من الكتاب إلى الحياة.

من الكتاب إلى الحياة.

الكتاب المقدّس مكتبة تضمّ 73 كتابًا، تتوزّع بين العهد القديم والعهد الجديد. يصوّر لنا المجتمع في واقعيّته. الخطيئة هي هنا، من زِنى وقتل وظلم وجوع. الحرب والعنف مع صوَر تجعلنا نتساءل هل هذا الكتاب هو كلام الله حقًا؟ والجواب: نعم. فالله يأتي إلينا بواسطة أنبيائه ورسله. وكتُبهُ خير شاهد على حضوره. لهذا نقرأ الأسفار المقدّسة، ونحن عالمون أن ما دوّن فيها إنّما دُوِّن لتعليمنا.

1- الكتاب طريق حياة

فالكتاب المقدَّس ليس مجرّد أخبار تُعظّم الملوك وأصحاب السلطة ومن وراءهم من آلهة كاذبة. هو طريق حياة نسير فيها إذا شئنا. ولكن يستطيع الإنسان أن يترك هذه الطريق ويروح في طريق الهلاك. فإذا كانت قراءتنا للكتاب المقدَّس لمجرّد القراءة، نكون قد أضعنا وقتنا. يجب أن نصل إلى العيش. ولا نكتفي بالكلام. فقد سمعنا كلام يسوع: »ما كلُّ من يقول لي : يا ربّ، يا ربُّ، يدخل ملكوت السماوات، بل من يعمل بمشيئة أبي الذي في السماوات« (مت 7: 21).

جاء إلى يسوع أحدُ علماء الشريعة، ذكر الوصايا. ماذا كان جواب يسوع: »إعملْ هذا فتحيا« (لو 10: 28). وطرح ذاك العالم سؤالاً آخر: من هو قريبي؟ روى له يسوع مثلاً دلّ على اهتمام السامري المسافر بجريح وجده في الطريق. وفي النهاية قال: »إذهب أنت واعمل مثله« (آ 27).

القريب ليس فقط أخي واختي وابن عمي وابن طائفتي... القريب هو كلّ إنسان أكون بقربه، وهو يحتاج إلى حضوري، إلى مساعدتي. لا أنظر إلى لون جلده ولا إلى فتحة عينيه. لا إلى قامته ولا إلى مركزه في المجتمع . هذا أنا اقترب منه، ولا أنتظر أن يتوسّل إليَّ. »ما تفعلونه لأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فمعي تفعلونه« (متى 25: 40).

ماذا نفعل؟ هناك الجائع والعطشان والغريب والعريان والسجين والمريض.الحاجات كثيرة حولنا. ذكر يسوع بعضها. وهناك الشيء الكثير غيره. كلّ واحد هو أخ ليسوع، وبالتالي أخ لي. فمحبّة الله تكون صادقة حين نعيش المحبّة مع القريب. في العائلة، في المجتمع، في العمل. والمحبّة لا تكون فقط منعًا وتهديدًا: لا تقتل، لا تسرق، لا تزنِ. بل هي عمل إيجابي. إن انت ما اسعفت أخاك في ضيقه، قتلتَه. إن عشت حياةً من الأنانيّة فتركت الاهتمام بأسرتك، كنت قاتلاً. ولا ننسى نحن الذين يقتلون أنفسهم. يهتمّون بأمور الطعام والشراب فقط. بل يركضون وراء ما يشوِّه حياتهم اليوميّة فيصبحون عبيد الشهوات.

2- متطلّبات كلام الله

ولكن الحمد لله. المؤمنون يقرأون كلام الله ويحاولون العيش بحسب ما يطلبه منهم. أذكر تلك السيدة التي مضت تطلب السماح من كنّتها، فانزعج زوجها. ماذا كان جوابها؟ هذا ما يقول الإنجيل. أنتم لا تقرأون الإنجيل. وسقطت كلّ البراهين البشريّة. الخلافات فيما بيننا تعني أنّنا ضدّ الإنجيل الذي يطوّب ويهنّئ الودعاء، وفاعلي السلام والساعين إليه: »هنيئًا للودعاء. هنيئًا للرحماء لأنهم يُرحمون. هنيئًا لصانعي السلام لانهم أبناء الله يدعون« (مت 5: 5-9). قال يسوع مرّة لليهود: لا تطيقون ان تستمعوا الى كلامي (1يو 8 :43). ويواصل: »أنتم أولاد أبيكم إبليس وتريدون أن تتبعوا رغبات أبيكم« (آ 44). ومن هو هذا »الأب« البعيد كلّ البعد عن الآب السماوي الذي يشرق شمسه على الأخيار والأشرار، ويسكب غيثه على الأبرار والفجّار؟ هو أبو الذين يرفضون قراءة كلام الله والعمل به. هو إبليس : »لا حقّ فيه. يكذب، والكذب في طبيعته، لأنه كذّاب وأبو الكذب« (آ 44). هؤلاء تركوا الآب السماوي وأخذوا أبًا آخر. ونحن؟

3- قراءة الكتاب

نحن نقرأ الكتاب المقدّس، كلّ يوم. خمس أو عشر دقائق أو أكثر إذا شئنا. نقرأه على مهل. نتأمل في آياته. نبحث فيه عن عمق إيماننا. إلاّ إذا كان سطحيٌّا! عندئذٍ نخسره سريعًا بكذب يحمله إلينا أناسٌ كذبة. فنصبح مثل حبّة القمح التي زُرعت على الطريق، فجاء الطير وأكلها (متى 13: 4). وجاء الشرّير وانتزع المزروع في القلوب(آ19). تكون كلمة الله المرآة التي نرى فيها وجوهنا، أقوالنا، أعمالنا، تصرّفاتنا. كيف تصرَّف الذين سمعوها؟ وكيف أتصرّف أنا تجاهها؟ أشفق يسوعُ على رجل يده اليُمنى مشلولة، وما أشفق أصحابُ القلوب القاسية. رفض يسوعُ أن تُرجَم الزانية. فخاف كبار السن، لأنهم ليسوا أفضل منها. مرّات نقول ولا نفعل. نريد من الناس أن يكونوا »تحت الشريعة« ونحن لا نحرِّكها بإحدى أصابعنا (متى 23: 5).

نقرأ الكتاب المقدّس. يرافقنا آباءُ الكنيسة في شروحهم. يرافقنا الشرّاح اليوم الذين يساعدوننا كي نفهم ونقرأ كما فعل فيلبس مع وزير ملكة الحبشة. كان يقرأ. سأله فيلبس:»أتفهم ما تقرأ ؟«. فأجاب الوزير: »كيف أفهم ولا أحد يشرح لي؟« (أع30:8-31). ونحن مثل هذا الوزير. نقرأ الكتب. نقرأ الشرح. ثم نبحث كيف نعيش ما قرأنا. فمن عرف ورفض أن يعمل، يكون »عقابه« كبيرًا، يكون مسؤولاً تجاه الآب الذي أعطاه الوزنات فما تاجر بها.

الخاتمة

تلك تكون قراءتنا للكتاب في سنة الكتاب، بل في كلِّ أيّام حياتنا. فكما نأخذ القربان المقدّس زادًا لنا في السفر، كذلك نأخذ كلام الله الذي هو مائدة تقدّم لنا نحن الجياع والعطاش، لا إلى الخبز بل إلى كلمة الله. انطلق الكاتب الملهم من الحياة فقرأها على ضوء كلام الله. ونحن ننطلق من كلام الله الذي يضيء على حياتنا فنسير وراء من هو الطريق والحق والحياة. وراء يسوع المسيح. معه بدأ إيماننا. ومعه يكمُل. عندئذٍ نستحق أن نُدعى »مسيحيّين« كما دُعيَ جدودنا الأوائل في أنطاكية.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM