دفع الجزية لقيصر.

 

دفع الجزية لقيصر

آ15. حينئذٍ اندفعَ الفرّيسيّون يتشاورون في أنْ كيفَ يَصطادونَه بكلمة. يعني أن يوردوا عليه مسائل مربكة، كيفما أجاب عليها، يمكن مسك جواب وتأنيبه ومعاقبته عليه.

آ16. فأرسلوا إليه تلاميذَهم مع آل هيرودس. وقرأت اللاتينيَّة الدراجة: وأرسلوا إليه مع تلاميذهم الهيرودسيّين، أي أتباع هيرودس. وهيرودس هذا هو أنتيباس رئيس الربع في الجليل الذي كان حينئذٍ في أورشليم ليعيِّد الفصح كما روى لو 23: 7. وكان هذا يحامي قيصر وأداء الجزية له جهده***. هذا على رأي تاوافيلكتوس* وأوتيميوس* وغيرهما. ولكن ارتأى مار إيرونيموس* وأوريجانوس* وغيرهما أنَّ بدعة الهيرودسيّين كانت منسوبة إلى هيرودس الأوَّل العسقلانيّ قاتل الأطفال، وكان هو وأتباعه يحامون أداء الجزية لقيصر الرومانيّ، لأنَّ أغوسطوس قيصر والديوان الرومانيّ كانا أقاماه ملكًا على اليهوديَّة. وكان مأمورًا بإجباء الجزية لقيصر من اليهوديَّة. وزاد القدّيس إبيفانيوس* في ك1 في البدع رأس 20، وترتوليانوس* في كتاب الاستحلالات، وإيرونيموس في كتابه ضدَّ تبّاع لوشيفوروس، أنَّ الهيرودسيّين كانوا بدعة من اليهود يعتبرون أنَّ هيرودس العسقلانيّ هو الماسيّا، فمال هيرودس إلى هؤلاء الملاّقين، ولذا قَتل أطفال بيت لحم لئلاّ يَعتبَر غيرُه الماس،يّا وشيَّد هيكلاً يباري هيكل سليمان، كما روى يوسيفوس* في ك15 في القدميّات رأس 14. فالفرّيسيّون الذين كانوا يقاومون هذه البدعة وأداء الجزية لقيصر، أرسلوا تلاميذهم مع الهيرودسيّين بحجَّة إقامة يسوع محكمًا بمسألة أداء الجزية لقيصر، فتقدَّموا إليه موردين مقدِّمة مملوءة من التمليق، يقولون له بها: يا معلِّم إنَّنا نعلمُ أنَّك محقٌّ وتعلِّمُ طريقَ الله بالحقِّ ولا تراعي أحدًا ولا تُرائي. كأنَّهم يقولون، صار واضحًا أنَّك تعلِّم علانية الطريق المُبلغ إلى الخلاص الأبديّ بالحقِّ والصدق، دون افتخار أو أخذ بالوجوه.

آ18. فقُلْ لنا ماذا ترى: هل يجوزُ أداءُ جزيةِ الرأسِ لقيصر أو لا. في اللاتينيَّة: الجزية، فقط. ومن المعلوم أنَّ هذه الجزية كانت تؤخذ على الرؤوس. والمعنى: هل تأذن لنا الديانة أن نفي الجزية السنويَّة لقيصر؟ وكانت هذه مباحثة شهيرة وقتئذٍ جدًّا، وأضمروا أنَّ المخلِّص إذا أوجبها يقع في حسد اليهود وبغضتهم له، وإن أنكرها فيقع في غضب قيصر وهيرودس. لأنَّه كان وُجد رجل اسمه يهوذا الجليليّ، وشرع يهيِّج الشعب إلى الثورة والعصاوة بسبب خضوع اليهود للرومانيّين، وأداء الجزية العامَّة (التي كانت تُطلب من اليهود وباقي سكّان الولاية بأمر بومبايوس قيصر أوَّلاً بتواتر، ثمَّ درج إجبارها كلَّ سنة بأمر أغوسطوس قيصر)، هاتفًا أنَّه لا يليق بشعب الله أن يعبد الأمم الوثنيّين، فقتله الرومانيّون ولبثت مبادئه راسخة في نفوس الكثيرين. بل شهد يوسيفوس أنَّ كثيرًا من الفرّيسيّين كان يشقُّ عليهم أداء الجزية جدًّا. وكان بيلاطوس قتل بعضًا من هؤلاء الجليليّين (الذين تسمَّوا كذلك نسبة إلى يهوذا الجليليّ واضع هذه البدعة)، مازجًا دماءهم بذبائحهم كما جاء في لو 12: 1. والمخلِّص تربّى في الجليل مع تلاميذه، ولذا كان سهلاً إقناع بيلاطوس بأنَّ المسيح يحامي هذه البدعة، لو خالف الرأي الموجب أداء الجزية قولاً أو فعلاً، وقد علَّم صريحًا بأداء الجزية لقيصر، ولم يخجلوا من أن يثلبوه بعد ثلاثة أو أربعة أيّام، بأنَّه يمنع من أداء الجزية لقيصر كما روى لو 23: 2.

آ18. فعرفَ يسوعُ أفكارَهم، وفي اليونانيَّة: خبثهم، فقال: لماذا تجرِّبوني يا مراؤون، إذ تُظهرون أنَّكم تحبّون الله والدين، وأنتم أعداء لي ولله وتريدون قتلي.

آ19. أرُوني دينارَ جِزْيةِ الرأس، أي الدينار المعتاد طلبه وأداؤه جزية سنويَّة. فأتَوه بالدينار. وكان هذا الدينار نوعين: أحدهما دارج ويسمّى الدينار الصغير ويساوي درهمًا أي ريالاً فضِّيًّا، والآخر عبرانيّ ويسمّى الدينار الكبير وكان ضعف الأوَّل وزنًا وقيمة. وأيَّهما*** طلب جزية كان قيمة معتدلة وخفيفة. وكانت عادة الرومانيّين أن يطلبوا الجزية من القبائل الخاضعة لهم فضَّة لا ذهبًا، كما شهد بلينيوس*.

آ20. فقالَ لهم يسوع: لِمَن هذه الصورة والكتابة؟ إذ من العادة أن يُنقش على المعاملة اسم الملك وصورته. فأجابوه: لقيصر، أي لطيباريوس قيصر الملك وقتئذٍ. وكان المسيح يعرف ذلك، ولكن سألهم ليُصدر من فيهم جوابًا يعكس عليهم ويفحمهم به، كما سيجيء. وأوَّل من لقِّب بقيصر يوليوس قيصر. وأصل ذلك أنَّ يوليوس ماتت أمُّه عند طلقها به، فشُقَّ حشاؤها واستُلَّ منها. فلفظة "قيصر" في اللاتينيَّة تشير إلى هذا المعنى. وقال غيرهم إنَّه "دعي" قيصر" لذبحه فيلاً، لأنَّ قيصر في لغة قرطاجنَّة معناه الفيل. وقال بعض هؤلاء إنَّه رأى معاملة منقوشًا عليها في وجه، فيل واسم قيصر، وفي الوجه الآخر الآلات التي كان الرومانيّون يقنِّصون الأفيال بها.

آ21. فقالَ لهم: أَعطُوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله. يعني أعطُوه الجزية التي يطلبها لكونكم خاضعين له، وتقرُّون بهذا الخضوع طوعًا باستعمالكم معاملته، التي كُتب عليها أنَّه والي آسية وسورية واليهوديَّة، ومن الإنصاف أن تقدِّموا له ما يقدِّمه المسُودُون لساداتهم. ولا تحتجُّوا بأنَّ الديانة تمنع من ذلك، فقيصر يطلب ما هو زمنيّ ومختوم بصورته واسمه، وما يطلبه لازم لخير العموم. وأمّا ما يجب لله كالنفس الموسومة بصورة الله والعبادة والخضوع الدينيّ، فهذا لا يطلبه قيصر بل الله، فأعطوا كلاًّ ما يُطلب له فتُرضُون كليهما. إنَّ المسيح عدل عن الجدال: هل إخضاع الرومانيّين لليهود وفرض الجزية عليهم هو عادل أو ظالم. وهذا البحث فيه إشكال. فمن جهة يُبان أنَّ ذلك كان غير عادل، لأنَّ بومبايوس الذي هو أوَّل من أخضع اليهوديَّة للرومانيّين وطلب الجزية، قد استدعاه هيركانوس وأريستوبولوس إذ تنازعا الولاية الحبريَّة وحكماه بفصل النزاع. فأيُّ حقٍّ لبومبايوس على نقل ولاية اليهوديَّة إلى الرومانيّين؟ ومن جهة أخرى، يُبان أنَّ ذلك عادل. فإنَّ بومبايوس والرومانيّين تولُّوا اليهوديَّة بحقِّ الحرب، لأنَّ بومبايوس حكم لهيركانوس بتسلُّمه ولاية اليهوديَّة والحبريَّة، وذلك عادل لأنَّه كان الأكبر. وأمّا أريستوبولس أخوه الأصغر فأبى الرضوخ، ورغبةً في أن ينال الولاية والحبريَّة بالمكر والقوَّة، أقام الحصار على أورشليم وملأها بأتباعه وجنوده. ولذا استفتح بومبايوس المدينة وأخضعها لهيركانوس، فلم يتمكَّن من محافظتها وسياستها. فسلَّمها إلى بومبايوس برضى شيوخ اليهود ومعتبريهم، إذ رأَوا ولايتهم ناهزت الدمار لنزاع أهلها. كما روى يوسيفوس في ك 24 في القدميّات رأس 5. ويؤيِّد حقّ الرومانيّين الاستحلال أيضًا، إذ كانت مضت نحو مئة سنة وهم متولَّون اليهوديَّة دون منازع.

آ22. فلمّا سمعوا تعجَّبوا من حكمته وحذاقته بالتخلُّص من شرك كذا. وتركوه ومضَوا.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM