موت يهوذا.

 

موت يهوذا

آ3. أمّا يهوذا الدافعُ فلمّا رأى يسوعَ قد دِين نَدِمَ، أي لمّا علم بالحكم على يسوع بالموت ندم على ما فعَلَه. ويظهر أنَّ يهوذا كان ظنَّ أنَّ قضيَّة المسيح لا  تتَّصل إلى هذا الحدّ، بل ينجو من اليهود بإرضائه لهم أو بقوَّته، كما فعل مرارًا، فلمّا رأى الحكم عليه بالموت ندم ندامة باطلة، إذ كانت دون استمداد الغفران أو تَرَجِّيه، ودون التفات إلى إهانة الله كندامة الهالكين. ومضى فأعادَ الثلاثين الفضَّة إلى رؤساء الكهنةِ وإلى المشايخ، ليفسخ العقد معهم. فكأنَّه يقول: أنا أفسخ العقد معكم بردّي الدراهم، لتفسخوه أنتم بإطلاق يسوع، قائلاً:

آ4. لقد أخطأتُ بتسليمي دمًا زكيًّا. هذه عبارة عبرانيَّة معناها: أخطأت بتسليمي إنسانًا بريئًا وبارًّا. فأصلح يهوذا بقوله هذا العيب الذي ثلبه، وأشكى الرؤساء علانية بالقتل الظلميّ. فبداية توبته هذه كانت محمودة وفعّالة، إلاَّ أنَّه خاسها رجاء المغفرة والاهتمام بالمصالحة مع الإله المُهان. فقالوا له: ما علينا. أنت أخبر***. قد ألزم رعاة الشعب الخروف الضالّ باليأس وقطع الرجاء قائلين: إنَّه ينوط بك أن تفحص وترى وتحكم على ما صنعتَ، وأمّا نحن فلا يعلَّق بنا ذلك، ولا نعرف لنا ذنبًا بقتل يسوع. فهذا جزاء من يخطئ إكرامًا للغير فإنَّهم يسخرون به أخيرًا ويُهملونه.

آ5. فطرحَ الفضَّةَ في الهيكل. إنَّ يهوذا ردَّ الفضَّة إلى الرؤساء في بيت قيافا أو في بيت بيلاطوس، فلم يستردُّوها منه. وخاف أن يجمعها الجنود إن ألقاها هناك. فمضى إلى الهيكل وألقاها فيه ليأخذها الرؤساء. وإذا لم يريدوا استرجاعها، فتكون لعمل صالح. وذهبَ فخنقَ نفسَه. وانشقَّ من وسطه كما جاء في أع 1. وذلك لقطعه رجاء. فقد استحضرت مخيِّلتُه كثرة آثامه وفظاعتها ومناخس ضميره في هذه الحياة خاصَّة إذا قام المسيح، فضلاً عن الهلاك المؤبَّد الذي كان المسيح أنذره به فلم ينل رجاء بالغفران، فشنق نفسه وأضحى معذَّبًا في جهنَّم، وسوف يلبث في العذابات الفادحة مدى الأبديَّة.

آ6. وأمّا رؤساءُ الكهنة فأخذوا الفضَّةَ وقالوا: لا يحلُّ لنا أن نضعَها في بيتِ التقدمة. أي بيت التقادم المقدَّسة المقدَّمة لله، لأنَّها ثمنُ دمٍ، أي ابتيع بها إنسان ليُقتَل. ويظهر من هنا أنَّ هذه الثلاثين من الفضَّة كانت أُخذت من بيت التقدمة، فلو كانت أُخذت من مالهم أو من مال آخر عالميّ، لما خافوا من استرجاعها أو تحويلها إلى أمر عالميّ.

آ7. وتشاوروا وابتاعوا بها حقلَ الفخّار مقبرةً للغرباء. فابتاعوا بالدراهم النجسة محلاًّ نجسًا يقبرون به الغرباء من الجنود الرومانيّين، أو من الذين يأتون من اليهوديَّة وغيرها إلى أورشليم ويموتون هناك.

آ8. ولذلك دُعي ذاك الحقلُ حقلَ الدم حتّى يومِنا. واللاتينيَّة وغيرها من النسخ يُقرَأ فيها اللفظ العبرانيّ "حقل دما" وتفسيره حقل الدم. وقال ملدوناتوس* هنا: "حقل دما كلمة سريانيَّة من اللغة التي كان يتكلَّم بها اليهود حينئذٍ، وتأويلها حقل الدم، ودعي كذلك لأنَّه ابتيع بثمن دم. على أنَّ الكلمة السريانيَّة لا تُقرأ في اليونانيَّة في بشارة متّى بل تأويلها فقط، أي حقل الدم، ولم يقرأها فم الذهب* وأوسابيوس* في هذا المحلّ". وعلى هذا الأسلوب أقام اليهود ذكرًا دائمًا لقتلهم المسيح. فإنَّ حقلاً كذا متى تنجَّس مرَّة بدفن الغرباء، لم يكن ممكنًا تخصيصه باستعمال آخر بمقتضى عوائدهم، ولم يكن يُردّ في سنة الغفران إلى وارثه الأوَّل كباقي الحقول.

آ9. وتمَّ حينئذٍ ما قيل بالنبيّ القائل: وقرأت اللاتينيَّة: ما قيل بإرميا النبيّ، مع أنَّ ذلك لم يرد بنبوءة إرميا بل في نبوءة زكريّا (11: 12)، وفي ذلك اختلاف أقوال بين المفسِّرين، أكثرها احتمالاً عند ملدوناتوس* أنَّ اسم إرميا أدخله في النسخة المذكورة سهوُ النسّاخ، كما ذهب فم الذهب* وروبرتوس* والليريّ* وفرنسيس لوقا* وبارونيوس* وغيرهم، لأنَّ متّى ليس من عادته أن يذكر اسم الأنبياء الذين يستشهدهم. ثمَّ إنَّ النسخة السريانيَّة وبعض النسخ اللاتينيَّة (كما شهد سابقًا مار أغوسطينوس*) الباقي حتّى الآن نسخة منها في رومة، لا يوجد فيها اسم إرميا. هذا إلاَّ إن شئت أن تزعم مع أوريجانوس* وترتوليانوس* وأوسابيوس* أنَّ هذه الألفاظ كانت قديمة في نبوءة إرميا (كما شهد القدّيس إيرونيموس* أنَّه رآها في نسخة صحيحة منها)، ثمَّ حُذفت منها بواسطة اليهود. إنّي أخذت الثلاثين من الفضَّة. وفي اللاتينيَّة: أخذوا الثلاثين من الفضَّة، أي أخذ رؤساء الكهنة ذلك، ثمنَ الكريم. وفي اللاتينيَّة: ثمن المُثمَّن، الذي شارط عليه بنو إسرائيل. وفي اللاتينيَّة: الذي ثمَّنوه من بني إسرائيل، يريد يهوذا الذي هو أحد أبناء إسرائيل. وقراءة النسخة السريانيَّة أكثر مطابقة لقول زكريّا في نبوءته من قراءة النسخة اللاتينيَّة.

آ10. وأعطيتُها في حقل الفخّار كما أمرني الربّ. وفي اللاتينيَّة: وأعطَوها في حقل الفخّار. وقوله "كما أمرني الربّ"، يمكن فهمه بمعنى أنَّه كلام المسيح. وكأنَّه يقول به: إنَّ الثلاثين من الفضَّة التي بِعتُ بها أنا المسيحَ شُري بها حقلُ الفخّار ليصرف كلَّ ما لي في منفعة الناس كما أمر الربّ، وبمعنى أنَّه كلام النبيّ وكأنَّه يقول به أنا النبيّ أتنبَّأ بأنَّ هذا الحقل يُشْرى بثمن دم المسيح لأنَّ الربَّ أمرني أن أتنبّأ هكذا قولاً وفعلاً.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM