المقدّمة

سلسلة دراسات بيبلية -36-

الخوري بولس الفغالي

 

المقدّمة

حين أُعلنت السنة البولسيّة، التي تبدأ في 28 حزيران 2008 وتنتهي في 29 حزيران 2009، أُطلقت فكرة هذا الكتاب: بولس الرسول بعد ألفي سنة. متى وُلد بولس؟ بين السنة الخامسة ب م والسنة العاشرة. ونحن نتذكّر ولادة هذا العظيم بين الرسل الذي قال عن نفسه: »إن كان لا بدّ من الافتخار، فأنا أفتخر بضعفي« (2 كور 11: 30).

ذاك الذي جاب الأقطار فتمنّى أن يصل إلى أبواب هرقل، إلى آخر العالم، كي يحمل البشارة، امتدّ وامتدّ ورفض أن يبني على أساس غيره. ذاك الذي جابه الصعوبات وما تراجع، فالمسيح أدركه، قبض عليه، فصار له عبداً، قبل أن يكون رسولاً. هو الحرّ قبل أن يكون بين يدي الربّ، فما عاد حياً ،بل ترك المسيح يحيا فيه. وهكذا صارت الحياة عنده مثل الموت. ففي الحياة هو للمسيح، وفي الموت هو للمسيح. فقال مرّة من المرّات: لا أعرف ماذا أختار، فترك الربّ يختار فيه.

ذاك الذي خطّ أول كلمة في العهد الجديد، مع الرسالة الأولى إلى تسالونيكي، فامتدّت رسائله بضع سنوات وكانت الأساس لكتّاب الأناجيل. فقالت الأيقونات إنه أملى على مرقس إنجيله، وعلى لوقا أيضاً. وما توقّفت الكتابة معه، بل تابع تلاميذُه عمله فكانت »المدرسة البولسيّة« التي لبثت تقدّم لنا الرسائل حتى الربع الأول من القرن الثاني. بل إن أعمال الرسل أرادت أن تكون امتداداً لحياة من دُعي رسول الأمم، ذاك الذي انتهت حياته »مقيّداً« في سجن رومة، مع كلمة حرّة تُقال بكل جرأة (أع 28: 31). فهناك يموت بولس، على طريق أوستيا بجوار عاصمة الامبراطوريّة. هناك بُنيت كنيسة على اسمه »خارج الأسوار« وهناك يقال أن سلاسله محفوظة، وضريحه يشهد للحياة، لا للموت، لأن مثل هؤلاء الرجال الحاضرين في العالم وفي الكنيسة، هم أحياء بعد أن انتقلوا من الموت إلى الحياة كما، قال الرب يسوع.

كتابنا »بولس الرسول بعد ألفي سنة« أراد أن يتذكّر هذا العظيم في الكنيسة. رسائله تُقرأ عادة قبل الإنجيل. فماذا في هذه الرسائل؟ المدن التي »احتلّها« باسم المسيح، فسار في موكب ربّه الظافر (كو 2: 15)، لا تزال معالمها حاضرة. أفسس، كورنتوس، فيلبي، تسالونيكي. الكنائس التي أسّسها انطلاقاً من انطاكية وآسية الصغرى، وصولاً إلى اليونان، ما زالت حاضرة، وإن زال بعضها، فالانجيل لا يزول، ومن يدري متى هذه الخميرة تخمّر العجين كلّه.

»كتابنا« يعرّفنا بحياة هذا الرسول من الناحية العلمية، كما يعرّفنا برسائله. ويقدّم الوجهات المتعدّدة التي تُدخل القارئ في العالم البولسيّ فتساعد الجميع على فهم ما تركه بولس من كتابات جاءت جواباً للكنائس في أيامه، ولماذا لا تكون جواباً لكنائسنا في منطلق القرن الحادي والعشرين. وفي النهاية، رجعنا إلى التقليد الأنطاكي السرياني يفتح الطريق أمامنا، فلا يبقى لنا سوى السير في خطى يوحنا الذهبي الفم، ويعقوب السروجي، وأفرام السرياني من الآباء. فماذا ننتظر؟

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM