سكب الطيب على يسوع.

 

 

سكب الطيب على يسوع

آ7. دنَتِ امرأة، وهي مريم المجدليَّة، كما روى يوحنّا. معها قارورةُ طيبٍ ثمينٍ جدًّا فتحَتْه وأفرغَتْه على رأسِ يسوع وعلى قدميه أيضًا، كما يظهر من رواية يو 12: 3. فإنَّ الوليمة التي ذكرها متّى هنا نفس التي ذكرها يوحنّا هناك. وهو متَّكئ على الوليمة. والقارورة كانت إناءً من خزف غير صلب، ليسهل كسره وإفاضة الطيب منه لدى الاقتضاء. والطيب سيّال يُستقطَر من أعشاب عطريَّة، يُضمَّخ به الجسد والأثواب بنوع أن لا يوسِّخها بل يرطبها فقط، فيبعث عَرفًا ذكيًّا مناسبًا للذّة والصحَّة. وروى مار يوحنّا: "ناردينًا خالصًا". وروى مر 14: 3 أنَّه كان مصنوعًا من سنبل الناردين أي مُستقطَرًا من سنبل الناردين، تمييزًا له عن الطيب المستقطَر من ورق الناردين. وبكلِّ صواب وتقوًى، أفاضت المجدليَّة وقتئذٍ هذا الطيب على يسوع، وذلك لتُظهر استحقاقه للوليمة، ولتُشهر إيمانها ومحبَّتها له ومعرفتها الجميل. ولتُبهج المتَّكئين، كعادة اليهود والشرقيّين، أن يضمِّخوا بالعطر والطيب من يُدعى إلى الوليمة. ولتريح المسيح المضنوك من التعب وتقدِّم له تعزية عند دنوّ الموت منه (كما كانت سمعت ذلك مرّات). وأخيرًا للسبب الذي ذكره المخلِّص بقوله: صنعته لدفني كما سيجيء.

آ8. وإذ شاهدَ تلاميذَه هذاتمتموا قائلين: لماذا هذا الضياع؟ وروى يوحنّا أنَّ يهوذا وحده تقمقم. فالتوفيق بين الروايتين بأنَّ متّى وضع هنا الجمع في محلِّ المفرد، كما ذكر ملدوناتوس* والبعض، والأصوب توفيق مار أغوسطينوس* في ك2 في توفيق الأناجيل رأس 69 بأنَّ يهوذا حمل باقي التلاميذ على التذمُّر بحجَّة الإشفاق على الفقراء، مع أنَّه تذمُّرٌ لبُخله إذ لم يصل إلى يده ثمن الطيب ليسرقه، كما روى يوحنّا أيضًا.

آ9. قد كان ينبغي أن يُباعَ هذا بثمنٍ كثير ويُعطى للمساكين. كان يهوذا يقول: لم يكن لازمًا إهراق هذا الطيب على يسوع لأجل اللذَّة، بل إنفاقه على الفقراء. وقد تقدَّم الشرح عن غاية يهوذا بذلك. لا تختلف عنها غاية كلفينوس* الذي زعم أنَّ عمل المجدليَّة هذا لا ينبغي إثباته ولا الاقتداء به، لكنَّها تُعذَر لفعلها ذلك بإلهام خاصّ من الروح القدس. وقال كلفينوس* ذلك حذرًا من أن يتَّخذ أحد مثال المجدليَّة ليبرهن جواز تكريم جنّاز الموتى بالشموع والبخور إلخ. ومن لا يرى أنَّ روح كلفينوس* بذلك كروح يهوذا؟

آ10. فعرفَ يسوع بقوَّته الإلهيَّة وروحه النبويِّ تذمُرَهم الخفيّ. وقالَ لهم: لماذا تؤنِّبون المرأةَ، لقد صنعَتْ بي صُنعًا حسنًا. وقرأت اليونانيَّة: صنعًا عظيمًا أو ساميًا.

آ11. فالمساكينُ عندَكم في كلِّ حين وأنا لستُ عندَكم في كلِّ حين. يعني أنَّ العالم مملوء من المساكين فتحسنون إليهم ،وأمّا أنا فسأموت عن قرب ولا أكون عندكم بحضوري المنظور لتتعاطوا معي بهذه الصورة.

آ12. فأفاضَتْ هذه هذا الطيبَ على جسدي كأنَّها صنعتْه لدَفني. كأنَّه يقول: إنَّها بتضميخها لي بهذا الطيب صنعَتْ بي أنا الذي سأموت وأُدفَن بعد زمن وجيز، ما اعتاد اليهود صنعه للموتى وقت دفنهم، أي أنَّ تُطيَّب جثَّتهم بالعقاقير الذكيَّة الرائحة، شهادة على المودَّة للأصدقاء وإن أمسوا موتى. ثمَّ لمنع النتانة بقدر الإمكان، وخاصَّة للشهادة على الإيمان والرجاء بالقيامة. ولذا كان صُنْع المجدليَّة هذا تقويًّا وصالحًا، خلافًا لما زعمه كلفينوس* كما تقدَّم. وهنا مثال سام للاتِّضاع. فالمخلِّص كان يستطيع أن يجيب أنّه أفضل من المساكين ويستحقُّ أكثر من ذلك، ومع هذا أجاب كما تقدَّم مساويًا نفسَه بالمساكين، مفضِّلاً ذاته عليهم من وجه حضورهم دائمًا عند التلاميذ ومبارحته لهم عن قرب بالموت. ورضي المسيح بإفاضة الطيب عليه، لا لأجل اللذَّة بل لمباشرة المجدليَّة به فرض المحبَّة.

آ13. الحقَّ أقولُ لكم: حيثما تُكرزُ بشارتي هذه في العالم كلِّه، يُذكَرُ ما صنعتْه هذه تذكرةً لها. كأنَّه يقول نحو يهوذا: إنَّ ما تلوم هذه المرأةَ به بخبث ستُمدح بسببه في كلِّ جيل. ومع هذا لم يقنع يهوذا بأنَّ هذا العمل صالح، وكان يرغب في وضع ذلك عنده في الصندوق ليسرقه ويملأ بالوعة بُخله. ولهذا أراد استعمال طريقة أخرى لإملاء كيسه، وذلك بخيانة سيِّده ومعلِّمه.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM