الإنجيليّ.

ج- يسوع المسيح يخبر عن الله الآب

ما من أحد رأى الله،

الابن الوحيد، الله، الكائن في حضن الآب

ذاك أخبر عنه (آ18).

ساعة أراد يو أن يختتم هذا النشيد، عاد في قفزة عموديَّة إلى ذاك الذي كان اللوغس لديه: عاد إلى الله في المعنى المطلَق للكلمة. إذ أعلن أنَّ ابن الله الوحيد، الذي هو الإله بالذات، هو وسيط الوحي، دلَّ على المسافة الموجودة بين الآب والابن الوحيد. وفي الوقت عينه، ذكر اتِّحادهما التامّ.

إنَّ آ18 تشكِّل وحدة أدبيَّة. فلفظ qeon الذي هو في البداية وفي صيغة النصب، يُشرف على الكلّ: لا فقط العبارة »ما من أحد رأى الله«، بل أيضًا: »الابن أخبر عنه«. لاحاجة إلى تكرار »الله«. ولكن في اللغات الحديثة نجعل الضمير (الهاء): أخبر عنه. إن كان الأمر هكذا، فالآية تعرض مقابلة أدبيَّة بين »رأى« و»أخبر«. وهكذا نستطيع أن نرتِّب الآية كما يلي:

الله

حقٌّا ما رآه أحد

ولكنَّ الابن الوحيد أخبر عنه.

في وضع لاسبيل للخروج منه، تدخَّلَ الابنُ الوحيد، القادر وحده، لأنَّه الله بالذات. وهو متَّحد اتِّحادًا حميمًا بالآب. وداخل هذا التوسُّع الصغير، نلاحظ (كما في 1: 14) أنَّ لفظ »الآب« حلَّ محلَّ »الله«. كما نلاحظ الجدليَّة بين »رأى« و»أخبر«. فإذا أردنا أن نفهم المعنى، ندرس المعطيات الأساسيَّة الثلاث في هذه الآية: رؤية الله. وساطة الابن الوحيد. الإخبار عن الله.

أوَّلاً: رؤية الله

* الانسان يرى الله

تلك هي الأمنيّة العميقة للمؤمن في البيبليا. وهذه الرغبة تنتظر السماء (عادة، مع بعض الاستثناءات) لكي تتحقَّق. لهذا وعلى مدِّ العصور، جُعل في شعائر العبادة، لقاءٌ إختباريّ مع الله. في الهيكل حيث مجدُه حاضر، نستطيع أن نُشبع (في الرمز، في السرّ) رغبتَنا بالوصول إلى الله. ففي عبارة »رؤية الله«، لسنا أمام مشاهدة عقليَّة محضة، بل أمام خبرة مع الإله الحيّ، وجهًا إلى وجه (تك 32: 31؛ عد 14: 14؛ مز 16: 8؛ 63: 3؛ أش 6: 1ي؛ 52: 8؛ مت 5: 8؛ 1كور 13: 12). غير أنَّ هذه الرؤية لا تعود إلى لقاء عباديّ، من النمط الرمزيّ، السرّيّ، بل إلى الواقع المباشر الذي تشير إليه »رؤية الله«.

* يستحيل على الإنسان أن يرى الله

هناك تقليدان بيبليان يقولان لماذا لا نستطيع أن نرى الله. تقليد أوَّل انتشر انتشارًا واسعًا قال: هذه الاستحالة تعود إلى طابع الإنسان الخاطئ. فاللاقدّيس لا يبلغ إلى القدّوس وإلاّ يموت. حين رأى أشعيا النبيُّ الربَّ، هتفَ:

ويل لي، لقد هلكت.

فأنا رجل نجس الشفتين

وأقيم وسط شعب نجس الشفاه

ورأت عيناي الملك، ربَّ الأكوان.

هذا ما قرأنا في أش 6: 5 (رج خر 19: 21؛ لا 16: 2؛ عد 4: 20؛ قض 13: 21-22). وخبرة موسى لم تفترق عن خبرة أشعيا: »لا تستطيع أن ترى وجهي الآن. فالإنسان لا يقدر أن يرى وجهي ويحيا« (خر 33: 20) أي يبقى حيٌّا.

والتقليد الثاني ربط هذه الاستحالة بتسامي الله المطلق. صلّى موسى إلى الربِّ وقال له: »أرني مجدك«. فأجاب الله: »أظلِّلك بيدي حين أعبر... ترى ظهري. أمّا وجهي فلا تقدر أن تراه« (خر 33: 22-23).

هذا ما بيَّنه فيلون بشكل رائع حين الكلام عن ظهور الربِّ لإبراهيم: »مضى الله إلى لقائه، وبيَّن له من طبيعته ما يستطيع أن يرى ذاك الذي ينظر. لهذا، ما قيل: الحكيمُ رأى الله. بل: »الله سمح للحكيم أن يراه« (إبراهيم 8). وبمختصر الكلام لا نقول: رأى الله. بل: الله جعل نفسه مرئيٌّا، منظورًا. فالله ليس »غرضًا« ننظر إليه. إنَّه ذاتٌ نمضي إلى لقائه. وبما أنَّ الاثنين (الله والإنسان) ليسا على قدم المساواة، يجب أن ندلَّ دومًا في كلامنا، على أولويَّة الله بالنسبة إلى الإنسان.

وفي الخطِّ عينه ردَّد التقليد الحكميّ وما توقَّف، أنَّ الإنسان لا يقدر أن يُدرك الله، ولا أن يُخبر عنه.

هل رآه أحد حتّى يُخبر عنه؟ (سي 43: 31)

لم يَدَعْ أحدًا يحيط بمآثره، فمن يحيط بكلِّ أبعادها« ((سي 18: 4)

وإذا كنّا نحن البشر غير قادرين أن نعرف ما على الأرض،

بل حتّى ما هو أمام عيوننا، نجده بالجهد،

فكيف نقدر أن نعرف ما في السماوات (حك 9: 16؛ رج مز 106: 2؛ أم 30: 4؛ با 3: 29).

إنَّ هذا التقليد يستعمل، في معرض كلامه عن الحكمة الفعل exhgeisqai. وهذا يعني انتماء المطلع إلى الوسط الحكميّ. فالإنجيل الرابع يبدو صدى لهذا التيّار الفكريّ: »ما صعد أحد إلى السماء، إلاّ ذاك الذي نزل من السماء« (يو 3: 13). فهنا أيضًا، كما في 1: 5، لا كلام عن وضع الخطيئة، بل عن وضع الخليقة تجاه الله، الذي وحده يقدر أن يكشف عن ذاته. وهذا اليقين قد يُفهمنا استثناء لافتًا، وقديمًا جدٌّا، يقول: إن بعضَهم رأوا الله وما ماتوا. »صعد موسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل. فرأوا إله بني إسرائيل، وتحت قدميه شبه رصيف من الياقوت الأزرق، نقيّ كالسماء ذاتها. ولكنَّه لم يمدَّ يده عليهم لأنَّهم رأوه. ثمَّ أكلوا وشربوا« (خر 24: 9-11؛ رج قض 13: 22).

ذكرت البيبليا مرّات عديدة، »ظهورات« »رؤيات« لمختاري العهد. ولكن كما قال الله لموسى، رأوا »ظهره«. وهذا يعني أنَّنا لا نتمسَّك به إلاّ عبر »الرموز«. والرمز الأوَّل، النار كما في حدث العلّيقة الملتهبة (خر 3: 6) أو في سيناء: »كلَّمكم يهوه من وسط النار. سمعتم صوت أقواله، ولكنَّكم ما رأيتم شكلاً، بل صوتًا فقط« (تث 4: 12). وقال في آ15: »ما رأيتم شكلاً يوم كلَّمكم يهوه في حوريب، في وسط النار«. أما إيليّا فما عرف القرب من الله، في النار، بل في نسيم خفيف، في الصمت (1مل 19: 33). فعبر الوساطات، نستطيع اللقاء بالجلالة الإلهيَّة.

وهناك طريقة تعبير أخرى. »حجاب« (أو: ستار) يحمي الألوهة. يكون بشكل »غمام«. وهو يُخفي ما يجب أن يُكشَف. جُعل حجاب (برقع) على وجه موسى المشعّ حين عاد من خيمة الاجتماع (خر 34: 33). والظلام غطّى الأرض (أش 60: 2) إلى يومَ يُكشَف الحجاب بشكل نهائيّ: »يُزيلُ على هذا الجبل الحجابَ الذي يخيِّم على جميع الشعوب، والشباك التي تمسك جميع الأمم« (أش 25: 7). وحجابُ الهيكل الذي كان يُغطّي مدخل الأقداس، رمزَ إلى استحالة رؤية الله وجهًا لوجه.

إنَّ اختلاف التقاليد حول استحالة رؤية الله تُفهَم في إطار المحاولة للكلام عن علاقة توحِّد الإنسان بالله. من وجهة الإنسان، الخاطئ لا يقدر أن يلتقي بالقدُّوس. من وجهة الله، لا يمكن أن يكون الله غرضًا نمسكه. هو يهب نفسه ساعة يشاء وبقدر ما يشاء.

ثانيًا: وساطة الابن الوحيد

قال بولس الرسول: البرقع يسقط حين نوجِّه نظرنا إلى الربّ: فهو يختفي في المسيح (2كور 3: 14). حينئذٍ يُرى مجدُ الله. ومع يو، المسيح هو الذي يتيح لنا أن نتجاوز استحالة رؤية الله.

فوسيط هذا البلوغ إلى المجد، هو الابن الوحيد monogenh"، يسوع المسيح. وهذا الابن هو الله. ملاحظة غريبة بعد قول يؤكِّد أنَّ أحدًا لم يرَ الله. ومع ذلك، فيوحنّا يعلن أنَّ يسوع، مثل اللوغس، هو »الله« (1: 1؛ 20: 28). لهذا نتساءل: أما أراد أن يُبرز المفارقة؟ وحده الله يقدر أن يتكلَّم عن الله. وبعد ذلك، يأتي كلام عن ذلك الذي يتّجه »نحو حضن الآب«. كما في آ1 ب ج، ولكن بشكل معاكس. نعبِّر عنه مع pro" (1: 1) أو مع ei" (1: 18)، للدلالة على حركة لا تتوقَّف، وعلى أنَّ علاقة حيَّة توحِّد توحيدًا وثيقًا اللوغس بالله، يسوع المسيح بالله، أو بالأحرى يسوع المسيح والآب.

kolpo". الحضن. يدلّ على الحميميَّة بين الآب وابنه. هي صورة بشريَّة نجدها في علاقة المرأة بالرجل والعكس بالعكس (تث 13: 7؛ 28: 54، 56) أو في علاقة الأم (والمرضع) مع طفلها (1مل 3: 20؛ را 4: 16؛ أش 49: 22). ورأى بعضهم هنا إشارة إلى المساواة في الجوهر بين الآب والابن، كما قال توما الأكوينيّ في خطِّ الآباء اليونان.

استعمل يو ei" وما استعمل en (كما في 13: 23 حيث التلميذ الحبيب هو على صدر يسوع) للدلالة على علاقة حميمة. والسبب: لسنا فقط أمام اقتراب (في 13: 25، انحنى التلميذ على epi صدر يسوع). فالابن الوحيد موجَّه نحو قلب الآب.

ذاك هو كيانه الخاصّ، كما نقرأ في اسم الفاعل، صيغة الحاضرo wn . يسوع يتوجَّه إلى الآب في كيانه، لا بالصدفة. وحاضرُه حضورٌ أبعد ممّا ندعوه »رؤية السعادة«. فيسوع يكشف مجد الابن بحياته كلِّها، بأقواله وأعماله. هذا ما قاله في 8: 58: »قبل أن يكون إبراهيم أنا هو«. هذا الإعلان الاحتفاليّ، لا يعني أنَّ يسوع يريد أن يحلَّ محلَّ الله، بل يجب أن نفهمه في علاقة مع إعلانات أخرى: »لا يستطيع الابن أن يعمل شيئًا من عنده، بل يعمل ما يرى الآب يعمله. فما يعمله الآب يعمله الابن مثله« (5: 19).

التقت آ18 مع آ1، فأغلقت حلقة التعرُّف. أعلن المؤمنون أنَّ ذاك الذي بدا موجَّهًا نحو الآب خلال حياته على الأرض، ويستطيع أن يخبر عنه، يتماهى مع اللوغس. وما بقي يو على مستوى »رأى« بعد أن نُزع البرقع. بل انتقل إلى »تكلَّم«. فأعلن أنَّ الابن الوحيد الذي أُعلن في آ14، يخبر عن الله.

ثالثًا: الإخبار عن الله

في ختام المطلع والكلام عمّا حقَّقه اللوغس وسط البشر، ما استعمل يوحنّا أفعالاً كانت في متناوله. ما استعمل apokaluptw: كشف، أوحى، رفع الحجاب (12: 38 في إيراد لأشعيا). ولا deiknumi: بيَّن، دلَّ (5: 20؛ 10: 32؛ 14: 8-9: دلَّنا على الآب) ولا fanerow (جلا، كشف، 17: 6). أفعال تدلُّ على »رأى« بحسب الفنِّ الجليانيّ، الرؤيويّ، مع كشف الحجاب. أمّا يو فترك هذا الإطار وكان قريبًا من التيّار الحكميّ، فاستعمل فعل exhgeomai.

ثمَّ بانَ يوحنا وارثًا لتقليد بيبليّ قديم، حيث فعلُ »رأى« يحيلنا إلى نهاية الأزمنة. أمَّا »سمع« فيشير إلى اتِّصال بالكلمة من قبل الله، والطاعة من قِبَل المؤمن. فالأساس لدى المؤمن هو الاستماع إلى كلام الله. وهنا، موضوع المطلع هو اللوغس، الكلمة. محلّ رأى بعد أن كُشف، حلَّ تكلَّم وسُمع. لهذا استعمل يوحنّا فعلاً يعني: »فسَّر، شرح، أخبر عن الله« esègéxe .

هذا الفعل يعني أخبر، شرح التفاصيل. هو الشاهد العيان. رج مر 5: 16: روى الشهود«. والتلاميذ الذين عاشوا »التجلّي« طُلب منهم أن لا يخبروا أحدًا بما رأوا (مر 9: 9؛ لو 1: 1؛ 8: 39؛ 9: 10؛ 24: 35؛ أع 9: 27؛ 10: 8؛ 12: 17؛ 15: 3، 12، 14؛ 21: 19). في هذا المعنى، جاء الفعل موافقًا للمطلع: الابن الوحيد، الشاهد العيان الوحيد للآب، أخبر ما رأى. وعن الحكمة التي لا يقدر أحد أن يدركها بقواه، قيل: »أخبرها exhghsato في الطبيعة كلِّها (أي 28: 27). وهكذا نبقى في مجال اللوغس، الكلمة. نحن نُدعى، كما في التجلّي لكي نسمع. فماذا يكون موقفنا؟

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM