أشعيا النبيّ في حضرة الله القدوس.

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4 /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

أشعيا النبيّ

في حضرة الله القدوس

 

يروي أشعيا النبيّ ما حصل له في الهيكل، سنة 740 ق.م.: رأى السيِّدَ الربّ جالسًا على عرش عالٍ رفيع، وأذيال ردائه تملأ الهيكل. هذا يعني أنَّه نعمَ بحضور الله في بداية رسالته، وامتلأت حياته بهذا الحضور فنفحت رسالته بنفحة روحيّة سوف تعطيه قوّةً لا ينعم بها العاديّ من البشر. رأى بعيني قلبه الربّ. وسمع في أعماقه صوتًا يقول: مَن نُرسل؟ وكان جواب أشعيا: ها أنا فأرسلني.

1- حضور الإيمان

وهكذا تنطلق حياة النبيّ من حضور الله في حياته، فيرى هذا الحضور فاعلاً في العالم. هو يرى ما لا يراه الآخرون. كان الناس كثيرين في الهيكل، وقد جاؤوا يقدِّمون الذبائح ويرفعون الصلوات. ولكنَّ أشعيا تميَّز عنهم. لا شكّ في أنَّه نال نعمة فريدة، والهيكل هو مركز حضور الربّ واللقاء به. ولكنَّه عرف أن يفتح قلبه على عطيّة الله.

هذا ما يحصل لنا مرّات عديدة: نزور معبدًا مقدَّسًا. ننذر النذور، نشارك في الصلوات. ونعود في الأسبوع المقبل أو في الشهر التالي، على مثال الشعب العبرانيّ. تلامس هذه الخبرةُ عاطفتنا، وبعد ذلك لا يبقى شيء. أمّا أشعيا فرأى الربّ. إيمانُه جعله يرى ما لا يراه الآخرون، الملك الحقيقيّ ليس ذاك الجالس على عرش بشريّ تحيط به الجنود، بل الله الذي أمامه تسجد الملوك. الذي يطلب من النبيّ أن ينطلق فينطلق مهما كانت الصعاب التي تنتظره، لأنَّه سمع صوت الربّ في أعماقه: أنا أكون معك. مثل هذا الإيمان الذي يعيشه النبيّ، يحمله إلى الآخرين. كانت أورشليم العاصمة في خطر. خاف الجميع. أمّا أشعيا فما خاف ولا ارتعب. رأى الأمور بعين الله. تقوّى بقوّة الله. ولو هو خاف، لا سمح الله، لدلّ على أنَّه قليل الإيمان، أنَّه يشكّ بعمل الله. آمن، فقال للشعب إن لم تؤمنوا لن تأمَنوا. إن لم يكن لكم إيمان، فلا أمان لكم ولا طمأنينة.

2- حضور الرجاء والثقة

الله حاضر في حياتنا، ولكنّنا لا نراه، حاضر حتّى في الأمور البسيطة، ونحن لا نعرف أن نكتشف حضوره. أمّا إرميا فرأى الربّ فاعلاً من خلال شجرة لوز أزهرت قبل أن يأتي الربيع. هي تستبق الأمور وتفعل قبل الوقت. وهكذا بدا الربّ في عين النبيّ: هو الساهر على كلمته التي لا تعود إليه دون أن تنفِّذ ما أرسلت إليه.

يعلن النبيّ: الله هو هنا، ولكنَّ أشعيا اختبر أنَ الشعب ينظر، يفتح عينيه، ولكنَّه لا يرى. يفتح أذنيه ولكنَّه لا يسمع. بل هو لا يريد أن يسمع ولا أن يفهم. وبعد ذلك يعلن المؤمنون أنَّ الله غائب، أنَّه لا يفعل، أنَّه نسي شعبه.

من أجل هذا يصبح حضور الإيمان حضور الرجاء والثقة. إن كان فينا مثل هذا الرجاء، فنحن نسير في طريق الله ونحن واثقون أنَّ يده تمسك بيدنا. ذاك كان وضع أشعيا حين تقبَّل الرسالة من الربّ. من نُرسل؟ أجاب النبيّ: ها أنا فأرسلني. ولكن من أنت أيُّها الإنسان الضعيف حتّى تقف في وجه الحكّام والملوك؟ فيجيب النبيّ: قوّتي من قوّة الله. معونتنا باسم الربّ. صار النبيّ مدينة حصينة في وجه خصومه الذين يرفضون أن يروا حضور الله ونعمه. فكانت النتيجة خرابًا للشعب. يا ليتهم سمعوا من إرميا! عندئذٍ، لما كانت سقطت أورشليم، وأُحرق الهيكل، وتشتَّت السكّان.

ومهما كانت الظروف قاسية، فالنبيّ يدعو الناس إلى الرجاء، ولا يدفعهم إلى اليأس، يرى الأمور على ضوء كلام الله وفعله في التاريخ، فيمنع المؤمنين من التراخي والتخاذل أمام الصعوبات. فربّما كانت الظلمة أمامكم. فسوف يطلّ النور. مهما كان الخراب، سيبدأ عملُ البناء. فلماذا الاستسلام أو الهرب؟ أراد إرميا مرّة أن يهرب، أن لا يحمل كلمة الله. ولكنَّه أحسّ في أحشائه بنار محرقة. فعاد يكلِّم الشعب ويدعوهم إلى النهوض والانطلاق. فلا مجال للتوقُّف والربُّ يسير أمامنا مثل عمود من نار في الليل وسحاب من غيم في حرِّ الظهيرة.

3- حضور المحبّة والطاعة

وقف أشعيا يومًا على تلّة غُرست فيها الكروم. فقال: أنشد لحبيبي نشيد محبوبي لكرمه. كان لحبيبي كرم في رابية خصيبة نقبه، ونقّى حجارته وغرس فيه أفضل كرمه. ذاك هو حضور الله، آمن بنا فملأ قلبنا إيمانًا، ودعانا إلى أن ننبذ الخوف ونستند إليه كلَّ الاستناد: فهو من يبقى أمينًا، حتّى عندما نخون نحن الأمانة. ويملأ قلبنا رجاء، ويُفهمنا أنّنا سننتصر بواسطة ذاك الذي أحبَّنا.

وحضور الربِّ يملأ قلبنا بالمحبّة. ومحبَّته لكلِّ واحد منّا اكتشفها أشعيا في مثَل الكرم الذي يريده الربُّ أفضل الكروم. وصوَّر هوشع هذه المحبّة في صورة أمٍّ تحنُّ على ابنها، ترفعه على ذراعيها، تعلِّمه المشي. يا ليتنا نكتشف محبّة الله هذه في تفاصيل حياتنا اليوميّة، وإن بدت لنا الأمور، بعض المرّات، قاسية، فمحبّة الله تريد أن تنمينا، أن تجعلنا نعطي ثمرًا. لهذا فهي تشذِّبنا كما يشذِّب الكرّام كلَّ شجرة من أشجاره.

تلك هي محبّة الله لنا، ونحن نردُّ على المحبّة بالمحبّة. وحين نطيعه ندلُّ على محبَّتنا التي لا تكون فقط بالقول والكلام بل بالعمل والحقّ.

ولكنَّ شعب أشعيا رفض أن يتجاوب مع نداء الله هذا. فوبَّخهم النبيّ توبيخًا قاسيًا. انتظر الربُّ أن يثمر الكرم عنبًا، فأثمر حصرمًا برّيٌّا. انتظر الحقَّ فإذا سفك الدم، وانتظر العدل، فإذا الظلم يجعل المسحوقين يصرخون: يأخذون حقل الفقير، بيته، بل لباسه الذي على جسده. وقال النبيّ: لم يتركوا مكانًا لأحد. فكأنّي بهم يريدون أن يسكنوا وحدهم في الأرض! كان حضور الربِّ حضور المحبّة فعملَ كلَّ شيء من أجل كرمه، من أجل شعبه، من أجل كلِّ واحد منّا. عاش النبيّ ما طلبه الربّ. أطاع صوته، فدلَّ من خلال هذه الطاعة على حضور الله الفاعل في المؤمنين، شرط أن يفتحوا قلبهم فيروا ويسمعوا ويفهموا.

خاتمة

انطلقت حياة أشعيا ورسالته من ذلك النور الذي أشرق عليه وهو يصلّي في الهيكل. فسمع أصوات السرافيم تنشد: قدّوس، قدّوس، قدّوس، بل سمع صوت الله يدخل في أعماقه، يدعوه إلى الإيمان الذي ينبذ الخوف، إلى الرجاء الذي يُلغي الإحباط واليأس، إلى المحبّة التي تدعونها إلى محبّة لله تتجسَّد في طاعتنا لوصاياه ومحبّة للقريب تجعلنا نرى فيه صورة الله ومثاله وفي كلِّ هذا، يبقى النبيّ ذاك الذي يشهد لحضور الربّ في الكون، فيا ليتنا نقبل شهادته!

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM