لوقا الانجيليّ، والكلام عن الميلاد.

 

لوقا الانجيليّ،

والكلام عن الميلاد

قيل: انجيل لوقا هو انجيل مريم، فذكرها بشكل خاص في ما يُسمّى انجيل الطفولة. فمريم هي الوالدة. منذ الحبل إلى الميلاد هي حاضرة. تسمع كلّ ما يقال عن طفلها وتجعله في قلبها. تتأمل فيه. ولوقا، كما يقول التقليد، تعلّم لدى مريم، كيف الكلام عن الميلاد. وها نحن نرافقه في ثلاث محطات: البشارة، ولادة الطفل الإلهي، سجود الرعاة.

1- البشارة (لو 1: 26-38)

» المولود قدّوسًا وابن العليّ يدعى«.

يجب أن يكون يسوع من بيت داود. فداود أبوه، لا يوسف. هذه هي المفارقة. فعلى يوسف أن يؤمِّن التواصل في السلالة. فسلالة داود هي علامة تدلُّ على أمانة الله عبر التاريخ. إنَّها هذا الخطّ الذي يعبر الأجيال ويحمل معه مخطَّط الله الذي لا يتوقَّف.

ولكنَّ انقطاع النسل مع البشارة، جاء يبلبل كلَّ شيء، فالله سيكون أبًا ليسوع: سيُدعى ابن الله. لو لم يكن إلاّ ابن العليّ، لكان بكلِّ بساطة مثل سليمان »العظيم« الذي كان ابن داود. فالذي هو ابن داود بحسب الجسد، سيُقام ابن الله بحسب الروح (روم 1: 4). ولن يكون لملكه انقضاء. هذا ما يمنحه قدرة سامية على مستوى القداسة.

وهذه الحقيقة الجديدة لا تحرم يوسف من عظمة أعطيت له. فهو يُحفظ بمهمَّة ثقيلة تجعله ينقل إرث الأجيال، إرث الإيمان، الذي يمرُّ من الآباء إلى البنين كسلسلة الأجداد. إنَّه أب جديد، أب روحيّ، أب بالتبنّي. وسيشدِّد خبر متى (1: 18) على دعوة يوسف الرفيعة. أمّا الخبر الذي نقرأه الآن فهو خبر دعوة مريم.

مريم تؤمِّن ليسوع وجودًا في الجسد وحضورًا حقيقيٌّا. فيسوع لا ينزل من السماء ككوكب يسقط على الأرض. وهذا بفضلها. إنَّه حقٌّا واحد منّا. أمّا دور الروح فحماية مريم وتغطيتها بظلِّه في مسؤوليَّتها العظيمة بأنَّ الله للعالم. مريم ويوسف سيلعبان الدور عينه: يعطيان يسوعَ موقعًا في التاريخ وفي حياة البشر.

هناك مقطعان يكوِّنان الخبر الذي نقرأ: مقطع عن داود (آ27-32)، ومقطع عن الاسم (آ31-36). أقيم ملكًا بواسطة يوسف، وسُمِّي يسوع بواسطة مريم، فهو يستطيع أن يلعب كامل دوره المسيحانيّ كديّان ومخلِّص. ويتجذَّر مجمل الخبر في »الشهر السادس« (آ26-36) بالنسبة إلى حبل إليصابات. ظهر حبل أمِّ يوحنّا ورُفع عار العاقر. وسيتحرَّك الصبيّ في حشا أمِّه (آ24). وسيكون خصب من نوع روحيّ فيه يجدِّد الله التاريخ ويعيد إليه حيويَّته. فشعب العهد القديم (إليصابات) وجد في مريم بتوليَّة جديدة وشبابًا آخر. حقٌّا ما من شيء غير ممكن عند الله. فلا تدركه شيخوخة الأيّام ولا كرّ السنين.

سلالة داود لا تنتهي. لقد ضاعت في زاوية خفيَّة من زوايا الجليل. ولكنَّ نسلاً ضائعًا ليس نسلاً ميتًا. فسيُولد من جديد بطريقة عجائبيَّة في تواضع زوجَين مثاليّين بالشجاعة والاستعداد للعمل بمشيئة الربّ.

نحن نتحرَّك في ليلة الأزمنة وفي سرِّ الأزل. ففي الحاضر يتمُّ تاريخ عظيم، تاريخ حبٍّ بين الله وشعبه. يصعب علينا أن »ندركه« فيجب علينا أن نخرج من كلماتنا العتيقة المقولبة، لكي نتعلَّم معنى الجديد. حينئذٍ تجتاحنا سعادة نتذوَّقها حين نعرف أنّنا مع المسيح نبني تاريخًا هيَّأه الله لنا منذ الأزل.

»يا ممتلئة نعمة«. إنَّه مصير مريم، هذه الصبيَّة اليهوديّة ابنة 16-18 سنة. هذه الصبيَّة التي اختارها الله لتكون أمَّ ابنه، لتعطي جسدًا لكلمته. إنَّ مصير مريم يفوق كلَّ تصوُّراتنا. ومع ذلك، فهو يعطي صورة نموذجيَّة عن أحد أسس المسيحيَّة: مجّانيَّة العهد بين الله والإنسان. إنَّ مخطَّط الله هو فيض حبٍّ ولا سبب لوجود الحبِّ إلاّ الحبّ نفسه.

منذ البشارة وفي بداية الخلاص، اكتشف المؤمنون مدهوشين أنَّ مخطَّط الله الشامل، وتجسُّد المسيح، وغفران الخطيئة، وتحرير البشريَّة، والحياة في الروح والقيامة، أنَّ كلَّ هذا هو عطيَّة، هو نعمة من لدن الله.

ومريم هي أجمل صورة عن هذه العطيَّة. دهشت، اضطربت. هي لم تدرك حالاً بُعد ما يحدث ولا كيف سيحدث. ولكنَّها تعلن أنَّها مستعدَّة لتتقبَّل »تيّار النعمة« الذي جاء يخصب أرضًا جعلها الشرُّ عقيمة مجدبة.

مسيرة مريم هي مسيرتنا. وإيمانها هو نداء شخصيّ وتقبُّل النعمة، تقبُّل مجّانيَّة الله، وإصغاء لكلمة ما زالت تُزرع فينا وتريد أن تتجسَّد. هي مسيرة في الإيمان بما فيه من نور وظلمة. وثقة بذاك الذي اتَّخذ المبادرة في هذه المغامرة، في هذه الحياة الحميمة، الحياة الجديدة والسرّيَّة مع ذاك الذي جعل منّا »خدّامًا« ولكن خدّامًا مسؤولين.

فإن سمَّت مريم نفسها »خادمة« الربّ، فهذا لا يعني بأنَّ دورها هو مجرَّد »أداة« خاضعة بين يدي الله. لتتجنَّب تحقير الإنسان لكي تُظهر عظمة الله. فدعوة مريم ورسالتها تدلاّن بالأحرى على جدِّيَّة نداء الله الذي لا يريد أن يعمل شيئًا بدون »نعم« حرَّة تتلفَّظ به خليقته.

مريم هي صورة عن كرامة كلِّ إنسان يشارك مخطَّط حبِّ الله. مريم هي البشريَّة التي توافق بحرّيَّة على ما يطلبه الله، التي تقول »نعم« للحياة، تؤمن أنَّ لا شيء مستحيل على من يحبّ.

»لا تخافي يا مريم«! حين يجتاح الله حياتنا، فنداؤه يخيفنا دومًا. لأنّنا نحسُّ مسبقًا بمتطلِّباته. من قال »نعم« لله قبِل أن لا تجري الأمور كما في السابق. ستتبدَّل خياراتنا وما حسبناه من أولويّاتنا. انتهت »الحياة الهادئة المطمئنَّة«! إنَّ »نعم« كلِّ التزام مسيحيّ يتجاوز قوانا البشريَّة وحدها. وهذا المشروع يبعدنا عن الواقع إن لم يكن مشروع الله. وإن لم يُغطِّ الروح بظلِّه حياتنا لنجسِّد فيها حبَّه.

2- ولادة الطفل الالهي

»أبشِّركم بخبر عظيم يفرح له جميع الشعب«.

جاء الله يرتبط بالبشر ارتباطًا لا يحلّ. جاء من عليائه ليلتقي بالبشريَّة، ليكون إنسانًا بين الناس. جاء يتضامن مع البشر فدلَّ على حبِّه وسخائه. عيد الميلاد هو عيد ارتباط اللاهوت بالبشريَّة، هو عيد التجسُّد. والتجسُّد يدلُّ على ارتباط الله الكامل بالبشر. منذ الآن، اتَّحدت البشريَّة بالله جسدًا وروحًا وعقلاً وحياة. وهكذا تمَّ الخلاص.

وُلد يسوع في أيّام الإمبراطور أوغسطس. فالعالم الذي وُلد فيه تسوده سلطةُ رومة. وسيولد يسوع في المكان الذي حدَّدته رومة بمناسبة أحد الإحصاءات. كانت هذه الممارسة بالنسبة إلى القوَّة الحاكمة سبيلاً ناجحًا للتحقُّق من غنى الأفراد (لتحديد الضرائب) ولمعرفة عدد السكّان (للخدمة العسكريَّة). هكذا يدلُّ »السلطان« على حضوره الواضح، فيتذمَّر »الغيورون« الذين لا يرون إلاَّ سلطة الله على البشر. وهكذا نفهم أنَّ يسوع ليس الآن بملك. وأنَّ »مملكته« لا تُقابل بقوى الأرض. لهذا، يخطئ من يعتقد أنَّ مجيء يسوع يحلُّ جميع مشاكل حياتنا. إنَّه يدعونا...

وُلد يسوع في بيت لحم »مدينة داود«، لأنَّ الملك داود وُلد في هذه المدينة. وهكذا تمَّت نبوءة ناتان: يسوع هو حقٌّا ابن داود (مدينة داود هي أورشليم). ويروي لوقا مولد يسوع بطريقة بسيطة. وقد اهتمَّت به أمُّه كما تهتمُّ كلُّ أمِّ بأولادها. ومنذ دخوله إلى العالم هو »مهجَّر«، لأنَّه وُلد بعيدًا عن البيت الوالديّ. لأنَّ لا مكان له في القاعة مع الناس، فوُلد في الغرفة المحاذية، ووُضع في مذود مع البهائم.

بساطة يشدِّد عليها ميلاد يسوع: إنَّهم الرعاة، تلك الفئة المحتقرة في العالم اليهوديّ. وفي الليل الذي هو الوقت العادي لتقبُّل وحي الله، كانوا أوَّل من نالوا البشرى والخبر السعيد. إنَّه يسوع هذا الذي يبدو عاديٌّا، الذي أجبر بسبب إرادة القوى والجشع عند الإمبراطور، أن يقاسم »المهجَّرين« مصيرهم. هو في الحقيقة الربُّ الإله. ويجد الوحي امتداده في علامة، وصداه في نشيد الملائكة الذين يعلنون المعنى الخفيّ للحدث: في ميلاد يسوع تلاقت السماء والأرض. فالله الممجَّد على الأرض بفم الملائكة، جاء يحمل السلام للبشر بواسطة هذا الطفل. أعطى الله ابنه البشريَّةَ فدلَّ على محبَّته لها. كان حدث الميلاد مغمورًا إلى درجة جعلت الناس لا يتذكَّرون الساعة ولا اليوم ولا السنة. لقد دخل يسوع إلى العالم صامتًا. فدلَّ لوقا أنَّ الربَّ أراد منذ ولادته أن يكون مثل الفقراء، أن يتماثل بأفقر الفقراء. ونحن الذين جئنا بعد ميلاد يسوع ونعرف هويَّته الحقيقيَّة، نحن نعيِّد الميلاد حين نرى في هذا الطفل الابن الذي أعطاه الله البشرَ. يسوع تماثل مع الصغار، وعرفه الوضعاء بنعمة منه. هكذا يجب أن يكون الوضع اليوم. فالله يدعونا لأن نرى في وجه كلِّ أبناء البشر ولاسيّما المهجَّرين، الجائعين والمهمَّشين، ابنه الوحيد، وأن نحترمهم ونكرِّمهم كما نكرِّم يسوع نفسه.

هناك ستار من الظلام تزداد عتمته في كثافة هذا الليل من ليالي الشتاء. هذا الستار قد تجاوزناه فاكتشفنا منزل المسيح الذي يغمره النور المنعكس ضياء في الخارج، في سواد الليل: إنَّه كمنارة تُمزِّق الظلام فتقود خطانا. مفارقة غريبة: نحن في آن في قلب الليل وفي قلب النور. هذه هي معجزة الله الخالق: إنَّه يدعونا في هذه الليلة لنحتفل بولادته، لنحتفل بمجيء نور النهار، بمجيء النور والنهار.

وفي مناخ هذا النور المنتصر على الظلمة، نعيش بالفكر هذه الليالي العديدة التي فيها تدخَّل الله لينير الإنسان ويخلِّصه ويجعله يقف على رجليه. هناك الليل العميق في الخلق الأوَّل، ساعة كانت السماء خالية خاوية ولا نور فيها (تك 1: 2). حينئذٍ خلق الله الشمس والقمر والكواكب وقال: ليكن نور. وهناك ليلة الفراغ والرقاد. ساعة كوِّن الرجل والمرأة ليريا النور والنهار، ليريا وجه الله.

وهناك ليلة الطلاق الأوَّل بين الله والبشر: دمَّرت البشريَّة العهدَ (والميثاق) وانفصلت عن خالقها. فوجدت نفسها خارج جنَّة عدن (سعادة لأنَّ الله حاضر)، أمام الباب وفي الظلمة والليل. ولكنَّ الله أرسل شعاع رجاء داخل تلك الليلة. وهكذا سيفعل في كلِّ ليالي المحنة والموت. ليل هابيل الذي قتله أخوه (تك 4)، ليل يوسف حين رُمي في الجبّ (تك 37). ليلة العبرانيّين المستعبدين في مصر وليلة خروجهم (خر 11: 14؛ 12: 12؛ 29)، ليلة الشعب المنفي في بابل. وهناك ليالٍ عديدة تغمر الشعوب والمدن، تغمر جماعاتنا وكلَّ واحد منّا.

إنَّ الليل يمثِّل الاختناق والزوال التدريجيّ. شمعة انطفأت وما بقي منها شيء. كلُّ شيء احترق وذاب، ومال النهار. ولكن في تلك الليلة، كانت الغلبة للنور. بعد هذا لن تطول الليالي وستقضم النهارات منها كلَّ يوم إلى أن يحلَّ فصل الصيف. لقد تغلَّب النور من جديد: لم تعد شعوب الأرض تحت حكم الظلمة بعد أن تفجَّر النور. ولن يستطيع الليل أن يدرك إله النور. والبرهان هو أنَّه ملء الليل أطلع خليقة جديدة: ففي يسوع ولدت خليقة جديدة. عمل روحُ الله مع مريم العذراء لكي يولد ذاك الذي هو النور والنهار. لقد حوَّل ميلاد يسوع الليل إلى نور، كما أنَّ جسد يسوع الموضوع في القبر عند بداية الليل ولَّد حياة جديدة للقائم من الموت وللذين اعتمدوا فيه.

3- سجود الرعاة (لو 2: 16-21)

»جاؤوا مسرعين، فوجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعًا في المذود«.

صوَّر لوقا سجود الرعاة بخفر وإيجاز. وقد جاء بعد الوحي الذي حمله الملائكة. جاؤوا لكي يشهدوا. أمّا المشهد الذي أمامهم فهو بسيط كلَّ البساطة: طفلٌ وُلد حديثًا. ما يزال في القماطات، ووالداه.

لا يشدِّد لوقا على مشهد زيارة الرعاة، بقدر ما يشدِّد على الوحي الذي سبق، وعلى التحوُّل الذي تمَّ فيما بعد. فبعد مرور الرعاة عند يوسف ومريم ويسوع، أخبروا بالحدث وبالكلمة التي رافقته. ثمَّ صاروا مرسلين إلى الناس الذين رأوا في كلمتهم ينبوع دهشة وإعجاب. بعد هذا، عاد الرعاة إلى عملهم اليوميّ. عرفوا الله يوحي في يسوع مشروعه، ولهذا مجَّدوه وسبَّحوه.

في مجمل الكلمات التي تحيط بمجيء يسوع إلى العالم، كانت مريم »تحفظ هذه الأمور وتتأمَّل بها في قلبها«. هذا الصمت ليس انفعالاً وجمودًا. فمريم تشبه الأرض الطيِّبة: »والذي وقع في الأرض الطيِّبة، هم الذين يسمعون كلام الله ويحفظونه بقلب طيِّع ومطيع، ويثبتون فيه إلى أن يثمروا« (8: 15). يتضمَّن هذا التحفُّظ عند مريم قيمة حاضرة ومباشرة: وضعت مريم موضع العمل ما قالته في البداية: »ليكن لي بحسب قولك«. لا شيء يبيِّن لنا أنَّ مريم فهمت كلَّ ما حصل لابنها. المهمُّ هو أن نتعرَّف إلى قلبها المليء بالإيمان والثقة. فصمت مريم يتضمَّن أيضًا انفتاحًا على المستقبل. فالزمن الحاضر يعلن الخلاص الآتي. وعليه أن ينضج في الصبر والصمت والإصغاء.

لم تقل الأناجيل شيئًا عن الفترة الطويلة التي تمتدُّ بين أخبار الطفولة وحياة يسوع العلنيَّة. لقد احتفظ لوقا ببعض المشاهد التي لها معناها. فيجب أن نشكر الروح القدس الذي قاد الجماعة الأولى، فرفضت الأناجيل المنحولة التي تحدَّثت عن طفولة يسوع. فصمت الأناجيل كافٍ في حدِّ ذاته ليعبِّر عن امِّحاء يسوع في حياة عائليَّة بسيطة في الناصرة. فيجب علينا أن نحترم هذا الصمت، ولا نكتب من عندنا ما رفض الإنجيل أن يكتبه.

لقد خضع يسوع لنواميس الوضع البشريّ بما فيها من قساوة. كان إنسانًا كسائر الناس. كان مؤمنًا كسائر المؤمنين، فخضع لطقوس الشريعة اليهوديَّة. حين خُتن أُعطي له اسم »يسوع« كما دلَّ عليه وحي الملاك: »تسمّيه يسوع«، وجد هنا تثبيته العلنيّ. فالاسم يدلُّ على الشخص في واقعه العميق. يعني: »الله مخلِّص«. فهذا الاسم الذي أعطاه الله لابنه يتضمَّن برنامجًا كاملاً. لقد أعلن زكريّا أنَّ الله أقام قوَّة »خلاص« (1: 69). وحين رأى سمعان الشيخ يسوع هتف: »عيناي أبصرتا خلاصك« (2: 30). وحين تبدأ حياة يسوع العلنيَّة، سيستعيد المعمدان كلمات النبيّ أشعيا: »فيرى كلُّ بشر خلاص الله« (3: 6). الاسم هو برنامج كامل: والإنجيل يروي لنا كيف تمَّ هذا البرنامج في يسوع من أجل جميع البشر.

أعلن المجمع الذي انعقد في أفسس سنة 431 أنَّ مريم هي أمُّ الله، والدة الإله. ففي يسوع توجد الطبيعة الإلهيَّة والطبيعة البشريَّة، ولكنَّهما متَّحدتان في شخص واحد، في أقنوم واحد. فيسوع هو إله وإنسان معًا. ولهذا نستطيع أن نسمّي أمَّه »أمَّ الله«. حين أقرَّ المجمع هذه الحقيقة، عمَّ الفرح جميع القلوب. كيف نعبِّر عن هذا السرِّ الإلهيّ بكلماتنا المتعثِّرة؟ نقول إنّ الولد يحمل سمات أبيه أو أمِّه. نقول: هو ابن أبيه، هو ابن أمِّه. فأمُّه مثلاً هي أمُّ هذه الشخصيَّة الفريدة. وهكذا نستطيع أن نرى في يسوع ما جاءه من الله، وما حملته إليه مريم: لحمها ودمها، عقلها وعاطفتها، كلُّ هذا الإرث البشريّ الذي يجعل منه ابن داود. ولكن ليس هناك إلاَّ يسوع واحد. وهو في الوقت عينه ابن الله وابن مريم. وتمتدُّ أمومة مريم على كلِّ ما يجعل يسوع كائنًا واحدًا حيٌّا، كائنًا وحيدًا، وغير منقسم، حتّى في لاهوته. نستطيع أن نسمّي مريم أمَّ الله، لأنَّها في الحقيقة أمّ الكلمة المتجسِّد.

وهنا نقرأ شهادة إحدى الأمّهات: »حين تضع الأمُّ ابنًا، فهي لا تضع كتلة من لحم، بل شخصًا حيٌّا، كما وضعت مريم شخص يسوع، الإله الحقيقيّ والإنسان الحقيقيّ. فعِلمُ الله يعطي معنى لعلم الإنسان في مشاكله اليوميَّة«. وأمَّهاتنا تفهم مسؤوليَّة إله وُلد في العالم.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM