تقديم.

 

دراسات بيبلية

-34-

الإنجيل الرابع

المجلد الأول

يوحنا1-2

الربطة الكتابية

الخوري بولس الفغالي

المقدمة

الإنجيل خبر طيِّب يدعو كلَّ إنسان للاستماع إلى صاحبه، إلى يسوع الكلمة الذي صار بشرًا. هو حياة قبل أن يكون كلمة، وهو نداء قبل أن يصبح خبرًا. الإنجيل هو يسوع الذي لا خبر طيِّبًا يوازي خبره. ما أعطاه للبشريَّة لا يقدر أن يعطيه أحد. ما أعطى بعض ماله، ولا بعض وقته واهتمامه، بل أعطى ذاته. نزل من العلياء، انحدر إلى عالم البشر. أخذ الضعف والذلَّ والموت. وما استحى أن يدعونا إخوته. بل أخذ أوجاعنا وحمل عاهاتنا. ولكنَّ ذاك الذي تنازل، رفعه الله جدٌّا فجثت له السماء والأرض بل تحت الأرض، واعترفت به البشريَّة.

ذاك ما نكتشف في ما تركه لنا أربعة كتّاب. قدَّموا لنا خبرة التلاميذ، حياة الكنيسة، انطلاقة الرسالة. فجعلوا يسوع في طرقات العالم بحيث يستطيع كلُّ واحد أن يلتقي به إن شاء. هذا الذي من الناصرة، أتى إلى الناصرة فحسبوه طبيبًا لا يقدر أن يشفي نفسه. أتى إلى شعب تعاهد الله معه وعرَّفه بشخصه لينشر اسم الإله الواحد، فرفض الشعب مثْلَ هذا الملك، وفضَّلوا القيصر عليه. أتى إلى العالم، فرفضه العالم، بل أبغضه، لأنَّ منطقه غير منطق العالم.

ونحن نتعرَّف إلى إنجيل من هذه الأناجيل الأربعة. الإنجيل الرابع الذي ارتبط قديمًا بيوحنّا الرسول، أخي يعقوب، وكما يقول التقليد: التلميذ الطاهر. رُبط بالتلميذ الذي كان يسوع يحبُّه، فكان على صدر المعلِّم في العشاء السرّيّ. وهو الطاهر لأنَّه لبث في البتوليَّة كما يقول التقليد المسيحيّ عنه، فجاءت صورته مثال البرارة والبراءة، تجاه يهوذا الذي جسَّد الخيانة في حياته، بعد أن عاش في الطمع وحبِّ المال.

هذا الإنجيل كتبنا عنه في سلسلة »دراسات بيبليَّة«، كما في سلسلة »القراءة الربّيَّة«. ولكنَّنا أحسسنا أنَّنا ما أعطيناه حقَّه كما فعلنا مع الأناجيل الإزائيَّة الثلاثة. لهذا وبعد خمس عشرة سنة عدنا إليه، بعد أن طالت رفقتنا لهذا الإنجيل بل للكتاب المقدَّس كلِّه.

دخلنا في الإنجيل الرابع من بابه الواسع، وتوخَّينا أن نفتح طريقًا يدخل في عمق النصِّ الكتابيّ. نقطة الانطلاق ترجمة بين السطور(1). ثمَّ نحلِّل الآيات بألفاظها وكلماتها، مرتكزين بشكل خاصّ على معلِّم كبيرٍ هو ريمون براون(2). تفسير يعود إلى الستّينات، ولكنَّه لبث الكتابَ الذي ما زال الكثيرون يستقون منه. والإنجيل لا يُقرأ فقط في ذاته، بحسب الطرق الحديثة من سيميائيَّة وسرديَّة... بل في الإطار الذي قِيل فيه وكُتب: العالم اليهوديّ والعالم اليونانيّ. لهذا أخذنا البحث على أدب ما بين العهدين، وأدب العالم اليونانيّ منذ هومير وصولاً إلى كسينوفون ومكسيم الصوريّ وبورفير وغيرهم. أمّا دليلنا فكان كتابًا ظهر سنة2005(3) فجاء منجَمًا من المعلومات فتحت الآفاق أمامنا. وفي محطَّة ثالثة، كانت القراءة الرعائيَّة واللاهوتيَّة مع الأب ليون دوفور(4) الذي أسَّس مدرسة سار العديدون فيها، وكنّا نحن منهم في لقاءات وقراءات وأبحاث. واستقينا من الكبار الكبار مثل بولتمان(5) وشناكنبورغ(6) وهانشن(7) وغيرهم. فكان لنا هذا الكتاب الواسع الذي أحببنا أن ننهي كلَّ فصل فيه بمقطع من آباء الكنيسة: أفرام السريانيّ، ديونيسيوس الصليبيّ، يوحنّا الذهبيّ الفم، أوغسطين، والآباء كثيرون الذين شرحوا يوحنّا، وقد نعود إليهم في مجلَّدات لاحقة.

أمّا أسلوب القراءة، فنبدأ إذا شئنا بالمرحلة الثالثة التي هي القراءة اللاهوتيَّة والرعائيَّة، ثمَّ نعود إلى ما هو أصعب، ولكنَّ هذا الصعب يفهمنا كم كان الإنجيل متجذِّرًا في المحيط الذي كُتب فيه.

شرحنا وأطلنا الشرح فتوقَّفنا عند ف 1-2. ونرجو من الربِّ أن يساعدنا فنواصل العمل حين تتيح لنا الفرصة لئلاّ نكون مثلَ من وضع أساس البناء وعجز عن إتمامه.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM