الوعد بالروح القدس.

 

الوعد بالروح القدس

سأطلب من الآب أن يعطيكم معزِّيًا آخر يبقى معكم إلى الأبد.

الروح القدس هو المعزّي الآخر. والمعزّي الأوَّل كان يسوع نفسه كما في 1يو 1: 2.

يتحدَّث النصُّ عن البارقليط، أي المحامي والمدافع والمشير والمعزّي. فالقيمة القانونيّة للَّفظة تلمِّح إلى المسيحيّين الذين يقفون أمام المحاكم. كان يسوع قد حدَّث تلاميذه عن الروح الذي يساعد تلاميذه المتَّهمين (لو 2: 12). وخلال حياته على الأرض دافع هو نفسه عن الذين تجاوزوا السبت (مت 12: 1).

همُّ يسوع الأكبر تجاه تلاميذه هو أن يكون حاضرًا، أن يدافع، أن يقدِّم النصح، أن يتكلَّم باسمهم. والآن وقد ترك هذا العالم، جاء الروح »وأخذ المشعل«. حتّى وإن كنّا لا نراه، فنحن نحسُّ بنتائج الخير التي يمنحها حضورُه. هذا ما نعنيه حين نتحدَّث عن »العزاء«. حضور صامت كلُّه انتباه. جلوس بقرب الذي يعيش الضيق والألم.

والتعزية (= والتشجيع، والتحريض) التي يتحدَّث عنها مرارًا أعمال الرسل، هي امتداد لعمل يسوع في الكنيسة. سيتجلّى يسوع أيضًا بهذا الروح »الذي يحلُّ محلَّه«، شرط أن يحفظ التلاميذ وصاياه. نحن أمام التعليم الإنجيليّ بشكل عامّ وأمام الوصيّة »الجديدة«.

حين تحلُّ حالة الرعب، يجب أن نعقد الخناصر ونبدأ بمحبَّة بعضنا بعضًا. إذن يدعو يسوع بصورة مؤثِّرة أصدقاءه ليبقوا أمناء له في وقت المحنة. يجب أن لا يتشتَّتوا ساعة يبدو وكأنَّ كلَّ شيء ضاع. لا، لم يضع شيء، وإن قام العالم بهجوم مضادّ. فالعالم هو عكس الروح. إنَّه المتَّهم. هناك روحان يتقابلان (1يو 6: 4): روح الظلمة وروح الحقّ.

إنَّ روح الحقّ يتابع عمل الوحي الذي بدأه يسوع. بل هو يقود الرسل إلى الحقِّ كلِّه. أجل، إنَّ الوحي يتواصل، ويقوم الروح بعمل تذكير وتعميق. كان حاضرًا يوم كان يسوع حيٌّا. أمّا الآن، فحضوره هو من نوع آخر. هو يخلف نفسه بنفسه. في هذا المعنى، يبدو البارقليط الآخر ظهورًا جديدًا لإمكانيّات تدخُّل مختلفة. ومهما يكن من أمر، فحقل نشاطه يتَّسع ويأخذ كلَّ المكان الذي تركه يسوع.

صلّى يسوع لكي يتمَّ هذا. فهو يعرف أنَّ تلاميذه مهدَّدون. هم كاليتامى، غير أنَّ الروح الحاضر فيهم ليس »قطعة غيار« لوقت الحاجة فقط! إنَّه قوَّة داخليّة تجعلنا نحسُّ أنّنا محبوبون ومعروفون لدى الآب. وكما أنَّ عمله هو امتداد لحياة نالها المسيحيّون في المعموديّة، وكما أنَّه أعاد الحياة إلى المسيح، هكذا يجعل المسيح حاضرًا اليوم في الكنيسة وفي العالم. يرى المؤمنون حضوره بما يتحقَّق فيهم. وهو يقوم بتحوُّلات مدهشة. وبهم يستطيع الناس أن يتعرَّفوا إلى يسوع. فهم يشبهونه شبهًا يكاد يكون تامٌّا بفضل الروح الذي يُنعشهم بديناميَّته.

* * *

قال يسوع: »إن أحببتموني كنتم أمناء لوصاياي«. الحبُّ تجاه الوصايا! هل هناك توافق بين الاثنين؟!

هناك توافق إذا جعلنا كلمة »وصيّة« في صيغة المفرد حينئذٍ نكون في المحبَّة. قال يسوع: »لا أعطيكم إلاّ وصيّة واحدة. أحبُّوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم«. إذا تفحَّصنا هذه الأداة »كما«، لن نجد تعارضًا بين الوصيّة والمحبّة. حين نحبُّ »كما« يسوع يحبّ، ندخل في حبٍّ واحد يجري كالشلاّل: »كما أحبَّني الآب كذلك أنا أحببتكم. كما أحببتكم أحبُّوا بعضكم بعضًا« (يو 15: 9، 12).

نحن نفسِّر معجزة الحبِّ الوحيد حين نضع حبَّ الله قرب حبِّ القريب وكأنَّهما شيئان مختلفان. نقول: يجب أن أحبَّ الله. يجب أن أحبَّ إخوتي. فحرف العطف (و) يخلق لنا المشاكل فنتساءل: هل حبُّ الله أم القريب؟ هل أتفرَّغ للصلاة أم للرسالة؟ ماذا أختار، الصلاة أم الالتزام الاجتماعيّ؟

ويأتي جواب يسوع مع حرف الجرّ »في«. »أنا في أبي. أنتم في أبي، أنا فيكم«. هذا الحرف (في) هو سرُّ الوجود المسيحيّ: إنَّه يدعونا إلى الدخول في الحبّ، في الحبِّ الوحيد، وأن نبقى فيه.

في هذا الحبّ، تُولد أعظم أشكال الجوع في الحياة المسيحيّة: جوع إلى الاتِّحاد بالله. جوع إلى الصلاة. جوع إلى القدّاس، ولكن يحكم على هذا الجوع اندفاعُ الحبّ نحو الإخوة. حبٌّ هو جدّيّ حين يكون عطاء ومساعدة ملموسة. وهكذا يصبح »وصيّة«، لأنَّ المحبّة الأخويّة واسعة، غير أنَّها تضيع سريعًا في الأحلام. نتكلَّم عن المحبَّة بصورة عامَّة، وننسى أن نحبَّ جارنا في العمل...

يقول لنا يسوع: حين تحبُّ أخاك تحبُّني أنا. هناك رباط بين الله والقريب، ونحن نقطع هذا الرباط. متى نصل إلى هذه الحقيقة؟ نحن لا نحبُّ يسوع وإخوتنا (مع واو العطف)، بل نحبُّ يسوع حين نحبُّ إخوتنا، ونحب إخوتنا حين نحبُّ يسوع. إذا أحببتموني كنتم أمناء لكلِّ نداءات الحبّ.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM