سوع في مجلس اليهود.

 

 

سوع في مجلس اليهود

آ57. أمّا الذين قبضوا على يسوعَ فأوصلوه إلى قيافا عظيمِ الكهنة. وروى يو 18: 13 أنَّ يسوع اقتيد أوَّلاً إلى حانان الذي كان حما قيافا، فاجتازوا به من عند حانان، إمّا إكرامًا له لأنَّه كان شيخًا، وإمّا على ما ارتأى مار أغوسطينوس* لأنَّ بيت حانان كان في طريق بيت قيافا، لكنَّ اجتيازهم من هناك كان دون إبطاء. وارتأى القدّيس كيرلُّس* وفرنسيس لوقا* أنَّ يهوذا أُعطي هناك الثلاثين من الفضَّة التي كان وُعد بها. ولذا الفحص الأوَّل الذي أجرَوه على المخلِّص، واللطمة، وإنكارات بطرس، قد حدثت في بيت قيافا كما يُبان من بشارتَي مرقس ولوقا، لا في بيت حانان كما زعم بعضهم. وكان الكتبة والمشايخ مجتمعين في بيت قيافا، كما قال، حيث مجمع الكتبة والمشايخ. فإنَّ يهوذا لمّا طلب من قيافا جنودًا للقبض على يسوع، دعا الكتبة والمشايخ ليحكموا عليه عند الإتيان به.

آ58. أمّا سمعانُ الصفا فكان يتبعُه عن بُعد حتّى بلغَ دارَ عظيمِ الكهنة ودخلَ فجلسَ داخلاً مع الخدّام لينظرَ الغاية. إنَّ بطرس شجَّع نفسه بعد فرار الرسل واتَّبع معلِّمه عن بعد لئلاّ يقبضوا عليه، فالخوف حمله على الفرار. ثمَّ تغلَّبت المحبَّة على الخوف، فاتَّبعه. وروى يوحنّا في المحلِّ المذكور أنَّ بطرس كان يتبع يسوع ومعه تلميذ آخر، وأنَّ ذاك التلميذ كان معروفًا عند رئيس الكهنة، فدخل داره، وبطرس كان قائمًا على الباب، فاستأذن له وأدخله. وكان بطرس هناك يصطلي، كما روى مرقس ولوقا ويوحنّا.

آ59. أمّا عظماءُ الكهنة والمشايخُ والمجمعُ كلُّه فكانوا يتطلَّبون شهادة. وزادت اللاتينيَّة: زور. على يسوعَ ليُميتوه فلم يَجدوا. وقد أهمل متّى هنا ما ذكره يو 18، وهو أنَّ قيافا سأل يسوع عن تلاميذه وتعليمه. ويسوع أجابه أنَّه علَّم ظاهرًا وأن يسأل مَن سمعوه، وأنَّ أحد الخدّام لطم يسوع. فبعد ذلك حدث ما رواه متّى هنا من تطلُّبهم شهادة زور على يسوع، ومع كلِّ جدِّهم بإيجادها بكلِّ نوع من الخبث والتزوي فكان جدُّهم باطلاً، إذ لم يجدوا شهادة تشجبه لأنَّ سيرة المسيح كانت بغاية البرارة والنقاوة. فمِثلُ هذا يليق أن يكون لنا حبرًا بارٌّا وقدّيسًا وبعيدًا عن الخطايا، ولا حاجة له أن يقدِّم أوَّلاً ذبائح عن نفسه، كما قال الرسول (عب 7: 26).

آ60. وقد جاءَ شهودُ زورٍ كثيرون. فلم يثبت شيء بشهادتهم عليه. وجاء أخيرًا شاهدا زور

آ61. يقولان إنَّ هذا كان يقولُ: إنّي أقدرُ أن أحُلَّ هيكلَ الله ثمَّ أبنيه في ثلاثةِ أيّام. فهذان زوَّرا كلمات المسيح ومعناه. أمّا الكلمات فلأنّ المسيح قال في يو 2: 19: حلُّوا هيكل الله، وهما قالا: إنّي أقدر أن أحلَّ هيكل الله. والمسيح قال: وبعد ثلاثة أيّام أقيمه، وهما قالا: ثمَّ أبنيه في ثلاثة أيّام. وأمّا المعنى فلأنَّ المسيح أراد بالكلام المذكور هيكل جسده اللحميّ كما أبان يوحنّا في المحلِّ المذكور بقوله: ''أمّا هو فإنَّه أشار إلى هيكل جسده''. وهما عيَّنا هيكل سليمان الحجريّ. هذا مع أنَّ شهادتهما لم تكن مطابقة الدعوى عليه، فإنَّ قوله: اهدموا الهيكل وأنا أقيمه بعد ثلاثة أيّام، وإن دلَّ بظاهره على تفاخر بموجب قولهم، فلمن منهم الإهانة حتّى يكون ذلك سببًا عليه بالموت؟

آ62. فنهضَ عظيمُ الكهنة وقالَ له: أما تُجيبُ بشيء عمّا يَشهدُ به هؤلاء عليك. قد نهض لغيظه من صمت يسوع. أو نهض ليدلَّ على غضبه وثقل الجنحة الموردة عليه، كأنَّ يسوع احتقر بكلامه المذكور عظمة الهيكل والديانة والقداسة.

آ63. أمّا يسوعُ فكان ساكتًا، لأنَّ الشهادات المقدَّمة عليه لم تكن تستوجب الموت ولا تحتاج التفنيد لأنَّها تنقض ذاتها بذاتها. ولأنَّه كان يعلم أنَّه كيفما أجاب يتجاذبون جوابه لثلبه. ولأنَّه لم يُرد أن يدافع عن نفسه بقوَّة كلامه، إذ كان يعلم حضور ساعته. ولأنَّ آدم الثاني الذي هو المسيح كان يشاء أن يمحو بصَمْتِه احتجاج آدم الأوَّل، كما قال مفسِّر بشارة مرقس. على أنَّه حذرًا من أنَّ يسوع يُبطل بملازمة الصمت تدابير اليهود النفاقيَّة. فأجابَ عظيمُ الكهنة وقالَ له: أُقسمُ عليكَ بالله الحيّ لأنْ تقولَ لنا: أأنتَ هو المسيحُ ابن الله؟ إنَّ قيافا يأمر المسيح هنا كرئيس لمرؤوسه مستحلفًا إيّاه بالله وبمقتضى السلطة الحبريَّة ليجيبه مصرِّحًا على جوهر الدعوى وهو: هل هو المسيح الموعود به وابن الله الطبيعيّ المساوي للآب، كما كان المخلِّص علَّم بذلك مرارًا؟ فما الذي يجيب به المسيح حينئذٍ؟ فإن أنكر يحكمون عليه بتجديف متعدِّد بمقدار ما علَّم بذلك. وإن صمت يظهر من صمته في مجمع حافل غبّ سؤاله شرعيٌّا واستحلافه بالله، أنَّه يخجل من تعليمه السابق ويُفترَض أنَّه أنكره مضمَرًا. فملافاةً لذلك ومحافظةً على احترام الاسم الإلهيّ أقرَّ صريحًا أنَّه هو المسيح وابن الله.

آ64. فقال لهُ يسوعُ: أنتَ قلت. أي أنا هو، كما روى مر 14: 62. قال فم الذهب* إنَّ المسيح بهذا الجواب ''يزيل عنهم كلَّ اعتذار'' لئلاّ تبقى لهم حجَّة عند الناس أو عند الله في يوم الدين بأنَّهم سألوا المخلِّص شرعيٌّا هل هو المسيح وابن الله فلم يُجبهم. الحقَّ أقول لكم إنَّه من الآن. يعني أوَّلاً، بعد موتي وقيامتي وصعودي في الدينونة الخاصَّة عند موت كلٍّ منكم، وأخيرًا، في الدينونة العامَّة. ترَونَ ابنَ الإنسانِ جالسًا عن يمينِ القوَّة. يعني تروني جالسًا بالقرب من الله الآب المساوي لي بالسلطة والطبع والمجد، أنا الذي تحتقروني الآن وتعتبروني إنسانًا محضًا وابن الإنسان. وأشار إلى قول المرتِّل في مز 110: ''قال الربُّ لربّي: اجلس من عن يميني''، الآية التي كان اعترض بها هؤلاء الكتبة قبلاً. ويأتي فوق سحب السماء يشير إلى قول دا 7: 13: ''ها هوذا يأتي مع سحب السماء''، ليعلم عظيم الكهنة أنَّه هو المسيح الذي تنبَّأ عليه دانيال أنَّه يأتي ليدين العالم. واعلمْ أنَّ عظماء الكهنة وباقي من أهانوا المسيح لا يرَونه في يوم الدين جالسًا بمجده عن يمين الآب رؤية خاصَّة وعلى وجه الاستقامة، لأنَّهم مرذولون ولا يحقُّ لهم التنعُّم بمشاهدة الله. ولكنَّهم يرَون مجد المسيح على غير الاستقامة وبالمفعول لزيادة عذابهم.

آ65. حينئذٍ شقَّ عظيمُ الكهنةِ ثوبَه، أي رداءه الخارج الذي كان مشقوقًا من جهة الصدر فقط، وكانت العادة عند اليهود وغيرهم أنَّهم إذا أرادوا إظهار الاشمئزاز من أمر ودفع مصاب مفاجئ، شقُّوا ثوبهم. إلاّ أنَّ هذا كان محرَّمًا على عظيم الكهنة في لا 21: 10. لكنَّ قيافا صنع ذلك ليبيِّن جسامة دعوى المسيح ويُظهر أنَّه جدَّف تجديفًا لا يُطاق. وفسَّر تفسيرًا رمزيٌّا أنَّ كهنوت السنَّة القديمة يمزَّق حقيقة بموت المسيح. كذا فسَّر فم الذهب* وتاوافيلكتوس* وينسانيوس* وغيرهم. قائلاً: ها هوذا جدَّف بادِّعائه أنَّه المسيح وابن الله. فلماذا نطلبُ الشهودَ؟ ها قد سمعتُم الآن تجديفَه. إنَّ قيافا صنع حينئذٍ صنيع مدَّع وشاكٍ لا صنيع قاضٍ، فبان تعصُّبه وظهر إثمه. فعلى المدَّعى لا القاضي أن يبحث على شهود لشجب من أشكاه. كذا قال فم الذهب*.

آ66. فما الذي ترَونه؟ فأجابوا قائلين: إنَّه لمستحقٌّ الموت. قد أُمر في لا 24: 16 أنَّ المجدِّف يُحكم عليه بالرجم كما رجموا إسطفانوس لدعواهم عليه التجديف. أمّا هم فكانوا صمَّموا على صلب المسيح، فلم يقولوا إنَّه لمستحقٌّ الرجم، بل الموت. فيُسأَل في أيِّ وقت كان هذا الاجتماع والفحص والحكم؟ أجيب: ذهب بعضهم أنَّ ذلك كان بعد إنكار بطرس وفي صباح اليوم التالي، إذ يظهر أنَّ لوقا يشير إلى ذلك في 22: 66، ولذا يرون أنَّ كلام متّى هنا تقديمًا وتأخيرًا، أي أنَّ ما قاله من آ59 إلى هنا، كان يلزم وضعه في أوَّل الفصل التالي. كذا ارتأى مار أغوسطينوس* وملدوناتوس* وغيرهما. والأحسن ما ذهب إليه غيرهم مع ينسانيوس*، وهو أنَّ متّى وضع كلَّ ذلك بترتيبه، وأنَّ هذا الفحص والحكم كانا ليلاً بعد اقتياد المسيح إلى قيافا. فقد اجتمعوا على المسيح، وسئل مرَّتين: الأولى في الليل وهي المذكورة هنا، والأخرى في الصباح بعده وهي التي ذكرها لوقا في المحلِّ المذكور.

آ67. حينئذٍ، أي بعد الاجتماع الثاني على يسوع في وقت الصباح، شرعوا يُوْسِعون يسوع كلَّ نوع من الإهانة والعار وهو مُظهِرٌ كلَّ نوع من الوداعة والحلم. ولم يكن أولئك من الخدّام فقط، بل من الرؤساء والكتبة أيضًا، كما يتلخَّص من رواية مرقس. فأوَّلاً، بَصقُوا في وجهِه، أي تفلوا على ذلك الوجه الإلهيّ الذي تشتهي الملائكة أن تنظر إليه، وكانوا يَلطمونه على رأسه وعنقه وظهره، وآخرون يَضربونَه. وكانوا ينتفون شعرَ لِحيتِه ويَرفسونه بأرجلِهم ويغطُّون وجهَه ويُجدِّفون عليه ويُعيِّرونه

آ68. قائلين: تنبَّأ لنا أيُّها المسيحُ مَن لطمَك؟ كأنَّهم يقولون إنَّك تدَّعي أنَّك نبيّ فتنبَّأ من لطمك، وإلاّ فأنت نبيّ كاذب. ويَظهر أنَّهم قالوا ذلك بعد أن غطُّوا وجهه وضربوه، كما روى لوقا. والمخلِّص كان محتمِلاً كلّ ذلك بصبر جميل.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM