في احتفالاتنا الليتورجيّة ننشد الكلمة،نسمعها

 

في احتفالاتنا الليتورجيّة

ننشد الكلمة، نسمعها

الليتورجيا هي عمل الكنيسة الجماعيّ. معًا نرفع أيدينا، معًا نصلّي. نحن نستطيع أن نصلّي في البيت، كما قال لنا يسوع: أدخل مخدعك وأغلق بابك. ولكنّه قال: حيثُ اجتمع اثنان أو ثلاثة، فانا بينهم. نستطيع أن ننشد ساعة نشاء، ولكن النشيد مع إخوة وأخوات مرصوصين حول المذبح، ينعش الإيمان ويعطي الشجاعة أمام الصعوبات. والكلمة نسمعها على الراديو. نقرأها وحدنا في البيت. ولكن ما أجملنا حين نسمع كلّنا الكلمة الواحدة في الكنيسة ساعة يهتف الشمّاس: كونوا في السكوت. كلّنا نصمت معًا. كلّنا نسكت معًا. نحن لا نفرض كلامنا على كلام الله، بل نكون معًا مثل العبرانيّين على جبل سيناء: أنا الربّ إلهك، لا يكن لك إله غيري.

1- النشيد في الليتورجيا

يقول البعض: أنا ذاهب لأصلّي في القدّاس. بل لأعيش القدّاس. وكذلك لأعيش الليتورجيا مع شعب الله. نحن لا نصلّي فقط في الليتورجيا. بل نُنشد. وأوّل أناشيدنا هي المزامير. نرتّلها كلّها. أو في جوقين. أما هكذا بدأ الكتاب المقدّس. قال الكاهن: وقال الربّ ليكن نور فكان نور. فأنشدت الجوقة الأولى: ورأى الله أن ذلك حسن. والجوقة الثانية: وكان مساء وكان صباح يوم واحد (تك 1: 2-5). مرّات في الأناشيد العائدة إلى السريانيّة، يتذكّر المؤمن نصٌّا من الإنجيل فيطبّقه على حياته: أيّها الفلاّح الصالح. في حقلنا الزؤان الذي زرعه إبليس. اجعلنا لك حنطة مختارة. هذا ما نقرأ في إنجيل متى (13: 24 ي). أو: أنت قلت لإبراهيم إنك تصفح عن المدينة إن وجدت فيها عشرة أبرار، فاصفح عنا بشفاعة الأبرار (تك 18: 32).

يا مَن رحمت الخاطئة، ارحمنا. يا مَن رحمت زكّا العشّار والنازفة وابنة يائيرس. ونحن في زمن الصوم بشكل خاصّ، ننشد حول هذه الأحداث. كما نتلو المقاطع العديدة من الأناجيل: لا تعملوا للقوت الفاني، بل للقوت الباقي للحياة الأبديّة. أو: طوبى للساعين إلى السلام، فإنهم أبناء الله يُدعون. أو: نحن ساهرون ومصابيحنا مشتعلة ننتظر عودتك أيها الربّ يسوع.

وفي أسبوع الآلام، تقدّم لنا الكنيسة ليتورجيا خاصّة، تربطنا بآلام يسوع وموته وقيامته. فيوسف بن يعقوب باعه أخوته، كما اليهود باعوا يسوع.ونابوت اليزرعيلي(1مل1:21ي) حكم عليه شهود الزور ظلمًا، وكذلك يسوع من قبل الشعب اليهودي. وأيّوب الجريح صار رمزًا ليسوع الذي أخذ أمراضنا وحمل أوجاعنا. هتف من قلب الموت منشدًا القيامة: »أعرف أن فاديَّ حيّ، وسأقوم آجلاً من التراب، فتلبس هذه الأعضاء جلدي، وبجسدي أعاينُ الله« (أي 19: 25-26). ولكن شتّان ما بين الصورة والحقيقة، بين الرمز وكماله في يسوع المسيح.

يا ليتنا نأخذ كتاب القدّاس، أو صلاة المؤمن، ونكتشف النصوص الكتابيّة التي تملأ الصفحات. فآباؤنا تركوا لنا تراثًا من الليتورجيا استلهموا فيه الكتاب. »أكلوه« كما فعل حزقيال (3: 1-3). هضموه وأوصلوه إلينا كما الأمّ تحوّل ما تأكله إلى طعام يلائم أولادها. أما هكذا قال الرسول لأهل كورنتوس: »غذّيتكم باللبن الحليب، لا بالطعام«؟ (1كور 3: 2). ما زالوا ضعفاء في بشريّتهم. هم من لحم ودم، ما صاروا بعد روحيّين. ونحن »نأكل« الكتاب مع الكنيسة. سواء تلونا صلوات، أو أنشدنا أناشيد. هو الكتاب »غذاؤنا« الروحيّ، قبل كلِّ ما يمكن أن نجد من صلوات هنا أو هناك. إن لم تمتلئ الليتورجيا عندنا بالكتاب المقدّس، نكون كمن يترك ينبوع الماء الحيّ ويحتفر آبارًا هنا وهناك (إر 2: 13).

2- سماع كلمة الله

نصلّي الكتاب المقدّس. ننشده. وأخيرًا نسمعه. لهذا يقول لنا الشمّاس قبل قراءة الإنجيل: »كونوا في السكوت أيّها السامعون«. أتُرى نحن نتكلّم خلال القدّاس: لا سمح الله. نحن نصمت لنصلّي ونترك الآخرين يصلّون. وهناك صمت آخر صمت القلب الذي يسكت، لينفتح على كلمة الله فيحفظها ويعمل بها.

الذروة في الليتورجيا هي قراءة كلام الله. في القدّاس، نقرأ من رسائل القدّيس بولس وغيرها من الرسائل. ثم نقرأ مقطعًا من الإنجيل. كلّ ما سبق أعدَّنا لتناول الطعام عن »مائدة الكلمة« قبل أن نصل إلى مائدة القربان. وتأتي العظة التي تنطلق من القراءة الكتابيّة، فتطبّقها على حياة المؤمنين. حينئذ يأخذون منها زوّادة لأسبوعهم أو ليومهم.

وفي صلوات القدّاس، في الصباح وفي المساء. بمناسبة الآحاد والأعياد، تقرأ كنيستُنا ست قراءات. ثلاث من العهد القديم وثلاث من العهد الجديد. هذا ما كان يُفعل مع الشعب الأوّل. القراءة الأولى من التوراة في المعنى الحصري، أي أسفار التكوين والخروج واللاويّين والعدد والتثنية. والثانية من الانبياء، كما فعل يسوع في مجمع الناصرة. »ناولوه كتاب النبي اشعيا. فلما فتح الكتاب وجد المكان الذي ورد فيه: روح الربّ عليّ، لأنه مسحني لأبشر المساكين...« (لو 4: 17-18). وطبّق الكلام: »اليوم تمّت هذه الكلمات التي تلوتها على مسامعكم« (آ 21). والقراءة الثالثة تكون من سفر أيوب، أو الأمثال.

انطلقت الليتورجيا من القراءات الثلاث، وأضافت ثلاثًا. الأولى من أعمال الرسل، أو الرسائل الكاثوليكيّة. الثانية من رسائل مار بولس. والثالثة من الإنجيل المقدّس. والمعنى يكون مترابطًا بين قراءة وقراءة. فإذا أخذنا مثلاً أحد الأبرص نقرأ من سفر اللاويّين »شريعة الأبرص« (لا 13: 1ي). وإذا كانت بشارة زكريّا، عدنا إلى إبراهيم وسارة. ويوم الجمعة العظيمة نقرأ اشعيا النبي الذي يقول: سيق إلى الذبح، وكحمل صامت أمام الذي يجزّه لم يفتح فاه.

الخاتمة

تلك هي الليتورجيا. عمل الجماعة. صلاتها. نشيدها. قراءتُها. سماعها. كلّ هذا منبعه الكتاب المقدّس وقال القدّيس ايرونيمس: من جهل الكتاب المقدّس جهل المسيح. ونقول: مثل هذا الإنسان لا يعرف أن يصلّي. لا يعرف أن يعيش مع الجماعة. وفي القدّاس خصوصًا، تحدث المجمع الفاتيكاني الثاني عن مائدتيْن. اهتممنا كثيرًا بالمائدة الثانية، بمائدة الخبز والخمر. عدنا إلى التناول كلَّ مرةّ نسمع القدّاس، بعد أن كنّا ضائعين بعض الشيء، لأنّنا حسبنا التناول جائزة تُعطى »للقدّيسين« بينما هو دواء للخطأة. يبقى علينا أن نعود إلى المائدة الأولى، مائدة الكلمة. نقرأها، نتأمّل فيها. فنعرف كيف نشارك في الليتورجيا. وإن أضعنا المائدة الأولى لا نستفيد إلاّ قليلاً من المائدة الثانية. فماذا ترانا نعمل؟

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM