الكتاب المقدَّس غذاء لحياتنا وصلاتنا.

 

الكتاب المقدَّس غذاء لحياتنا وصلاتنا

شبَّه أحد آباء الكنيسة كلمة الله، كما تصلنا في الكتاب المقدس، بجسد الله ودمه كما نتناولهما في الخبز والخمر. فكما نعتني كلَّ العناية لئلاَّ يضيع شيء من جسد الربِّ فيسقط على الارض، كذلك نهتمُّ كما كان يفعل صموئيل النبيّ فلا يترك كلمة من كلمات الله تسقط دون أن يحفظها ويعمل بها. لهذا ائتمنه الله على شعبه. إذا كان ذاك وضع كلمة الله، فهذا يعني أنَّ دورها كبير في حياتنا وفي صلاتنا، حتَّى إنَّنا لا نستغني عنها في حياة روحيَّة حقيقيَّة معًا.

كلمة الله في صلاتنا

تعوَّدنا نحن، في هذا الشرق، أن نتحدَّث عن صلاة القلب. فهل نعرف أنَّ جذورها في الكتاب المقدس؟ نأخذ عبارة صلاة ردَّدها آباؤنا في الإيمان، وردَّدوها حتَّى صمتت منهم الشفاه وتكلَّم القلب. هذا ما حدث لحنّة أمِّ صموئيل. ذهبت إلى المعبد وقلبها حزين، فأفاضت نفسها أمام الله. ظنَّها الكاهن عالي سكرى، فقال لها: »أفيقي من سكرك«. فأجابت »كلاّ يا سيدي، ولكنِّي امرأة مكروبة النفس، أسكب نفسي أمام الربّ« (1صم 1:16). لماذا قال الكاهن ما قال؟ لأنَّه رأى حنة تتكلَّم »في قلبها، وشفتاها تختلجان فقط ولكن لا يسمع صوتها«. أجل تلك هي صلاة القلب التي تصل بنا إلى اختبار مع الله. وإذا كانت حنّة »سكرى«، فسكرها هو من نوع آخر، سكر الحبيبة بحبيبها، والنفس بربِّها، على مثال سكر الرسل يوم العَنصرة. الكتاب المقدس هو كتاب الصلاة. صلّت حنة وقالت: »تهلَّل قلبي بالرب«. وصلّى صموئيل وهو حارس المعبد، فناداه الربّ فأجابه: »تكلّم يا رب فإنَّ عبدك يسمع«. وصلّى داود في ضيقه، فكان من بعض صلواته هذه المزامير، هذه الأناشيد التي تُتلى في كلِّ حاجات الحياة، في ساعات الألم والضيق، كما في ساعة الفرح والراحة، حين يعود الملك منتصرًا على أعدائه وقد أعاد السلام إلى البلاد، وحين تنكسر الجيوش فيحسُّ المؤمن أنَّ الله تخلّى عنه.

نقرأ مثلاً في المزمور13 (12) أربع مرَّات »إلى متى« وفيها ما فيها من عتاب لله. »إلى متى يا رب تستمرُّ على نسياني (تريد أن تنساني دائمًا)؟ إلى متى تواري وجهك عنِّي (وكأنَّك لا تريد أن تراني)؟ إلى متى سأبقى مهمومًا والحسرة تملأ قلبي نهارًا وليلاً؟ إلى متى سيبقى عدوّي متغلِّبًا عليّ؟ أُنظر واستجب لي أيُّها الربُّ إلهي وأنر عينيَّ فلا تنغلقا فأنام نومة الموت«.

ونقرأ الوصايا في شكل صلاة في مز15 (14): »يا رب، من يحقّ له أن يحُلَّ (تستقبله) في مسكنك (في هيكلك)؟ من يحق له أن يقيم على جبلك المقدس (في أورشليم مدينتك)؟ السالك بلا عيب (لا لوم في تصرُّفه)، فاعل البرّ (حسب مشيئتك)، والمتكلِّم بالحقِّ في قلبه (لا كذب في قلبه ولا على لسانه). الذي لا يغتاب بلسانه، ولا يصنع بقريبه شرٌّا، ولا يعيِّر جاره«. ونقرأ نشيد الشكر والمباركة في مز34 (33): »أبارك« (أحمد) الربَّ في كلِّ حين، وفمي يسبِّحه على الدوام. بالربِّ تفتخر نفسي، فيسمع البائسون ويفرحون. عظِّموا الربَّ معي (تعالوا لنُنشد عظائم الربّ) ولنرفع اسمه جميعًا. التمستُ الربَّ فاستجابني. ومن جميع شدائدي نجاني... ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب، طوبى للذين يتَّكلون عليه«

أجل، في هذه الصلوات وفي غيرها ننشد الله بكلام الله، فنعلن إيماننا بحضوره وعمله في العالم، ونسأله أن يبارك حياتنا، فتكون أعمالنا امتدادًا لصلاتنا، وإلاّ صحَّ فينا ما قاله يسوع عن الفريسيّين: »يقولون ولا يفعلون«.

كلمة الله في حياتنا

عرف الشرق القديم الأخطاء المرتبطة بالطقوس. إن انت لمست ميتًا تكون نجسًا ولا يحلُّ لك بأن تصلّي في الهيكل بدون أن تتنقّى. وكيف تكون التنقية؟ نغتسل في الماء، نقدِّم ذبيحة، ولكن هل هذا هو تبديل الحياة؟ هل إذا مزّقنا ثيابنا دللنا على الحزن، دللنا على التوبة؟ كلاَّ ثمَّ كلاَّ. لهذا قال يوئيل النبي: »مزِّقوا قلوبكم لا ثيابكم« (2: 13). المهم أن تبدِّلوا قلوبكم وتعودوا إلى الربّ، فهو رحيم وحنون.

ويحدِّثنا أشعيا (58: 1-8) عن الصوم الذي يُرضي الله: »الصوم الذي أريده هو أن تحرِّر البشر المقيَّدين ظلمًا، أن تخلِّصهم من النير الذي يُثقل رقابَهم، أن تعيد الحرِّيَّة إلى المظلومين، وتزيل كلَّ ما يستعبدهم. الصوم هو أن تكسر للجائع خبزك، وتُدخل البائسين والمطرودين بيتك، وتكسو العريان الذي تلتقي به، ولا تميل بوجهك عن أخيك. حينئذ ينبلج كالصبح نورك... تدعو الرب فيستجيب لك، تستغيث به فيقول هاأنذا«. ويشدِّد عاموس النبيُّ بشكل عامّ على العدالة الاجتماعيّة بين الدول والأفراد: داس الآراميُّون بني جلعاد بنوارج من حديد. فسوف يُعاقَبون. هجَّر أهل صور أهل فلسطية إلى أدوم ولم يراعوا عهد الأخوّة، فسوف يعاقبون. وبنو عمُّون بقروا الحوامل في جلعاد، فسيكون عقابهم مريعًا. وزعق عاموس ضد النساء الغنيَّات اللواتي سمّاهنَّ بقرات باشان: »اسمعوا هذه الكلمة يا بقرات باشان، اللواتي ترعين على جبل السامرة. تظلمن الفقير وتضايقن البائس، وتقلن لأسيادكن: ''هاتوا لنشرب«. قال أهل السامرة: حملنا الذبائح إلى الله، صلَّينا إليه، فماذا يريد بعد ذلك؟ ويأتي جواب النبيّ باسم الربِّ صاعقًا: »كرهتُ أعيادهم واحتقرتُها. ولا أجد مسرَّة في احتفالاتكم. إذا أصعدتم لي المحرقات والتقادم، لا أرتضي بها. أبعدوا عني زجل أغانيكم، فأنا لا أستطيع أن أسمع نغم عيدانكم، بل ليجرِ الأنصاف كالمياه، والعدل كنهر لا ينقطع«. هذا يعني أنَّ الظلم يسيطر على الغريب والفقير، على اليتيم والأرملة.

وترد وصايا على مستوى الحياة اليوميَّة، فيدعونا الكتاب قائلاً: كونوا قدّيسين لأنِّي أنا قدوس. ليكرّم كلُّ إنسان أمَّه وأباه، ويحافظ على يوم الراحة في الأسبوع... حين تحصد أرضك، لا تذهب إلى أطراف حقلك، ولا تعد إلى خصاصة كرمك. بل اترك ذلك للمسكين والغريب. هذا ما آمرك به أنا الربُّ إلهك. لا تسرق، لا تكذب، لا تغشّ قريبك... لا تظلم صاحبك ولا تسرقه، ولا تحتفظ عندك بأجرة الأجير إلى الغد. لا تشتم الأصمّ (فهو لا يسمع)، ولا تجعل معثرة أمام الأعمى (فهو يصطدم بها لأنَّه لا يرى). هكذا تخاف الربَّ إلهك. لا تسعَ بالنميمة، ولا تتَّهم شخصًا فتسفك دمه. لا تحتفظ بالبغض ضد أخيك بل عاتبه عتابًا. هكذا تحبّ قريبك مثل نفسك.

وختامًا، هذه كانت بعض »الوصايا« بشأن محبة القريب، قدّمناها بعد إشارة إلى الأمور بخصوص حضور كلمة الله في صلاتنا. هكذا ندلّ على محبّة الله والقريب ونتذكّر كلام يسوع الذي سأله معلّم في الناموس عن أعظم الوصايا. فقال: الأولى أن تحبَّ الربَّ إلهك بكلِّ قلبك... والثانية أن تحبَّ قريبك كنفسك. هذه هي الشريعة وتعاليم الأنبياء. فلا يبقى لنا إلاَّ أن نتعرّف إليها فنكون في خطِّ المسيح الذي ما جاء لينقض العهد القديم بل ليكمّله. جاء يرفع محبّة الله إلى ذروتها. وجاء يوسّع قلوبنا فلا تكون محبّتنا محصورة في إطار ضيّق، بل تصل إلى جميع البشر وتكتشف فيهم وجه المسيح على ما جاء في إنجيل متى: »كلّ ما فعلتم لأحد إخوتي هؤلاء الصغار، فلي فعلتموه«.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM