الفصل الخامس والعشرون: مثل العذارى.

 

الفصل الخامس والعشرون

فحواه مثل العذارى الخمس الجاهلات والخمس الحكيمات. ومثل الوزنات التي دفعها سيِّد إلى عبيده للتجارة والربح. وإثبات المخلِّص أنَّ الثواب والعقاب يحصلان في يوم الدين لكلٍّ بحسب استحقاق أعماله. وإيراده أخيرًا صورة الحكم الأخير.

مثل العذارى

آ1. حينئذٍ. أي حين إذ يأتي المسيح بغتة للدينونة، يُشبِهُ ملكوتُ السماء، أي كنيسة المسيح تشبه مجموع عشرَ عذارى، أي عذارى كثيرات لا عشرًا بالحصر، فهو من باب وضع المحدود في محلِّ الغير المحدود. ويريد بالعذارى المؤمنين أجمع، وقد شبَّه الرسول أيضًا المؤمنين بالعذارى بقوله في 2 كو 11: 2: لكي أقرِّب للمسيح بكرًا عفيفة. أخذْنَ مصابيحَهنَّ. يريد بالمصابيح الإيمان بالمسيح، كما قال أوريجانوس* وإيرونيموس* وصاحب التأليف الناقص* وغيرهم. وخرجْنَ إلى لقاء الختنِ والعروس. يُراد بالختن المسيح وبالعروس كنيسته المنتصرة التي تأتي معه يوم الدين من السماء. ويشير إلى العادة القديمة بأنَّ العريس يمضي مساء إلى بيت عروسه، فيأتي بها إلى بيته أو إلى بيت آخر تكون معدَّة فيه وليمة العرس، فيصير هناك احتفال الزيجة. وكانت العادة أن يخرج لاستقبالهما صبيان وعذارى حاملين مصابيح، والعذارى يكنَّ بالغات وخمسًا غالبًا، كما شهد بلوطرخوس* وغيره. وكان اليهود يستعملون سراج الزيت عوض الشمع. والزيت في هذا المثل كناية عن الأعمال الصالحة التي من دونها لا ينير مصباح الإيمان بل يطفئ، وبها يضطرم وينير ويتلألأ كما يتَّضح من يع 2. كذا فسَّر مار أغوسطينوس* وغريغوريوس* وغيرهما من الآباء.

آ2. خمسٌ منهنَّ كنَّ حكيماتٍ وخمسٌ جاهلات. يريد بالحكيمات على الأصحّ، المؤمنين الذين استساروا بالأعمال الصالحة، وبالجاهلات المؤمنين الذين أهملوها.

آ3. فالجاهلات أخذنَ مصابيحهنَّ ولم يأخذُنَ معهنَّ زيتًا.

آ4. والحكيماتُ أخذنَ زيتًا في إناءٍ معَ مصابيحهنَّ. يراد بالإناء القلوب والضمائر.

آ5. ولمّا أبطأ الختنُ نعسَ جميعُهنَّ ورقدْنَ.

آ6. وعند انتصافِ الليلِ صارَتِ الصيحةُ: ها الختنُ آتٍ اخرُجوا إلى لقائه. يُراد بإبطاء الختن زمان التوبة، وبالنعس المرض، وبالرقاد الموت، وبانتصاف الليل، مجيء الديّان بغتة، وبالصيحة الحركة الداخلة بالإلهامات الإلهيَّة والخارجة بواسطة المنذرين بكلام الله. أو يُراد بالصيحة على الأصحّ بوق رئيس الملائكة الداعي الموتى من قبورهم إلى القيامة وملاقاة المسيح الديّان، كما فسَّر أوريجانوس* وفم الذهب* وإيرونيموس* وغيرهم.

آ7. حينئذٍ قامَتِ العذارى كلُّهنَّ وزيَّنَّ مصابيحَهنَّ. كأنَّه يقول: إنَّ جميع المؤمنين يقومون بهتاف بوق رئيس الملائكة، مفتكرين بما عملوا في هذه الحياة، ومهتمِّين بأداء الحساب لله عن أعمالهم، كما قال مار أغوسطينوس*.

آ8. فقالَتْ أولئكَ الجاهلاتُ إلى الحكيمات أعطِينَنا من زيتِكنَّ لأنَّ مصابيحَنا قد طفِئَتْ. إنَّ هذا وما يليه زخرفة للمثل، لأنَّ المرذولين لا يطلبون يوم الدين زيت الأعمال الصالحة من المختارين، إذ يعلمون أنَّه لا يمكن إعطاؤه وقتئذٍ. ولكن يشار بذلك إلى تأخُّر توبة المرذولين الذين يرون بعد الموت الشجب مفاجئًا لهم، فيندمون على إهمالهم ولاتَ حين ندامة. وقد طفئت مصابيحهم لأنَّهم ماتوا وهم في إثم مميت.

آ9. فأجابَتِ الحكيماتُ وقُلنَ: ربَّما لا يَكفينا ويَكفيكنَّ. وقرأت العربيَّة القديمة: ليس لنا ما يكفينا ويكفيكنَّ. وهذا زخرفة للمثل أيضًا، ويشار به إلى أنَّ المختارين لا يشفقون يوم الدين على المرذولين، ولا يمكنهم أن يساعدوهم بأحد الوجوه، بل يسخرون بهم بنوعٍ ما بقولهم: لكنِ اذهبْنَ إلى الباعةِ وابتَعْنَ لكُنَّ. أي كأنَّهم يقولون: لهم ما يقال بالمثل العربيّ: بالصيف ضيَّعت اللبن أي فات وقت ذلك وأنتم متقاعدون ففاتكم ما تبتغون.

آ10. ولمّا مضَينَ ليَبتعْنَ جاء الختنُ والمستعدّاتُ دخلْنَ العرسَ معه وأُغلِقَ الباب. وهذه زخرفة أخرى يُشار بها إلى أنَّ زمن عمل الخير والتوبة والاستحقاق هو في هذه الحياة. وبالموت يُغلَق الباب ويكون في يوم الدين مغلقًا.

آ11. فجاء أخيرًا أولئكَ العذارى الأخرياتُ وقُلْنَ: ربَّنا، ربَّنا، افتحْ لنا. يشير بذلك إلى أنَّ المرذولين يكونون حينئذٍ على غاية من الأسف، فيجولون إلى كلِّ ناحية قارعين باب الرحمة، مكرِّرين القول: ربَّنا، ربَّنا، نادبين شقاء سيرتهم الماضية، فلا ينالون إلاّ قطع الرجاء كما أبان بقوله:

آ12. فأجابهنَّ قائلاً: الحقَّ أقولُ لكنَّ إنّي لا أعرفُكنَّ، أي لا أعرف أنَّكم مدعوّون منّي أو لا أعرفكم أصدقاء لي ورفقاء في وليمتي. ومن لا يعرفْه الله لا يَدخلِ السماء ولا تعرفه الملائكة ولا الطوباويّون، بل يعرفه الشيطان والجحيم فيمضي إلى العذاب به.

آ13. تَيقَّظوا الآن لأنَّكم لا تَعلمون ذلك اليومَ ولا تلك الساعة. هذه خاتمة المثل، بها يوضح أنَّ مثله مقصود به تحريض جميع المؤمنين على السهر والرغبة في الأعمال الصالحة، التي بها يستعدُّون إلى يوم الموت والدينونة الذي لا مناص منه، وأمّا وقته فمجهول.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM