الفصل الثاني والعشرون: مثل وليمة الملك.

 

الفصل الثاني والعشرون

فحواه مثل المدعوّين إلى العرس ومن ليس عليه ثياب العرس. وسؤال الفرّيسيّين هل يجوز أداء الجزية لقيصر. وإثباته القيامة ضدَّ الزنادقة ناكريها. وتعليمه معلِّم السنَّة أيَّة وصيَّة هي العظمى في الناموس. وقوله للفرّيسيّين كيف يدعو داود المسيح ربَّه وهو ابنه.

مثل وليمة الملك

آ1. فأجابَ يسوعُ أيضًا بالأمثالِ يقول:

آ2. يُشبهُ ملكوتُ السماء رجلاً ملكًا صنعَ دعوةَ عرسٍ لابنِه.

آ3. فأرسلَ عبيدَه يستدعون المضافين إلى العرسِ فلم يُريدوا أن يأتوا.

آ4. فأرسلَ أيضًا عبيدًا آخرين وقال قولاً للمضافين: إنَّ ضيافتي مُعدَّة وثيراني ومسمَّناتي، وفي العربيَّة القديمة: وعجولي المسمَّنة، قد ذُبحتْ وكلّ شيء مهيّأ هلمَّ إلى الوليمة.

آ5. فتهاونوا وانطلقَ البعضُ إلى حقلِه والبعضُ إلى تجارتِه.

آ6. والبقيَّةُ قبضوا على عبيدِه فشتموهم وقتلوهم. إنَّ هذا المثل أشبه بالذي رواه لو 14: 16. ولذا ارتأى ملدوناتوس* أنَّهما مثل واحد، وأنَّ متّى لم يحفظ نظام التاريخ في ذكره. والأحقّ ما ارتآه مار أغوسطينوس* في ك2 في توفيق الأناجيل رأس 7، والقدّيس غريغوريوس* ومار توما* وغيرهم، أنَّ هذا المثل غير الذي ذكره لوقا. أو أنَّهما مثل واحد، ولكن ذكره المسيح مرَّتين باختلاف، إذ يظهر لمن يتبصَّر بهما أنَّ فيهما أمورًا عديدة تخالف بعضها. ثمَّ إنَّ قول المخلِّص هنا "يشبه ملكوت السماء" معناه: يحدُثُ في بناء كنيسة الله بجمع أبنائها، شبه ما يحدُث إذا دعا أحد الملوك أقاربه إلى عرس ابنه فأبوا، فدعا وقَبِل مدعوِّين من كلِّ محلٍّ من دون تمييز. فيُراد بالمَلك الله، وبضيافة العرس ضيافة التعليم الإنجيليّ والأسرار والإفخارستيّا خاصَّة وكلّ نوع من النعم، كما قال أوريجانوس* ومؤلِّف التأليف الناقص* وأوتيميوس*، وبالعريس المسيح، وبالعروس الكنيسة، وبالتالي نفس كلٍّ من المدعوّين إن أراد تلبية دعوته، فتكون الخطبة في الأرض، وتعانق النفس المسيح بقبلة الإيمان والرجاء والمحبَّة، ويتمُّ الزواج الروحيّ في السماء بواسطة التنعُّم الطوباويّ المؤبَّد من الختن. ويُراد بالمدعوّين الأوَّلين اليهود، ودعْوتُهم كانت بواسطة موسى والأنبياء، ثمَّ يوحنّا المعمدان والرسل، حتّى بواسطة العريس نفسه الذي هو المسيح. والثيران والمسمَّنات كناية عن آباء العهد القديم أو الأنبياء أو الشهداء. والحقل والتجارة يُراد بهما الرغبة في اللذات والمقتنى والشرف، التي أبعدت اليهود عن المسيح. وهذا قليل بالنظر إلى ما فعله البقيَّة من القبض على عبيد الملك الذين يراد بهم الأنبياء والرسل، وشتمهم وقتلهم.

آ7. فلمّا بلغَ الملكُ ذلك غضِبَ وأرسلَ أعوانَه. يراد بها الوباء والغلاء والسيف. وأهلكَ القاتلين، أي اليهود، وأحرقَ مدينتَهم. قال يوسيفوس* مات من اليهود في حصار طيطوس إحدى عشرة كرة*** وأُسِر سبعة وتسعون ألفًا.

آ8. وقال حينئذٍ لعبيدِه: إنَّ العرسَ مُعَدٌّ والمدعوِّين غيرُ مُستحقّين.

آ9. فانطلقوا الآن إلى مفارقِ الطرقات وكلُّ مَنْ تجدوه فادعوه إلى العرس، أي إلى وليمة العرس. فخرجَتِ العبيدُ إلى السكك واحتشَدوا كلُّ مَنْ وَجدوا من أشرار وأخيار حتّى امتلأ العرس من المتَّكئين. يُشار بذلك إلى دعوة الأمم من كلِّ قبيلة وبلاد بواسطة الرسل إلى المسيح والكنيسة، حتّى امتلأت الكنيسة من المؤمنين، وإن كان بعضهم أخيارًا وبعضهم أشرارًا.

آ11. فدخلَ الملكُ ليُشاهدَ المتَّكئين فأبصرَ هناك، بين المؤمنين، رجلاً. يريد بالرجل الواحد باقي من يشبهه أيضًا ويشير إلى أنَّه لا يختفي أحد عن عينَي الله. ليس عليه ثيابُ العرس. أي ليس عليه أثواب ثمينة ونظيفة تليق بمحفل العرس. زعم مالنطون* وغيره من الأراطقة، أنَّ المُراد بأثواب العرس الإيمان، والحال أنَّ من يدخل الكنيسة المعبَّر عنها بوليمة العرس ينبغي أن يكون متَّصفًا قبلاً بالإيمان، وإلاّ فلا يدخل الكنيسة. فالصحيح إذًا تبعًا لترتوليانوس* وأوريجانوس* وإيرونيموس* وغيرهم، أنَّ المُراد بثياب العرس الضمير النظيف من الخطايا والمزدان بالأعمال الصالحة والفضائل، لاسيَّما المحبَّة كما قال الرسول في كو 3: 12.

آ12. فقال له: يا صاح، أي يا صاحب، لماذا دخلت هنا وليس عليك أثواب العرس؟ فصمت، إذ ليس في الدين للإنكار من محلّ، كما قال مار إيرونيموس*، وليس للأثيم ما يمكن أن يعتذر به إثمه، فلا يصلح عند الله اعتذار ولو مهما كان مصنعًا ودقيقًا.

آ13. حينئذٍ قالَ الملكُ للخدّام شُدُّوا يدَيه ورجلَيه. في ذلك إشارة إلى عدم المكنة من المقاومة لإرادة الله. وإلى عدم إمكان إصلاح الإثم الماضي حينئذٍ بعمل آخر صالح. وأخرجوه إلى الظلمةِ البرّانيَّة حيث يكونُ البكاءُ وصريفُ الأسنان. قد مرَّ تفسير ذلك في 8: 12.

آ14. لأنَّ المدعوِّين كثيرون والمنتخَبون قليلون. إذ طرد من الوليمة جميع من دُعوا أوَّلاً، أي اليهود الذين لم يؤمنوا الموجَّه المثل إليهم خاصَّة. وطرد واحدًا من المدعوّين الآخرين، إذ لم يكن عليه ثياب العرس. ويعبَّر به عن جميع المؤمنين الأثمة الذين تكلَّم المخلِّص هنا عنهم استطرادًا، فاكتفى بأن يشير إليهم بواحد فقط. كذا فسَّر كتاب الشروح* وملدوناتوس* وغيرهما. وقرأت العربيَّة القديمة: ما أكثر المدعوّين وأقلَّ المنتخَبين.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM