الوصيّة العظمى.

 

الوصيّة العظمى

آ34. ولمّا بلغ الفرّيسيّين أنَّه قد أبكم الزنادقة اجتمعوا معًا، مُظِنّين بحماقة أنَّهم ينتصرون عليه بالجدال.

آ35. وسألَه واحدٌ منهم عالمٌ بالناموس مُجرِّبًا له. فهذا عرض نفسه على الفرّيسيّين الطالبين أن يصطادوا المسيح بكلمة، قائلاً إنَّ له مسألة يعسر حلُّها جدًّا، يوردها على المسيح ليعلم كم هو عالم بالناموس والأسفار المقدَّسة. على أنَّ هذا الرجل، وإن أظهر أمام الفرّيسيّين أنَّه يريد اصطياد يسوع، إلاَّ أنَّه كان يرغب في نفسه أن يسمع جواب يسوع على المسألة التي كان هو متردِّدًا فيها. ولذا إذ سمع جواب يسوع، قال له: قد صدقتَ وقلتَ الحقَّ يا معلِّم. وإذ رآه يسوع أجاب بحكمة، قال له: لستَ بعيدًا عن ملكوت الله. كما روى مر 12: 32 و34.

آ36. يا معلِّم، أيُّما وصيَّةٌ أعظمُ في الناموس. قد كانت مجادلة كبرى عند اليهود أيّام المسيح على أيَّة وصيَّة هي أعظم من باقي وصايا الناموس. وكان كثيرون يزعمون أنَّ أعظم الوصايا تقديم الذبائح والمحرقات لله. ولذا روى مرقس في المحلِّ المذكور أنَّ العالِم بالناموس قال: إنَّ هذه الوصيَّة أفضل من جميع المحرقات والذبائح.

آ27. فقال له يسوع: أن تحبَّ الربَّ إلهَكَ من كلِّ قلبِكَ ومن كلِّ نفسِكَ ومن كلِّ قوَّتِكَ ومن كلِّ ضميرِك. زعم كلفينوس* أنَّ وصيَّة الله هذه غير ممكنة الحفظ، والحال أنَّه لا يُؤمر هنا بمحبَّة الله السامية اشتدادًا وامتدادًا، بل بمحبَّته الفائقة نظرًا إلى باقي المخلوقات ونظرًا إلى الغاية والاعتبار، أي يُؤمر بأن نحبَّ الله حتّى لا نخصَّ الصنم أو أيَّ شيء مخلوق كان، بجزء من محبَّتنا وبما أنَّه غايتنا الأخيرة، وأن نعتبر الله حتّى لا نعتبر شيئًا نظيره. وزعم كلفينوس*: هذا هو ذو كفر وجهل. فالكفر لأنَّه يزعم أنَّ الله يأمر بما لا يمكن، وليس هذا فقط، بل أنَّه يعاقب المخالف عقوبات أبديَّة. والجهل لأنَّه لا يرى كيف يناقض نفسه بنفسه، إذ يقول إنَّ هذه الوصيَّة لا يمكن الناس حفظها. فليس معنى أن نحبَّ الله من كلِّ قلبنا إلاّ أن نحبَّه بكلِّ إرادتنا واستطاعتنا. وكيف يفهم كلفينوس* أنَّنا لا نقدر على ذلك؟ هل دون النعمة أو مع النعمة أيضًا؟ فإن كان دون النعمة، فلماذا يجادلنا على أمر نحن نسلِّم به ونعلِّمه؟ وإن كان مع النعمة، فهو بذلك يهين الله لا يُهيننا، إذ يضع حدًّا لنعمة الله. والرسول يقول إنَّه يقوى على كلِّ شيء بالذي يقوِّيه (فل 1: 13)، كذا قال ملدوناتوس*.

آ38. وهذه هي الوصيَّة العظمى والأولى.

آ39. والثانيةُ التي تُشبهُها أن تحبَّ قريبَك مثلَ نفسك. يعني التي تشبهها نظرًا إلى المحبَّة والاتِّساع (لأنَّها تتضمَّن جميع وصايا اللوح الثاني)، ونظرًا إلى الموضوع الصوريّ إذ نحبُّ القريب لأجل الله. ويُراد بالقريب كلُّ إنسان. وقال "مثل نفسك" لا بالمساواة مع نفسك أو بمقدار حبِّك نفسَك، إذ المُراد أن نحبَّ القريب حبًّا حقيقيًّا ومخلصًا مشبَّهًا لحبِّ الإنسان نفسه، وأن نرغب له في الخير ولا نريد له الشرَّ، بل ندفعه عنه بحسب استطاعتنا. وأهمل المسيح ذكر محبَّة الذات لأنَّها طبيعيَّة ومنغرسة في نفس كلِّ إنسان، وأشار إليها بقوله أن تحبَّ قريبك مثل نفسك، كما قال مار أغوسطينوس* في ك1 في التعليم المسيحيّ رأس 27.

آ40. فبهاتين الوصيّتين يتعلَّقُ الناموسُ والأنبياء. أي إنَّ هاتين الوصيّتين بمنزلة مبدأ تُردّ إليه جميع الوصايا الإلهيَّة الطبيعيَّة. فإنَّ وصايا الإيمان والرجاء والمحبَّة والديانة تتضمَّن بوصيَّة محبَّة الله. ووصايا العدل والحقِّ والأمانة والرحمة ومعرفة الإحسان وما أشبه تتضمَّن بوصيَّة محبَّة القريب.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM