الاضطراب والاضطهاد.

 

الاضطراب والاضطهاد

آ3. ولمّا جلسَ يسوعُ على طورِ الزيتون جاء تلاميذُه في خلوةٍ يقولون له: قلْ لنا متى تكونُ هذه وما هي علامةُ مجيئِكَ وانتهاءِ العالم؟. وروى مر 13: 3 أنَّ الذين جاؤوا إليه أربعة بطرس ويعقوب ويوحنّا وأندراوس. وسألوه في خلوة أي سرًّا لا عن الجمع فقط، بل عن باقي الرسل أيضًا خشية من الكتبة. فسألوه بماذا يستدلُّون على مجيئه بالمجد وخراب الهيكل والمدينة ونهاية العالم، لأنَّ هؤلاء الرسل كانوا يظنُّون أنَّ هذه الأمور كلَّها تحدُث معًا عن قرب.

آ4. فأجابَهم يسوع قائلاً: تَيقَّظوا فلا يُضلَّكم أحدٌ. ولا يضلَّ قطيعُكم عنّي وعن إيماني وشريعتي. فكأنَّه يقول: أنتم تسألون بفضول عن هذه الأمور وأزمنتها، فأشاء بالأحرى أن تكونوا مهتمِّين بنفوسكم وبالقطيع المسلَّم إليكم، إذ تُحدِق بكم قبل ذلك أخطار كثيرة وثقيلة.

آ5. كثيرون يأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح. ويُضلُّون الكثيرين. منهم توداس وسيمون الساحر المذكوران في أع 5: 21 وميناندروس* وستونينوس* وبركوكب* وغيرهم، وكما كان في كلِّ عصر وسوف يكون في أيّام المسيح الدجّال.

آ6. وعتيدون أن تسمعوا بالفتنِ وأخبارِ الحروبِ، فانْظُروا لا تضطرِبوان فتحيدوا عن إيماني خوفًا من الأعداء أو يأسًا من نوال ثمرة الإيمان. فينبغي أن يكونَ هذا كلُّه، لافتراض رداءة البشر من جهة، والعناية الإلهيَّة من جهة أخرى التي تسمح بالشرور ليَصدر عنها خير أعظم، أي معاقبة الأشرار وزيادة فضل الأبرار. ولكنْ بعدُ لم يأتِ الانقضاء، أي خراب أورشليم والهيكل، وأبعد من ذلك نهاية العالم.

آ7. تقومُ أمَّةٌ على أمَّة ومملكةٌ على مملكة ويكونُ جوعٌ وطاعونٌ واضطرابٌ في أماكنَ أماكن***. ذهب لاكتنتيوس* وإيريناوس* وإيلاريوس* وغريغوريوس* أنَّ هذه العلامة وما يتبعها، ممّا يدلُّ على نهاية العالم كلِّه. وذهب فم الذهب* ومن يتبعه أنَّها ممّا يدلُّ على خراب أورشليم وحدها. وأمّا أنا فأقول مع إيرونيموس* وأغوسطينوس* وبيدا*: إنَّها ممّا يدلُّ على الأمرين كليهما، أقلَّه*** إلى آ15 الآتية. فإنَّ الرسل سألوا المسيح عن الأمرين دون تمييز، فأجابهم دون تفصيل. ومن آ15 إلى آ29 يتكلَّم في خراب المدينة خاصَّة. ومن آ29 إلى النهاية يتكلَّم في نهاية العالم. على أنَّه قد قامت أمَّة على أمَّة قبل حصار أورشليم أيضًا، كما يظهر من تواريخ يوسيفوس* الشاهد العيانيّ، الذي روى في ك2 في الحرب رأس 11 أنَّ سكّان سورية وبتولمايس وشيتوبولي وقيساريَّة وعسقلان والرومانيّين وجميع الأمم المجاورة اليهود، قاموا على اليهود. وأمّا حدوث الجوع فبيِّنٌ من أع 11: 28 ومن تاريخ يوسيفوس*. والوباء من عادته أن يتبع الحرب والجوع. وأمّا نظرًا إلى حدوث الزلازل على ما قرأت النسخة اللاتينيَّة عوضًا عمَّا قُرئ في نسختنا اضطراب، فقد شهد أوسابيوس أنَّه حدث في أيّام نيرون زلزلة خربت ثلاث مدن في آسية. وزاد لو 21: 9: ومخاوف وآيات عظام تتراءى في السماء. فهذه سوف تتقدَّم نهاية العالم كما يُبان من رؤ 8: 9. ومن المؤكَّد أنَّها تقدَّمت خراب أورشليم أيضًا، إذ ظهر في الجوّ نجمٌ ذو ذنب بصورة سيف قبل سنة من خراب أورشليم. وأشرق نورٌ عظيم في الهيكل مدَّة نصف ساعة عند الساعة التاسعة من الليل ،إذ كان الشعب مجتمعًا في الفصح. ووَلَدت بقرة معدَّة للتقدمة خروفًا. وفُتِح باب الهيكل الشرقيّ النحاسيّ الذي كان ثقيلاً حتّى بالكدّ كان يمكن عشرين رجلاً أن يُغلقوه. فهذا الباب فُتح من ذاته في الساعة السادسة من الليل. وتراءت في الجوِّ عساكر ومركبات وصفوف محاربين. وسُمع في عيد العنصرة صوت ملائكة يقولون في الهيكل فلتنتزِحْ من هنا. فهذه جميعها رواها يوسيفوس* في ك7 في الحرب رأس 12، وأوسابيوس* في ك3 من تاريخه رأس 8.

آ8. وهذه كلُّها أوَّلُ المخاض. أي إنَّ ما تقدَّم هو من أدلَّة خراب أورشليم ونهاية العالم، كما أنَّ أوجاع الحبلى من أدلَّة دنوِّ زمان ولادتها.

آ9. ويُسلِّمونَكم حينئذٍ إلى الضيقاتِ ويَقتلونَكم وتكونون مَبغوضين من جميعِ الأممِ لأجلِ اسمي. كأنَّه يقول: حينئذٍ يضايقونكم ويضطهدونكم لأنَّكم تُنذرون بالمسيح مصلوبًا. وقد تمَّ ذلك في أيّام نيرون الذي أثار أوَّل اضطهاد على النصارى، وقتل بطرس الرسول مصلوبًا منكَّسًا وبولس بقطع الرأس، وعذَّب كثيرين من المسيحيّين. ومثل هذه وأشدّ صرامة منها، يصنع الدجّال في نهاية العالم.

آ10. وحينئذٍ يشكُّ الكثيرون ويُبغضُ الواحدُ الآخرَ ويُسلِّم بعضُهم بعضًا. أي يعثر كثيرون ويَزيغون عن الإيمان من جرّاء الاضطهاد، وهؤلاء الجاحدون وغيرهم من الوثنيّين سلَّموا النصارى أصدقاءهم وأقاربهم إلى الاضطهاد، طمعًا برضى الولاة المضطهِدين عنهم.

آ11. ويقومُ كثيرٌ من الأنبياءِ الكذبَة، أي علماء كذبة ورؤساء أرطقات، كسيمون الساحر وميناندروس* ولوتاروس* وكلفينوس* ورأسهم الدجّال، ويُطغُون الكثيرين، لا بقوَّة الطاغين، بل بإهمال المُطغَين كما قال صاحب التأليف الناقص*.

آ12. ومِن جرّاءِ كثرةِ الإثم تَجُفُّ محبَّةُ الكثيرين. أي من جرّاء الكفر والأرطقات والاضطهاد والجور تضعف محبَّة الكثيرين للمسيح وأتباعه، بل يضعف إيمانهم ورجاؤهم أيضًا. وقد أنذر المخلِّص بذلك تشجيعًا وتأييدًا بمؤمنيه في هذه الشدائد، كما قال أوتيميوس*.

آ13. ومَنْ يَصبِرْ إلى المنتهى يَخلُصْ. كأنَّه يقول: إنَّ الدواء الوحيد والانتصار على هذه الضيقات كلِّها يقوم في الثبات في الإيمان والمحبَّة، فمن يصبر إلى منتهى الضيق أو منتهى الحياة فهذا يخلص.

آ14. ويُكرَزُ بهذه بشارةِ الملكوتِ في العالمِ كلِّه. أي على جميع القبائل وفي جميع الممالك والأقاليم والمدن، شهادةً لجميعِ الأمم، على انعطافي إليهم ورغبتي في خلاص جميعهم، إن قبلوا تعليمي وإلاّ فالهلاك المؤبَّد. ولذا قد نتج الآباء القدّيسون من هذه الآية وغيرها، أنَّ الإنجيل تلزم إذاعته في المسكونة كلِّها، ويلزم جميع ملوك الأرض وممالكهم إعطاء الرخصة للجميع لاتِّباعه، والإجازة للمنذرين بإذاعته ولمباشرة الأسرار وتشييد الهياكل. كما تنبَّأ على ذلك المرتِّل بقوله: ويرجع إلى الربِّ جميع أقطار الأرض (مز 21: 28)، ويسجد له جميع ملوك الأرض وتخدمه جميع الأمم (مز 71: 11). وعلى أنَّ ذلك لا يكون في وقت واحد، بل بالتتابع. وبعد إذاعة الإنجيل والإيمان به كما تقدَّم، حينئذٍ يكونُ الانقضاء، أي نهاية العالم كلِّه. هذا على الأظهر تبعًا لإيرونيموس* وبيدا* ومن وافقهم. وإن ارتأى فم الذهب* وتاوافيلكتوس* أنَّ المُراد بذلك خراب أورشليم. ومتى تكون نهاية العالم؟ فذلك محفوظ لعلم الله ولا يعرفه أحد. ولكن من حيث إنَّه لم يبقَ محلّ من المسكونة إلاّ ودخله الإيمان المسيحيّ، فنستدلُّ أنَّنا نقرب تدريجًا إلى انقضاء العالم.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM