القسم السابع والعشرون:الشكوك في الكنيسة

الشكوك في الكنيسة  9: 38- 48

من عرّض أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي للخطيئة...
دخل يسوع في التاريخ فحرّك الأمل لدى الشعب اليهودي. وتنظّمت حوله "حركة"، إحتلّ فيها التلاميذ ولا سيما الإثنا عشر مركزاً مميّزاً. كانوا برسالتهم إمتداداً لعمل يسوع، فسهروا على مراقبة "التلاميذ الكذبة". إنّ حدث الرجل الذي يطرد الشياطين باسم يسوع دون أن يكون من هذه "الحركة"، يدلّ على أن مرور يسوع حرّك إمكانيّات في قلب الناس لم يكن أحد يتوقّعها. وهكذا استطاع هذا الرجل أن يفيد من قوّة يسوع دون أن يكون من تلاميذه.
تصرّف التلاميذ كما يتصرّف ابناء الشيع فأرادوا أن يمنعوه. في نظرهم، لا تتم آية خارج مجموعة التلاميذ. ولكن تعليم يسوع يحمل انفتاحاً خلاصياً: "من ليس ضدّنا هو معنا". واليوم، كما في زمن يسوع، التجربة باقية: تعارض تلاميذ يسوع "الرسميين" مع الآخرين. أما يسوع فعلّمنا أنه لا يخصّ أحداً، بل لا يخص كنيسة من الكنائس. سلطته تتجاوز كل المجموعات: كل مرة حرّر إنسان أخاه وأنهضه، بدأ الإنجيل يتمّ ويفعل. والمثال هو أن نصل إلى التعلّق الواضح بيسوع. غير أن الإنتماء إلى الإنجيل يجد البرهان في الثمر الذي نعطيه لا في شهادة المعمودية. إن يسوع يحيلنا إلى علامات يستطيع أن يعطيها أناس من خارج حلقات كنائسنا كمؤسسات، وهو يدفعنا إلى أن نحكم على الناس حسب الثمار التي يعطونها.
ويعود القسم الثاني من الإنجيل إلى المزمنين. فأصغر عمل إيجابي تجاههم يجد مجازاته الحسنة. ولكن التصرّف السلبي تجاه "الصغار الذين يؤمنون بي" هو موضوع تحذير خطير جداً. هؤلاء الصغار هم المؤمنون الضعفاء والسريعو العطب. هم يخضعون لأسياد المعرفة وللأقوياء. يشير مرقس إلى التلاميذ الذين يؤثّر عليهم "القوّاد" فيجرّونهم وراءهم ويحطّمونهم. فعلى الجماعة المسيحية أن تحترم منطق الإنجيل الذي يتوجّه أوّل ما يتوجه إلى الذين رذلهم العالم اليهودي، وهمّشتهم المجموعات المسيطرة، إلى الذين ينقصهم العلم والسلطة والمال. فيسوع لا يتردّد، شأنه شأن الآب، بأن يترك القطيع كله ليبحث عن الخروف الضال.
لا يحدّد الإنجيل طبيعة الشك. غير أن الكلمة تشير إلى شيء خطير: ندفع أخانا إلى الشر. نعمل على هلاك أخ ضعيف. هذا يدل على لاهوتي تنقصه الفطنة فيبلبل إيمان الصغار ولا يحتاط للأمر. وهذا يدلّ على مؤمنين يقسمون الجماعة بتصرّفهم فيجعلون صغار القوم يذهبون ولا يعودون. إن كلمات يسوع هذه تعبرّ عن التضامن العميق الذي يجب أن يوحّد المؤمنين، وعلى مسؤوليات كل واحد للمحافظة على الشركة والحبّ المتبادل.
كم نودّ أن ننغلق على ذواتنا، ونعيش وحدنا. ولكن قلب يسوع يدق لجميع البشر حتى للذين يتبعونه من بعيد.
ولكن من هو بعيد عن يسوع أو قريب من يسوع؟ من هو ليسوع؟ هناك نصّان إنجيليان يعلّماننا الشيء الكثير. مثل السامري الصالح ومثل الدينونة الأخيرة. في الأول يجعل يسوع أمامنا ثلاثة أشخاص: كاهن ولاوي وسامري. الشخصان الأولان هما محترمان، والثالث منشق عن اليهود ولا يستحقّ الإحترام. ومع ذلك، فالمحترمان بعبدان جداً عن يسوع.
وفي الدينونة الأخيرة! تعجّب المرذلون لأنهم رُذلوا، والمباركون لأنهم نالوا البركة. لا شكّ في أن نظرة يسوع إلى البشر تختلف عن نظرتنا. ففي عالم مرّتب بين أشرار وأخيار، تجرّأ يسوع فأعلن أن الزناة والعشارين هم أقرب إليه من بعض الفريسيين.
ونتساءل: أين صرنا؟ هل هناك انتماء حقيقي إلى يسوع؟ إذا كان المعمّدون وابناء الرعية وأعضاء الحركات الرسولية ليسوا شعب الله، أو قد لا يكونون، فأين هو شعب الله؟
أجاب يسوع: "من ليس ضدنا هو معنا". كلام متحرّك. أيكون التجمّع الكنسي بعض المتعاطفين، بعض الذين ليسوا ضدّ يسوع؟ لا، وهذا أكيد. فهناك أشخاص مع المسيح وللمسيح. ولكن المسافة بعيدة بين "مغارة" ننغلق فيها على ذواتنا، وعالم غامض لا حدود له. هناك التسجيل في سجلات الرعية وقبول كل متألم، كل فقير ويائس. الصالح أو الصادق في المعاملة قد يكون من تلاميذ المسيح بوضعه أو بقدره الإنساني.
لا شكّ في. أن ابناء الرعية الصالحين هم قريبون من المسيح، وقد يكونون أقرب القريبين. ولكنهم لا يكونون لأنهم تسجلّوا في الكنيسة أو أتّموا واجباتهم الدينية على أحسن حال. هم قريبون من المسيح بقدر ما يحبّون. هذا هو في النهاية المعيار الوحيد للإنتماء إلى المسيح.
ولكننا نسارع إلى القول: إذا أردنا أن نحبّ كما يريد يسوع أن نحب، فلا شيء يساوي معرفة الإنجيل، والقوة التي نستقيها من الأسرار، والحياة الأخويّة التي نعيشها في الكنيسة. وحين تتوسّع حلقة المتعاطفين الذين لا يجرأون أن يتخذوا موقفاً، نحسّ بضرورة مركز حيّ منه يشعّ حبّ الناس ليسوع وفيه يجدون الوسائل ليحيوا بحسب روحه.
الكلمة التي تفرض نفسها: نتقبلّ الآخرين، نكون خداماً للآخرين. والمتطلبة الثانية ترد بشكل سلبي: لا نرذل أحداً. لا نتصرّف كالشيع فننغلق على ذواتنا ومجموعتنا. حدود الإنجيل هي غير حدودنا. والله ليس فقط قريباً من بعض المختارين، من بعض المميّزين. لا نستطيع أن نربط الله بديانة المجموعة... حين نصل إلى الإنجيل، فروح يسوع يجعل منا خليقة جديدة. خليقة تنفتح على الآخرين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM