الفصل التاسع: في امتداد التقاليد البولسيّة.

 

في امتداد التقاليد البولسيَّة

نترك هنا اللائحة القانونيَّة بالأسفار الملهمة، ونتطلَّع إلى التقاليد المسيحيَّة التي جاءت "تعوِّض" ما نقص من معلومات حول يسوع وتلاميذه. وكما كمَّلت "الأناجيل المنحولة"1 حياة يسوع وأبويه، جاءت "الأعمال المنحولة" تخبرنا عن حياة الرسل وموتهم، على مثال الروايات التي تُقرأ في العالم الوثنيّ.

1- الرسالة الثالثة إلى كورنتوس

وصلت إلينا رسالة من الكورنثيّين إلى بولس وفيها إستفاناس (1كور 16: 15) "والشيوخ الذين معه" يطلبون إليه بأن يكشف تعليمًا يعظ به مرسلان وصلا إلى كورنتوس، سيمون وكليوبيوس. وصلت هذه الرسالة في لغات مختلفة، وفي نسختين حيث الطويلة تفرَّعت من القصيرة. وعرفنا أيضًا جوابًا من بولس يشجب مثل هذه الكرازة. نجد هذه المراسلة مع مقدِّمة قصيرة ومقطع سرديّ يربط الرسالتين الواحدة بالأخرى، في سياق أعمال بولس في ترجمة قبطيَّة2 ووصلت هذه المراسلة أيضًا إلينا بشكل منفصل (مع المقطع المتوسِّط) في الأرمنيَّة وفي اللاتينيَّة، كما في تفسير أفرام السوريّ للرسائل البولسيَّة، ممّا يعني أنَّها كانت في القانون العهدجديديّ السريانيّ في القرن الرابع.

ونجد الرسالتين، بدون الإطار السرديّ، في مخطوطات أخرى لاتينيَّة، وخصوصًا في مخطوطات اللغة الأصليَّة (اليونانيَّة)، بشكل قديم جدًّا في مكتبة جنيفا (سويسرا)3. نُشر هذا المخطوط سنة 1959. فدلَّ على أنَّ هذه الرسائل وُجدت في شكل مستقلٍّ خلال القرن الثالث، فأتاحت لنا أن نقلب الرأي الذي أُخذ به في المستقبل: اعتبر هذا الرأي أنَّ المراسلة دُوِّنت كجزء لا يتجزَّأ من أعمال بولس (نهاية القرن الثاني)، وأخذت من الأعمال. لهذا نحن نقرأ 3كور وسط الرسائل البولسيَّة بكاتبها المزعوم، وإن لم تكن في اللائحة القانونيَّة.

* * *

بحسب 3كور، قدَّم سيمون وكليوبيوس تعليمًا يقول: ينبغي أن لا نقرأ الأنبياء. ثمَّ: الله ليس ذاك القدير (بنتوكراتور)4. هذا يعني أنَّ الإله السامي لا يتماهى مع الخالق، يهوه صباؤوت، لأنَّ بنتوكراتور تترجَم صباؤوت في السبعينيَّة. ثمَّ: لا قيامة للأجساد. وأيضًا: الله لم يجبل البشر. وأيضًا: لم يأتِ الربُّ في الجسد ولا وُلد بواسطة مريم. وأيضًا ليس العالم ملك الله، بل ملك الملائكة. مثل هذا التعليم يتقارب بشكل أكيد مع تعليم ساتورنيل5، أوَّل الغنوصيّين الناشطين في سورية، في العقود الأولى من القرن الثاني. ولنا صورة عن هذا التعليم عند إيرينه، أسقف ليون (فرنسا) في كتابه ضدّ الهراطقة (1/24: 1-2).

جاء جواب بولس في رسالة غنيَّة، ولا سيَّما في البداية وفي النهاية، وكانت صدى مختلف الرسائل البولسيَّة التي عرفها كاتب 3كور. عرض الرسولُ قاعدة الإيمان التي تسلَّمها هو أيضًا: المسيح وُلد بواسطة مريم، من نسل داود "أرسل من السماء فيها روح قدس من قبل الله" (ف 5) ليحرِّر كلَّ بشر بواسطة بشريَّته الخاصَّة وليقيم الموتى في الجسد. الإنسان جبله الله، إله الكون، الكلّيّ القدرة، الذي خلق السماء والأرض، وأرسل إلى اليهود والأنبياء ومنحهم جزءًا من روح المسيح. أمّا إبليس الذي أراد أن يحلَّ محلَّ الله، فقتلهم. حينئذٍ أرسل الله "على الأرض روحًا بشكل نار في مريم الجليليَّة (ف 13)، المسيح، الذي بجسده الخاصّ خلَّص، كلَّ البشر. ويتضمَّن القسم الثاني من الرسالة مقالاً (ف 24-32) حول قيامة الأجساد، التي يبرهن عنها في أمثلة مأخوذة من البيبليا، يبدو أنَّ هذا التوسُّع يرجع إلى التقليد اليهوديّ.

قيامة الأجساد6 غريبة عن بولس، ولكنَّها حاضرة في نصوص مسيحيَّة تعود إلى العقود الأولى في القرن الثاني. وظهرت في الرسالة أصداء للتعليم البولسيّ، ولا سيَّما بإرسال الابن (ف 6) الذي يستلهم روم 8. غير أنَّ العناصر البولسيَّة خسرت مركزها الموحِّد أي التبرير بالإيمان، لا بالشريعة. كما أعيد ترتيبُها في خدمة حربٍ غريبة عن بولس، تعارض نفيَ الواقع البشريّ ليسوع وقيمة الخليقة الماديَّة.7

هذه الحرب الأنتي ظاهريَّة8 المنضمَّة إلى تشديد على التراتبيَّة الكنسيَّة وعلى رأسها الأسقف، تعارض التعليم الكاذب، فتذكِّرنا في جهات كثيرة بأغناطيوس الأنطاكيّ. وهي تندرج في مسيرة التوسُّع في "الأرثوذكسيَّة"، في سياق استعاونيَّة أغناطيوس أيضًا مواضيع بولسيَّة من أجل فائدته. وهكذا نقول إنَّ 3كور دُوِّنت في النصف الأوَّل من القرن الثاني، وفي آسية الصغرى، وبالأحرى في سورية الغربيَّة موطن ساتورنيل وأغناطيوس.

2- أعمال بولس

أوَّل من تحدَّث عن أعمال بولس كان ترتليان في كتابه حول المعموديَّة (17: 5). قال: "إذا استند بعضنا إلى أعمال بولس التي تحمل هذا العنوان خطأ (يعني ليست لبولس) للدفاع عن حقِّ النساء في أن يعلِّمن ويعمِّدن، فليعرفنَّ هذا: هو شيخ (أو: كاهن) من آسية صاغ هذا المقال وكأنَّه يكمِّل سلطة بولس بسلطته. ولمّا أقنعوه أنَّه كذب، واعترف بأنَّه فعل ما فعل حبًّا ببولس، ترك خدمته".

هذا يعني أنَّ أعمال بولس جاءت من آسية الصغرى. وقال ترتليان: لم يُرضِ الناس هذا المؤلَّف، لأنَّه يعطي الحقَّ لبعض الأوساط النسائيَّة اللواتي يستأثرن بسلطة التعليم والتعميد. ومتى دُوِّنت هذه الأعمال؟ قبل كتاب ترتليان الذي ذكرناه. والذي يعود إلى سنة 200 تقريبًا. وهل نستطيع أن نحدِّد بعد؟ هنا ينبغي أن نعرف إن كانت أعمال بولس جاءت بعد أعمال بطرس أم العكس. بيَّن بوبون9 أنَّ أجزاء أعمال بطرس التي لمَّحت إلى الرسول بولس، قد دُسَّت في هذا المؤلَّف في القرن الثالث. هذا يعني أنَّها لا تستطيع أن تقدِّم البرهان بأنَّ أعمال بولس ترتبط بأعمال بطرس. ودرس ماك دونالد المشهد الذي فيه يقول يسوع إلى بطرس: "إلى أين أنت ذاهب10؟" فاقترح بحقٍّ أنَّ هذا يرتبط بأعمال بولس 13: 2، لا العكس11. وهكذا نصل إلى سنة 150 تقريبًا، ساعة ازدهرت مجموعة المواهبيّين المتجوِّلين دون أن يلقوا بعدُ مقاومة ظاهرة. وهذا ما يفسِّر أن لا تظهر الحرب في هذا المنحول، على مرقيون الذي حُكم عليه سنة 144.

في هذه الأعمال، يبدو الرسول حاضرًا في السمات التي نعرفه فيها، وكرازتُه تتوخّى هداية سامعيه ليقودهم إلى الاقتداء بأسلوب حياته. وهكذا حين سمع العديد من الشباب كلامه، تخلُّوا عن الزواج وتبعوه (3: 7-16، 18). والمتزوِّجون تركوا وضعهم الاجتماعيّ وتخلّوا عن غناهم (5: 4؛ 9: 17).

وجسَّد بولس أيضًا صورة المسيح. فما كان فقط مثله قادرًا أن يُجري العجائب الكثيرة، بما فيها إقامة العديدين من الموت، بل إنَّ رسالته كانت أيضًا رسالة معلِّمه: أن يخلِّص البشر من سحر العالم الذي فيه سقطوا.

ولعبت الموهبة النبويَّة دورًا كبيرًا، وما حُفظت للرسول وحده، بل أُعطيت أيضًا لأعضاء مختلفين في الجماعة. وإزاء هذا، نلاحظ أنَّ الخدم الكنائسيَّة المحلِّيَّة (الأسقفيَّة، الكهنوت، الشماسيَّة) غير موجودة، إلاّ في المراسلة بين بولس والكورنثيّين (10: 2-6). ولكنَّنا هنا أمام وثيقة غريبة أدرجها مؤلِّف أعمال بولس في خبره.

مكانة النساء هامَّة جدًّا. يستطعن، مثل الرجال، أن يشاركن في جماعة المواهبيّين المتجوِّلين. أمّا النموذج الأوَّل فهي تقلا. وآخرون هنَّ نبيّات.

وانتظار نهاية العالم القريبة، واضح جدًّا في الأعمال، التي تتحدَّث عن حريق يأكل العالم بعد مدَّة قصيرة. وتجاه هذا، جاء الرجاء بقيامة الأجساد حارًّا.

الصوم والانقطاع عن المشروبات الكحوليَّة (حتّى في الإفخارستيّا، لا مكان للخمر) ظاهرةٌ تعدُّ المؤمن لتقبُّل الإيحاءات الإلهيَّة.

وأخيرًا، أعمال بولس تدلُّ على معرفة عميقة بالعهد الجديد، ممّا يدلُّ على تعلُّق كبير بالتقليد اليهومسيحيّ (12: 2؛ 13: 5). والرسول لا يؤسِّس جماعات جديدة، بل يصل إلى كنائس مؤسَّسة في السابق. فهؤلاء المواهبيّون لا يقدرون أن يقيموا مدَّة طويلة في المكان عينه. أمّا بولس الرسول، فما أراد أن يبني على أساس غيره، ولا هو اعتاد أن يكتب سوى إلى كنائس أسَّسها هو أو معاونوه.

وهكذا تكون أعمال بولس رفيق هؤلاء المواهبيّين، فتعلِّمهم كيف يكونون في العالم، دون أن يتعلَّقوا بموضع محدَّد. فالكنائس كنيستهم يعطون فيها دون العودة إلى سلطة كنائسيَّة، بعد أن زالت التراتبيَّة من التقليد الذي يعيشون فيه.

3- رؤيا بولس

قدَّمت لنا الأسفار القانونيَّة في العهد الجديد، رؤيا يوحنّا فقط. أمّا عالم المنحولات فأعطانا أكثر من "رؤيا" ومنها رؤيا بولس. عُرفت قليلاً في أيّامنا مع أنَّها عرفت انتشارًا واسعًا في أجيال الكنيسة الأولى وفي القرون الوسطى. استندت إلى خبرة بولس السرّيَّة، الانخطافيَّة التي ذكرها الرسولُ نفسه. قال عن نفسه في 2كور 12: 1-4:

1 وإن كان لا بدَّ من الافتخار

مع أنَّه لا نفع منه،

فأنتقل إلى الكلام عن رؤى الربّ وما كشفه لي.

2 أعرف رجلاً مؤمنًا بالمسيح خُطف قبل أربع عشرة سنة

أبجسده؟ لا أعلم. أم بغير جسده؟ لا أعلم. الله يعلم.

3 وإنَّما أعلم أنَّ هذا الرجل خُطف إلى الفردوس.

أبجسده أم بغير جسده؟ لا أعلم، الله يعلم.

4 أعلم أنَّه خُطف إلى الفردوس

وهناك سمع كلامًا لا يقدر بشر أن ينطق به

ولا يجوز له أن يذكره.

قال بولس وما قال شيئًا. ومع ذلك، يقول ويكرِّر فيدلُّ على القوَّة التي في داخله، التي لا تستطيع أن تخرج. في السرّ تكون طبيعة الانخطاف. والمضمون فحُرِّم البوح به. أمّا المنحول، فلا سرٌّ لديه ولا محرَّم. قال: لا شكَّ في أنَّ بولس خُطف في جسده، وهذا ما يتجاوب مع انتظار الطوباويّين الذي يميل صبرهم إلى أن يروه في لحمه وعظمه (المقطع 46أ). أمّا اللاموصوف واللامُقال، فينحصر في "وجه إلى وجه" قصير (المقطع 21). وما تبقّى، حفظه بولس بعناية وكشفه وسجَّله. ونحن نستطيع أن نقرأه. قال الرسول:

45د. "أخذني بيدي واقتادني قُرب شجرة معرفة الخير والشرّ، وقال: "هذه هي الشجرة التي بها دخل الموتُ إلى العالم: أكل آدم من ثمرتها بعد أن تقبَّلها من امرأته، فدخل الموت إلى العالم". ثمَّ دلَّني إلى شجرة أخرى في وسط الفردوس وقال لي: "ها هي شجرة الحياة".

46أ. "وإذ كنتُ بعدُ ناظرًا الشجرة، شاهدتُ امرأةً صبيَّة آتية من بعيد، مع مئتي ملاك ينشدون المدائح أمامها. فسألتُ قائلاً: "يا ربّ، من هي تلك الآتية في مثل هذا المجد؟" فقال لي: "هي العذراء مريم، أمُّ الربّ".

وندخل مع بولس إلى الفردوس.

20ب. "وتقدَّمتُ داخلاً إلى الموضع، وفجأة رأيتُ إيليّا آتيًا ليسلِّم عليَّ، مبتهجًا، فرِحًا. وما إن رآني حتّى مال بوجهه وقال وهو يبغي: "يا بولس، يا ليتك تتسلَّم ثمرة الأتعاب التي تحمَّلت وسط البشر! أمّا أنا فرأيتُ الخيرات الكبيرة والعديدة التي هيَّأها الله لجميع الأبرار. كثيرة هي مواعيدُ الله، غير أنَّ الكثيرين لا يفهمونها: ولكن بتعب كبير يدخل هذا أو ذاك إلى هذه الأمكنة!".

21أ. "فأجاب الملاك وقال لي: "ما أدلَّه عليك الآن، ما تسمعه، لا تكشفْه لأحد على الأرض". واقتادني ودلَّني [...] وسمعتُ هناك أقوالاً لا يجوز لإنسان أن يتفوَّه بها.

21ب. "وقال لي الملاك أيضًا: "الآن، اتبعني فأبيِّن لك أشياء يمكنك أن تكشفها ويجب أن تخبر بها". أنزلني من السماء الثالثة، وعبَّرني في السماء الثانية وأعادني إلى الأفلاك. ومن الأفلاك اقتادني فوق أبواب السماء. استندت أسسُ السماء على نهر يغمر الأرض كلَّها. فقلتُ للملاك: "يا ربّ، ما هو هذا النهر؟" قال لي: "هو الأوقيانوس". وفي الحال، خرجتُ من السماء وفهمتُ أنَّ نور السماء هو النور الذي يضيء الأرضَ كلَّها. وفي ذلك الموضع، شعَّت الأرض سبع مرّات أكثر من الفضَّة.

21ج. "وقلت: "يا ربّ، ما هذا الموضع؟" فأجاب: "هي أرض الموعد. أما سمعتَ ما كُتب: "طوبى للودعاء فهم يرثون الأرض"؟ فنفوس الأبرار، حين تخرج من أجسادها، تُرسَل إلى هنا في أثناء ذلك". فقلتُ للملاك: "أهكذا تظهر هذه الأرض قبل الزمان؟" فأجابني الملاك: "حين يأتي المسيح، الذي تعلن لكي يأتي ملكوته، حينئذٍ بقرار من الله، تُدمَّر الأرضُ الأولى وتظهر أرضُ الموعد، فتكون مثل الندى أو السحاب. فالربُّ يسوع المسيح، الملك الأبديّ، يتجلّى ويأتي مع جميع قدّيسيه ليكون على الأرض. يملك عليهم ألف سنة ويتغتذون كلُّهم من الخيرات التي أدلُّك عليها الان".

* * *

رؤيا بولس وُلدت في منتصف القرن الثالث، بل في الثلث الأخير من القرن الثاني. ذكرها أوريجان في نصٍّ نقرأه عند ابن العبريّ فقال: تقبَّلت الكنيسة هذا النصّ مع كتابات أخرى من النوع ذاته. في القرن الخامس أورد سيزار أسقف أرل12 (في جنوب فرنسا) قرابة عشر مرّات "مقطعًا من الكتاب المقدَّس" هو رؤيا بولس. أمّا القدّيس أوغسطين فأعلن أنَّ الكنيسة ترذل الخدعة البليدة والمعتدَّة والمليئة بالخرافات... ومع ذلك، انتشر هذا النصّ انتشارًا واسعًا في أكثر من منطقة. ووُجد في ثماني لغات: اليونانيّ، اللاتينيّ، السريانيّ، القبطي، السلافونيّ، الأرمنيّ، العربيّ، الحبشيّ.

يبدو أنَّ هذا النصَّ دوِّن في اليونانيَّة، في آسية الصغرى أو في مصر. ومن المعقول أن يكون في الإسكندريَّة. هناك كلام كثير عن الحياة الرهبانيَّة. هل كُتب في تلك الأوساط؟ أو نكون أمام خدعة أدبيَّة؟ في أيِّ حال، استعملت في الأديرة، قراءةً، وعظًا، تعليمًا. ورُسمت المواضيع وأنشدت. فقال دانتي، الشاعر الإيطاليّ:

وأنا، لماذا أمضي؟ أو من يسمح لي؟

لستُ إينيه، ولست بولسَ أيضًا.13

4- المراسلة بين بولس وسينيكا

هي مجموعة من ثماني رسائل بعث بها الفيلسوف الرومانيّ (4ق.م.- 65 ب.م.) إلى القدّيس بولس، وستَّة أجوبة قصيرة من الرسول. أُلِّفت في اللاتينيَّة، في القرن الثالث، وشهد القدّيس جيروم في الرجال المشهورين (12) أنَّ الكثيرين يقرأونها. أعرب سينيكا للقدّيس بولس عن التأثير العميق الذي تركه فيه مضمون رسائله "لأنَّ الروح القدس الذي فيك وعليك، يُورد هذه الأفكار الرفيعة، المدهشة" غير أنَّ الرسول لا يحبُّ الأسلوب التعيس لدى الرسول. فأعطاه هذا التنبيه: "أودّ أن تتنبَّه إلى سائر النقاط، لئلاّ يُضعف الأسلوبُ جلال الفكرة" (الرسالة السابعة).

ما أراده الكاتب من هذه المراسلة هو ن يقرأ المجتمع الرومانيّ رسائل القدّيس بولس. أمّا "الفقر الأدبيّ" فوجد الكاتب له عذرًا: "يتكلَّم الآلهة مرارًا بفم البسطاء، لا بفم أولئك الذين يطبِّقون الخداع على التعليم" (الرسالة السابعة أيضًا).

نورد هنا مطلع القدّيس جيروم الذي يبدو كمقدِّمة إلى هذه المراسلة:

لوقيوس أنايوس سينيكا، من قرطبة (إسبانية)، تلميذ الرواقيّ سوقيون وعمّ الشاعر لوكان، عاش حياة معتدلة، عفيفة. لن أجعله في لائحة القدّيسين لو لم تدفعني إلى ذلك رسائل بولس إلى سينيكا ورسائل سينيكا إلى بولس، التي يقرأها عددٌ كبير من الناس. فمع أنَّ (سينيكا) كان معلِّم نيرون والشخص القدير في عصره، فقد أعلن هذه الرسائل أنَّه يتمنّى أن يكون له قرب أخصّائه الدرجة التي كانت لبولس لدى المسيحيّين. قُتل بيد نيرون سنتين قبل أن يتكلَّل بطرس وبولس بإكليل الشهادة.

5- الرسالة إلى لاودكيَّة

كتب بولس إلى جماعة كولوسّي، وحثَّهم قائلاً (كو 4: 5-6):

15 سلِّموا على الإخوة الذين في لاودكيَّة

وعلى نمقا والكنيسة التي تجتمع في بيتها.

16 وبعد قراءة هذه الرسالة عندكم،

أرسلوها إلى كنيسة لاودكيَّة لتقرأها،

واطلبوا رسالتي إلى لاودكيَّة لتقرأوها أنتم أيضًا.

هذه الرسالة التي ذكرها قانون موراتوري مع الرسالة إلى الإسكندريّين ترتبط بهرطقة مرقيون. أخذت العبارات الكثيرة من فل، فبيَّنت عظمت بولس والمسيح على حساب الله الآب والتقليد الرسوليّ. هنا نتذكَّر كيف أنَّ مرقيون رذل الإله الخالق كما يتحدَّث عنه العهد القديم. وأضاف النصُّ أنَّ الرسل رُذِلوا أيضًا ما عدا بولس. نقرأ 1: 1:

1 بولس، رسول، لا من قبل البشر، ولا بيد إنسان، بل بيسوع المسيح، إلى الإخوة الذين في لاودكيَّة.

2 إليكم النعمة والسلام، من الله الآب ومن الربِّ يسوع المسيح.

3 أؤدّي الشكر للمسيح في جميع صلواتي، لأنَّكم مقيمون فيه وثابتون في أعماله، فتسمعون ما وُعد به ليوم الدينونة.

4 لا تغشُّكم الأقوال الباطلة لأناس يتغلغلون ليحيدوا بكم عن حقيقة الإنجيل التي أكرز بها.

* * *

رسالة دُوِّنت في اليونانيَّة. ضاع الأصل وبقيت الترجمة اللاتينيَّة التي تعود إلى القرن الرابع. وُجدت هذه الرسالة في اللاتينيَّة العتيقة، ورذلها جيروم على أنَّها منحولة. دخلت في الشعبيَّة اللاتينيَّة قبل أن يعتبرها مجمع ترنتو مزيَّفة، ويجعلها بين الأسفار المنحولة.14

ونستطيع أن نذكر أعمال بطرس وبولس التي تشدِّد على العلاقات الوثيقة بين الرسولين وعلى صداقتهما. بعد كلام عن وصول بولس إلى رومة، كان كلام عن عمل هذين الرسولين في عاصمة الإمبراطوريَّة، ثمَّ عن استشهادهما. عاد هذا النصّ إلى القرن الثالث، ووُجدت منه أجزاء في اليونانيَّة وفي اللاتينيَّة.

ومن تلاميذ بولس، نذكر رسالة برنابا التي هي مقال لاهوتيّ قبل أن تكون رسالة. فيها العقيدة حول وجود المسيح من الأزل، وكلام عن المعموديَّة والبنوَّة الإلهيَّة. وفيها الوجهة الخلقيَّة مع تشديد على طريق النور وطريق الظلمة.

ويمكن أن نقرأ أعمال تيموتاوس التي هي رواية ارتبطت بأفسس، وعادت إلى القرن الرابع. من هو في أصل جماعة أفسس؟ تيموتاوس أم يوحنّا؟ ومن كان أوَّل أسقف على المدينة؟ وأعمال تيطس هي في الحقيقة ليتورجيّا من أجل عيد تيطس. دُوِّنت في كريت، في القرن السادس. ودُوِّنت أعمال برنابا لتثبت الأصل الرسوليّ لكنيسة قبرص: هكذا تستقلُّ وتستطيع أن تختار أساقفتها.

1 apocryphe: مخفيّ، مختوم عن الشعب ومحفوظ للنخبة. في العربيَّة، انتحل شخص (أو: كتاب) صفة ليست له. فهذه الكتب ليست ملهمة شأنها شأن الأسفار المنحولة.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM