المسيح قام ونحن نقوم.

 

المسيح قام ونحن نقوم

كانت كورنتوس مدينة كبيرة، عدَّت نصف مليون نسمة. وهي اليوم، مدينة صغيرة في اليونان. زارها بولس للمرّة الأولى سنة 51 ب.م. أي 20 سنة بعد موت المسيح وقيامته، وحمل إليها الإنجيل. فوُلدت كنيسة ازدهرت سريعًا وصار أعضاؤها يجتمعون جماعات عديدة في البيوت، لأنَّه لم يكن بعدُ كنائس. وطُرحت الأسئلة على المؤمنين، فطرحوها على الرسول. وخصوصًا: هل يقوم الموتى، أم أنَّ النفس وحدها تعود إلى السماء، كما قال أفلاطون الفيلسوف اليونانيّ، بعد أن تخرج من سجنها الأرضيّ؟ فأكَّد بولس قيامة كلِّ إنسان بنفسه وجسده وروحه، وأسند مقاله على قيامة يسوع.

أذكِّركم، أيُّها الإخوة، بالبشارة التي حملتها إليكم وقبلتموها ولا تزالون ثابتين عليها، وبها تخلصون إذا حفظتموها كما بشَّرتكم بها، وإلاّ فأنتم آمنتم باطلاً.

سلّمت إليكم قبل كلِّ شيء ما تلقّيته، وهو أنَّ المسيح مات من أجل خطايانا كما جاء في الكتب. وأنَّه دفن وقام في اليوم الثالث كما جاء في الكتب، وأنَّه ظهر لبطرس ثمَّ للرسل الاثني عشر...

وما دمنا نبشِّر بأنَّ المسيح قام من بين الأموات، فكيف يقول بعضكم إنَّ الأموات لا يقومون؟ (1كور 15: 1-12).

كتب بولس أكثر من رسالة إلى كورنتوس، فبقيت لنا رسالتان، وهذا النصّ مأخوذ من الرسالة الأولى التي دُوِّنت سنة 56-57.

1- أناس الإيمان

طلب مرّة أحدُ الصحافيّين من الناس أن يلخِّصوا له الإيمان في كلمة واحدة. فجاء الجواب: القيامة. أجل، إذا لم تكن قيامة، فلا سند للإيمان. ولا هدف للإيمان ولا نفع. القيامة هي أساس البشارة، أساس الإنجيل، ولا أساس له غيرها. فإن كان يسوع رجلاً عظيمًا يشبه الرجال العظام، انتهت حياته بالموت كما انتهت حياتهم، ودُفن في موضع كريم ما زال الناس يزورونه حتّى اليوم. فلماذا نتبعه ولا نتبع كبارًا مثل الإسكندر المقدونيّ، البطل الفاتح، أو أرسطو الفيلسوف اليونانيّ؟

ولكنَّ الفرق الشاسع، هو أنَّ البشر كلَّهم ماتوا ووُضعوا في القبور ولبثوا هناك. ولولا قيامة يسوع، لما قام أحد منهم. إذن، ما يميِّز يسوع هو أنَّه مات ثمَّ قام. وما جاء يحمله إلى البشريّة ليس فقط تعليمًا شريفًا، وصورة عن حياة رفيعة، بل القيامة. جاء يقول لنا إنَّ الإنسان يموت بلا شكّ. ولكنَّه يقوم، فيتحوَّل من جسد مائت إلى جسد تمجَّد على مثال جسد المسيح والعذراء. هذا هو إيماننا. ونحن نقوم كلُّنا، نفسًا وجسدًا وروحًا. ولا يبقى في القبر سوى لباسنا الذي يذوب ويعود إلى الطبيعة التي أُخذ منها.

2- قيامة يسوع

طرح الكورنثيّون سؤالاً. بل قالوا: الموتى لا يقومون. فعاد بولس إلى أساس الإيمان: المسيح قام. إذن، نحن نقوم. وقدَّم لنا ما سوف يكون أساس قانون الإيمان: نؤمن... بربٍّ واحد، يسوع المسيح، تألَّم ومات وقبر، وقام في اليوم الثالث، كما جاء في الكتب.

أعطانا الرسول ثلاث محطّات: مات، دُفن، قام. أجل، يسوع مات ودُفن كما يموت ويُدفن كلُّ إنسان. تضامن معنا في كلِّ شيء، حتّى الموت والموت على الصليب. فمع أنَّه ابن الله، فهو إنسان يحمل في شخصه كلَّ ما للإنسان، ما عدا الخطيئة. رآه الناس حاملاً صليبه. رُفع على عيون الملأ. وكُتب سببُ صلبه في اللغات الثلاث المعروفة في ذلك الزمان. في العبريّة أو الآراميّة. في اليونانيّة وفي اللاتينيّة. مات لأنَّه جعل نفسه ملك اليهود، ولا ملك لنا سوى قيصر.

ورأته النسوة يُدفن في قبر جديد، كان يخصّ أحد الوجهاء الذي اسمه يوسف الراميّ. واستعدَّت تلك النساء لكي يحملن، بعد نهاية السبت، الحنوط اللازمة، لكي يحنِّطن الجسد ويدهنَّه بالطيب، كما كانت العادة. ولكنَّ الجسد لم يعد هنا. إنَّه قام كما قال الملاك.

فهذا الذي مات ودُفن، هو الذي قام. قام بقدرته الإلهيّة. ويمكن أن نقول أيضًا إنَّ الله أقامه. الآب أقامه بما أنَّه إنسان وهو قام بما أنَّه إله، لأنَّ الفساد لا يمكن أن يصل إليه. لهذا، حين جاءت النسوة والرسل، لم يجدوا في القبر سوى المنديل واللفائف.

فجسد المسيح لا يُرى بعد موته، بالعينين. ولا يُسمع بالأذنين. هو جسد ممجَّد. ولا يراه إلاّ المؤمنون به مع الربّ في السماء وإذ ربط بولس موتنا بموت المسيح وقيامتنا بقيامته، دعانا إلى أن تكون حياتنا في جوِّ الفرح والرجاء الذي شاع في انتصار المسيح على الشرّ والخطيئة والموت.

خاتمة

خبرة فريدة عاشتها الكنيسة الأولى، بعد أن ظهر الربّ لبطرس وللإثني عشر. رأوا أنَّ ذاك الذي مات قد قام. هذا ما تلقّاه بولس، فتسلَّمه وسلَّمه بدوره إلى كنيسة كورنتوس، ويسلِّمه إلينا اليوم، نحن الذين تهيَّأنا لعيد الفصح بزمن الصوم المبارك وأسبوع الآلام المجيدة. أجل نحن أبناء القيامة. لا شكّ في أنّنا سمعنا الكتب يوم الجمعة العظيمة تتحدَّث عن ذلك الذي أخذ أمراضنا وحمل أوجاعنا فحسبناه ذا برص، عن ذاك الذي سيق كشاة إلى الذبح. ولكنَّ الموت وجهة من حياة يسوع على الأرض. أمّا القيامة فبداية حياته في السماء.

من حيث إنَّه مات، فقد مات مرّة واحدة. ولكن من حيث إنَّه حيّ، فهو حيّ إلى الأبد. وكان النداء: أنتم احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطيئة، أحياء لربِّنا. وحين نكون أبناء القيامة، نعيش كأبناء القيامة حسب ما يقول لنا الروح: في المحبّة والفرح والسلام والصبر والصلاة والأمانة والوداعة والعفاف. ذاك هو تعليم بولس الرسول لنا. هلاّ سمعناه، وتأمَّلنا فيه، وحاولنا عيشه!

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM