تقديم

الرابطةالكتابية،2007

قراءة الربية :28

الخوري بولس الفغالي

تقديم

من قلب العراق جاء هذا الكتاب. في أكثر من زيارة تعرّفنا إلى شعب عريق تغرز جذوره في آلاف السنين، منذ السومريين والأكاديين، وصولاً إلى البابليين والأشوريين والكلدانيين. شعب يبدو أنه اخترع الكثير وليس أقلها مبدأ الدولاب الذي لا نستغني عنه نحن اليوم في أرفع مخترعاتنا. شعب عرف الكتابة المسماريّة التي منها انطلقت الابجدية الأوغاريتية، في راس شمرا (شمالي اللاذقية). كما عرف كتابات أخرى، فترك لنا الآثار الادبية العريقة.

من قلب العراق الذي عرفناه في مرحلتين مهمتين من تاريخه، جاء هذا الكتاب أما الأخيرة فكانت في قلب الحرب والتشتّت والتشرذم والسلاح المنتشر بين الجماعات والأفراح. ولا أنسى هروبي بملاصقة البيوت خوفاً من »التقنيص« الذي عرفناه في لبنان. كان ذلك في الموصل، ساعة لم يكن بالامكان الوصول إلى بغداد، إلاّ في قلب الأخطار الكثيرة.

العراق يبحث عن جذوره، بعد أن أضاعها أو بالأحرى بعثروها له. بين بابل والخبر التقويّ عن برج بابل، الذي منه تفرّقت شعوب الأرض ولغاتها. وبين دجلة وخبر الطوفان الذي وصلت مياهه، كما قالت الروايات، إلى جبل أراراط الذي يتجاوز ارتفاعه الخمسة آلاف متر. من العراق انطلق ابراهيم واصلاً إلى فلسطين ومصر بانتظار أن يكون في الجزيرة العربية. فذاك الذي فتح طريق الايمان، بنى المعابد في آسيا وأفريقيا. ويعقوب »ابنه« انطلق هو أيضًا من العراق، من الشمال، أما المسبيّون في القرن السادس ق م، فانطلقوا من الجنوب عائدين إلى أرض يهوذا وعاصمتها أورشليم.

إلى أهل العراق الحالي، إلى الدول العربية المجاورة، دوَّنا هذا الكتاب. نقطةُ الانطلاق، الواقع الذي يعيشه العراق كما العالم العربي كله. لماذا يختلف عن عالم الغرب؟ بل لماذا يختلف عن الشرق الأقصى الذي يزاحم اليوم أوروبا وأميركا على جميع المستويات؟ أساس مسيرة شعب من الشعوب، نظرة إلى الانسان، إلى الذي هو رجل وامرأة، لا رجل فقط. أساس المسيرة حريّة تجعل الانسان، كل الانسان، يُنمي مواهبه من أجل خير الجماعة التي ينتمي إليها. وبالتالي من أجل خير البشرية. أساس المسيرة انفتاح على الآخرين والابتعاد عن افتخار فارغ لا يستند إلى الحقيقة، فيملأ الكون بالكلام والكلام، وينسى أهميّة العمل الذي وحده يحمل الترقّي إلى الشعوب.

واقع مؤلم نعيشه ولا نستطيع الخروج منه إلاّ في عودة إلى كلام الله. نقرأه. نفهمه. نشرحه، وكأننا نريد أن نكتبه من جديد في حياتنا، في مجتمعنا. فكلام الله ليس »حجرًا كريمًا« ندور حوله ولا نجسر على ولوجه. ليس صندوقًا مغلقًا، مثل تابوت العهد لدى العبرانيين، لا نجسر أن نفتحه. نقف أمامه كما أمام باب موصد، أو أمام جدار يمنعنا من الذهاب إلى الأمام، والانتزاحَ إلى العمق. ونتساءل بعد ذلك، لماذا نحن على ما نحن؟ لماذا نحاول اللحاق بالركب المسكوني؟

من أجل هذا كان الكتاب الذي بين أيدينا: الانجيل في طرقات الحياة. فالدين الحقيقي لا يحصرنا في ذاتنا فنحسب نفوسنا أفضل الناس. وهو لا يسمّرنا في الماضي فيمنعنا الخروج منه كمن يُبقي الشجرة تحت الأرض ليحافظ على جذورها. ولكن أين الورق والزهر والثمر؟ والدين الحقيقيّ يرسلنا إلى الآخرين لنعمل معًا تحت نظر الله الذي هو أبو جميع البشر، ويمنعنا التقوقع على نفوسنا وواقعنا. فهل نحن مستعدّون لأن نبدّل أفكارنا؟ إذا نقرأ هذا الكتاب.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM