حلقة 17: ذلك العهد كيف يرتبط بهذاالعهد؟

 

حلقة 17:

ذلك العهد كيف يرتبط بهذا العهد؟ قراءة للعهد القديم. قراءة تنطلق من الأمس لتقترن باليوم وحياتنا في العائلة والمجتمع.

قراءة من العهد القديم مع الأب بولس فغالي

بعد أن تحدّثنا عن نسل قايين وربطنا بهذا النسل اختراعات عديدة ولا سيّما على مستوى صناعة النحاس والحديد وما يحملان من الحرب والقتل نعود إلى نسل »شيت« نقرأ في 4 /25:

وعرف آدم امرأته أيضًا فولدت إبنًا وسمّته »شيت«. وقالت أقام لي الله نسلاً آخر بدل هابيل لأنّ قايين قتله. وولد لشيت ابن وسمّاه أنوش. وفي ذلك الوقت بدأ الناس يدعون باسم الربّ.

نلاحظ أوّلاً: أنّنا في نسل آخر نسل الأبرار في خط هابيل. هابيل هو الذي قُتل لأنّه كان بارٌّا أمام الله. وقد سبق وقلنا أنّ هابيل هو صورة عن المسيح الذي قتل وهو بريء. ومن شيت كان إبنٌ هو أنوش، وأنوش هي الكلمة العبريّة التي تعني »الإنسان«. »نوشو« بالسريانيّة »الإنسان«. كل إنسان هو إبن شيت وإبن آدم. وبماذا يتميّز الإنسان يقول النصّ. بدأ الناس يدعون باسم الربّ، بدأ الناس يصلّون، يقولون الربّ هو إلهنا وبعد هذه الحاشية القصيرة التي تعود إلى التقليد اليهوهي يعني لاهوت الله، الله يعني يهوا الربّ الذي هو. نعود إلى التقليد الكهنوتيّ فالكهنة كان لهم سجلاّت، سجلاّت عديدة عادوا إلى التقاليد القديمة وقرأوها على ضوء الإيمان نقرأ الفصل 5 /1 وما يلي يقول: هذا سجلّ مواليد آدم:

يوم خلق الله الإنسان على مثال الله صنعه. ذكرًا وانثى خلقه وباركه وسمّاه آدم يوم خلقه. وعاش آدم مئة وثلاثين سنة ووَلد ولدًا على مثاله كصورته وسمّاه شيت. وعاش آدم بعدما ولَد شيت ثماني مئة سنة، ولد فيها بنين وبنات فكان كلّ أيّام آدم التي عاشها تسع مئة وثلاثين سنة ومات. ثمّ يتحدّث عن شيت، عن آنوش، عن فينان أي ما يقابل قاين، عن مهللئيل عن يارد، عن أخنوخ، عن متوشالح، عن لامك وأخيرًا عن نوح.

ماذا يقول الفصل الخامس من سفر التكوين؟

نلاحظ أوّلاً: أنّنا نقرأ هنا ما قيل في الفصل الأوّل آية 26. الإنسان مخلوق على صورة الله، الإنسان مخلوق على مثال الله. بعد الخطيئة وقبل الخطيئة الحالة هي هي. الإنسان يحافظ على صورة الله. بالخطيئة تتشوّه هذه الصورة، تُضيع بعض صفاتها الخارجيّة ولكنّها في الداخل تبقى هي هي. مثلما أخذنا وجه عليه بعض الوحل، بعض الطحين. يتشوّه الوجه، يَضيع خارجيٌّا الوجه ولكنّه في الداخل يبقى هو هو. وهكذا يوم خلق الله الإنسان ذكرًا وأنثى خلقهم. الذكر وحده ليس صورة الله والأنثى وحدها ليست صورة الله. الذكر والأنثى معًا هما صورة الله وباركهم. لا ننسى أحبّائي أنّه كانت هناك اللّعنة بعد الخطيئة ولكن الكلمة الأخيرة ليست اللّعنة بل البركة. وكيف تظهر هذه البركة بالأولاد الذين يعطينا الله. وسمّاه آدم يوم خلقه، آدم يعني التراب المرتبط بالتراب لأنّه مأخوذ من التراب وإلى التراب يعود.

هنا كلمتان: صنعه - خلقه:

- صنعه يبدو الله كأنّه صانع، كأنّه شخص صاحب صنعة وهو يفبرك الإنسان. يصنع الإنسان كما يصنع الإنسان الإبريق أو كما يصنع الإنسان أي أداة من الأدوات وهذا يعني أن الإنسان هو في يد الله، به يعمل. يقول أحد الآباء: الله يحتاج إلينا، يحتاج إلى عيوننا لينظرَ بها. يحتاج إلى قلوبنا ليحب بها، يحتاد إلى أفواهنا ليتكلّم بها. ومع صنعه هناك خلقه. والخلق هو إخراج كائن من العدم. لم يكن شيء وصار شيء. نلاحظ هنا إنّه مع عمل الإنسان، هذه المعرفة بين الرجل والمرأة، »عرف الرجل إمرأته«: نستطيع أن نتوقّف عند المستوى الماديّ، عند المستوى الفيزيولوجي، عند مستوى الصحّة، عند مستوى العمل الجنسي ونقول تجامع فلان وفلان، عرف الرجل امرأته فكان لهما ولد. ولكن في الواقع الله هو الذي يخلق من العدم، يخلق الإنسان.

الملاحظة الثانية: هي الأعمار التي نجدها هنا مثلاً:

آدم 930 سنة وشيت 807 سنين وآنوش 905 سنين. إذًا أعمار كبيرة. ماذا تعني هذه الأعمار؟ نتذكّر أوّلاً بأنّ هذا النص كتب في القرن الخامس قبل الميلاد. إذا السنة هي سنة من 365 يوم. لا نبحث عن رموز لنقول ما هذه السنة؟ ولكنّ لماذا جعل الكاتب لكلّ شخص 900، 800 سنة؟ إلى آخره.

أوّلاً: لم يكن للكاتب سوى عشرة أسماء وأراد أن يجعل تاريخ البشريّة كلّه في هذه العشرة أسماء الذي حفظها له التقليد منذ آلاف السنين.

ثانيًا: العمر الطويل هو علامة البركة. وآدم، الربّ باركه فأعطاه العمر الطويل والطويل جدٌّا. لكن كيف يكون العمر الطويل؟ نحن نعلم أنّه في بلاد البشريّة، لم يكن البشر يعيشون أكثر من 40 - 50 - 80 سنة. كما يقول المزمور: »إذا كان صلبًا قويٌّا تصل به السّنون إلى الثمانين«.

ولكن هنا عندما نقول إنّ آدم عاش 930 سنة، تعني أنّه ولد أولاد، وأولاد الأولاد، والأحفاد، وأحفاد الأحفاد. فكان هؤلاء يذكّرونه مدّة 930 سنة. فإذًا هنا نحن نرمز كما يقولون عندنا في الدارج: (مين خلّف ما مات). آدم ولد أولاد وهكذا ظلّ حيٌّا في أولاده.

الفكرة الثانية: أحبّائي هي هنا ليس من إنسان وصل إلى الألف. لأنّ الألف هو رقم الله. »ألف وسنة في عينيك يا ربّ كيوم أحسّ الذي حضر«. لم يصل أحد إلى الألف. كلّهم ماتوا تحت الألف، في التسعمائة ونيّف. وينتهي دائمًا النّص فيقول عاش 930 سنة ومات. الخلود لله وحده. الألف هو رقم الخلود. أمّا الإنسان فهو مائت. ولا نبتعد عن الحضارات الشرقيّة، التي جعلت لبعض الملوك 30 أو 40 ألف سنة. هذا يعني أنّ الملوك كانوا خالدين مع الآلهة ولكن لا في الشعب العبراني. فلا خالد إلاّ الله ولا كلّ الناس يموتون والله وحده لا يموت. وهكذا نفهم أنّ هذه الأعمار، هذه الأرقام هي رمزيّة تدلّ على أنّ الله بارك آدم وأعطاه العمر الطويل. أن الله بارك آدم وأعطاه أولاد إلى أحفاد أحفاد أحفاده، كما يقول الكتاب إلى ألف جيل. وأخيرًا هذه البركة أفهمت آدم أنَّه في أيّ حال سيموت، هو ليس خالدًا. يقول النصّ: عاش آدم وولد ولدًا علىمثاله كصورته يعني كما أنّ آدم كان على صورة الله. ابناء آدم هم أيضًا على صورة الله من خلال أبيهم.

ويتابع النصّ فيتحدّث إذًا عن شيت وعن آنوش وأخنوخ ولكن نتوقّف في أعلىك على أخنوخ ويقول الكتاب بـ 5 /21 وعاش أخنوخ 65 سنة وولد متوشالح وسلك أخنوخ مع الله بعد أن ولد متوشالح. نلاحظ أن أخنوخ سلك  مع  الله ،سار بحسب وصايا الله والسلوك بحسب الوصايا علامة البرارة وعلامة العمر الطويل. ويقول النص في آية 23: »فكانت كلّ أيّام أخنوخ 365 سنة«. نتذكّر أنّ السنة هي 365 يومًا فيكون عمر أخنوخ دورة سنويّة كاملة. هذا يعني أنّه وصل إلى الكمال ويعود الكاتب فيقول في آية 24: »وسلك أخنوخ مع الله ثم توارى لأنّ الله أخذه إليه. لا شكّ في أنّ الكتاب تسأل لماذا لم يعش أخنوخ مثل آدم 930 سنة أو مثل متوشالح 969 سنة. وطرح السؤال فوجده في الجواب: الله أخذه إليه. هؤلاء ماتوا، آدم مات، شيت مات، آنوش مات أمّا أخنوخ فكأنّه ما مات. هو مع الله هو في حياته في المرارة مع الله. وسيحدّثنا الكتاب بسفر الملوك الثاني بفصل 2 عن شخص آخر توارى لأنّ الله أخذه إليه وهو إيليّا. أخذه هذا لا يعني أنّه ما مات، كلاّ. أخنوخ مات وإيليّا مات ولكن الأبرار لا يموتون، هم مع الله كما يقول سفر الحكمة: »نفوس الأبرار هي في يد الله«. والمزمور 73 يقول يحدّث المرتّل ؟ فيقول له »تأخذني بيدي اليمنى، تمسكني بيدي اليمنى، وإلى المجد تأخذني، من في السماء إلاّ أنت وعلى الأرض لا أبغي سواك. ربّما يفنى جسدي ولكن حياتي هي معك« أخنوخ توارى ما رآه الناس ولكن الله أخذه إليه، جعله في جواره على مثال القدّيسين. القدّيسون هم مع الله. هنا لا ننسى إن تحدّثنا عن أخنوخ أو تحدّثنا عن إيليّا لأنّ كلّ إنسان مائت. فإذا كان المسيح هو إله وإنسان قد مات، قد مات، إذًا جميع البشر يموتون: أخنوخ أو إيليّا أو كلّ الناس. ولكنّ في المسيحيّة لم يعد الموت هو النهاية، صار الموت طريق إلى الأبديّة، صار الموت إذا شئنا نهاية حياة بحسب الجسد وبداية حياة بحسب الرّوح في يسوع المسيح. فكما أنّ يسوع مات وقام، كذلك كلّ إنسان يموت ويقوم. وهكذا كان أخنوخ أوّل اللذين أخذهم الله إليه. كان أخنوخ في يد الله، عاش عيشة الأبرار، فمات ميتة الأبرار.

ونصل في هذه السلسلة إلى نوح 5 /28ك وعاش لامك 182 سنة وولد إبنًا وسمّاه نوح. قال: »هذا يريحنا عن أعمالنا وعن تعب أيدينا في الأرض التي لعنها الربّ. ذكروا نوح في السريانيّ (أريح) يعني أراح. وهكذا ارتبط اسم نوح بالراحة، الراحة عن أعمالنا وتعب أيدينا في الأرض التي لعنها الربّ. نتذكّر هنا الفصل 3 حين خطئ آدم وخطئت حواء، حين خطئ الرجل وخطئت المرأة: »بعرق جبينك تأكل خبزك« وكانت اللعنة لعنة على الأرض. قال الربّ: »ملعونة الأرض بسببك« وسيقول أيضًا لقايين: »ملعونة الأرض بسببك« هذه اللعنة تكرّرت مرّة بعد مرّة. تكرّرت خمس مرّات. يوجد أربع مرّات وهناك بعد مرّة بالنسبة لإبن نوح: خمس مرّات.

وستأتي البركة مع إبراهيم. ربّنا يباركه ويجعله بركة. ولكن بانتظار إبراهيم، يبدأ نوح فيحمل الراحة إلى نسله، يحمل الراحة إلى آبائه وأجداده. كانت أوّل محاولة لانتزاع اللعنة عن الأرض ووضع البركة عليها. هذه البركة التي لم يحرم منها الإنسان يومًا، التي لم تحرم منها الأرض يومًا، وإلاّ لما كان هناك أولاد في بيوتنا ولمّا كانت غلال في أرضنا ولكن هذه البركة بدات مشوّهة، مغلّفة، محجوبة، مستورة وستبقى مستورة، فيُرفع الحجاب مدّة قصيرة مع إبراهيم بانتظار أن يرفع الحجاب كلّه مع يسوع المسيح الذي فيه كان لنا ملء البركة. نوح هذا سيهيّء الطريق لبشريّة جديدة كما سيفعل إبراهيم حين يهيّء الطريق لبشريّة الإيمان، بدأت البشريّة تعرف راحة من نوع آخر هي راحة الربّ.

وسيأخذنا يسوع »تعالوا إليّ أيّها المتعبون واستقيلوا الأحمال وأنا أريحكم، احملوا نيري عليكم وتعلّموا منّي لأنّي وديع ومتواضع القلب«. لا شكّ في أنّ النصّ الإنجيليّ يتكلّم عن راحة بالنسبة إلى الوصايا 613 وصيّة التي كانت تثقل كاهل المؤمن، التي كانت عبئًا ثقيلاً،نيرًا قاسيًا عليه ولكن هناك معنى آخر حتّى على مستوى الجسد، حتّى على مستوى العمل اليومي، جاء الربّ يحمل إلينا الراحة وقال أشعيا أيضًا في يسوع: »أخذ أمراضنا وحمل عاهاتنا«. يسوع حين شفى المرضى كأنّه أخذ أمراضهم على عاتقه، أخذ أمراضهم في جسده، يسوع حين رافق المتألّمين يقول الإنجيل: تحنّن، تحرّكت أحشاؤه على الجائعين، وعلى المتألّمين، على المعذّبين، جعل كلّ هذا علىصليبه، فحوّله إلى راحة بعد التعب، إلى راحة بعد العذاب والألم. كلّ هذا يدفعنا إلى أن نرى في يسوع المسيح ذاك الذي يُتم مواليد آدم، يسوع هو آدم الجديد. مع آدم كانت بشريّة من عشرة أسماء كما قلنا، والعشرة عدد أصابع اليد وأراد التقليد الكهنوتي أن يجعل البشريّة كلّها في هذه العشرة أسماء ولكن مع يسوع، نحن أمام نسل من نوع آخر. يسوع هو آدم الثاني، يسوع هو الذي يبدأ ببشريّة جديدة. وإذا كانت البشريّة بل الخليقة كلّها ولدت في الماء بفعل الرّوح القدس، فيسوع في عماده في نهر الأردن وحلول الرّوح عليه وكلمة الآب، يسوع بدأ بشريّة جديدة، بشريّة من نوع آخر سيقول عنها الربّ يسوع لنيقوديموس »إن لم يولد الإنسان من الماء والرّوح فلا يقدر أن يدخل ملكوت الله«. فهكذا كانت ولادة البشريّة من الماء، ماء الأردن والرّوح القدس وقال أيضًا إن لم يولد الإنسان من عَلو، من فوق، من السماء، لا يمكن أن ينال الحياة الأبديّة. وقال أيضًا إن لم يولد الإنسان ثانية هناك ولادة من نوع آخر على مستوى الرّوح، على مثال يسوع المسيح. كان يسوع ابن آدم ولكنّه كمّل مواليد آدم وكان يسوع ابن ابراهيم وكمّل مواليد ابراهيم.

في الإنجيل هو ابن داوود وربّ داوود، وهنا هو ابن آدم وربّ آدم، هو ابن إبراهيم وربّ إبراهيم وربّ البشريّة كلّها. وهكذا أحبّائي بعد أن تعرّفنا إلى نسل قايين، قايين، عيرار، محويائيل، متوشائيل وتعرّفنا إلى نسل شيت من جهّة، نسل البشريّة الخاطئة التي عرفت الزواج المتعدّد الزوجات، الذي عرف الإنتقام بدون حدود مع علامة 77 مرّة. وتعرّفنا إلى نسل شيت وأنوش الذين بدأوا يدعون باسم الربّ. نستعدّ لكي نرى أبناء الهل وبنات الناس، نستعدّ أن نرى كيف يعامل البشريّة. نستعدّ أن نرافق الكتاب المقدّس وهو يحدّثنا عن الطوفان الذي سيفنى البشريّة ويبدأ بشريّة جديدة مع شخص نوح هو سيكون من يجعل الراحة في شعب الله و البركة بانتظار بركة إبراهيم وبركة يسوع.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM