تقديم

 

سلسلة قراءة ربية

24

الخوري بولس الفغالي

تقديم

في جزء سابق، قدّمنا تأمّلات من نبوءات إرميا وحزقيال ودانيال وباروك. فكان الجزء الأوّل من »وكانت إليّ كلمة الربّ«. وها نحن مع الجزء الثاني، إذ نتأمّل في ما تركه لنا الأنبياء الاثنا عشر الذين دُعوا أيضًا الأنبياء الصغار، لأنّ ما تركوه من آثار، ليس بالصفحات الكثيرة، إن قابلناها بأسفار أشعيا وإرميا وحزقيال.

اختيارُنا للنصوص جاء بالنسبة إلى القراءة الليتورجيّة، وبما يمكن أن يُطرَح من تساؤلات في زمننا الحاضر. بالنسبة إلى الميلاد مثلاً، قرأنا ميخا كما ورد في إنجيل متّى وخبر المجوس، حول بيت لحم. في زمن الآلام، عدنا إلى زكريّا وفيه ما فيه من كلام عن المسيح الوادع الآتي على ظهر جحش ابن أتان، وعن المسيح الذي طُعن بالحربة. ونصّ يوئيل هو الذي استعاده بطرس الرسول يوم العنصرة: »أفيض روحي«. وحدّثنا ملاخي عن يوم الربّ الذي هو حاضر والذي يأتي. هذا اليوم ندعوه كلّ مرّة نشارك في أسرار الربّ »حتّى يجيء«.

وحياتنا نستطيع أن نقرأها على ضوء كلام الأنبياء. فمثلُ هذا الكلام الذي يوحيه الربّ، لا يمكن أن يموت مع النبيّ الذي تفوّه به. فكلام الله هو هو. وهو يحمل الحياة لمن يريد أن ينفتح عليه، دون أن يحصر نفسه في الماضي. الإنسان محدود. أمّا كلمة الله فليست محدودة. الإنسان يفهم ما يفهمه عصره حين يتكلّم. أمّا كلمة الله فتتجاوز كلّ عصر وكلّ زمان. وفي النهاية، تصل إلى من هو الكلمة يسوع المسيح.

حين نقرأ نصٌّا من النصوص القديمة، نحلّله لكي نكتشف ما فيه من غنى شعريّ وحضاريّ واجتماعيّ، يعيدنا إلى الوراء لنكتشف القديم الذي على أساسه وصل التاريخ إلى الجديد. غير أنّ هذا القديم يبقى قديمًا، وقد لا يعني شيئًا لإنسان آخر. أمّا نحن فحين نقرأ الكتاب المقدّس، فالكلمة المدوَّنة تصبح معاصرة لنا، لا الشخص الذي قالها. والمناقشات حول مَن كتب هذا النصّ أو قاله، لا تعنينا إلاّ بقدر ما تساعد على تحديد الإطار الذي كُتب فيه هذا الكلام. فإن عدنا إلى الجذور، نستطيع أن نعطي وجهًا جديدًا لكلام الله يكون غذاء لأبناء القرن الحادي والعشرين. ولكنّنا نكون من الخاسرين إن لم نتخلَّ عمّا تعلّمناه في القديم وهو غير متجذّر في الكتاب. ونخسر إن ردّدنا الكلام غيبًا. حينئذ نشبه الببغاء فلا نصل إلى الغذاء الحقيقيّ الذي يتعدّى اللبّ والقشرة.

ذاك كان هدفنا في كتابين عنونّاهما: وكانت إليّ كلمة الربّ. كانت إلى إرميا وحزقيال. وكانت إلى هوشع وعاموس. ويمكن أن تكون لي ولك ولكلّ واحد منّا إن وعى اختبارًا عاشه مع الربّ في ظروف حياته. فهوشع اختبر حبّ الله من خلال زواج لا يرضى عنه الأشخاص العاديّون. ويونان رفض أن يكلّم الوثنيّين الأشرار عن رحمة الله. ولكنّ الربّ علّمه، وهو يعلّم كلَّ واحد منّا، يحدّثنا في قلوبنا، ونحن نعبّر عن حديثه بلغة بشريّة.

فإلي هذا الجزء الثاني من »وكانت إليّ كلمة الربّ«.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM