الحركات الليتورجية والصلوات وارتباطها بالكتاب.

 

الحركات الليتورجية والصلوات وارتباطها بالكتاب؟

الكتاب هو الكتاب المقدس، لأنه مكرّس ليحمل كلام الله، ولأنه يدعو الإنسان، من قلب خطيئته إلى القداسة. وهو الكتاب، لأنه أعظم كتاب عرفته البشرية. والليتورجيا هي عمل شعب الله. تنطلق من الكتاب المقدس لتكتشف ما تقوم به من حركات، وتتلو من صلوات. حركات شعب الله هي هي، لأنها آتية من الينبوع الحي، وكذا نقول عن الصلوات.

الحركات في الليتورجيا

ليست الليتورجيا النابعة من الكتاب، صلوات وأناشيد فقط. بل هي حركات نقوم بها فنستلهم ما نقرأ في الكتاب المقدس. نرفع أيدينا في الصلاة، فنتذكر كلام المزمور: »رفعُ يديّ كتقدمة المساء« (مز 141:2). نركع فنتذكر سجود المؤمنين مع كلام يسوع الذي عاد فيه إلى سفر التثنية: »للرب إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد« (لو 4:8).

وننال البركة، فنعود إلى نهاية كل احتفال ليتورجي. قال موسى للكهنة: »بمثل هذا تباركون الشعب: يبارككم الربّ ويحفظكم، يضيء الربّ وجهه نحوكم ويرحمكم« (عد 6:23-25). وإذا كان الإنجيل ليتورجيا كبيرة، نفهم أن يكون يسوع بارك التلاميذ وهو صاعد إلى السماء. قال لوقا في نهاية إنجيله: »ثم خرج بالرسل إلى بيت عنيا، ورفع يديه وباركهم« (24:50).

أما هكذا ينتهي القداس: »بركة ربّنا يسوع المسيح تنزل من السماء وتحلّ عليكم...« أو »أمضوا بسلام يا إخوتي وأحبّائي ترافقكم بركة الله«, بعد القداس الاحتفالي وصلوات الأعياد، نبدأ بالبركة يحملها الاسقف إلى المؤمنين: »السلام للبيعة لبنيها«. فنتذكر كلّنا كلام الملاك: »المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام« (لو 2:14).

التطواف أو الزياح

والتطواف، والزيّاح هو في قلب الكتاب المقدس. يمشي في المقدّمة تابوت العهد الذي يرمز إلى حضور الله. هو صندوق ذهبي فيه الوصايا العشر في لوحتين، يلخّص للشعب كلام الله. وفيه المنّ الذي هو رمز إلى عناية الله، فصار المنّ السماوي وصار لنا نحن المسيحيّين، الخبزَ النازل من السماء. من يأكل منه يحيا إلى الأبد. وفي هذا الصندوق أخيرًا عصا هارون التي أورقت وأزهرت وانتجت ثمرًا (عد 17:23). هي رمز إلى الكهنوت في العهد القديم. وإلى الكهنوت في العهد الجديد، الذي يربطنا بيسوع المسيح الكاهن الأوحد، الذي منه نأخذ كهنوتنا كما قال لنا: »ما أنتم اخترتموني، بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتأتوا بثمر وتدوم ثماركم« (يو 15:16).

التطواف الأكبر أو الزياح، هو زياح الشعانين كما فعل الرسل والجموع. »في الغد سمعت الجموع التي جاءت إلى العيد أن يسوع قادم إلى أورشليم. فحملوا سعف النخل وخرجوا لاستقباله وهم يهتفون« (يو 12:12-13). وكان الناس يقولون: »ارفعي رؤوسك أيتها الأبواب. فالداخل هنا هو ربّ المجد« (مز 24:7). ويهتف الكاهن إلى الآتين: »ارفعوا أيديكم إلى القدس ةوباركوا الرب« (مز 134:2). هذا عدا الكلام عن الموسيقى والتصفيق والإنشاد: »بصوت البوق، بالعود والكنارة، بالدفّ والرقص، بالأوتار والمزمار، بصنوج السماع، بصنوج يرافقها الهتاف« (مز 150:2-5).

تلك كانت بعض الحركات التي نقوم بها في الصلاة الليتورجية. يجتمع المؤمنون معًا. وكل ما يفعلونه يستلهم الكتاب المقدس الذي هو كلمة الله كما دوّنها البشر. لهذا، فحركات الجماعة تكون واحدة. لا يقف مؤمن ساعة يركع آخر قربه. بل نكون كلنا »بقلبٍ واحدٍ« على مثال أول المعمَّدين في الكنيسة (أع 2:46). بل مثل الرسل في يوم العنصرة: »كانو مجتمعين كلهم في مكانٍ واحد (أع 2:1). حينئذ »امتلأوا كلّهم من الروح القدس« (آ 4).

الصلوات

والصلوات التي نتلوها في الليتورجيا، هي صلاة الجماعة لا صلاة الفرد. صلاة الكنيسة كلها مع أهل السماء، ننشد: عساكر السماء محيطة معنا بمائدة المذبح. لهذا لا نتلو صلواتنا الفردية في القداس أو في سائر الرتب. بل نشارك في الصلاة، في الترتيل، في السماع. نحن مدعوون إلى وليمة، فهل يأخذ الواحد طعامه ويمضي فيأكله في زاوية؟ كلا بل نكون معًا. لهذا تكون الصلوات في صيغة الجمع، فلا يقول الكاهن مثلاً: »أنا أسجد لك يا إلهي« بل »نسجد لك، يا ملك الملوك وربّ الأرباب« (رؤ 17:14). أو »أهّلنا أيّها الرب الإله« أهّلنا كلّنا. وفي أرفع صلاة، لا نقول: أبي الذي في السماوات. بل أبانا الذي في السماوات. نحن كلّنا نقول له: »أعطنا خبزنا كفاف يومنا« (مت 6:9-11).

هذه الصلوات تستلهم الكتاب المقدس. إن قلنا: ارحمنا يا رب، نتذكر الإله الرحيم الحنون، كما قال الله لموسى على الجبل: »الرب الرب إله رحيم حنون، يحفظ الرحمة لألوف الأجيال، ويغفر الاثم والمعصية والخطيئة« (خر 34:6-7). نصرخ كما صرخ أعمى أريحا: »يا يسوع، يا ابن داود ارحمني« (مر 10:47). كم كانت رحمة يسوع واسعة. أو كما صاحت المرأة الكنعانية: »ارحمني يا سيدي« (متى 15:22).

ومع الرحمة غفران الخطايا. اعترف داود بخطيئته مع أنها كانت كبيرة. فقال له النبي ناتانُ: قال حالاً: »الرب غفر خطيئتك«. ونحن نقول للرب اغفر لنا فيغفر لنا: »إذا كانت خطاياكم كالقرمز فهي تبيضّ كما الثلج« (أش 1:18). نقول للربّ: اغفر لنا كما نحن نغفر. فنتذكر سؤال بطرس: كم مرّة أغفر لأخي؟ أسبع مرّات؟ فيجيب يسوع: »سبعين مرّة سبع مرّات« (مت 18:21-22).

والمزامير في صلاتنا. هي في قلب الكتاب المقدس في عهده القديم. وفي حياة الجماعة. »ارحمني يا الله كعظيم رحمتك« (مز51). »كما يشتاق الأيل إلى مجاري المياه« (مز 42). »ما أحب مساكنك يا ربّ الجنودِ« (مز 84:2). »الرب راعي فلا يعوزني شيء« (مز 23:1). نحن نصلّي إلى الله بكلمات الله. في القداس نتلو المزمور. في صلاة الرهبان الصباحيّة، وفي صلاتهم المسائيّة أيضًا تُتلى المزامير العديدة. »هلّلوا للرب من السماوات، هلّلوا له في الأعالي« (مز 148:1). »أنشدوا للربّ نشيدًا جديدًا. هلّلوا له في جماعة الاتقياء« (مز 149:1).

الخاتمة

الليتورجيا قلب حياة الكنيسة، تأخذ غناها من الكتاب المقدس. فهو كلام الله أمس واليوم وإلى الأبد. لهذا تنطلق قراءتُنا من الكتاب وتصل إلى الليتورجيا. وإذ نعيش الليتورجيا، نعود إلى الكتاب لنعرف أين وُلدت صلاة شعب الله.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM