رسالة بطرس الأولى.

 

رسالة بطرس الأولى

»من بطرس إلى المختارين..«. هكذا تبدأ رسالة بطرس الأولى. نتعرَّف إلى مرسل الرسالة، إلى الذين أرسلت إليهم، ونتوقَّف عند المضمون، وننهي بنظرة إلى الحياة المسيحيّة كما يراها ذاك الذي قال له يسوع: إرعَ خرافي، إرعَ غنمي.

1- كاتب الرسالة والقرّاء

منذ البداية نفهم أنَّ بطرس هو الذي أرسل الرسالة. قد يكون فكَّر فيها، واسمه اسم يونانيّ (الاسم الساميّ هو سمعان)، وقد يكون عرف بعض اليونانيّة. طلب من أحد تلاميذه، وهو سلوانس (5: 12)، أن يكتب تأمُّلات الكنيسة حول الرجاء الذي فينا. وبجانب سلوانس نجد مرقس كاتب الإنجيل الذي يعلن أنَّ يسوع هو المسيح وابن الله.

بطرس هو »رسول يسوع المسيح« (1: 1) هو »الشيخ« أي الرئيس الذي امتدَّت به الأيّام. وهو الشاهد لآلام المسيح (1: 5). هو الراعي يكتب إلى الرعاة، فيدلُّهم على الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن أحبّائه. لا يتوقَّف هذا الرسول عند حياة يسوع على الأرض، ولا عند تعليم ذاك المعلِّم الذي لأجله ترك الرسل كلَّ شيء وتبعوه. بل يقدِّم نظرة عامّة إلى آلام المسيح وموته: »فالمسيح تألَّم من أجلكم، وجعل لكم من نفسه قدوة لتسيروا على خطاه. ما ارتكب خطيئة، ولا عرف فمُه المكر. ما ردّ على الشتيمة بمثلها. تألَّم وما هدَّد أحدًا، بل أسلم أمره للديّان العادل، وهو الذي حمل خطايانا في جسده على الخشبة«، خشبة الصليب (2: 2-24).

هذا ما كتبه بطرس إلى مسيحيّين مضطَهدَين، والسبب ليس لأنَّهم قتلوا أو سرقوا، بل لأنَّهم مسيحيّون. هم يقيمون في ما يُسمّى اليوم تركيّا. يعيشون كغرباء في محيطهم. فاليهود لا يقبلونهم، لأنَّهم اعترفوا أنَّ يسوع هو المسيح. والوثنيّون يرفضونهم، لأنَّهم لا يعبدون الإمبراطور مثلهم، ولا يسجدون للأصنام. هم غرباء وهم مشتَّتون. هم أقلّيّة وسط أكثريّة وثنيّة. ولكنَّهم لا يبكون ولا يتباكون. إنَّهم كالملح في الطعام. فليعرفوا مسؤوليَّتهم أنَّهم كالخمير الذي يخمِّر العجين كلَّه. فلهذا دعاهم الله (2: 21). دعاهم، فأخرجهم من الظلمة إلى نوره العجيب (2: 9). وهو يطلب منهم أن يكونوا نور العالم، فيُشعّوا بأعمالهم الصالحة ويمجِّدوا الآب الذي في السماء.

2- مضمون الرسالة

بعد العنوان والتحيّة، جاءت الرسالة في أربعة إرشادات أعطيت للذين يستعدّون للعماد، في إطار مخطَّط الخلاص: »غاية إيمانكم خلاص نفوسكم« (1: 9).

توجَّه الإرشاد الأوّل (1: 13-2: 10) إلى مسيحيّين من أصل وثنيّ، فدعاهم كي يتخلّوا بشكل نهائيّ عن طريقة حياتهم في الماضي. الله قدّوس وقد دعاكم إلى القداسة: »كونوا قدّيسين لأنّي أنا قدّوس« (1: 16). كانت سيرتُكم باطلة، شرّيرة، لا نفع منها. ولكنَّ دمَ المسيح افتداكم، فنقلكم إلى عالم الحبّ، وقال لكم: »أحبّوا بعضكم بعضًا حبٌّا طاهرًا من صميم القلب« (1: 22). اتركوا المكر والنفاق والحسد والنميمة. وبعد هذه النصائح المتعلِّقة بحياة الجماعة، نفهم الأساس التعليميّ: اختار الله المسيحيّين لكي يكونوا الهيكل الروحيّ (الذي يقيم فيه الله) الذي يُعلن أعمال الله العجيبة في العالم (2: 9).

وبدأ الإرشاد الثاني (2: 11-3: 12) بإعلان عامّ حول السلوك الذي نسلكه لكي نكون نور العالم: ينظرون إلى أعمالكم الصالحة فيمجِّدون الله (2: 12). وتردُ واجباتُ المسيحيّين حسب وضعهم. تجاه السلطات نخضع لها. والعبد يخضع لسيِّده ولا ينسى أن يكون حرٌّا في قرارة قلبه. وبعد الكلام عن واجبات المتزوِّجين، نسمع نداء لعيش المحبّة الأخويّة: »وليكن لكم جميعًا وحدة في الرأي وعطف وإخاء ورأفة وتواضع. لا تردّوا الشرّ بالشرّ، والشتيمة بالشتيمة، بل باركوا فترثوا البركة« (3: 8-9).

ويدعو الإرشاد الثالث (3: 13-4: 11) المؤمنين للثقة بالله رغم المضايقات التي تواجههم في العالم. »لا تخافوا من أحد ولا تضطربوا« (3: 14). أمّا أساس هذه الثقة، فانتصار المسيح انتصارًا كاملاً: »فالمسيح نفسه مات مرّة واحدة من أجل الخطايا. مات وهو البارّ من أجل الأشرار ليقرِّبكم إلى الله. مات في الجسد، ولكنَّ الله أحياه في الروح« (3: 18). والنتيجة العمليّة التي نستخلصها من مَثل المسيح: نقطع كلَّ رباط بالخطيئة، ونترك الشهوات البشريّة (4: 2). كما نفهم أهمّيّة السهر واليقظة من أجل الصلاة (4: 7) لكي نجعل المواهب التي أُعطيناها في خدمة الآخرين (4: 10).

والإرشاد الرابع والأخير (4: 12-19) يُفهم المؤمنين أنَّ الاضطهاد قريب. إذن، يجب أن لا نتراخى. نعمل الخير ونسلِّم نفوسنا إلى الخالق الأمين (آ19). فهو الذي خلقنا، وهو الذي يحفظنا بعنايته إلى المنتهى. والكلامُ الأخير يذكِّر الرعاة بمسؤوليّاتهم، ويدعو الجميع إلى التواضع والسهر: »فإبليس يجول كالأسد الزائر باحثًا عن فريسة له، فاثبتوا في إيمانكم وقاوموه« (5: 8-9).

3- الحياة المسيحيّة

كيف تبدو الحياة المسيحيّة في رسالة بطرس الأولى؟ لا يتوخّى الكاتب أن يقدِّم أسس الإيمان التي عرفها القرّاء فيما مضى (1: 12). بل يدعو الجماعات المسيحيّة التي تحسّ بالمضايقات المتنامية، أن تثبت من أجل الرجاء الذي فيها. لهذا، يدعو المسيحيّين إلى أن يرفعوا عيونهم إلى المسيح لكي يعوا قدرة الحياة الجديدة التي فيه: »وَلدنا من بين الأموات ولادة ثانية لرجاء حيّ، ولميراث لا يفسد« (1: 3-4). كما يدعوهم إلى الرجاء الذي هو ينبوع فرح في حياة المؤمنين يومًا بعد يوم.

في هذا الإطار، نتوقَّف عند ثلاثة أفكار:

* نتجذَّر في المسيح

اختارنا الله في يسوع المسيح، فصرنا في شعبه (1: 2-3). فيبقى علينا أن نتجذَّر في العمل الذي قام به المسيح. لهذا، يذكِّرنا الكاتب بذبيحة المسيح وآلامه، ويدعونا إلى اقتفاء خطاه. ويشدِّد على انتصار المسيح انتصارًا يمتدُّ إلى كلِّ طبقات الكون فيصل إلى عالم الموتى (3: 19).

* نعيش الرجاء

موضوع الرجاء مهمّ في هذه الرسالة، والحديث يبدأ عنه في 1: 3 والكلام عن الرجاء الحيّ. من أين جاء هذا الرجاء؟ لا من المخيِّلة، ولا من مجهود الإنسان. بل هو عطيّة مجّانيّة يَهبها الله لنا بقيامة ابنه. وموضوع الرجاء محور الملكوت الآتي والميراث الذي لا يفسد (1: 4). مثل هذا الرجاء يدعونا لكي نحيا حياة جديدة، ونجاهد بفرح رغم المحن التي تعترضنا. هكذا نردّ على كلِّ مَن يطلب منّا دليلاً على الرجاء الذي فينا (3: 15).

* نكون شهودًا

اختار الله المؤمنين لكي يخدموه ويعلنوا أعماله في الأرض كلِّها. تبدأ الخدمة في الكنيسة على مستوى المحبّة الأخويّة (1: 22)، وتصل إلى المسؤولين. وفي النهاية، يُطلب من كلِّ مؤمن أن يشهد بحياته لله، في الوضع الذي يعيش فيه. فتكون أعمالنا إكرامًا للربّ (2: 13)، فنبحث في كلِّ وقت عن مشيئة الله (2: 15)، ونعيش في التقوى ومخافة الله (2: 16).

خاتمة

توجَّهت رسالة بطرس الأولى إلى جماعات المسيحيّين المشتَّتين، الذين يعيشون أيّامًا صعبة بسبب إيماهم. وهي تتوجَّه اليوم إلينا، وتدعونا إلى الرجاء رغم الصعوبات، كما تدعونا إلى أن نشهد للربّ بكلامنا، نعترف به كي يعترف بنا. وأن نشهد له بحياتنا، وهكذا نُسكتُ بأعمالنا الصالحة جهالةَ الأغبياء (2: 15)، جهالة الذين لا يريدون أن يعرفوا الله، على ما في المزمور (14: 1): قال الجاهل في قلبه: الله غير موجود. وإن هو وُجد فلا يفعل!

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM