دفن يسوع.

دفن يسوع

آ57. ولمّا كان المساء، قبل غروب الشمس، إذ عند غروبها كان يبتدئ السبت الذي لم يكن يجوز فيه دفن الموتى، جاء رجلٌ غنيٌّ من الرامةِ اسمُه يوسف. وصفه الإنجيليّ بالغنيّ، ليبيِّن أنَّه لو كان فقيرًا لما تجاسر أن يتقدَّم إلى بيلاطوس بهذا الطلب والرامة إحدى مدن اليهوديَّة، وهي التي ولد فيها صموئيل، لكنَّ يوسف هذا كان مستوطنًا في أورشليم ومن رجال المجلس فيها، ولم يكن مرتضيًا بعمل اليهود، كما روى لوقا، ولم يمضِ الحكم على يسوع، كما نتج ملدوناتوس*، إذ قد كانَ تتلمذَ ليسوعَ أيضًا خفية، كما روى يوحنّا.

آ58. فهذا دخلَ على بيلاطسَ وطلبَ منهُ جسدَ يسوع. وكان ذلك بطلب مريم أمِّه، كما قال متفرستي*. وقال القدّيس أنسلموس* إنَّ العذراء أوحت له. إنَّه من جملة الأسباب التي أوردها يوسف لطلب جسد يسوع، كان مزيد حزن والدته ودنوّها من الموت. وزعم بعضهم أنَّ يوسف دفع مالاً لبيلاطوس ليعطيه جسد يسوع، وأنكر ذلك غيرهم. فأمر بيلاطوس أن يُعطى ذلك الجسد. ويوسف هذا، قد نُفِيَ بعد ذلك مع المجدليَّة ومرتا وإلعازر ومكسيمينوس بسفينة دون قلوع ومقاذيف، فساقتهم عناية الله إلى مرسيليا. ثمَّ سافر يوسف من هناك إلى إنكلترا، وبشَّر فيها بإيمان المسيح، وإلى الآن يكرمه الإنكليز بمنزلة رسول إليهم.

آ59. فأخذ يوسفُ الجسدَ ودرجَه بلفافةِ كتّانٍ نقيّ، وحنَّطه بالطيب الذي أتى به نيقوديموس، كما روى يو 19: 39. قال بسكاسيوس روبرتوس*: إنَّه من تكفين المسيح بالكتّان اندرجت العادة أن لا يوضع جسد المسيح في القدّاس إلاّ على كتّان نقيّ.

آ60. ووضعَه في قبرٍ جديدٍ له كان نحتَه في صخرة. كان هذا القبر في بستان قريب من الجلجلة، كما روى يوحنّا. وبالعناية الإلهيَّة دُفن جسدُ المسيح في قبر جديد في صخرة لئلاّ يتوهَّم أحد أنَّ الذي قام غيره، أو أنَّ تلاميذه حفروا التراب واستلبوه. ولكي يكون أثر ثابت لموت المسيح وقيامته. ودحرَجوا، أي يوسف ونيقوديموس والخدم، حجرًا عظيمًا على بابِ القبرِ ومضوا، لئلاّ يسلب أحد جسد المسيح وكان ذلك، وختمُ القبر كما سيجيء بعناية الله لتوكيد القيامة.

آ61. وكان هناك مريمُ المجدليَّة ومريمُ الأخرى، أم يعقوب ويوسي لأنَّ أمّ ابني زبدى كانت عادت إلى بيتها وأرجعت مريم العذراء. جالستَين حذاءَ القبر، غير مقتربتين إلى تكفين يسوع وتحنيطه احترامًا واحتشامًا لأنَّ يسوع رجل، فلا يليق بالنساء أن تغسله النساء وتحنِّطه وتكفِّنه كما كانت العادة.

حراسة القبر

آ62. ومن اليومِ الغدِ الذي بعدَ الجمعة، أي يوم السبت، اجتمعَ عظماءُ الكهنة والفرّيسيّون عند بيلاطوس

آ63. قائلينَ له: يا مولانا قد تذكَّرنا أنَّ ذاك المضلَّ كان يقولُ وهو حيٌّ: إنّي أقومُ بعد ثلاثةِ أيّام. دعَوهُ المُضِلّ لأنَّهم كانوا يدَّعون أنَّه يطغي الشعب. فيجب أن يتعزّى خدّام المسيح إذ يدعوهم الكفرة والأراطقة مَضِلِّين لأنَّهم دَعَوا سيِّدَهم كذلك.

آ64. فمُرْ أن يَحرُسوا القبر حتّى اليومِ الثالث لئلاّ يأتيَ تلاميذُه فيسرقوه ليلاً ويقولوا للشعب إنَّه قام من بينِ الأموات. إنَّ اليهود كان من عادتهم أن يقولوا ما يقوله الأراطقة في هذه الأيّام، أي إنَّ المسيح لم يتبعه إلاَّ السذّج ورعاع الشعب لقولهم "ويقولوا للشعب". فكأنَّهم يقولون: نحن عالمون بضلاله فلا خوف علينا بل نخاف على الشعب. فتكونُ الضلالةُ الأخيرةُ شرًّا من الأولى. كأنَّهم يقولون: إنَّ تعليمه الكاذب المؤيَّد بعجائب تتبعه ضلالةُ شرًّا من الأولى، وهي الإنذار بقيامته التي تكون بمنزلة ختم لتعليمه وتثبيت أقواله السابقة. ويظهر أنَّهم كانوا يخشَون من قيامته، ولهذا طلبوا حراسة الجنود. وما قالوه عن سرقة تلاميذه له هو حجَّة لإخفاء خوفهم، لأنَّهم كانوا يعلمون أنَّ تلاميذه مرتعدون ومذلولون فلا يجسرون أن يسرقوه.

آ65. فقال لهم بيلاطوسُ: إنَّ عندَكم جنودًا امضوا احتَرِسوا كما تعلمون. يعني أنَّ جوقة الجنود التي أعانتكم أمسِ على القبض عليه وتعذيبه وصلبه، هي خاضعة لأمركم، فاحترصوا على الجثَّة كما تعلمون أنَّه يقتضي. وأشار بذلك مُضمَرًا إلى أنَّه إذًا ليسوع قوَّة على القيامة من الموت فباطلاً تعبهم بالاحتراص.

آ66. فذهبوا وحصَّنوا القبرَ وختموا الحجرَ مع الجنود. أي لم يكتفوا بحراسة الجنودِ القبرَ، بل ختموا الحجر المدحرَج عليه بختم الوالي، كما أشار فم الذهب*، أو بختم رئيس مجمعهم مطبوعًا على قيود من حديد قيد الحجر بها، كما سلَّم نيكوفوروس* وبيدا*.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM