بطرس ينكر يسوع.

بطرس ينكر يسوع

 

آ69. أمّا الصفا فكان جالسًا خارجًا في الدار. عاد الإنجيليّ هنا إلى تكملة تاريخ بطرس الذي قال قبلاً إنَّه كان يتبعه، وقال في آ58 إنَّه دخل بيت قيافا. وهنا يقول إنَّه كان خارجًا في الدار، أي كان خارجًا عن المحلِّ الذي كان فيه المسيح، لكنَّه كان داخل بيت قيافا. فجاءت إليه أَمَة. هي البوّابة، كما روى يوحنّا، تقولُ له: أنتَ كنتَ مع يسوعَ الناصريّ. وعرفت بطرس لأنَّها لم ترَ أنَّه من الخدم، بل رأته مرتعدًا خائفًا محزونًا. وقرأت اللاتينيَّة: أنت كنت مع يسوع الجليليّ، ولا اختلاف لأنَّ الناصرة في الجليل.

آ70. أمّا هو فكفرَ أمام الجميع، أي جميع الحاضرين، قائلاً: لا أعرفُ ماذا تقولين. أي لا أعرف يسوع ولستُ من تلامذته.

آ71. ولمّا خرجَ إلى الدهليزِ رأتْه أمة أخرى وقالتْ لمَن كانوا هناك: إنَّ هذا كان أيضًا معَ يسوعَ الناصريّ. إنَّ بطرس فرَّ من وجه الأمة الأولى ومضى لدى الخدّام يصطلي ليُظهِر أنَّه ليس من تلاميذ يسوع فكرَّرت عليه التجربة.

آ72. وكفرَ أيضًا بأقسام إنّي لا أعرفُ هذا الرجل. وهذا هو إنكاره المرَّة الثانية.

آ73. وبعد قليل جاء الحاضرون وقالوا لبطرس حقٌّا إنَّك منهم، أي من تلاميذ يسوع، وكلامُك يدلُّ عليك. لأنَّ لغة الجليليّين كانت معروفة ممتازة عن لغة سكّان اليهوديَّة.

آ74. حينئذٍ ابتدأ يحرمُ ويحلفُ أنَّه لا يعرفُ هذا الرجل، أي شرع يدَّعي على نفسه ويلعن ذاته إذا كان يعرف هذا الرجل. إنَّ خطأ بطرس هذا كان ثقيلاً، وإن لم ينكر المسيح بضميره بل بفمه فقط، لأنَّ المخلِّص قال: من ينكرني أمام الناس أنكره أمام أبي الذي في السماوات. لكنَّه وإن فقد المحبَّة، فلم يفقد الإيمان بإنكاره، لأنَّ المسيح قال له: أنا طلبت من أجلك لئلاّ ينقص إيمانك. هذا رأي القدّيسين أمبروسيوس* وإيلاريوس* ومن اتَّبعهما، وأنكره غيرهم. حتّى قال أمبروسيوس* وإيلاريوس* على ما يَظهر أنَّ بطرس لم يكذب بل تكلَّم بالتباس، لأنَّه قال إنَّه لا يعرف ذاك الرجل الذي كان يعرفه إلهًا. وأنكر آخرون رأيهما بذلك أيضًا، لأنَّ المسيح قال لبطرس إنَّه يكفر به. وسمح الله بسقوط بطرس لئلاّ يعود يدَّعي بنفسه، ولكي يتعلَّم بالاختبار أنَّ البشريَّة ضعيفة ويشفق، على من يسقطون، إذ كان أقيم راعيًا لخراف المسيح. كذا قال فم الذهب* وأغوسطينوس* وغيرهما. وفي تلك الساعةِ صاحَ الديكُ ليتذكَّر بطرس إنذار المسيح له، ويرتدّ إلى التوبة. وزاد لو 22: 61: ''فالتفت يسوع وتأمَّل بالصفا، فتذكَّر سمعان كلمة ربِّنا''. فالتفات المسيح هذا إلى بطرس (الذي لم يوقظه صياح الديك المرَّة الأولى التي رواها مرقس)، كان سببًا لتذكُّره بإنذار المخلِّص له ولتوبته. وقد نظر المسيح إلى ضمير بطرس بعين نعمته، فحرَّكه إلى التوبة، كما فسَّر أغوسطينوس* وبيدا*، وبعينيه الجسديَّتين أيضًا، لأنَّهم بعد الفحص أخرجوه من الدار الداخلة إلى الخارجة حيث كان بطرس.

آ75. وتذكَّرَ بطرسُ كلمةَ يسوعَ إذ قال: إنَّه مِن قبْلِ أن يصيحَ الديكُ تُنكِرُني ثلاثَ مرّات فخرجَ خارجًا وبكى بكاءً مرٌّا. ولنا في توبة بطرس ثلاث صفات يلزم أن تكون في توبتنا، فكانت توبته سريعةً إذ خرج حالاً فبكى، ومُحكَمةً إذ خرج خارجًا فيعلِّمنا الانتزاح عمّا يصدُّنا عن التوبة، وشديدةً إذ بكى بكاء مرٌّا. قال إكليمنضوس* الرومانيّ تلميذ بطرس وخليفته: إنَّ بطرس قضى حياته كلَّها ينوح على هذه الخطيئة، حتّى كان كلَّما سمع صياح الديك يجثو على ركبتيه مذرفًا الدموع السخينة مستمدٌّا العفو، حتّى تشوَّهت عيناه وأَدمَتْ من النحيب والبكاء.

 

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM