القراءة التحليلية،بين موسى ويسوع.

القراءة التحليليّة،

بين موسى ويسوع المسيح

نواصل قراءة المطلع اللاهوتي في قسمه الثالث والأخير، الذي يجعلنا نرى الآب من خلال الابن، الذي هو الكلمة المتجسد.

آ14. ناقش بعضهم: هل آ14 تنتمي إلى المطلع؟ مثلاً، شناكنبورغ ألغى آ14ج د (وشاهدنا مجده... من عند الآب). واعتبر كازمان أنَّ آ14 كلّها مضافة. ولكن نحافظ على الآية كلِّها مع العدد الكبير من الشرّاح.

صار بشرًا، σαρζ εγενετο البشر هو الإنسان كلِّه. مع تشديد على الضعف البشريّ. هو لحم ودم. بما أنَّه إنسان، فهو شبيه بنا في كلِّ شيء. لا نقول »جسدًا«. في اليونانيّة swma . وكانت هرطقة اعتبرت أنَّ يسوع مؤلَف من جسد بشريّ وأقنوم إلهيّ. وهكذا كان إنسانًا ناقصًا. وسكن فينا . يمكن أن نقول »بيننا«. ق رؤ 21: 3: »ها هو مسكن الله مع الناس. يسكن معهم«. هنا »فينا« تدلُّ على البشريّة كلِّها.

فشاهدنا .εθεασαμεθα نحن. هم الرسل الشهود، لا البشر كما في 1يو 1: 1 (هذا الذي سمعناه، الذي رأيناه). لهذا مع معنيين للمتكلِّم الجمع (فينا، البشر (نحن، المؤمنون)، اعتبر بعض الشرّاح أنّنا أمام إضافة.

يرد فعل 6θεασθαι مرّات في يو، 3 في 1، 2، 3 يو، ولا يرد في رؤ. يرتبط الفعل بالمسرح θεατρον. نتأمَّل، نحدِّق. نسرِّح عيوننا. في النهاية، نصبح بعضَ ما نشاهد. وهكذا صرنا جزءًا من مجد الابن. وفي 4: 35: شاهِدوا الحقول. أُدخلوا فيها. ابيضّت للحصاد. نحن أمام أكثر من رؤية بالعين. فراح بعضهم يتحدَّث عن التجسُّد، بل حتّى عن القيامة.

مجده doxa ترد 18 مرّة في يو، 17 في رؤ. لا ترد في 1، 2، 3 يو. وفي الأناجيل الإزائيّة، 23. ولكن تبقى الحصّة الكبرى لبولس الرسول. المجدُ الحقيقيّ هو مجد الله. أمّا المجد عند الناس، فلا يهمّ يسوع (5: 41). في العهد القديم، المجد (ك و د) يدلّ على تجلّي الله المنظور في أعمال قدرته. قال موسى (خر 16: 7-10): »في الصباح ترون مجد الله«. بعد تجسُّد الكلمة، صار مجدُ الله يسوع المسيح.

كما لابن وحيد w" monogenou" السريانيّة العتيقة والقبطيّة والحبشيّة وتاتيان جعلوا w" أمام doxa: »كما مجد ابن وحيد«. »رأى بعضهم أنّها القراءة الأصليّة(1). نحن لا نقول »وكأنَّه« (ولكنَّه لا يكون الابن!). بل: صفته أنَّه الابن الوحيد.

الابن الوحيد(2). حرفيٌّا: هو وحده mono" من جنسه geno". ارتبط geno" مع

gennan (وَلد). ولكن لا نستطيع أن نقول المولود الوحيد. اللاتينيّة العتيقة ترجمت: الوحيد. وهكذا فعل جيروم حين لا يطبَّق الكلام على يسوع. في السريانيّة: »كما الوحيد (ي ح ) الذي من الآب«. monogenh" تصوّرُ صفةَ يسـوع: وحدانيّتــه. في العبريّــة » « (تك 22: 2، 12، 16 في كلام عن إسحق. وحيدك؛ رج عب 11: 17).

من عند الآب para patro" آتٍ من لدن الآبَ. في 5: 44، هاجم يسوع اليهود، لأنَّهم لم يطلبوا المجد الذي هو من الله. هو توازٍ يوحنّاويّ مقابلٌ للكلام عن مجدٍ آتٍ من لدن الله، ولكن لا في معنى 1: 14. في 17: 22 يُقال بشكل صريح إنَّ يسوع نال مجدًا من الآب. وهناك توازيات يوحنّاويّة: من لدن παρα الآب إلى الابن. رج 6: 46؛ 7: 29؛ 9: 16؛ 16: 27. ومرّتين عن »الابن الوحيد« (3: 15-17؛ 1يو 4: 9): أرسل الآبُ الابن إلى العالم. لا فرق في المعنى، سواء قلنا: »الابن الوحيد الآتي من لدن الآب«. هذا ما يدلّ على رسالته. أو: موقعه في قلب الثالوث.

مملوء plhrh". الكلمة مملوء (لا المجد ولا الابن)، هي صيغة الرفع المفرد. هكذا فُهمت العبارةُ في اللاتينيّة (وهذا سبب آخر جعل البعضَ يعتبرون آ14 ج د على أنّها إضافة). غير أنَّ هذه الصفة يمكن أن لا تعرَّب. لهذا قد تدلّ على المجد (كما في الكودكس البازيّ، عند إيرينه، أثناز، الذهبيّ الفم). أو على »الابن الوحيد«. في أيّ حال، لا اختلاف على مستوى المعنى.

نعمة وحقٌّا cari" kai alhtqeia. اعتبر بوامار أنَّ بناءَ »مملوء« مع موصوفين، دلالة على ارتباط المطلع بلوقا. هناك خمس مرّات في أع، نجد فيها مِثلَ هذا البناء. نعمة. لا ترد إلاّ هنا عند يوحنّا. نجدها 25 مرّة في لو + أع. عند بولس: عطيّة الله في الفداء. الحقّ. ترد 25 مرّة في يو، 20 مرّة في 1، 2، 3يو، 7 مرّات في الإزائيّة. لفظان يقابلان في العبريّة »ح س « ثمّ »ا م «. إنّ »ح « تعني (لطف) الله ورحمته حين اختار شعبه. والتعبير عن هذا اللطف يكون في العهد. جماعة قمران هي »جماعة ح س د«. »ا م ت« هي الأمانة، الثبات، الحقّ. في خر 34: 6 نقرأ وصفًا لله الذي قطع عهدًا مع موسى: »الربّ رحيم، حنون،  αληθειαبطيء عن الغضـب، كثيـر في اللطف (ح س ) والوفـاء (ا م ت) (مز 25: 10؛ 61: 7؛ 86: 15؛ أم 20: 28)(3).

هناك اعتراض على ترجمة cari" kai alhtqeia بالعبريّة »حد. ا م ت« فلفظ »ح د« يقابل عادة في السبعينيّة eleo" رحمة. لا cari". غير أنَّ اسعمال يوحنّا للسبعينيّة يبقى حرٌّا(4). بيَّن مونتغوماري أنّ cari" هي الترجمـة الصحيحــة مع »ح د«. فالسريانيّة ترجمت »ح س د. م« في العهد القديم cari" kai alhtqeia مع » . واللغة المسيحيّة في سورية ولبنان وفلسطين نقلت cari" مع »ح س د ا« ( س د في العبريّة). وبالنسبة إلى alhtqeia، في روم 15: 8 (الله صادق)، نقرأ عن أمانة الله في العهد،  αληθινοςكما في العهد القديــم. واللافت هو أنَّ كلمــــة اللــه الآتـــي من الســــمـاء (رؤ 19: 11-13) يُــدعى »الأميــن، الحـقّ« pisti", alhqino". هو موضوع »ح د« و»ا م «.

آ15. يرد هذا القول في آ30. هذا يعني أنَّه أضيف إلى النشيد الأصليّ، على شاكلة آ6-8 (9)، بحيث قَطع الوصلةَ بين آ14 وآ16.

شهد. marturei هو الحاضر التاريخيّ. ولكنَّ هانشن (ص 353) اعتبره الحاضر في معنى يقول: إنَّ يوحنّا يعمِّد الآن فيشهد في موازاة الجماعة. فاستعمال الحاضر بدل الماضي المبهم ليعطيَ حياةً للخبر، أمرٌ معروف في العهد الجديد. بعضهم يرى فيه تأثيرًا أراميٌّا. ولكنّنا نجده أيضًا في اليونانيّة الكلاسيكيّة. قال بلاك (ص 94): لا شيء ساميٌّا هنا، وإنّ تَواترَ عند مرقس ويوحنّا. بل هو أسلوب في الكتابة.

ونادى.kegragen. في السريانيّة »و ق ا« (وصرخ). والفعل السريانيّ الذي يقارب اليونانيّ هو »ك ر« كرز. هي صيغة الماضي التامّ في معنى الحاضر. إنَّ حاضر kragen نادر، فيحلّ محلَّه الماضي الكامل. ننظر إلى شهادة المعمدان ليسوع والمناداة به، على أنّها فاعلة حتّى اليوم، تجاه ما ينادي به أصحابُ البدع. قائلاً . legwn كما في 1: 30، نرى هنا عودة إلى قول سابق جعله الناشر هنا.

آ16. عدد قليل من الشرّاح (برنارد، كازمان) أرادوا أن يستبعدوا هذه الآية من النشيد الأصليّ. من جهة، ارتبطت آ16 ارتباطًا وثيقًا بما في آ14 مع كلام عن الملء plhrwmato"، ثمّ عن »النعمة«. لكن إذا كانت آ16 إضافة، فيجب أن نتحدَّث عن مرحلتين، لأنَّه لا يُعقل أن تُضاف آ16 المرتبطة بالآية 14 بعد أن أضيفت آ14. يبقى أنّنا نقبل بكلِّ بساطة بأنَّ آ16 هي جزء من المطلع الشعريّ.

لأنّ .oti خصوصًا مع برديّة بودمر. اقترح بعضهم kai (واو العطف) في خطّ عدد من المخطوطات والترجمات والآباء. وهو اقتداء بما في بداية المطلع. أمّا بوامار (ص 59-60) وبولتمان (ص 51) فرأيا في oti إدراجًا من التفسير الإسكندرانيّ مع أوريجان، بمعنى أنَّ المعمدان ما زال يتكلَّم. »وُجد قبلي، لأنَّ من ملئه كان لنا حتّى ما نشارك فيه«. وقال بلاك (ص 58): هو فهم خاطئ للساميّة، هذه أمور نظريّة. إذا كانت oti هنا في الأصل، فهذا يعني أنَّ آ16 برهان بأنَّ الكلمة الذي صار بشرًا امتلأ حقٌّا بالنعمة. وفي هذا الملء شارَكْنا.

الملء plhrwma. لا يرد إلاّ هنا في الكتابات اليوحنّاويّة. ولكنَّه لفظ هامّ جدٌّا في اللاهوت البولسيّ. مثلاً في كو 1: 19: »لأنَّ الله شاء أن يحلَّ فيه الملء كلّه«. ذاك هو المعنى في المطلع الإنجيليّ. نلنا. نحن، أي البشريّة كلُّها، كما في آ14ج (شاهدنا)

مقابل anti. ترد هذه الأداة بعدُ في الكتابات اليوحنّاويّة. وهذا »برهان« على أنَّ آ16أ جُعلت فيما بعد، وإلاّ كنّا قرأنا ألفاظًا تميِّز يوحنّا. لهذه الأداة أكثر من معنى. (1) »نعمة محلّ نعمة«، بدل. حسب الآباء اليونان: أوريجان، كيرلُّس الإسكندرانيّ، الذهبيّ الفم. حلّ لطفُ (ح د) العهد الجديد محلّ لطف سيناء. ويُسند ذلك ما نقرأ في آ17. نعترض: ما اعتبر يوحنّا عطيّة الشريعة على سيناء على أنَّها »ح د«، لأنَّ المعارضة اليوحنّاويّة »لليهود« تبدو وكأنَّها تتجاوز واقعًا يقول إنَّ يوحنّا لم يُنكر أبدًا دور إسرائيل. في 4: 22 نقرأ: »الخلاص يأتي من اليهود«. (2) »نعمة فوق نعمة«. أو: »نعمة بعد نعمة«. تضاف نعمة إلى نعمة. هذا ما نجده عند شرّاح معاصرين Bultmann، Lagrange... استندوا إلى فيلون (نسل قايين 145) حيث يكون هذا المعنى للأداة anti. ولكن »فوق« يقابل epi في اليونانيّة. أمّا anti فتدلّ على مواجهة: مقابل أو إحلال شيء محلّ شيء(5). (3) »نعمة مقابل نعمة«. تدلّ على نعمة، أي، النعمةُ التي نشارك فيها تقابل نعمة الكلمة (بوامار، برنارد، روبنسون). رأى جوون(6) في اللفظ anti العبريّ »ن د« في تك 2: 18-20: مساعد تجاه. إنَّ ترجمة cari" كانعكاس للفظ »ح د« تتماشى مع المعنى الأوّل، دون أن تُلغي المعنيين الثاني والثالث.

آ17. اعتبر برنارد، بولتمان، كازمان، شناكنبورغ... أنَّ هذه الآية لا تنتمي في الأصل إلى المطلع. والدليل ذكرُ اسم تاريخيّ (موسى). وهذا لا نجده في الأناشيد البولسيّة، وإن كان عب 1: 1 ذكر الأنبياء. وأعلن بولتمان: إن التقابل بين الشريعة nomo" والنعمة cari" يجعلنا في اللاهوت البولسيّ. يمكن أن تكون آ17، شرحًا لما في آ16.

أعطى الشريعة. هي عبارة ساميّة، لا يونانيّة. وجود أل التعريف h أمام الاسم (النعمة (cari" يعني أنّنا تحدَّثنا عن الموضوع. رج آ14. وإذا أخذنا بالمعنى الأوّل (نعــمة محــلّ نعمـة)، نفهم عطيّة الشريــعة عبر موســى، كقــولٍ حولَ »ح د« » ت«، كانعكاس لنظرة العهد القديم. ولكن هذه النظرة التي تقول إنَّ آ17 تقابل بين غياب النعمة في الشريعة، وحضور النعمة في يسوع المسيح، تعارض احترام يوحنّا لموسى (1: 45؛ 3: 14؛ 5: 46). تقابل آ17 بين نعمة تجلَّت في الشريعة، والمثال العالي لنعمة تجلَّت في يسوع. لا شكّ في أنَّ يسوع يتكلَّم عن »شريعتكم« (أي شريعة اليهود). فهذا يعكس التعارض بين شريعة أعطيَت لموسى، وشريعة فسَّرتها السلطات اليهوديّة واستعملتها ضدَّ يسوع والمسيحيّة. لا شيء يشير في يوحنّا إلى أنَّه، حين أعطيَت الشريعة عبر موسى، لم يكن ذلك فعلاً رائعًا يدلّ على لطف الله ونعمته. نجد ما يقابل هذا الموقف في عب 1: 1: »كلَّم الله آباءنا بواسطة الأنبياء، وفي هذه الأيّام الأخيرة، كلَّمنا بواسطة ابنه«.

آ18. الابن الوحيد. الابن الوحيد وحده كشف (الآب). ولكنّنا أمام ثلاث قراءات. (1) نقرأها في أفضل المخطوطات، وبرديّة بودمر، في السريانيّ، إيرينه، كليمان الإسكندرانيّ،، أوريجان. ارتاب بعضهم في هذه القراءة، لأنَّها توسُّع لاهوتيّ. ولكن لا جدال معارضًا للأريوسيّة التي لم تتراجع في إعطاء يسوع هذا اللقب. وعارض آخرون غرابة هذا القول: الله يكشف الله. يعني: الله وحده رأى الله. (2) monogenés huios: الابن، الوحيد. نقرأ هذه العبارة ثلاث مرّات في كتابات يوحنّا (3: 16، 18؛ 1يو 4: 9). ووجودُها هنا قد يكون نتيجة توقُّف النصّ لدى أحد النسّاخ. نجد هذه القراءة في الترجمة اللاتينيّة وفي السريانيّة العتيقة، وأثناز، والذهبيّ الفم، والآباء اللاتين. (3) monogenh". الابن الوحيد. هي أبسط قراءة. يبدو أنها نتيجة توافق مع آ14. وقد تكون القراءة الثانية امتدادًا لهذه الثالثة. نجدها عند تاتيان وأوريجان (مرّة واحدة) وكيرلُّس الإسكندرانيّ.

الكائن في حضن الآب. .Kolpon tou patro". في »εις« تدلّ على حركة باتِّجاه الآب في علاقة ناشطة. »حضن« kolpo" يدلّ على الحنان من الوالد والوالدة تجاه الابن والابنة. هل تدلّ صيغة اسم الفاعلwn أنَّ يسوع الأرضيّ، الكلمة الذي صار بشرًا، كان مع الآب في وقتٍ كان فيه على الأرض؟ رأى هانشن (ص 324) مثلاً أنَّ فعل eimi (كان) لا اسم مفعول له. لهذا ارتأى: الوحيد الذي كان. إذا أراد أحدٌ كلامًا عن الأرض والسماء في الوقت عينه، يعود إلى 3: 16 حيث يتكلَّم يسوع عن »ابن الإنسان الذي هو في السماء«. وإلى »8: 16: »أنا والآب الذي أرسلني«. أي قرب الآب. ظنَّ بعضهم أنَّها إشارة إلى الصعود والجلوس عن يمين الآب، بحيث تكون مسيرةُ الكلمة كلِّها في المطلع الشعريّ: الكلمة مع الله. الكلمة أتى إلى العالم وصار بشرًا. الكلمة عاد إلى الآب. هذه الدورة من نزول وصعود واضحة في يوحنّا كما في 16: 20: »خرجت من عند الآب وجئت إلى العالم، وأترك العالم وأذهب إلى الآب«. كلُّ هذه تفاسير ممكنة.

أخبر أضفنا »عنه«. أوحى، كشف. مع أنَّ أحدًا ما رأى الآب، فالابن الوحيد هو مع الآب، ويقود البشر إلى حضن الآب. وهكذا، فالكلمة الذي هو مع الله، صار إنسانًا ليعيد الإنسان إلى الله.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM