ظهور يسوع لتلاميذُه.

 

ظهور يسوع لتلاميذُه.

آ16. وأمّا التلاميذُ الأحدَ عشر فساروا في الجليل إلى الجبل حيثُ كان وعدَهم يسوع. إنَّ متّى أهمل باقي ظهورات المسيح التي ذكرها لوقا ويوحنّا واكتفى بذكر ظهوره في الجليل، لأنَّ المسيح والملاك كانا وعدا به، ولأنَّه كان مشهورًا وعامًّا تجاه خمسمائة أخ كما قال الرسول في 1 كو 16: 5، إذ دُعي إليه جميع التلاميذ الذين كان كثير منهم في الجليل. على أنَّ ذِكر الجبل لم يَرِد قبلاً صريحًا، فلعلَّ المسيح ذكره لتلاميذه عند ظهوراته في اليهوديَّة بعد القيامة أو قبلها؟ ومن المؤكَّد أنَّ هذا الجبل ليس جبل الزيتون الذي صعد منه المخلِّص إلى السماء، لكون جبل الزيتون في اليهوديَّة لا في الجليل، وارتأى الليريّ* وينسانيوس* وغيرهما، أنَّ هذا الجبل جبل طابور.

آ17. ولمّا رأَوه سجدوا له ومنهم مَنْ شكَّ مُرتابًا. إن من ارتابوا لم يكونوا من الرسل بل من غيرهم من التلاميذ. فالرسل كانوا تأكَّدوا قيامته من ظهوراته العديدة. وإن كان من ارتاب من الرسل فيُفهَم بذلك الارتياب في الماضي. فكأنَّه يقول: ومنهم من كان شكَّ مرتابًا في ما مضى. وقال بعضهم: إنَّ ذلك لم يُقَل عن الحاضرين بل عن الغائبين كتوما وغيره، الذين ذكرهم مرقس ولوقا، إلاّ أنَّ هذا الارتياب أزاله المسيح عن جميعهم بظهوراته المتواترة بعد ذلك.

آ18. فجاء يسوع، أي تقدَّم إليهم بأكثر قرب*** وأظهر لهم ذاته بأوفر دالَّة. وخاطبَهم قائلاً: قد أُعطيتُ كلَّ سلطانٍ في السماء والأرض. ارتأى ملدوناتوس* أنَّ قول المسيح هذا لم يَقُلْه عند ظهوره هذا في الجليل بل عند صعوده إلى السماء من جبل الزيتون. ومتّى ذكره هنا للإيجاز ولأنَّه مهمّ. وقد أُعطي المسيح كلُّ سلطان إلخ ،بما أنَّه ابن الله بالميلاد الأزليّ، وخاصَّة بما أنَّه إنسان كما قال القدّيسان كيرلُّس* وأثناسيوس* وغيرهما، وذلك أوَّلاً بالتجسُّد، ثمَّ بالقيامة لافتدائه البشر والحقّ على جمعهم إلى الملكوت بواسطة إنذار الرسل. وقد ذكر هذا السلطان هنا ليشير إلى أنَّه به يُرسِل الرسل إلى العالم. وكما أرسلَني أبي هكذا أنا أُرسُلكم أيضًا. (هذه العبارة الأخيرة لا وجود لها هنا في اللاتينيَّة ولا في اليونانيَّة ولا في العربيَّة القديمة، وهي موجودة بالأرمنيَّة لمقابلتها على السريانيَّة ولترجمتها عنها).

آ19. امْضُوا الآن فتلمِذوا الأممَ جميعَهم. لا اليهود فقط كما أرسلتُكم قبلاً إليهم، بل جميع الأمم من كلِّ قبيلة وسبط، وأرشدوهم بإيماني تعليمي الإنجيليّ. ومن قوله: تلمذوا وعلِّموا، كما بالنسخة اللاتينيَّة. يعترض الأراطقة ناكرو معموديَّة الأطفال أنَّ الأطفال لا يمكنهم التعلُّم، فإذًا لا يمكن تعميدهم. ولم ينتبه هؤلاء الأراطقة إلى أنَّ المسيح لم يَنهَ بهذا القول عن تعميد مَن لم يمكنهم أن يتعلَّموا، بل يأمر بتعميد من تعلَّموا. وأمّا من لم يمكن تعليمهم، فإن شئنا خلاصهم، فقد علَّمنا في محلٍّ آخر أنَّه يلزم تعميدهم بقوله: "من لم يولد من الماء والروح القدس لا يمكنه أن يدخل ملكوت الله" (يو 3: 5). إنَّ المفسِّرين الكلفينيّين* عند تفسيرهم هذه اللفظة يقولون: إنَّ الأحبار الأعظمين والأساقفة الكاثوليكيّين لا يمكن أن يُدعَوا خلفاء الرسل لأنَّهم لا يعلِّمون. ولكن يا لَلعجب! هل يعلِّمون هم أكثر من هؤلاء؟ وهل هم خلفاء الرسل؟ فأين كانوا حتّى لم يظهر لهم سالف قبل الجيل السادس عشر؟ وإي نعم. إنَّهم يعلِّمون لكنَّهم يعلِّمون الناس الأرطقة وتعليمًا مضادًّا تعاليم الرسل. ومن أرسلهم للتعليم وقال لهم: أعطيت كلّ سلطان في السماء والأرض فامضوا وعلِّموا؟ ومن الواضح أنَّه يسهل علينا أن نثبِّت أنَّ أساقفتنا فقط بل أدنى كهنتنا، يعلِّم ويُفيد أكثر من علمائهم كما بيَّن الاختبار، كذا قال ملدوناتوس*. وعمِّدوهم باسمِ الآبِ والابنِ والروحِ القدس. من هنا ومن تعليم الكنيسة يتَّضح أنَّ هذه صورة المعموديَّة. ويُذكر الاسم مفردًا إشارة إلى وحدة الذات في الله. ويذكر الثلاثة الأقانيم مع حرف العطف، إشارة إلى سرِّ الثالوث الأقدس. ولذا قد برهن الآباء القدماء بهذه الآية أوَّلاً ضدَّ سابيليوس* الذي أنكر الثالوث الأقدس، ثانيًا ضدَّ آريوس* الذي زعم أنَّ الابن خليقة، فالخليقة لا يعمَّد باسمها مع الله ولا يكون لها اسم واحد مع الله. ثالثًا ضدَّ مكدونيوس* الذي أنكر لاهوت الروح القدس لما قلناه في الابن.

آ20. وعلِّموهم أن يحفظوا كلَّ ما أوصيتُكم. وكلّ ما سوف أوصي به، إمّا بذاتي، أمْ بمن أقمتُهم نوّابًا عنّي في الأرض، ومنحتُهم السلطان لأن يأمروا نيابة عنّي. ويظهر من هنا ضدَّ البروتسطنت أنَّ الإيمان وحده لا يكفي للخلاص، بل يُطلب أيضًا حفظ الوصايا وممارسة الفضائل، إذ ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار أمام الله، بل العاملون بالناموس يتبرَّرون، كما قال الرسول في رو 2. وها أنا معكُم كلَّ الأيّامِ إلى انقضاءِ العالم. يعني وإن غبتُ عنكم بالنوع المنظور فأكون معكم دائمًا بالنوع الغير المنظور، وبمعونتي وتأييدي وتعزيتي لكم ولخلفائكم. ولا أكون معكم فقط، بل مع خلفائكم أجمع إلى نهاية العالم، لأنَّ الذين كان يتكلَّم معهم لم يكونوا ليستمرُّوا حتّى انقضاء العالم. ولذا المسيح حاضر دائمًا مع كنيسته بمساعدته الغير المنظورة لها، وتدبيره وحفظه إيّاها بعنايته بالروح القدس الذي أرسله إليها، وقال عنه إنَّه يثبت معكم إلى الأبد. وهو معها دائمًا بسرِّ الإفخارستيّا مسجودًا له من الناس تحت أعراض الخبز والخمر المقدَّسين، وهو يُقيت نفوسهم ويقوِّيها بتناولهم إيّاه. وهو مع نفوس الأبرار، لتحفظ برَّها وتَثْبت به ما دامت ملتجئة إليه، وهو مع كنيسته بتدبيره رؤساءها وأولادها بكلِّ ما يؤول لتحصيل المجد الأبديّ. انتهى.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM